رواية انتقام الوريثة الفصل الخامس عشر 15 بقلم اسماء حميدة



 رواية انتقام الوريثة الفصل الخامس عشر  بقلم اسماء حميدة


كانت الشمس تسدل ستائرها على الأفق فتغمس السماء في حوض من الذهب السائل يختلط فيه بريق النهار بدمعة الغروب حينها جلس جاستن في المقعد الخلفي للرولز رويس جسده مثقل كأن الأرض شدت أوتاده إلى أعماقها وعيناه تراقبان المشهد المتراجع خلف الزجاج الداكن.

قال إيان بصوت مضطرب وهو يحاول إخفاء توتره

سيد سلفادور لقد تعاملت مع أولئك الذين تجرؤوا على تشويه سمعة السيدة الشابة. نشرت رواياتهم ثم حظرت ورفعنا دعوى قضائية بحقهم. لكن خبر زواجك الذي اجتاح الصحف لم نتمكن من إسقاطه.

لم يلتفت جاستن بل اكتفى بمتابعة الشوارع التي تبتعد وكأنها تفر منه بينما انعكست على وجهه ظلال ثقيلة فيما كان عقله يغلي بأفكار مبعثرة.

في طريق العودة إلى القصر شعر جاستن إحساس ينهش داخله رغبة في أن يمد يده إلى هاتفه ويتصل بآنا لكن صدى آخر حديث بينهما بطعمه المر كان حاضرا كخنجر صدئ وشعور بالحرج قيد أنامله وكذلك ذكرى آشر كحارس يقف على بوابة صوتها منعت خطوته.

حتى لو ردت ماذا سيقول

هل يبدأ بالاعتذار عما جرى اليوم

لكن كلمة آسف بدت له ثقيلة عصية على لسانه ومع ذلك كان الذنب يتكاثر في صدره كدخان لا يجد منفذا للخروج.

وحين لاحت أسوار القصر تكسرت أفكاره فجأة وعبس قائلا بنبرة قاطعة

توقف هنا.

ضغط السائق على المكابح فاستسلمت السيارة لصوت


احتكاك الإطارات بالأرض وقبل أن يسأل إيان عن السبب كان جاستن قد دفع الباب وانسحب إلى الخارج وكأنه يهرب من نفسه أو ربما إليها.

عبر جاستن الشارع بخطوات راكضة كأن كل خطوة تحفزها ذاكرة حتى توقف أمام متجر خياطة صغير بواجهة تحمل عبق العقود الماضية.

في النافذة الزجاجية انتصبت البدلات على أجساد بلاستيكية كجنود أنيقة في عرض صامت تصافح أعين المارة بفخامة مدروسة

وفوقها تراقصت حروف لافتة خشبية قديمة ويستيريا.

ارتج داخله عند رؤية الاسم

هو نفسه الذي رآه على صندوق الهدايا الذي تركته آنا الصندوق الذي احتضن البدلة التي حيكت بأناملها.

دفع الباب فانطلقت رنة ناعمة من أجراس الرياح معلنة دخوله ومن خلف ستارة قماشية باهتة خرج خياط مسن عيناه تحملان خبرة أربعين عاما وابتسامة من زمن آخر يقول ببشاشة

سيدي أترغب في شراء بدلة جاهزة أم صنع واحدة خصيصا لك

ظل جاستن صامتا لثانية فالسؤال أيقظ ارتباكا عالقا بين ضلوعه ثم تمتم بصوت خافت

هل جاءت إلى هنا قبل شهر تقريبا شابة في العشرينيات تطلب قماش بدلة رجالية

أضاء وجه الخياط فجأة وابتسم ابتسامة دافئة قبل أن يجيب

نعم نعم! أتذكرها جيدا كانت تأتي كل يوم وما زلت أذكر مهارتها فتاة بيدين تعرفان لغة القماش والخيط صدقني بعد أربعة عقود في هذا العمل لم أر مثلها!

اقترب جاستن خطوة

وصوته ينخفض أكثر بينما حلقه يضيق

كانت تأتي يوميا

أومأ العجوز وأشار نحو ماكينة خياطة في زاوية المحل ما زالت تحمل أثر أصابعها

كل صباح كانت هنا حتى نغلق الأبواب مساء أحيانا كنت أجدها نائمة على الطاولة من الإرهاق وأحيانا تنسى شرب الماء طوال اليوم فتاة مسكينة لكنها عنيدة.

تنهد الرجل العجوز قبل أن يكمل بابتسامة متعجبة

سألتها مرة أهذا لأبيك أم لحبيبك احمر وجهها وقالت إنه لزوجها لم أتوقع أن تكن متزوجة في هذا العمر المبكر وأتساءل من هو ذلك الرجل المحظوظ الذي حظي بها

تسللت الكلمات إلى قلب جاستن كشوكة مغروسة في لحم حي بينما أكمل الخياط وابتسامة إعجاب لا تخلو من غيرة تلمع في عينيه

كانت عيناها تضيئان حين تتحدث عنه أظنها تحبه كثيرا وإلا لما صنعت كل غرزة بيديها من البداية حتى النهاية كل قطبة كانت حكاية حب. آه صحيح من تكون أنت وكيف عرفت عنها

ابتلع جاستن ريقه فتحركت تفاحة آدم في حلقه ثم نطق بتلبك فجأة كمن يفرج عن سر ظل أسيرا

أنا زوجها.

اتسعت عينا الخياط بدهشة ثم نظر إليه مليا قبل أن يبتسم قائلا

إذن أنتما أجمل ثنائي يمكن أن تراه عين حقا ثنائي مثالي!

خرج جاستن من المتجر والغروب يسكب ضوءه البرتقالي على كتفيه كأنه يغلفه في حلم لا يريد أن يصحو منه.

كانت آنا السبب في هذا الاضطراب الذي يسكنه الآن

هل كانت

تحبه حقا

أم أن عقلها كان يتشقق من الداخل في فصام مرضي

وإذا كان حبها بهذا العمق فكيف استطاعت أن تقطع كل خيط يربطهما 

شعر جاستن بفراغ قاس في صدره فجوة لم يعرفها من قبل وكأن قلبه نفسه أصبح غرفة مهجورة.

وعندما عاد إلى سيارته استقلها هائما بينما قطع صمت الطريق صوت إيان الذي لم يكن مدركا لشيء مما جرى

سيدي سلفادور ما الذي جاء بك إلى محل خياطة أنت دائما ترتدي أفخر الماركات متى تغير ذوقك

أجاب جاستن ببرود

لا شيء لنعد.

فجأة ارتجف الهاتف في جيب جاستن الذي كاد أن يصاب باضطراب ما بعد صدمة اليوم في محل الحياكة بسبب هاتفه تقطب حاجباه بحدة وأخرج الجهاز ببطء ثم ما لبث أن تنفس الصعداء حين قرأ الاسم المتوهج أمامه

ريان هوفمان صديقه الأقرب ووريث إمبراطورية هوفمان.

رفع الهاتف إلى أذنه فاندفع صوت ريان مفعما بالحيوية يحاول جره من بين أنياب كآبته

ما أخبارك

أجابه جاستن بفتور

بخير ماذا لديك

ضحك ريان وقال بنبرة احتفالية

دعنا نخرج ونحتفل الليلة!

نحتفل بماذا سأله جاستن ببرود.

أجابه رايان بمشاكسة

هذا يتوقف عليك إما بزفافك القريب أو طلاقك المنتظر!

ارتفع حاجب جاستن وضاقت عيناه ساخرا

اغرب عن وجهي!

انفجر ريان ضاحكا

ههه! أمزح فقط أمزح! لكن هناك ملهى جديد يفتتح أبوابه الليلة وأريدك أن تكون أول من يشجعني لهذه السهرة

لم أر وجهك منذ زمن أم أنك نسيتني أم أن حبك لي قد ذاب

 

وانتهى

صمت جاستن للحظة وفي داخله ميزانا يزن ثقل الوحدة أمام كلفة الخروج من قوقعته ثم تنفس بعمق واستسلم في النهاية

حسنا سأراك الليلة.

في تلك الليلة تولت بيلا زمام الأمر كمن تقيم طقسا مقدسا من أجل أكسل. أعدت مائدة فاخرة تتلألأ أطباقها تحت ضوء المصابيح الخافتة تتصاعد منها رائحة الدفء قبل البهارات.

قال أكسل بنبرة تحمل مزيجا من القلق والعتاب

بيلا أنت تعانين من حساسية تجاه الدخان. ورغم أنها ليست حادة إلا أن عليك تجنبها قدر المستطاع.

كانت عيناه تتجولان بين المائدة وبين ملامحها وكأن الطعام مهما بدا شهيا فلا يساوي شيئا أمام سلامتها.

ابتسمت بيلا ابتسامة صغيرة تحمل شيئا من الإنهاك

لا بأس لقد اعتدت على ذلك.

وما إن أفلتت الكلمات من شفتيها حتى أدركت الفخ الذي وقعت فيه لحظة سهو أزالت الحاجز بينهما فكشفت سرا دفينا ظلت تحرص على إخفائه.

شهق أكسل بغضب مفاجئ وصوته يضرب جدران الغرفة

ما هذا بحق الجحيم! أكنت تطهين لذلك الوغد يوميا منذ ثلاث سنوات! سأمزقه إربا!

اندفع إلى الطاولة وكاد يقلبها لولا أن يدها أوقفته وهي تنظر إليه بهدوء مستسلم

لا شيء من الطبيعي أن تطبخ الزوجة لزوجها لم يعد الأمر يعني شيئا الآن ولن أكرر ذلك أبدا.

ضحكت ضحكة

قصيرة لم تخرج من قلبها بقدر ما خرجت لتغطي الحزن الثقيل في عينيها. كانت الضحكة أشبه بزهرة تفتحت في أرض قاحلة.

في تلك اللحظة تلاشى المرح المعتاد على ملامح أكسل وحل محله صمت ثقيل ومن ثم اقترب منها بخطوات بطيئة احتواها كالصدفة للؤلؤتها يحميها من كل ما يمكن أن يخدش بريقها يقول بصوت دافئ يقطر حنانا

اعتبري السنوات الثلاث الماضية كأنها تطوع في ملجأ للكلاب أما الآن فنحن الأربعة سنتكفل بك طوال حياتك يا أميرتي.

عند التاسعة تماما كان ملهى ACE الليلي وليد شركة هوفمان المدلل يغلي بالحياة.

الأضواء تدور كنجوم مخمورة والموسيقى تلتهم الهواء كوحش جائع والمشاهير يتدفقون إلى الداخل وكأنهم يسيرون إلى معبد سري. فالجميع هنا لأجل رايان هوفمان الوريث الذي لا يخطو خطوة إلا وتترك أثرا في المدينة.

توقفت أمام المدخل سيارة بوغاتي من إصدار نادر تتلألأ تحت الأضواء كماسة مسروقة من عنق ملكة.

فتح الباب أولا أكسل جالس المقعد الأمامي خارجا بهدوء ملوكي فالليلة ترك بدلته الرسمية التي اعتادت قاعات المحاكم أن تراها وارتدى ملابسا أخف فبدا شاب وسيم أرستقراطي الروح لكن في عينيه ذلك البريق الحاد الذي لا يعرف المزاح.

ثم فتح باب آخر ويد بيلا على كف أخيها

تنساب خارج السيارة بخطوة أشبه بانفلات قوس مشدود وفستان فضي ضيق مبهر وحمالاته الرفيعة تكاد تفصح أكثر مما تخفي الشعر الأسود الطويل يتهادى كموجات ليلية في مرفأ نائي وأقراط الألماس تلمع على وجهها كنجمتين تحررتا من السماء.

للحظة تجمدت أعناق الرجال على الرصيف وانسكبت عيونهم عليها فأمسك أكسل بذراعها فجأة وجاء صوته مبحوح بالتحذير

يا إلهي بيلا فستانك هذا جريمة!

أمالت رأسها ترفع حاجبيها بخفة وابتسامة ساخرة تزين شفتيها

أجل لكنني أعتقد أنني جميلة الليلة.

رد أكسل بصدق يشوبه القلق

أنت جميلة حد الخطر حد أنني أخشى إن غفلت عنك لحظة.

ضحكت بيلا تقول بشراسة محببة

إن اقترب أحدهم سأقتلع أسنانه واحدة تلو الأخرى.

داخل الملهى كانت الأجواء عاصفة بالأدرينالين كان أكسل مدع عام حتى في استراحاته إذ لم يجرؤ على تركها قرب البار فحجز طاولة في ركن مرتفع ملأها بزجاجات مشروبات باهظة وجلس كحارس يراقب فريسة لا ينوي التخلي عنها.

رفعت بيلا كأسها ولاحت لمعة حزينة في عينيها

آه ما كان علي المجيء معك يا آكس كل هذا الجمال من حولي وأنت جدار بيني وبينه.

قالت بمرح مغطى بغصة

بعد أن انفصلت كنت أظن أنني سأتنفس بحرية.

مد يده يربت على كتفها بحنان أخوي يقول باستفاضة

الطلاق

لا يعني أنك بلا قيمة بيلا لا تعيشي أسيرة لرأي الناس وجودك هنا ليس إعلان بحث عن عريس بل إعلان أنك ترفعين معاييرك.

اقترب منها أكثر يحجب ببنيته القوية كل نظرة لامسة كأنها زهرة نادرة يخشى أن تدهسها أقدام العابرين.

في الطابق الثاني حيث الضجيج يهبط إلى نصفه جلس رايان مع جاستن في كشك فاخر.

قال رايان وهو يرمق بدلة جاستن الأنيقة بابتسامة ماكرة

سيد سلفادور ألا تخلع هذه البدلة أبدا جئت هنا لتستمتع لا لتناقش صفقاتك!

ابتسم جاستن بسخرية باردة

معظم النوادي في سافرو تخسر كل عام مكانك لا يستحق فلسا من مالي.

قهقه رايان

أوه تظن أنني أخسر

أجابه جاستن ببرود مازح

ألا تخسر الآن

رفع رايان كأسه وضحكة صاخبة تنفجر من صدره

ربما لكنني لا أخشى الخسارة فأنا أسبح في بحر من المال!

لكن فجأة توقفت ضحكاته وعيناه تجمدتا على الطابق السفلي يتمتم بانبهار فج

يا إلهي أنظر إليها! يا لها من امرأة ساحرة كأنها تملك المكان!

لم يهتم جاستن بالنظر في البداية لكنه اضطر حين ألح صديقه وفي اللحظة التي وقعت فيها عيناه عليها تغير كل شيء.. العتمة زحفت إلى نظرته ودمه بدأ يغلي.

إنها آنا براون

وبجانبها

اللعنة!! من ذلك الرجل

وجاءه الرد كطلقة بمنتصف الجبهة عندما قال رايان

ترى

من هذا المحظوظ هل هو آشر تومسون! 

 الفصل السادس عشر من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1