رواية للهوى رأي اخر الفصل الخامس عشر 15 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الخامس عشر 

انتي إزاي تتصرفي بالشكل ده؟
هتفت نازلي قبالة كمال الحانق من أفعالها:
_ انت إزاي تصرخ في وشي بالطريقة دي بدل ما تشكرني على اللي عملته؟

_ وإيه اللي عملتيه غير إنك صدقتي لأنك عايزة تصدقي، نزلتي بمستواكي اللي طول الوقت بتتكلمي عنه لأشكال زبالة زي دول
بجنون صرخت به نازلي:
_ انت فاهم انت بتقول إيه؟ انت بتلومني إني صدقتهم ومش جايب أي لوم على بنت أخوك واللي عملته واللي باين في الصور
رمي بالصور على الأرض وقال:
_ فيروز قالت لأسيل عن تجاوزاته وقلة أدبه وسبب أنها مشيت من البيت هو ده، يا نازلي هانم، انتي صدقتي لأنك عايزة تصدقي، انتي سطحية ومتفهميش في معدن الناس
اتسعت عينيها رافضة إهانته بعجرفة:
_ أنا لسه على موقفي، البنت دي مش هايجي منها خير، والأيام بينا، وبكرة تقول نازلي قالت

حرك كمال رأسه آسفًا:
_ لو كانت چيهان الله يرحمها موجودة كانت هاتبقى أرحم عليها منك بكتير أوي.
.. .. . .. .. .. .. .. ..

اتفاق!
نظر لها موسى نظرة تحذيرية، لكن قال قاسم بغضب:
_ ما تقوليش اتفاق يا كاميليا، اسمه عرض وأنا مش هاقبل بجشعك يطولها
أجابته بوقاحة:
_ وموسي بيه قبل وقال شاري
ثم التفتت لدهب بغضب:
_ لو ما جيتيش معايا دلوقتي، انسِ إنك تدخلي بيتي تاني وهاسيكي للشارع
مسك موسى ذراع كاميليا حتى كاد أن يهشمه هامسًا لها بصوت خطير:
_ دهب مش هاتمشي من هنا، وقسمًا بالله كلمة كمان وهاندمك على جيتك هنا، آخر مرة تعتبي المكان ده

ودفعها بقوة لإحدى الحرس، وعندما أرادت أن تلفت الأنظار إليها بإثارة الفضائح، كان موسى قد وصل لأقصى مراحل غضبه وقد أرعبتها نظرته، فقررت الانصياع للخروج، فلو كان موسى مسيطرًا على غضبه، فقاسم لن يتوانى عن إهانتها.
.. . .. . .. . .. . .. ..

نزل من سيارته متجهًا إلى المكان المنشود، صوت صخب الموسيقى وصل إلى أذنه قبل دخوله، ابتسم بخفة ومسامعه تلتقط كلمات الإعجاب من الفتيات بثقة زائدة، لم يهتم، لكن تلك العيون المتربصة دخلت منذ فترة تهتم وتترقب ومنتظرة الفوز.
بإعجاب شديد طافت عيناها عليه، ملابسه كلاسيكية غير رسمية وأنيقة، وذقنه النامية زادته وسامة، وعينين قويتين بنظرة تربك أي أنثى بعبثها.
أخذت نفسًا واتجهت إليه بخطوات متمايلة زادت من ظهور منحنياتها الأنثوية، وقف دلال قبالته برقة زائدة وعينين فجتين:
_ مش مصدقة إنك جيبت يا ياسين
التوى فمه وهو ينظر حوله بلا مبالاة:
_ ما كنتش جاي أصلاً
مسكت طرف ياقة قميصه وبنظرة ناعمة راغبة:
_ ده حظي، حظي الحلو، عارف إنه بيتمني حضورك الليلة دي بالذات
_ اشمعنا بقي؟
_ علشان هاتكون انت الأمنية للسنة الجديدة
مسك يدها وهي قابضة على طرف ياقته وبنظرة متفحصة متسليّة:
_ عايزة إيه يا دلال؟
_ تحن، مش عايزة غير إنك تبطل تقل عليا شويه
التوى فمه بابتسامة تهكمية:
_ ما انتي عندك اللي طالب الرضا
_ وأنا مش طالبة غير رضاك انت
تبادلا النظرات ولحواء تأثير لا يُستهان به لخضوع آدم، وياسين ليس براهبة بل شيطانة يزين له ما أمامه من متعة وفتنة، استجاب لها ياسين وهي تجذبه لساحة الرقص مع الراقصين، مالت عليه هامسًا بعدة كلمات في أذنها وأنفاسه تلفح وجنتها من قربهم، فتعالت ضحكاتها متناغمة مع صوت الموسيقى العالية،
وبتمايل مدروس وعينين تصيب أي رجل بالغرور كانت تفعل بقوة، وكان هو يستقبل بعبث.

....................
لم تصمت لثانية، تضرب على الباب بقوتها وتقذفه بكل ما تطاله يدها من تحف ثمينة تجدها في تلك الغرفة، منذ وقت ما غادرت كامليا وبدأت هي الخروج من ذهولها، أدخلها موسى لتلك الغرفة وأغلق عليها من الخارج، وحالة الهياج المسيطرة عليها لم تجعلها تلتقط أنفاسها حتى لثوانٍ.
وقفت في منتصف الغرفة، مرهفة السمع لصوت المفتاح والباب الذي انفتح على مصراعيه وموسى متصدّر.
كان يتوقع أن يجدها منهارة، تبكي وعينيها منتفختين وتصرخ حتى ينقطع صوتها، لكن امرأة مثلها لا يليق بها ذلك المشهد أبدًا...
كانت شرسة، شعرها مبعثر أثر انفعالها، ووجهها أحمر بغضب وعينين غاضبتين تكاد تحرق ما تطاله، والغرفة من حولها مهشمة.

قال موسى بهدوء:
_ انتي عارفة تمن التحف اللي كسرتيها تساوي كام، وعمرها قد إيه

هتفت من بين أسنانها بحدة:
_ آخر همي دلوقتي تحفك يا موسى

أخذ نفسًا عميقًا وضع يديه في جيبي بنطاله، فارِدًا قامته قائلاً:
_ الموضوع مش مستاهل كل غضبك ده

ارتفع أحدي حاجبيها في حركة معتادة مستهزئة، هتفت وهي تمط شفتيها السفلى:
_ هو انت فاكر إني متضايقة من اللي حصل تحت، تؤ تؤ
ضيق عينيه قليلاً فأكملت دهب: أصل لما قفلت عليّ الباب، خوفت تكون هاتحبسني عندك، أو مثلا، تغتصبني
تستهزئ به!
وهو بالكاد يسيطر على أعصابه، والمعروف بقدرته على التحكم بها، لكن مع تلك التي تقف أمامه على وشك الانفجار بوجهها.
لكنه غمز بإحدى عينيه وقال بوقاحة:
_ الحاجات دي بالرضا تبقى أحلى

رأى فمها الذي تطبقه وكأنها تمنع نفسها من الرد عليه.

_ عايزة أمشي من هنا

نظر لها وكأنه لا نية له بخروجها.

وعندما لم يأتيها رد قالت بصوت خافت:
_ دفعت كام!

للحظة رأى لمحة حزن بعينيها ورنة صوتها:
_ الموضوع مش زي ما أنتي فاهمة

التوى فمها ببسمة ساخرة:
_ كامليا وأنا عارفها، إنما انت فاجئتني، كنت فاكرة نزاهتك في كل شيء، طلع عندك جزء منافق مستخبي
احتدت عينيه من إهانتها فقال بقسوة:
_ ولما أنتي عارفة ومش أول مرة، إيه لازمة كل اللي انتي عاملاه ده

قبض على يدها بقوة وتحركت بخطوات واسعة للباب، لكنه جذبها من ساعدها إليه بقسوة:
_ رايحة فين؟
حاولت جذب يدها منه، لكن كل ما تحاول أن تحررها كان يضغط هو أكثر،
صرخت به دهب بقوة:
_ سيبني
مسكها من ذراعها الآخر، وأصبحت بين كماشتي يديه، وازداد عنفها أكثر، تتلوى بجسدها لتبتعد عنه ويقبض موسى على ذراعيها أكثر.
حتى تعبت، أخيرًا تعبت، توقفت خافضة رأسها لأسفل مقابل كتفه، وتنفسها عاليًا وقلبها يدوي، رائحته تضرب أنفها، للحظة تمنت أن تلقي برأسها عليه ولحظة أخرى تمنت الهروب والاختلاء بنفسها، يكفي اليوم.. يكفي.

رق قلبه لحالها، شعرها متناثر حولها لا يكاد يُرى وجهها، خفف من قبضتيه حتى أصبح فقط ملامسًا لها، حرر يدًا واحدة ومسح بها على رأسها برفق، يتمنى أن يحتضنها، لأول مرة تسيطر عليه تلك الرغبة الملحة في احتواء امرأة، يهدهدها ويهمس لها بكلمات تهدئ من روعها.

ما الذي يعايشونه!
هل تلك اللحظات مناسبة وسط كل ذلك العبث والخيوط المتشابكة بينهما!!

رفعت دهب رأسها أخيرًا وقد هدأت أنفاسها، طالع عينيها وقد ذهبت القوة منهما، كانتا رائعتين، فاتنتين ومجروحتين.
_ وافقتها يا دهب، لكن علشان بس أحافظ عليكي، علشان محدش يقرب منك... صدقيني

صدقته، عينيه لم تكذب، ولكنها لأول مرة تحتاج للهروب.

همست له بتعب:
_ سيبني أمشي... أرجوك

عادت يده لتتشبث بذراعها هاتفة من بين أسنانه غاضبًا:
_ عايزة تروحي ليها برجليك، مش بعيد ألاقيها داخلة عليكي بشاري جديد
اهتزت حدقتاها مع تفاقم شعورها بالخزي من والدتها وأفعالها، تعرفها، وتحتفظ بأفعالها المشينة اتجهت لها، لكن إن تظهر لملأ، وأمامه هو بالذات، شعرت أنها ضئيلة جدًا بجانبه.

همست له بخفوت كاذب:
_ مش للدرجة

قطعها موسى بثبات:
_ أنا طلبت أتجوزك من أخوكي

رمشت بعينيها عدة مرات، وملامحها توحي بعدم استيعابها، لحظة أخرى ورددت:
_ طلبتني، أخويا... كنت عارف؟

أوما لها ولا بد من وضوحه في هذه اللحظة:
_ قاسم أقرب صاحب ليا، وأكثر من أخويا
صمت صمت، قطعه فجأة صوت ضحكاتها العالية وتعود خطوة للخلف، وتستمر ضحكاتها، حتى ادمعت عينيها، وضعت يدها على صدرها مع نفسها المتقطع، أمام عينيه المنتظرة انتهاؤها.

رفعت وجهها لأعلى قائلة:
_ يا ربي، كنت فاكرة نفسي عارفة كل حاجة، بس طلعت أنا الوحيدة اللي ما أعرفش أي حاجة
ثم نظرت إليه واكتسى وجهها الجمود فجأة قائلة:
_ وموسي بيه رشيد، قابل يتجوز واحدة، أمها عرضتها عليه ومن قبلها بسنين رمت ابنها وراء ظهرها، صيادة رجال، واللي عمل نفس اللي أمها عملته معاه مع أخته، ده غير طبعا الماضي القديم اللي بينها وبين والدتك، يظهر أنا الوحيدة اللي ما أعرفوش، واللي أكيد هايكون غير مشرف بالمرة

كانت إجابته القاسية في معناها:
_ دهب، انتي جايه مكتبي وهدفك ماكنش الشغل معايا، هدفك كان الطلب ده مني، بس خانك ذكائك إني ماعرفش تفاصيل حياتك من يوم ما تولدتي

انحدرا حاجبيها بألم، لم يكن ذلك الهدف، كان قلبه، فإذا سكنت قلبه لن يقف يؤكد لها مساوئ ليست هي الفاعلة، ورغم تاريخ والدتها غير المشرف، إلا أنها لم تستطع إلا أن تكون أنانية به، وتحظى عليه.. بالحب

_ ولو رفضت!

اهتزت عضلة جانب فمه واحتدت عينيه، كأن فكرة الرفض لم تأت على خاطره.
_ دهب
التفتت برأسها للباب..
لماذا لا يريد هذا اليوم أن ينتهي؟ قالتها لنفسها وهي ترى أخيها، ربما لأول مرة في مكان واحد يجمعهما، هنا! في منزل موسى
يا لسخرية القدر..

ارتسمت على ثغرها بسمة ساخرة، رأها موسى، وكأنها لا تملك إلا السخرية في تلك الليلة.
قال قاسم:
_ انتي مش هاترجعي لكامليا
مسحت على جبينها وبغيظ وغضب قالت:
_ هو في إيه؟ فجأة كلكم خايفين عليا من كامليا، ما أنا عشت معاها عمري، ولا حد سأل فيا
ثم أشارت له بأصبعها وبألم بداخلها لم يظهر بصوتها الحاد كالناقوس:
_ وأنت بالذات، مالكش أي حق في إنك تقول أعمل إيه أو أروح فين

وضع موسى إحدى يديه في خصره، رافعًا رأسه لأعلى متمتعًا بالصبر، لم ينقص ظهور قاسم الآن، ويعلم أنه إذا لم يستطع حل الأمور، سيعقدها أكثر، قال قاسم بحدة:
_ دهب، اختاري كلامك معايا، سبب وجودي هنا لحد دلوقتي، هو الدم اللي بينا، وإن خلاص كامليا ما بقيتش تسيطر على جشعها

ضحكت ساخرة وهي تلوح بيدها:
_ لا لا، ما تقولش خايف عليا، معلش أصل جو الأخوات ده مش لايق علينا

كتم غيظه وبصعوبة قال محاولًا الهدوء:
_ اجهزي عشان هاتمشي معايا

هتفت دهب:
_ مش هاجي معاك يا قاسم، مش هاقبل منك دور الأخ الكبير بعد السنين دي، مش هاقبل منك مساعدة ولا حتي خوف حتى لو كان حقيقي

ثم ابتلعت ريقها وبصوت قوي أكملت:
_ طول عمري من غيرك وواقفة على رجلي ونجحت لوحدي، مش هاقبل منك الدور ده يا قاسم، مش هاقبل أن يكون ليك عليا فضل، مش هاقبله

قبض قاسم على يده، وقد ضربته كلماتها بصدره بقوة، قاسية دهب، وحروفها كالسهام.
جاهلة عن الكثير، لو تمتلك دهب بعض التعقيدات بشخصيتها، فالواقف أمامها لم يهنأ بنوم هادئ لليلة واحدة، لم يسيطر على ذاته للآن، فإذا لم يستطع تقبل كونها ابنته، فاستطاع أن يحيطها حتى لو بالخفاء، يمنع أشباه الرجال أن يتلمسوها بأذى، حتى عملت مع موسى، شعر أنها بيد أمينة، خصوصًا ما يمر به وما جعل حياته تنقلب رأسًا على عقب، ولثقته بموسى تواري عن الأنظار، ولم يحسب لذلك اليوم حساب أو أن يحدث بتلك الطريقة،ولثقته بموسى تواري عن الأنظار، ولم يحسب لذلك اليوم حسابًا أو أن يحدث بتلك الطريقة، لكن في الحقيقة كلماتها نفذت لقلبه وآلمته.

التفتت دهب بوجهها إلى موسى، الذي انحنى حاجباه بألم، يخفق قلبه مع شعور الألم لأجلها، ينظر وكأنه يشملها، يحتويها بعينيه، رغم هالة القوة التي تتلبسها تلك، إلا أن رغبة شديدة الإلحاح عليه أن يحتضنها، ترتاح قليلاً وتلتقط أنفاسها فقط.
كانت عينيها ثابتة عليه ورعشة في يدها تحاول إخفاؤها، وصوتها خرج مهتزًا، تهمس له:
_ أنا موافقة
.......
في بداية صباح جديد لم ترَ جفنيها اليوم، وعقلها وكأنه توقف عن العمل، فقط تنظر إلى سقف الغرفة بجمود. فمنذ دخولها هذه الشقة مع أسيل، التزمت تلك الغرفة دون أن يكون لها رغبة في أي شيء.

أصدر هاتفها صوتًا لرسالة نصية، فلم تهتم، ثم أصدر صوتًا مرة أخرى فانتبهت، وما إن أبصرت اسمه حتى انتفضت مكانها وهمست بشفتين خافتين:
_ قاسم

كانت رسالته المختصرة أنه بالأسفل في انتظارها، لم تنتبه لكونه يعرف عن وجودها هنا أو سببه، فكل ما كانت تفكر فيه أن تركض إليه ولا تجعله ينتظر أكثر. لم تهتم بملابسها كثيرًا ولا بشعرها الغير مهندم ووجهها المرهق، بل اتجهت سريعًا إلى الأسفل.

وجدت سيارته في انتظارها ومن خلفها حراسته كعادته. جلست بجانبه، التفتت إليه مبتسمة وقالت له:
_ كنت فاكراك نستنى

التفت إليها قاسم بوجه خالٍ من التعبيرات ولم يجيب بشيء، ونظر إلى السائق الذي تحرك بهما...

أثار صمته ريبة فيروز، ضيقت حاجبيها وقالت له بريبة:
_ قاسم في إيه؟

أجابها دون أن يلتفت إليها بجملة مختصرة:
_ هاتعرفي

لم تطمئن فيروز، كان مريبًا وصامتًا طوال الطريق، ووجهه مشدودًا وكأنه منحوت تمثال من غير روح، ولكن لم يخطر ببالها أبدًا أنه قد يضرها في شيء...

توقفت السيارة، وانفتح الباب الحديدي الرئيسي لقصره. سارت السيارة عدة أمتار حتى توقفت.

ترجل من السيارة وفتح الباب الخاص بها. نزلت فيروز بتردد، فهي أمام منزله، فقالت بارتباك:
_ أنا مش هادخل، انت جايبني هنا ليه؟

كانت إجابته المريبة أكثر:
_ إيه خايفة مني؟
_ متغير يا قاسم ومريب

ابتسم بجانب فمه كانت عبثية، ولم يرَ وجهها المرهق ولا عينيها الحزينة:
_ مريب مرة واحدة... تعالي بس عاملك مفاجأة

حركت رأسها بالنفي وقالت له برفض ورغبة بالعودة:
_ مش هاقدر أدخل يا قاسم، ماينفعش

تبدلت ملامحه فجأة وقال بحدة:
_ ما تخلصي بقى وبطلي الشويتين دول

وقبل أن تستوعب فيروز قذيفة كلماته، كان يشدها من معصمها بقوة للداخل. كانت خطواته واسعة وسريعة، ومجاراتها له تحتاج للركض رغم تعثرها، وهي تجذب يدها منه، ولكن يده كانت قابضة على ساعدها بقوة...

دخل بها إلى بهو القصر لأول مرة ساحبًا إياها بقوة مهينة. وخطت هي إلى القصر لأول مرة وهي تشعر بالرعب والخوف من تصرفه الغير متوقع والمخيف لها...

مازال خطواته سريعة، وتنفسه عاليًا، وانفعال مكبوت داخله حتى الآن. صعد بها الدرج دون أن يلقي نظرة واحدة عليها، وهي من خلفه مستمرة في المقاومة وصوتها الصارخ به...

فتح الغرفة بمفتاح ودخل بها بعد أن أضاء النور، ثم قذفها تجاه الحائط حتى اصطدمت وخرجت آه منها متوجعة. رفعت رأسها إليه بصدمة وقالت له فيروز صاخبة:
_ انت بتعمل كده ليه؟

اقترب منها ببطء قاتل وعينين متبلدتين:
_ وأنا لسه عملت حاجة

ضيقت حاجبيها وقالت متسائلة همسًا وبصوت غصة البكاء:
_ ليه؟

ثبت أنظاره عليها واقترب منها ببطء، أثار ريبتها، خصوصًا مع الوجه الآخر لقاسم عمران، الذي تتعرف عليه للمرة الأولى...

انحنى قليلاً واقترب بوجهه تجاهها، وقابلت عينيها عينان أصبحتا كالجمرتين تحرقان ما يقابلهما.

خرج صوته من بين أسنانه، ضاغطًا على حروفه لأول مرة تسمع منه، كان فيه من الوعيد والقسوة ما جعلها ترتعد:
_ هادفعك تمن لعبك بيا يا فيروز

تساقطت دمعة من عينيها، وقد شعرت أن هناك ما حاول تشويه صورتها في عينيه:
_ أنا ما لعبتش بيك يا قاسم.. ليه بتعمل فيا كده؟

رأت سخرية نظرته إليها، وتحركت عينيها على يده وهو يأخذ خصلة من شعرها حتى التف حول إصبعه وفجأة جذبها بقوة منها، حتى تأوهت، وهي في حيرة وخوف من تصرفاته الغريبة والقاسية، وتمنت أن يكون كابوسًا. لو ما عاشته أمس قاسيًا، فما تمر به الآن كابوس أشد قسوة:
_ أنا عمر ما في واحدة عرفت تضحك عليا، بيترموا تحت رجلي وأنا أرفسهم، تيجي انتي يا بنت امبارح وتلعبي بقاسم عمران

أغمضت فيروز عينيها، وانسابت عبراتها بقوة، وأكمل قاسم قائلاً بصوته الخافت الشرس:
_ مثلتي البراءة والعفة وحسستيني إني أول راجل في حياتك وإنك رفضتي تعيشي مع جوز أمك بعد موتها

ثم اشتد بقبضته أكثر وصوتًا مرعبًا:
_ جوز أمك الشاهد على عقد جوازك اللي هربتي منه لعمك المليونير، وعشتِ عيشة ما تحلميش بيها وسط ناس آخرين تشوفيهم في التلفزيون ولا مجلة، ويا ريتك اكتفيتي إنك تعيشي في عز عمك، لا ده أنتي وصلتِ بيكي القذارة إنك تلفي حواليا، يمكن تعرفي تطولي حاجة وأنت على ذمة راجل...

ترك خصلة شعرها ومسح بإبهامه على وجنتها وعينيها أمام عينيه المتسعتين المصدومتين، وألقى كلماته المسننة في وجهها:
_ إني عارفه رغم أني كنت مخموم فيكي، بس ما أنكرش إن دورك كان هايل ومخليني مستمتع وأنا بلعب معاكي، ومتشوّق جدًا لحد ما أخد اللي أنا عايزه منك، وفكرة إنك الراجل الأول كانت عجباني جدًا، خصوصًا معاكي، بس بما إنك طلعتي متجربة فقدت أي شغف اتجاهك بصراحة

كانت كلماته كالخناجر تقذف إليها وتضربها بقوة في منتصف قلبها الذي انشطر الآن من قسوة كلامه وجبروت عينيه.

كانت لأول مرة ترى وجهه الآخر، استمعت فقط عنه، كانت تظن أنها أبدًا لن تراه، ولكن خاب ظنها وها هي الآن أمامه تقف عاجزة أمام قسوة حديثه وبشاعة ما كانت تظنه حبًا لها...

لم تلن ملامحه أمام وجهها الشاحب الباكي، ولم يلن أمام نظرة عينيها المنطفئة له. كل ما كان يراه حقيقة مشاعره تجاهها.

مشاعره كانت حقيقية واضحة، ذلك الوجع في الجانب الأيسر يخبره بمنتهى الغباء الذي كان مسيطرًا عليه، وهي ترمي بشباك براءتها المزيفة عليه... إنها كانت يومًا بين ذراعي رجل آخر يفعل معها ما يحلو له، خائنة، هربت منه لجشعها في عالم المال، فيه يكون هو من يتحدث. ضاع خضار عينيه الصافي وحل السواد، وطفى ذلك الجبروت الذي كان يسيطر عليه للسطح، ولم يكن للهوي أي رأي.


تعليقات