رواية مع وقف التنفيذ الفصل الخامس عشر 15 بقلم دعاء عبدالرحمن


 رواية مع وقف التنفيذ الفصل الخامس عشر 



دوت الزغاريد في نفس المنزل للمرة الثانية على التوالي ولكن هذه المرة كانت العروس مختلفة كانت عبير عبير ذات العبير المعتق في صدقته ينتظر نصفه الآخر المقدر له استنشاقه ومليء ولتيه بنسيم العذراء القابعة أسفل أمواج خجلها ...

أحمر وجهها وهي تجذب والدتها من ملابسها لتجلسها مرة أخرى ووالدها يكمم فمها هاتفا بها :

أسكنى بقى الناس تقول علينا ايه

جلست ام عبير وهي تلهت من فرحتها قائلة:

يقولوا عندنا فرح هيقولوا ايه يعني

نهرها قائلا:

مش لما العروسة توافق الأول يا ام مخ مهوى انت

نظرت إلى ابنتها وهي تقول :

- عبير موافقة طبعاً هي دي عايزة كلام

قالت عزة بحماس وهي تنظر إلى أختها :

صح يا ماما

صوب الجميع نظره إليها في انتظار كلمتها وبعد فترة من الصمت قالت بارتباك :

- لما أقعد معاه الأول وبعدين استخير.. ده جواز یعنی لازم يكون منهجنا واحد وإلا هيبقى فيه

مشاكل كثير بينا بعد كده.. الحكاية مش حكاية لحية وخلاص

تم تحديد ميعاد للقاء عبير وبلال الرؤية الشرعية بعد يومين وتم تجهيز المنزل الاستقبال بلال ووالدته ، لن تستطيع أن تتهم عبير بالسعادة لأنها لم تكن تجرؤ على هذا الأحساس، بل كانت تنده كلما حاول الظهور على السطح، كل ما كانت تشعر به هو التوجس والإنتظار لا تعلم لماذا اختارها هي بالذات التقدم لطلب الزواج بها, فهى ليست مميزة عن غيرها, نعم هي ملتزمة ولكنه بالتأكيد صادف قبلها كثير من الفتيات الملتزمات وبالتأكيد شاهد من خلال الرؤية الشرعية وكانت منهم الجميلات والأصغر سناً منها ولكنه لم يتزوج بواحدة منهن، فماذا يميزها عن غيرها ليختارها هي كانت خائفة بل ووجلة، ليس من تلك الهواجس فقط، ولكن خافت أن يكون على غير المنهج الصحيح الذي اختارته لنفسها ووافق السنة الصحيحة

دخلت عليها والدتها للتجدها على حالها تلك الذي تركتها عليه منذ قليل جالسة على فراشها ترتدي كامل ملابسها التي تخرج بها إلى الطريق لم يختلف شيء غير أنها قد أزاحت غطاء وجهها عنها ليستطيع رؤية وجهها بوضوح وهي تردد بعض الأذكار لتخفف من توترها وارتباكها وخفقان قلبها، وقالت تستعجلها:

بالا يا عبير الضيوف وصلوا ....

تبعتها عزة التي دلفت خلف والدتها مباشرة وهي تهتف بها :

بالا با ستی مامته بتسأل عليكي

وفقت عبير وهي تشعر بالألم في ساقها الذي لم يتعافى بعد ورغم أنها رؤية شرعية ولابد أن تكشف عن وجهها لبراها إلا أنها شعرت وهي تخرج أمامه هكذا بوجهها المكشوف كانها عارية أمامه فزاد حياتها وخجلها وحمرة وجنتيها وإطراق رأسها أرضاً أكثر وأكثر هيت والدته واقفة عندما ظهرت عليهم وأقبلت عليها في ترحاب تقبلها وتعانقها وتساعدها في الجلوس على أقرب مقعد جواره. هذا الحياء الذي على قلبه بها في الأمس هو نفسه من على عينيه بها اليوم وهو ينظر إليها بشغف ويتأمل أحمرار وجنتيها الصافية وعينيها الخجولة الناظرة إلى أي شيء وكل شيء إلا هو، خوفاً من اللقاء .. ظل يتأملها قليلا في صمت وعلى ثغره ابتسامة ناعمة تحمل كل الرضا والقبول
أرادت والدته أن تقطع هذا الصمت أو بالأحرى أرادت أن تعطيه طرف الحديث معها فقالت:

- رجلك عاملة ايه دلوقتي يا عيبر

قالت بصوت لا يكاد يكون مسموعاً :

الحمد لله يا طنط احسن شويه

تحرك لسانه أخيراً وتحرر من صمته ووجد نفسه يقول:

يتعملى التمارين ؟

اومات برأسها إيجاباً ولم تجبه شفاهنا, وكما فعلوا مع عزة وعمرو في السابق فعلوا مع عبير.

المرة السابقة ليستطيع رؤية ما يحدث في الخارج

تركوها مع بلال في الخارج وانتقلوا الغرفة استقبال الضيوف, وجلس والدها نفس المجلس في

كان لهذا أثر كبير على بلال الذي تحرر من خجله لمجرد أن أصبح وحده معها ولكنه في داخله شكر فعل والدها أنه يحرص عليها مع ترك مساحة من الحرية لا تسمح إلا بالحديث معها فقط, فكم سقط في عينيه اباء كثر أغلقوا الباب عليهما بدعوى حرية الحديث, لولا أنه كان يرفض ويابي هذا بل ويكون سبب خروجه من البيت بلا عودة .

ظلت عبير صامتة مطرقة الرأس ولكنه لم يظل صامتا .. قال في حنان وهو يتأملها :

على فكرة ... الرؤية دى يعنى احنا الاثنين نشوف بعض كويس مش انا بس اللي اشوفك

جاهدت على أخراج صوتها من حلقها وكأنه يعبر الأحبال الصوتية في مشقة وقالت :

منا شوفتك قبل كده

لاحت ابتسامة صغيرة على جانبي شفتيه وشعر أن الأمر يتطلب جرأة أكثر فقال:

طیب ممکن ترفعی راسك شوية من عارف اشوفك كويس

خفق قلبها بشدة وشعرت أنها لو تركت العنان لنفسها لهيت من مقعدها لتجرى إلى غرفتها وتغلقها عليها لتختبيء من نظراته المصوبة إليها ولكنها تعلم أنه من حقه أن يراها جيداً وينظر إليها، رفعت وجهها ببطء ولكنها لم تقدر على النظر إليه مباشرة, نظر اليها ملياً ثم قال :

عبير

شيء ما بداخلها لا تعلم ما هو جعلها تخطف نظرة إليه ثم تعيد عينيها إلى حيث كانت, ربما كانت تريد أن ترى ردة فعله وهو ينظر لها، هل أعجبته أم لا .. لم تكن عبير تلك الفتاة الفاقدة الثقة في نفسها رغم أنها قناة عادية ليست بارعة الجمال بل وليست مميزة في جمالها ، قناة عادية بكل المقاييس, ولكنها أرادت أن ترى نظرة سابحة في عالمها منصهرة في وجودها، كانت قد رأتها في عينيه مرة واحدة حينما كان يستمع لصوتها وهى تسيح وتكبر في عيادته سابقاً وهي تؤدى التمرين، ولقد وجدتها وعترت عليها للمرة الثانية واستشفت ما وراءها من قبول.

ورضا

استردت نفسها حينما سمعته يقول:

والدك كان قالي انك عاوزه تتأكدي من حاجات معينة .. اتفضلي انا تحت أمرك

حاولت عبير أن تقذف بخجلها بعبدا بل وترميه خلف ظهرها فهذا زواج لابد أن يكون فيه من المكاشفة ما فيه حتى تستقر سفينة الحياة بهم في المستقبل على جبل التوافق والرشاد

خرج صوتها بصعوبة وهي تقول:

كنت عاوزه أسألك على منهجك ... منهج أهل السنة والجماعة ولا حاجة ثانية

اتسعت ابتسامته وأشرق قلبه بسؤالها، فهي ليست فتاة خجولة وفقط بل أنها تعرف ماذا تريد في زوج المستقبل وتعرف أنه ليس كل ملتحى متبعاً للمنهج الصحيح - أجابها قائلا:

أيوا الحمد لله ... أنا على منهج أهل السنة والجماعة

ظلت عبير تسأله وهو يجيب ، كأنما يجلس أمام محقق يعرف جيدا كيف يستخرج منه الأجابات الوافية. سألته عن شيوخه ودروس العلم التي يحضرها وكيف بدأت حياته الدعوية وغيرها . وكيف يستطيع أن يوفق بين عمله كطبيب والدعوة

فقال:

بغض النظر عن أنى ممكن أخطب خطبة أو أتكلم مع حد ... لكن بجد انا شايف أن الدعوة دي يتكون في أي مكان وفى أى حته ومهما كان الواحد بيشتغل ممكن يدعوا الناس عن طريق شغله

قالت مستدركة:

قصدك يعنى عن طريق اخلاقه

هز رأسه نفيا وهو يقول:
مش بس أخلاقه ... الدكتور والمهندس والمحامي وأي موظف في أي مكان او صاحب محل ... ممكن يحط قدامه كتيبات وشرايط على المكتب والمريض أو العميل أو الزبون اللي يدخل عنده يديله منها .. الست ممكن تشيلها في شنطتها وتدى منها هدايا لواحدة قاعدة جنبها في المواصلات أو زميلتها في الشغل أو جيرانها .... الواحد يجى يوم القيامة يلاقي جبال حسنات مش عارف جانله منين ... ممكن واحدة نقرأ الكتيب وربنا يهديها وتبقى في ميزان حسناتك وانت مش عارفة.. تتفاجى بيها يوم القيامة في ميزان حسناتك وهكذا .. علشان كده يقول مفيش حاجة اسمها مش عارف أوفق بين الدعوة إلى الله وشغلى مهما كانت طبيعة الشغل ده.

أخذت نفساً عميقاً وهي تشعر بالراحة النفسية الكبيرة وهي تنصت إليه في اهتمام حتى انتهى من حديثه واجاباته النموذجية، كان ينظر إليها وهو يجيبها وكلما أجاب أجابة ابتسمت ابتسامة صغيرة مما جعله يعرف نتيجة الامتحان سريعاً، مما شجعه على أن يقول :

ها في حاجة ثانية ولا خلاص ؟

هزت رأسها نفياً أن "لا" . فقال مردفاً بمرح :

أنا العصرت على فكرة

ابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تشعر بالقبول تجاهه ولكن قلبها خفق مرة أخرى حينما سمعته يقول:

- ممكن اسال انا بقى ؟

اومات برأسها موافقة وقد كانت تتوقع أن يسألها أسئلة شبيهة بأسئلتها وقد كانت مستعدة تماماً لها ولكنها فوجأت به يقول:

- يتحيى الشعر ؟

نظرت له مندهشة وقالت باستغراب:

شعر!!

أبتسم وهو ينظر إلى علامات الدهشة التي ملأت قسمات وجهها وأوماً برأسه مؤكداً وهو يقول:

أبوا .. الشعر ... بتحبيه ؟

ثم قال هامساً :

أصل انا رومانسي أوى ... وبحب كل حاجة رومانسية

أرتيكت ولم تدرى ماذا تقول لقد غير مجرى الحوار تماما، وعاد إليها خجلها مرة أخرى غازياً كل خلجاتها من جديد، ويعنفوانه أصر على تلوين وجهها مجدداً بلونه الوردي بعد أن كانت قد تحررت منه منذ قليل، قاومت فضولها ولكنها لم تستطع ووجدت نفسها تقول:

و عرفت منين انك رومانسي ... هو كان في علاقات من أي نوع قبل كده

اسند ذقته على راحة يده وقال مبتسماً بنيرة خفيضة أريكتها:

- متقلقيش ... أنا شايل كل مشاعري لحبيبتي وبس

لم تستطع أن تجلس أكثر من هذا لم تعد تتحمل تلميحانه المتلاحقة والتي جعلت قلبها تتلاحق دقاته هو الآخر ويغفر بجنون بعد أن عاش طويلاً يعاني شطف القسوة وتغالب الحرمان ... وجد من يأوي إليه ويستغرقه وينصهر بداخله ليصيرا مكوناً واحداً .

بدأ اللهب يشتغل في مدفأة الحب, وبعد الاستخارة كانت النتيجة المتوقعة، بالموافقة، وتم تحديد ميعاد عقد القرآن، كانت عبير تحاول تأخير الميعاد حتى تكون شفيت تماماً ولكن بلال كان مصراً على العقد بعد أسبوع بحجة أن تعود عبير الممارسة العلاج الطبيعي تحت أشرافه مرة أخرى ، دون موانع شرعية )

فوجي عمرو باتصال من والد عزة يخبره بميعاد عقد قران عبير ويطلب منه حضور العقد والشهادة عليه، ولم يستطيع عمرو أن يرفض، وافق على الفور المشهد الأخير الذي رأى فيه عزة واقفة تنتظره في نافذتها الصغيرة جعل قلبه يرق لها مرة أخرى ويشعر بقيمته لديها، قيمة الإنسان الحقيقية تتحدد بمن يعنيهم أمرنا وبمن يمثل رضاؤنا عنهم أو جفاؤنا منهم شيئاً ثمينا . غضب منها لأنه لم يستطع أن ينسى جرحها وكلمتها التي الفتها على أذنيه في الهاتف, ولكنه يعود ويتراجع ويلين، فإن لم يلن الجانب لحبيبته فلمن يفعل إذن ا, وهو أحبها واختارها منذ البداية وهو يشك في مشاعرها تجاه صديقه, ولكل اختيار تبعاته التي لابد وأن تتحملها وتتعامل معها راضين بها، لأنها جزء لا يتجزأ من هذا الاختيار

ضرب نادر بقبضته على مكتب الهام بعنف وغضب وهو يصيح بها غاضباً:

انا عاوز اعرف بقى ايه حكاية اللى اسمه عمر و ده معاکی
نهضت إلهام وهي تقول بحدة :

وعلى صوتك يا بني آدم ... انت عاوز تعملنا فضيحه ولا أيه .. وبعدين وانت مالك ... أنت مجرد

حتة مهندس في شركتي ملكش دعوة بتصرفاتي ولا فاكر نفسك جوزي ؟

قال وهو يشير إليها محذراً:

أسمعي يا إلهام... أنا مش هسمح باللي في دماغك ده أنا فاهمك كويس

ابتسمت إلهام ساخرة وهي تقترب منه وتقف أمامه مباشرة قائلة:

أنت هتمثل ولا ايه .. عاوز تفهمتي الك يتغير عليا .... أنا عارفه كويس أوى انت خايف وقلقان منه ليه

ثم وضعت يدها على ذراعه وقالت :

ومتقلقش الخير كثير ونصيبك محدش هيلمسه في أي عملية ... خلاص ارتاح بقى ومتقعدش

تتنططلى كل شوية وتعملى فيها غيران

تركها وجلس على المقعد أمام المكتب وهو يستند بمرفقه إلى حافته قائلاً:

أنا عايز اعرف بس انت هتحتاجيه فأيه ؟ هو انا مش مهندس برضة ويخلصلك اللي انت عايزاه كله وأحسن .. عاوزه تحشر به ليه وسطنا ده بدل ما تقول يا حيطة دارينا

قالت الهام بعصبية :

أيه الألفاظ دى... حيطة ايه دى اللى تدارينا ... أنت ناسي احنا بنشتغل مع مين ولا ايه ومالك کده محسسني اننا بتتاجر في المخدرات.

وفقت خلفه ووضعت يدها على كتفه وقالت بحسم

أسمع يا نادر.. أنت متدخلش في شغلي ثاني وملكش دعوة بعمرو .. وبطل تضايقه في شغله .... أما بقى شغلنا الخاص من عاوزاك تقلق ... عمرو مش هيدخل في نصيبك هيبقى ليه نصيب

خاص بيه لوحده

هب واقفا وصاح مرة اخرى

وليه كل ده هيعمل ايه زيادة

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بجرأة

- بصراحة ..... عمرو ذكى أوى وليه لمحات كده في شغله بتحسسني انه فنان فعلا مش مجرد

مهندس كده وخلاص ومن الآخر عاجبني و عاوزه اکبره

أبتسم نادر بسخرية ممزوجة بالغضب وهو يهتف :

اه عاوزه تكبريه على قفايا مش كده

قالت منافقة وهي تجلس خلف مكتبها:

يوود أطلع من دماغي بقى يا نادر.. أنا جبتلك من الآخر وانت مش عاوز تفهم

أنكا على المكتب ونظر لها يتحدى قائلا:

دلوقتي أطلع من دماغك .. طبعا ما انت استغنيتي خلاص

قالت بلا مبالاة:

مش زي ما أنت فاهم على فكره

رفع حاجبيه وقال ساخراً:

كمان مش زي ما أنا فاهم ...

ثم ضحك قائلا:

يعنى لسه مدوخك ومطلع عينك .. أومال عاجبني ومش عاجبني وبعتيني علشانه وهو ولا معيرك

استندت إلى ظهر مقعدها باستعلاء وهي تضع ساقاً فوق الأخرى وقالت باستفزاز:

أنا مش هزعل من كلامك ده علشان مقدره حالتك كويس ... لكن متنساش مين هي إلهام .. أنا

محدش يقدر يقولي لاء .. لا عمرو ولا غيره ... وأنت مجرب

وفي صباح يوم عقد قرآن عبير وبلال كانت أعمال تعليق المصابيح والكهرباء تجرى على قدم وساق في شارعهم الصغير وسط مباركة ومشاركة من الجميع الذين أبهجهم خبر زواج عبير .

ابتسمت أم يحيى وهي تفتح بابها عندما وجدت فارس واقفا أمامها فقالت مرحبة:

أهلا يا أستاذ فارس اتفضل
قال بسرعة وعلى محياه ابتسامة واسعة :

لا معلش يا ام يحيى... مستعجل أوى ... كتب كتاب بلال صاحبي والأنسه عبير النهاردة.. أنت.

مش عارفة ولا ايه

قالت أم يحيى بسعادة .

لا عارفة طبعا ورايحة كمان شوية... هو في أغلى عندي من عبير .. دي هي اللي علمتني الصلاة

ونبهتني ليها

كان واضعاً يديه خلف ظهره وهو يتحدث وقال:

أومال مهرة فين ... مش سامع صوتها يعني بقالي كام يوم بتذاكر

طلب لديهالی ثواني بس مش معطل ....

لم يكمل عبارته حتى وجدها تدفع أمها من الخلف محاولة أن تخرج رأسها بجوار خصرها بصعوبة هاتفة باسمه تتحت أمها جانباً لتمر بجوارها وتراجعت هي قائلة:

- ياريتنا كنا افتكرنا شلن ....

واستأذنته قائلة:

طب عن أذنك يا استاذ فارس اشوف اللي على النار

نظر لها يتمعن وقال بمرح:

ايه ده مش معقول ... زي ما تكوني طولتي خير اللهم اجعله خير خمسة سنتي

كان يتوقع عاصفة رعدية بعد إنهاء كلمته الأخيرة ولكن العكس هو الذي حدث نظرت لنفسها

ووقفت على أطراف أصابعها وهي تقول بلهفة:

بجد یا فارس ... أنا طولت بجد

ضحك وهو يقول:

اه طبعا طولتي و كبرني و علشان كده بقى جايبلك حاجة هتعجبك اوى

وأخرج الشنطة البلاستيكية من خلف ظهره وأعطاها لها قائلا:

اتفضلي أو ستي ده بقى علشان تلبسيه في كتب كتاب عبير النهاردة

فضت الشنطة في سرعة شغوفة وأخرجت منها فستان وحجاب أعادت الحجاب في الشنطة على جسدها وقالت يتبرم :

مرة ثانية وأمسكت بالفستان بفرح وهي تعامل الوانه الهادئة المتداخلة في انسيابيه وضعته

بعد طول أو فارس هیکمیلنی

هز راسه نفيا وقال بتصميم:

لا طبعاً ولا هيكعبلك ولا حاجة... ده يدوب واصل لآخر رجلك

ثم أخرج الحجاب قائلا:

وده بقى هنليسيه فوقيه ... شايفه لونهم حلو ازاى على بعض

قالت وهي تمسك بشعرها:

بس انا كنت عاوزه اسیب شعري في الفرح النهاردة

عقد ذراعيه أمام صدره وأشاح بوجهه بعيداً عنها ولم يجيبها, نظرت إليه ملياً وهتفت فجأة:

طب خلاص متزعلش هليسه والله .. والله خلاص

التفت إليها وقطب جبينه وقال محذراً:

ولو محمود أخو عمرو ولا أي حد غيره حاول يكلمك مترديس عليه .. ومتجيش تقوليلي وسط

الرجالة.. لا.... ادخلى عند البنات جوه وتخليكي جوه على طول فاهمانی

اومات برأسها بقوة موافقة وهي تقول:

- حاضر یا فارس

تابع حديثه قائلا باهتمام

والحجاب ده متقلعي هوش تاني و متخرجيس من غيره .. ولما يكون يحيى عنده درس

متخرجيش من أوضتك أبدا إلا وانت لابساه

أومأت برأسها بقوة مرة أخرى توافقة ولكنها توقفت فجاة وقالت:

طب وانا نازله عندكم البسه برضة
كان الرد منطقى وطبيعي أن يقول نعم, ولكنه لا يعلم لماذا تردد, ربما لأنه يعتبر نفسه مربيها وولى أمرها وكأنه أباها أو أخيها الأكبر سناً، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح فقال:

أبوا طبعاً حتى وانت نازله عندنا تلبسيه .. أتفقنا

اتفقنا

كانت حفل عقد القرآن بسيطاً ولكنه ممتلىء بالبركة ولا عجب من ذلك فإن لم تكن البركة في الحلال بعد الصبر الجميل فاين تكون أنتهى المأذون من العقد قائلاً :

حد يودي الدفتر للعروسة علشان تمضى

المح والدها عزة تقف بين النساء فنادى عليها فاقبلت سريعاً وكأنها تنتظر هذا النداء لتلقي نظرة

سريعة على عمرو الجالس بجوار فارس وبلال راقب عمرو نظرتها فوجدها تبحث عنه وحده . وابتسمت عندما وجدته، أعطاها والدها الدفتر الكبير وأسرعت هي في سعادة إلى غرفة أختها التي كانت تحيطها أمها وام بلال وبعض النساء والجارات المحيات ووضعتها أمامها في شغف

- أمضى يا عروسة.. بالا ولا رجعتي في كلامك 15

ابتسمت عبير وهي تنظر إلى الدفتر وعزة تشير لها على المكان المخصص لتوقيعها وابتسمت أكثر عندما وجدت توقيع بلال وكأنها تراه هو شخصياً وليس توقيعه فقط، شعرت باضطراب ويخفقان شديد في نبضها وهي توقع بجانبه، وساد الصمت حتى أنها شعرت أن الجميع يسمع صوت نبضاتها المتلاحقة تتسارع أيهما ينبض أولاً، أخذت عزة الدفتر مرة أخرى بعد ان قبلت اختها مهنئة لها ومباركة لزواجها وسط زغاريد النساء المتعالية وعادت سريعاً لتلقى نظرة أخرى وهي ترد الدفتر الأبيها ولكنها لم تجده, مقعده فارغاً، بحثت بعينيها سريعاً في الغرفة فلم تجده

انتهت الأجراءات بمباركة الجميع وعناق فارس لـ بلال في سعادة كبيرة.

عادت عزة أدراجها خارج الغرفة والمكان مزدحم ظلت تبحث عنه وهي تتجنب الصدام بالرجال حتى خرجت خارج الشقة ألقت نظرة سريعة على السلم، وقبل أن تلتفت لتعود

سمعته يقول :

بالدوري على حد ؟

شهقت وهي تضع يدها على صدرها والتفتت إليه سريعاً قائلة:

فرعانني

عقد ذراعيه أمام صدره وقال بجدية:

- سلامتك

أطرقت للأسفل ثم قالت متوترة:

سامحتني ولا لسه

- أنت شايفة ايه ؟

أنت لسه مش على طبيعتك معايا

اصل عمر و برأسه داخل الشقة ثم عاد كما كان وهو يقول :

مش وقته الكلام ده ... بعدين نبقى تتكلم تلاقيهم بيدوروا عليا

كاد ان يدخل ويتركها ولكنه استدار إليها مرة أخرى وأشار إلى وجهها قائلا:

مش عاوزك تحطى مكياج قدام الناس تاني

وضعت يدها على وجهها بتلقائية وقالت :

انت عارف اني منحطش مكياج بس علشان النهاردة فرح عبير وبعدين الرجالة بعيد عن السنات

أوما برأسه وهو يقول متهكماً:

اه صح... يعنى مدخلتيش عند الرجالة مرتين و مخرجتيش دلوقتي بره الشقة مش كده

قالت منفعلة مدافعة عن نفسها:

انا خرجت ادور عليك

لاحت ابتسامة صغيرة على جانبي ثغره ولكنه أخفاها سريعاً وقال بجدية مصطنعة :

عموما يعنى انا ماليش حكم عليكي .... براحتك

قال كلمته ودلف للداخل كادت أن تمسك بذراعه التوقفه ولكن يدها توقفت في الهواء, زفرت بضيق فلم تستطيع استخراج ما بداخله وتركها في حيرة وكادت أن تظن انه نسيها تماماً أولا
آخر كلمة قالها وتعليقه على زينة وجهها

تنهدت في حيرة وداقت للداخل دون النظر لأحد وقفت أمام مرأة الحمام وأزالت الألوان العالقة بشفاها ووجنتها وعينيها وأعادة وجهها إلى ما كان عليه في صفاءه ونضارته الطبيعية

دخلت المرأة التي تسببت في حادثة وقوع عبير فوق السلم هي وابنتها, لا تبارك وأنها لتشمت ولتسخر شعرت بالحقد وهي ترى عبير في أبهى صورها قبلتها ببرود وهي تبارك لها بكلمات. خاوية غير صادقة ومن العجيب أن عبير كانت الدنسيتها تماماً ولم تتذكرها إلا عندما سمعتها تسخر وهي تحادث أمها قائلة :

والعريس بقى عدى الخمسين ولا لسه

كانت أم عبير أن ترد بعصبية ولكن أم بلال قاطعتها قائلة بزهو:

أبنى الدكتور بلال لسه مكملش ال 34 سنة

وأردفت أم عبير قائلة بحدة:

- وملتزم ويعرف ربنا

نظرت ابنتها إليها بحقد وهي تردد .... دكتور ا. ردت عبير قائلة :

ده الدكتور اللي عالجني لما وقعت على السلم ورجلی انکسرت یا طنط

لا تعلم عبير لماذا قالت ذلك ربما أنها فعلت ذلك بداعي أنثوى محض لا يعلمه ولم يختبره غير النساء خرجت المرأة مقهورة هي وابنتها، وبعد أن شاهدت بلال وسط الرجال، زادت قوة سخطها و قهرتها وهي تراه بلحيته المنمقة التي زادته وسامة وجاذبية وضحكته المجلجلة بينهم

التي تتم عن سعادته بهذه الزيجة .

أنفض الجمع وخلا الحبيب يحبيبه ولكن هذه المرة بعيداً عن الأعين المراقبة . أعدت أم عبير عشاء فاخراً لزوج ابنتها وتركتهما وحدهما في غرفة الصالون وتركت الباب مفتوحاً وانضمت إلى زوجها في غرفته, بينما كانت عزة تنظف في المطبخ آثار حفلة زواج اختها في سعادة وحيرة من أمر عمرو

جلس بلال على المقعد الملاصق لها أمام مائدة الطعام وهو يتأملها بحب, كان يتوقع من نفسه غير ذلك في تلك الليلة التي كان ينتظرها بشغف، ولكنه وجد نفسه مرتبكاً أكثر منها أخذ يتفحصها في سعادة كبيرة وفي صمت أيضا، قطعت هي ذلك الصمت ولكن بهمس وقالت بخجل:

- مش هتتعشى ؟

أنتبه من شباته وقال على الفور :

اه ها كل طبعا ده انا واقع من الجوع

حاول أن يطعمها في فمها ولكنها خجلت وامتنعت فقال:

ايه ده بقى عاوزه تحرميني الأجر ولا ايه

التفتت له متعجبة وقالت:

اجرايه

ابتسم وهو يقول :

متعرفيش حديث الرسول صل الله عليه وسلم : انك لن تنفع نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك .... شفتي بقى يعنى اللقمة اللي محطها في بوك

ما خد عليها أجر

أبتسمت بخجل وهو يمد يده و يضع قطعة صغيرة من اللحم في فمها ولكن احمرار وجنتها طفى وبشدة وكادت أن يغشى عليها حينما وضع اطراف أصابعه التي لامست شفتيها في فمه وهو يتذوقها متلذذاً و يتأملها قائلا:

في صوابعي طعمها احلو كده ليه

أشفق عليها عندما رأى تلون وجهها بعد عبارته فأراد تغير الحديث وقال بجدية :

أسمعى بقى من هنا ورايح مفيش دلع .. لازم تخفى بسرعة ... عاوزين تخرج مع بعض ونفسي

أوى أفسحك وتتمشى مع بعض كده وأدينا في أيد بعض زي الحبيبة

رای ابتسامتها فتابع قائلا:

خلاص اتفقنا من بكره ان شاء الله هنبدأ تمارين مكثفة

قالت عبير بصوت خفيض:

پس همانكسف أجيلك المركز

رفع حاجبيه متعجباً وقال:
وتيجى ليه ... أنا اللى هجيلك وهتعمل التمارين هنا ولو احتاجتي للجهاز هيقى اخدك على هناك

بنفسي

قالت بحياء وهي تضع خصلة شعرها خلف اذنها :

- هنا في البيت ؟

مال إلى الأمام وهو يتلمس خصلتها التي نامت على كتفها وقال هامساً:

اه هذا في البيت هو انت مش مراتي ولا أيه

ثم جعل صوته أكثر عذوبة وهمساً وهو يقول:

وبعدين كان في تمارين مش عارفين تعملها قبل كده.. افتكر بقى دلوقتي هنعملها بسهولة

وقبل أن تجيب اعتدل في جلسته وقال بشغف :

امبارح قرأت شعر حلو اوى وحسيت انه مكتوب علشانك انت ... قعدت احفظ فيه طول الليل علشان اقولهولك النهاردة

لم يتلقى منها اجابة إلا صمتها الخجول وعينيها الحبية فبدأ في سرد ما حفظه من شعر يهديه لها بصوت عذب هامس :

أحبك ... واحة هدأت عليها كل أحزاني

أحبك ... نسمة تروي لصمت الناس الحاني

و لو أنساك يا عمري ..... حنايا القلب تنساني

و لو خيرت في وطن ...... لقلت هواك أوطاني

إذا ما ضعت في درب ...... في عينيك عنواني

أخذت تنصت إليه وهي تشعر أن المكان غير المكان والزمان غير الزمان وكأن الغرفة الصغيرة. تحولت السحابة هادئة تمضى بهما في رحلة غير مماثلة إلى واحة هانئة ينفت الحب فيها عطره الفواح.

تعليقات