![]() |
رواية انتقام الوريثة الفصل الرابع عشر بقلم اسماء حميدة
قاد جاستن روزاليند إلى مكتبه تحت عيون تلتهم المشهد بنهم تترصد شرارة الفضيحة في الهواء.
وحين أغلق الباب انهارت روزاليند تقول بصوت متهدج
جاستن أشعر أنني ولدت من جديد حين رأيتك لقد كنت خائفة حتى كدت أفقد أنفاسي
لكن عيني جاستن أظلمتا وصارت نظراته كالليل القاسي ومن ثم رفع يديه ووضعهما على كتفيها ودفعها ببطء كمن يبعد وردة فاسدة عن مزهريته.
همست هي بعينين تتلمسان المعنى في ظلال وجهه
جاستن
جاء صوته باردا مشوبا بنصل الاستياء
لماذا فعلت هذا
تراجعت خطوة وارتعشت شفتاها
فعلت ماذا
زفر بغضب مكبوت
لماذا ذهبت إلى صحيفة سافرو ديلي وأعلنت عن زواجنا
ارتخت ملامحها للحظة وكأنها التقطت نفسا بعد غرق قبل أذنه
لأنني أشتاق لأن أكون زوجتك أمام الدنيا كلها ألا تريد الزواج بي
أجاب بوجه صارم بلا أثر للحنان الذي كان يحمله لها
أريده لكن بهذه الطريقة أنت تشعلين النار في بيت لا يزال قائما على أعمدة هشة.
هزت كتفيها بلامبالاة مقصودة وفي صوتها نبرة تحد
وما المشكلة أنت وآنا انتهى الأمر بينكما!
تحاشى نظراتها كأنها سكين الحقيقة وقال
لم ينته. أوراق الطلاق لم توقع بعد ووعدنا جدي ألا ننهي هذا قبل أن يبلغ الثمانين
تراجع خطوة أخرى عنها كمن يخلق بينهما بحرا يصعب عبوره
حتى ذلك اليوم ستظل هي زوجتي في نظر الجميع. وبإعلانك هذا جعلت الأمر معركة
ثلاثية والنتيجة جدي سيقف ضدك أكثر من ذي قبل.
كان جاستن معروفا بدقته وحساباته يضع الأمور على ميزان من حديد لكن مع روزاليند فقط كان يخفض كفة القسوة أما الآن كلماته جاءت صلبة جارحة وكأنها خرجت من فمه دون أن تمر على قلبه.
لم تفهم روزاليند ما وراء منطقه واحمرت عيناها بغضب ممزوج بالجشع
ثلاثة أطراف ستتأثر جاستن هل يوجعك أن ترى الناس يهاجمون آنا هل تحزن عليها!
قال جاستن بصرامة
لا لكن آنا ليست الطرف الثالث. لم يكن ينبغي أن ينتهي بنا الحال إلى هذا.
رفع جاستن يمينه يمسد ما بين حاجبيه بنزق.
صرخت روزاليند بصوت يقطر اتهاما
ماذا تقصد! وكيف ليست هي الطرف الثالث! هي التي اقتحمت حياتنا وسرقتك من بين يدي! أتعني أنني أنا الدخيلة هنا
كانت روزاليند تثور كأمواج البحر حين تصطدم بالصخور تدوس الأرض بكعبيها في انفعال طفولي وصوتها ينفجر في الهواء كصفارة إنذار تمزق طبلة أذن جاستن وتضاعف صداعه.
صرخت وهي تكاد تلتهم المسافة بينهما
لولاها لكنت معك! كل هذا بسببها! لقد سرقت موقعي ثلاث سنوات كاملة وأنا في الظل!
أجابها بصوت حاد كسيف يقطع الصمت
كانت آنا زوجتي بالاسم فقط تلك السنوات كانت مسرحية لإرضاء جدي لولا وجودها ما كنا لنلتقي أبدا تحت سقف واحد.
لكن كلماته حين خرجت انغرست في قلبه كإبرة من حديد صدئ.
نعم لولا أن آنا تركته في نهاية عقد زواج بارد استمر
ثلاث سنوات لما أرخى الجد قبضته ولما أفسح الطريق أمام روزاليند لتدخل حياة جاستن من جديد.
آنا تلك المرأة التي كانت دائما أول من يستقبله بابتسامة هادئة حين يعود منهكا تغير له ملابسه بيدين دافئتين تسخن ماء الاستحمام وكأنها تحضر شرابا شافيا وترتب كل شيء بصمت يليق بعازف بيانو في منتصف الليل لا شجار لا دموع لا ضجيج حتى حين وقعت أوراق الطلاق وغادرت القصر فعلت ذلك دون كلمة لوم في أعماقه كان يعرف أنها أدت دور الزوجة بإخلاص في تلك السنوات بينما هو لم ير فيها سوى جسر يعبر به نحو أخرى ينتظر اليوم الذي ينتهي فيه العقد أن الدين الذي يحمله لآنا أثقل من أن يسدد.
جاستن جاء صوت روزاليند هذه المرة متصدعا بالخوف هل تدافع عن تلك المرأة الآن
نظر إليها جاستن بعينين ساكنتين وقال
لا أنا فقط أذكر الحقائق.
جرس الهاتف قطع ما تبقى من الهواء بينهما فرأى اسم جده يشتعل على الشاشة تجهم وجهه وكأن الظل ازداد كثافة في الغرفة.
فتح جاستن الباب فوجد إيان بانتظار أوامره.
إيان أرسل مزيدا من الحراس لمرافقة السيدة روزاليند إلى منزلها.
حاضر سيد سلفادور. ثم أومأ إيان نحوها لينطلقا.
لكنها تشبثت بيد جاستن فجأة ودموع الزيف تلمع في عينيها
جاستن! لا أريد العودة أنا خائفة!
قال جاستن بصوت بارد كالنصل
لا تخافي. فقط التزمي الصمت أمام الصحفيين أما الباقي فسأتكفل به.
سحب يده ببطء ومنحها نظرة حادة كختم النهاية ثم أغلق الباب ورفع الهاتف ليجيب على مكالمة الجد بينما الصداع يضغط رأسه وكأن هناك آلة حديدية تعصر أفكاره ومن ثم جاء صوته محمل بثقل اليوم
مرحبا يا جدي.
انفجر صوت نايجل من الطرف الآخر كالرعد الذي يشق السماء في ليلة صيف خانقة
جاستن! كيف تجرؤ على خيانة وعدك لي! أحقا تلهث وراء الزواج من تلك المرأة!
كانت كلماته تحمل حدة تكفي لإشعال هواء الغرفة وتكسر ما تبقى من هدوء في قلب جاستن.
تابع الجد وصوته يزداد احتداما حتى صار أقرب إلى صرخة
إن تزوجت روزاليند فلن أعدك حفيدي بعد اليوم!
ضغط جاستن على الكلمات محاولا أن يخفف من النيران التي اشتعلت
جدي ما نشر اليوم لا صلة لي به.
ضحك نايجل بسخرية جافة كصفعة بيد باردة
أكاد أن أشم رائحة الفعل على يدي روزاليند! لم تحتمل أن تتأخر خطبتها فأطلقت الخبر بنفسها لتدفعك نحو الزواج منها!
ارتجف صوت جاستن بنفي واهن
روز لم تفعل هذا. أرجوك لا تتهمها.
لكن الصداع بدأ يتسلل خلف عيني جاستن مثل أفعى تلتف حول دماغه فأمسك بربطة عنقه وشدها في محاولة للتنفس وهو يتحرك بخطوات مثقلة إلى الأريكة مسندا ظهره إلى الحائط كمن يهرب من دوار لا ينتهي.
كان يعلم أنه يكذب على الرجل الذي غرس حبه في قلبه منذ الصغر وظل الإثم يضغط على حلقه كيد خفية لكن لم يكن أمامه خيار سوى ذلك.
جاء صوت
الجد هذه المرة كالسوط
لن أسمح لك بالزواج من روزاليند! أريدك أن
تعود إلى آنا! لا أريد سماع أي مبرر هي الوحيدة التي أريدها لك.
ارتبك جاستن تتلاطم داخله أمواج من الاستنكار والعجز
جدي لقد وعدتني منذ ثلاث سنوات أن أختار بنفسي.
انحدرت قطرات العرق البارد على جبين جوستن وارتفع صدره مع كل نفس ثقيل يضيف
لا أمل بيني وبين آنا روز هي الوحيدة المناسبة لي.
جاء رد الجد كسكين يغرس دون رحمة
إذا اسمعني جيدا أيها الأعمى سأعيش لأرى اليوم الذي ستلعن فيه قرارك هذا يوم تفقد فيه آنا وتدرك متأخرا ماذا أضعت.
ثم انقطع الخط فجأة تاركا الصمت يتساقط على أذني جاستن مثل ثلج أسود.
أسند جاستن رأسه بين كفيه وزفر ببطء كمن يفرغ صدره من رماد ثقيل ثم توجه إلى المكتب يفتح أحد أدراجه وأخرج قرصا مسكنا فهو بحاجة إلى ما يوقف هذا الألم الذي لم يعد يفرق بين رأسه وقلبه.
عاد إيان وقد فرغ لتوه من مرافقة روزاليند إلى الردهة فإذا به يلمح جاستن جالسا ملامحه متيبسة كحجر يتآكله الصداع من الداخل فهرع نحوه والقلق يطل من عينيه
سيد سلفادور ما بك هل عاد الصداع ليطرق رأسك من جديد
أجاب جاستن بصوت خافت يطرد الألم بإنكار واه
أنا بخير
جلس جاستن ببطء يغمض عينيه كمن يحاول إغلاق أبواب جسده أمام الألم وأخذ يفرك صدغيه حيث يتجمع النبض في تورم حارق.
اقترب إيان وصوته يقطر رجاء
لا يجب
أن تستمر في التعلق بالمسكنات ألا تتذكر كانت السيدة الشابة على مدار ثلاث سنوات كاملة تدلك رأسك وتخفف آلامك بالوخز بالإبر حتى كان الصداع يخجل من العودة.
تنهد إيان بخيبة
لو أنها كانت هنا الآن كنت ستغفو بسلام بعد دقائق كما كنت دائما.
تصلبت ملامح جاستن وجاء صوته أمرا
لا تذكر اسمها.
أخذ جاستن نفسا عميقا لكن الهواء الذي ملأ رئتيه كان أثقل من أن يخفف انقباضه.
قطع إيان الصمت بنبرة مترددة
على فكرة لقد أرسلت من يتحقق من الأمر الذي طلبته.
ارتفع حاجبا جاستن قليلا وصوته صار أكثر تيقظا
أكمل.
قال إيان وعيناه تومضان بالجدية
الشخص الذي يقف وراء الحسابين اللذين كشفا أسرار السيدة الشابة هي السيدة جولد.
رفع جاستن رأسه فجأة كأنما صفعه اسمها على وجهه وشعر بانقباض في صدره
هل أنت متأكد هذا غير معقول!
أومأ إيان بثبات
تحققت ثلاث مرات وإلا فكيف تفسر أن إعلان خبر زواجكما تبعه مباشرة فضح أمر زواجك السابق من السيدة الشابة وذكرتها الأخبار بأبشع الصفات كونها الدخيلة في قصة حبك أنت والسيدة روزاليندا الأمر مدبر بدقة ليس صدفة.
ظل جاستن صامتا لبرهة ثم انهار على مقعده كأن ثقله تجاوز قدرة جسده على الحمل يتمتم بصوت أشبه بالهمس الجارح
روز لماذا
كان يعرف أن روزاليند تحبه يعرف أنها تضعه في قلبها
لكنه كان يعرف أيضا أن قلبها يضيق باسم آنا لكن ما كان يجب أن تتحول الغيرة إلى خنجر مسموم كهذا.
رفع جاستن نظره نحو إيان وفي صوته حزم يقطع ما تبقى من تردد
عالج الأمر مهما كلفك لا أريد أن أرى أي خبر سلبي قبل غروب الشمس.
حين وطأت روزاليند عتبة المنزل كان في استقبالها دفء الانتصار المختلط بفرحة من ينتظر خلاصا من الغرق إذ هرع والدها وشقيقها زيك نحوها وملامحهما تتلألأ كمن عثر على كنز مدفون في قلب الصحراء.
قال زيك وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة تكشف عن أسنان متعطشة للمكاسب
يا روز حيلتك كانت سهما أصاب قلب الهدف! بمجرد أن أعلنت زواجك من السيد سلفادور تبددت الغيوم التي خيمت على شركتنا الفنادق وبيوت الضيافة تتسابق الآن لطرق أبوابنا. أترين نحن على أعتاب الثراء الفاحش.
أومأ الأب برأسه وصوته مشوب بارتعاشة الفخر
لقد أنقذت إرث العائلة أنت فخر آل جولد ودرعهم.
لكن ذاك الفخر لم يأت من فراغ فالخسائر التي لحقت بشركتهم كانت كجرح مفتوح ينزف ببطء في الحين الذي أعادت فيه فنادق مجموعة KS كل منتجات عليا للأثاث قد أغلقت أبواب التعاقد وتركت السمعة في مهب الريح وسرعان ما انسحبت باقي الفنادق وكأن الطاعون قد حل باسم آل جولد فانكمش رأس المال وتكسرت آمال الأب والابن عندها خططت روزاليند
للعب ورقتها الأخيرة بأن تعلن ارتباطها باسم يزلزل السوق جاستن سلفادور فكان الإعلان كالتعويذة التي كسرت اللعنة وأعاد الدفء إلى خزائن الشركة لكن قلب روزاليند كان كحجر بارد وسط كل هذا الاحتفاءفقالت بصوت يقطر قلقا على غنيمتها الأكبر
هل تدركون كم كلفني هذا جاستن تشاجر معي اليوم وذلك الرجل العجوز سيحقد علي أكثر من ذي قبل.
ضحك زيك ضحكة قصيرة مشوبة بالازدراء
وما شأنك به كم سنة تبقى في عمر هذا المحتضر قريبا سيلتحق بالتراب وحينها
اقترب أكثر وصوته ينساب كسم في أذنها
ستسيطر العمة شانون على غريغوري سلفادور وأنت ستسيطرين على جاستن نفسه عندها ستكون شركة سلفادور كلها في كفك مثل طائر صغير لا يجرؤ على الطيران.
أومأت روزاليند وعيناها تومضان ببريق لا تخطئه عين الطامعين
هذا صحيح.
اقتربت والدتها بخفة تتسلل أصابعها إلى شعر ابنتها في عينيها لمعان الجشع وفي صوتها دفء مصطنع
ما دام جاستن أسير قلبك فلن يجرؤ جده على منع زواجكما ألم ترين كيف فعلت عمتك شانون الشيء ذاته
ابتسمت روزاليند كأن كلمات أمها كانت البوابة التي فتحت أمامها درب النصر فانتصبت ثقتها كالرايات على أسوار مدينة تفتح عنوة.
تقسم هذه المرة بألا يفلت جاستن من قبضتها وستتربع على عرش قلبه وستجلس في مقعد زوجة الرئيس التنفيذي
تلك التي تحسد من الحاضرين على كل التفاتة.