رواية للهوى رأي اخر الفصل السادس عشر
ضاقت الغرفة من حوله، واقفًا بمنتصفها طفل صغير يبحث عن نافذة أو باب ليخرج منه ولم يجد سوى الحائط في كل اتجاه، وتلك الجثة الممددة من خلفه وهو فقط في تلك الغرفة الباردة حتى شعر بتلك اللزوجة أسفل قدمه، فإذا بالدماء تخرج من الحوائط والأرض بصورة سريعة مرعبة، ولم يجد صوته ليصرخ خوفًا وقدمه متيبسة مكانها وجسده ينتفض بقوة.
انتفض برعب من على فراشه حتى كاد يسقط من عليه، يلهث بعنف والعرق يتصبب من كامل جسده، مسح على وجهه وهب نافضًا عنه الغطاء باختناق ووجه متعبًا.
لن يهدأ، لن يشعر بتلك الطمأنينة والسكون، أشياء حُرمت عليه وأخرى فُرضت، بسمة قاسية ساخرة ارتمست على وجهه شاعرًا بالغباء، هو الذي لم يستطع أي من رجال الأعمال حوله أن ينالوا منه شيئًا لا يريده، فإذا تأتي هي وبسهولة تستولي على قلب وضعه هو بإرادته بين يديها.
اتجه للمنضدة ناظرًا لتلك الورقة وما معها والغضب يتأجج به مرة أخرى.
(عودة للوراء)
توقف قاسم بسيارته أمام بوابة قصره الداخلية، يومًا مرهقًا وطويلاً وها هو اليوم الثاني بدأ في البذخ ولم يحظَ بنوم يعيد له تركيزه، استند برأسه للخلف وأغلق عينيه وعقله يأبى أن يريحه للحظات.
من بعد ما أنهى عمله سريعًا توجه مباشرة لحفل موسي ولقاءه بأم... بكاميليا وشقيقته، كان يرغب بحضورها معه وبدأ مد خيوط الوصل بينهما برفق، لكنها صعبة الرأس عنيدة، تقبل مساعدة غريب عن شقيقها، ابتسم بسخرية من نفسه واعترف أنه لم يكن الشقيق المثالي ولكنه حاول، حتى لو كان بعيدًا عن الصورة، فالوضع ليس طبيعيًا بالمرة والاحتكاك بكاميليا يتطلب منه ثباتًا وصمودًا واشتعال كره وذكريات موجعة بداخله لا يعلم عنها أحد سوى سواه.
كل ما يحزنه ويغضبه في آن واحد هو ترك دهب بمنزل موسي رغماً عنه، رفض دهب مع محاولات إقناع موسي ووالدته ببقائها، كان صعبًا عليه أن يترك شقيقته بمنزل صديقه دون صفه حتى بوجود والدته، وقرار موسي بطلبه الزواج من دهب كان أكثر ما صدمه اليوم، وبعد محاولته في خروجها معه خرج هو خالي الوفاض.
فاتركهم على مضض وحنق شديد رغم اطمئنانه الآن أكثر من وجودها مع كاميليا، فهي الآن تستشيط غضبًا وربما اشتعالها يحرقها.
فيروز
تمتم باسمها ببطء خافت لم تعرف بعودته بعد ولم يملك الوقت ليهاتفها، لن ينتظر أكثر، سيحدث كمال غدًا في موضوعهم بجديّة كما وعدها، يريدها بجانبه يحتاجها، تعيده لعهده الهادئ تجعله سعيدًا... والسعادة لشخص مثله لم تكن متاحة، والراحة كلمة لا يعلم عنها سوى اسمها.
_قاسم باشا حمد الله على السلامة
انتبه من شروده ورفع رأسه للحارس، ثم أشار لسيارة حراسته من خلفه بالمغادرة، خرج من سيارته بإرهاق ولا رغبة له سوى أن يرتاح قليلًا، استوقفه الحارس ومد له ظرفًا مغلفًا وقال:
_في واحدة جات وطلبت نوصل لك الظرف ده وأكدت ما حدش يفتحه غير سعادتك
مسكه قاسم وقلبه على الجهتين متسائلًا:
_مين دي؟
_مانعرفش يا باشا ورفضت تقول اسمها
أومأ له ودخل لقصره متجهًا لغرفته، ألقى بالظرف بإهمال واتجه للمرحاض اغتسل وتمدد على الفراش ثم انتبه للظرف فأستند بكوعه وفتحه حتى ظهر ما به، للحظة لم يفهم قاسم ما مكتوب في الورقة، حتى جرت عينيه على صياغة ورقة الزواج العرفي وما جعل عينيه تجحظ مكانها اسم فيروز في نهايته، نهض والصدمة احتلت كل جزء بعقله وظل يعيد قراءة كل كلمة في عقد الزواج واسم فيروز يختتمها ومجموعة صور لها جعلت الدماء تندفع لرأسه حتى شعر أنه سينفجر، اتجه للمرحاض ووضع رأسه أسفل الماء عدة دقائق وهو يقنع نفسه أن هناك شيء ما رغم فظاعة الصور، أرسل بالورقة للمحامي الخاص به وبصورة سريعة طلب التأكيد من صحة إمضاء فيروز والورقة والصور، ولم يستغرق الكثير من الوقت وأكد له أنها صحيحة، ثم فقد قاسم آخر ذرة في صبره وغضبه واتجه إليها بعد ما أخبروه الحراس بمكان تواجدها.
(عودة لوقت الحاضر)
فتح الباب وشاهدها منزوية بركنٍ بالغرفة، تنظر إليه بتوجس، التوى فمه بابتسامة ساخرة مع نظراته المهينة لها، جلس على الكرسي الوحيد الموجود في الغرفة ووضع قدما فوق الأخرى بغرور، وحدة عينيه جعلتها تخفض نظرها عنه، سمعت صوت تنفسه كأنه يقاوم شيء ما بداخله، رفعت رأسها فجأة وتسائلت:
_ وبعدين هاتفضل حابسني لإمتى؟
قست ملامحه أكثر وخرج صوته جامدًا مريبًا:
_ ومين قال إنك هاتطلعي؟
ابتلعت ريقها ورمشت عدة مرات بخوف رغم هدوء تساؤلها:
_ يعني إيه؟
_ هاقتلك بالبطء يا فيروز.
ضاقت عينيها تنظر لكائن لم تراه من قبل يشبه شخصًا ما كان يتودد لها يومًا، لكن الجالس أمامها بتلك الهالة السوداء القاسية لا تعرفه، وددت لو تصرخ بأعلى صوت لها أنها تريد قاسم عمران لينقذها من الوحش... لكنه هو الوحش.
_ انت مين... أنا ما أعرفكش ولا أنت تعرفني، قاسم هو اللي يعرفني ومش هايصدق ده عني.
صرخ بها فجأة مما جعلها تنتفض مكانها:
_ كفاية تمثيل بقي، خلاص شوفت وشك الحقيقي وتربيتك الو##
وقفت أمامه ولم تدري من أين جاء صوتها العالي رغم ارتجافة جسدها:
_ انت صدقت علشان عايز تصدق، وهمتني إنك تعرفني وهاتكون الدفاع دايمًا، طلعت شبهم على الأقل هما واضحين من البداية لكن انت اللي أكبر ممثل وكداااااب.
أنهت آخر كلماتها بصوت مقهور فتلقت صفعة مفاجئة جعلت رأسها تلف للجهة الأخرى، ثم مسكها بقوة من خلف شعرها صارخًا بوجهها:
_ كداب وممثل، لما أنا ممثل أنتي تبقي إيه؟ ده أنتي تاخدي أوسكار في التمثيل والخداع، ده أنا شايفك معاه على السرير واسمك على ورقة الجواز، العرفي ها ماهو الرسمي ده للناس المحترمة واللي بكل غباء مني كنت هاديكي الشرف ده في النور.
نظرت بعينين جامدتين رغم تحجر الدموع بهما:
_ انت غبي فعلا.
تلقت صفعة أخرى فصرخت بوجهه أشبه للجنون:
_ وضعيف وبـ1000 وش!
دفعها للجدار من خلفها صارخًا هو الآخر بصوت جهوريًا، تردد صداه بالغرفة التي لا تحوي إلا عليهما، وعروق رقبته تكاد تنفجر ووجهه أحمر من غضبه وعيناه مخيفتين كالجمرتين:
_ انتي لسه ماشوفتيش أسوأ ما فمّا ماتخليهوش يطلع دلوقتي.
بهدوء أزاحت خصلة عن وجهها المزين بعلامات أصابعه وبابتسامة ساخرة وعينين غاضبتين في مواجهته:
_ حاسس إنك قوي مش كده؟ لأول مرة أشوف قاسم عمران على حقيقته،
إنت ولا حاجة.
هجم عليها وشد على شعرها حتى أصبح وجهها بين قبضتيه القويتين:
_ اخرسي!
وفيروز تضغط على شيء لا تتدرك خطورته، لكنها مجروحة ومقهورة، وإحساس الظلم لا يستهان به خصوصًا لو من من كنا نظن أنهم السند.
كانت أعينهم تلاحق بعضهما بجنون وصوت تنفسهم العالي اختلط ببعضه من قرب وجوههم، ينتفض كلاهما وتعبيرات وجوههم تحكي معاناتهم والعذاب.
_ عمري ما هاسمحك يا قاسم، حتى لو جتلي تبكي وتتوسل، لأول مرة هاستنى الزمن يدور علشان آخد حقي منك.
ترك وجهها ببطء، فسقطت عبراتها واحدة تلو الأخرى، ابتعد عنها حتى ترك الغرفة بأكملها، نزلت ببطء حتى جثت على الأرض تبكي ولا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك، تبكي الظلم والخذلان و... الحب.
يا إلهي لقد وقعت في مصيدته بإرادتها، أخذ قلبها في غفلة منها بوجهه الزائف فاصطدمت بحقيقته وحقيقة أنها.. أحَبته.
استند برأسه على الجدار مغمضًا عينيه.. متعب ولا سبيل لراحته، استمع لصوت بكائها الخافت يزداد و يزداد وصداه يرن بداخله، فأبتعد مسرعًا عن الباب وكأن هناك شبح يلاحقه.
..............
عم الصمت المكان، بعد صدور موافقتها، خلت الغرفة إلا منها، لا تعرف ما الذي تنتظره بالضبط، لكن من الواضح أن مازال للحديث بقية في الأسفل وقد غادر قاسم منذ فترة.
اختارت أن تبتعد ولو قليلاً، جالسة على الأريكة المريحة ورأسها عائد للخلف، عينيها تنظر للسقف المزخرف.
لا تعرف كيف أصدرت موافقتها، ولماذا لم تقل لا.
عقلها يقول ترفض، علاقة غير متكافئة، مشحونة، يكسوها الخزي من أفعال والدتها، ولحظها على علاقة وطيدة مع أخيها بينما علاقتها معه حادة وبعيدة عن الأخوة، كبرياؤها الذي تزحزح وشعورها الأول بالخزي بجانبه والأقلية.
أما قلبها... قلبها يهتف بنعم، ويُلِح عليها أن تضرب بكل حديث العقل عرض الحائط، وتكون معه وتحظى به، لكن يعود العقل مرة أخرى يقول إنها لم تمتلك قلبه، موسى رشيد لم يدق قلبه لها بعد.
أغمضت عينيها بتعب وإرهاق سيطر عليها، حتى غفت وانتظمت أنفاسها ومازالت على وضعها.
دخل موسى بعد أن انتهى من نقاش طويل مع قاسم في الأسفل، اقترب بهدوء حتى أصبح قبالتها، تآمل سكونها وانتظام أنفاسها، أدرك أنها غفت بجلستها، لاحَت ابتسامة على شفتيه وقد راق له رؤيتها بذلك السكون، جلس أمامها عائداً بظهره للخلف.
دهب، تلك التي اقتحمت حياته وقلبها، تلك التي جعلته ينطق بطلب الزواج منها بعد كل ما مر به، رغم علمه بسبب قبولها والذي يجعل أي رجل آخر لا يقبله،
لكنه وجد نفسه منتهزًا قبولها، تعجبه ولا ينكر، قوية وذات كبرياء، كانت تقف وتجابه، رغم أنها تملك بعض التعقيدات الداخلية إلا أنه قادر على تفككها.
تململت دهب وأصدرت تأوهًا ناعمًا، رمشت بعينها حتى فتحتها، مالت برأسها معتدلة وقابلت عينيه بتفحصها له.
عينيه المرتكزة عليها وملامحه الوسيمة، تخلى عن حلته ورباط عنقه، لم يتبقَ سوى القميص الذي فك أزراره الأولى ورفع أكمامه لمرفقيه، مؤكدًا أن الليلة كانت مؤرقة والنقاشات بالأسفل أرهقته، ربما لم يكن عليه أن يتدخل وأن يكون جزءًا بكل ذلك العبث في حياتها المتفككة.
_ كتب الكتاب بكرة
اتسعت عينيها وقالت:
_ بسرعة كده
احتار بها، أليست تلك التي كانت تحاول الوقوع به بمكتبه، والتي جاءت إليه خصيصًا ولم تكن تتوانى عن لفت أنظاره إليها سواء بأفعالها العفوية أو المغوية، ماذا دهاها! لماذا يرى ذلك التردد!
خائفة مثلاً أم تخجل... أم ربما شربت من كامليا اللوع؟؟!
_ قاسم مش هايسيبك هنا من غير صفه لوجودك، وأنتِ رافضة تدخله، وأنا مش هاسمحلك تمشي خصوصًا بعد موافقتك، مجرد ليلة يا دهب و هاتبقي حرم موسى رشيد.
............
دخلت غرفتها ولم تجد لها أثر، هاتفت والدها على الفور تخبره بأختفاء فيروز المفاجئ، جذبت حقيبتها ونزلت، وقبل أن تفتح باب سيارتها وقف أمامها ياسين فجأة هاتفًا بها بحدة:
_ انتي ما بترديش عليا ليه؟ ميت مرة أقولك لما اتصل بيكي تردي، بقالي أسبوع بحاول أكلمك.
ارتفع أحدي حاجبيها وبسخرية أجابته:
_ سوري أنا مش متاحة وقت فراغ سيادتك.
_ ايه اللي بتقولي ده؟
دفشته بصدره بقوة تبعده عنها:
_ زي ما سمعت يا ياسين أنا مش وقت فوقانك وبالليل بتبقي خارج الخدمة مشغول في السهر والشرب.
رغم ضيقه من معرفتها إلا أنه هتف بها:
_ وعرفتي منين سيادتك؟
اقتربت منه وبعينين رأى الحزن بهما وشيء آخر رفض الاعتراف به:
_ وأنت قريب منها وبترقص معها لما قربت وهمست لها، همست لها إيه؟ قولتلها كلام ما اللي كنت بتقولو ليا، قولتلها إنها عجباك وبسطاك،
أنا بعترف إنها مش هبله زي وعارفة هي بتعمل إيه، لكني كمان جبت أخرى، وانت الخيانة بتجري في دمك يا ياسين.
تجمدت ملامحه وعيناه تجري على ملامحها برفض ما تلمح به، لم تسكت أسيل بعد، فبِعذاب قالت:
_ مش أول مرة، عارفة بكل نزواتك، أنا ما أستهلش أكون مع واحد مش ماليه عينيه، أنا مش عايزاك.
_ أنا ماخونتكش بالمعنى اللي...
قاطعت تبريرة السخيف هادرة بوجهه وقد طفح الكيل منها:
_ هي الخيانة عندك شكلها إيه بالضبط، سرير وبس، يعني ممكن أروح أصاحب شباب النادي كلهم وأجي أقولك عادي يا بيبي ما أنا مانمتش معاهم؟
صرخ بوجهها بصوت جهوري محذرًا من تماديها، جاذبًا إياها من يدها بحدة، من بين أسنانه هتف:
_ أوعى تتمادي في السكّة دي معايا يا أسيل.
_ انت بتخرج أسوأ مافيا، ابعد عني.
جذبت يدها منه وجلست بسيارتها، فأفتح بابها هادرة بها:
_ انتي بتعملي إيه؟ انتي ما بتعرفيش تسوقي.
التوى فمها وأجابته بنبرة ذات مغزى:
_ اتعلمت.. شوفت أد إيه انت مالكش دور في حياتي.
تركها حتى لا يحتد النقاش بينهما أكثر، وبقلب منقبض نظر ياسين لأثرها ويظهر أنه قد ضغط أكثر من اللازم بالفعل.
.............
دخلت في عرين الأسد وحيدة، كانت ضامة ركبيتها إلى صدرها وكتفيها مثقلتين بالهموم.. لا تعرفه، اعترفت بداخلها أنها لا تعرف الوجه الآخر من قاسم عمران، ذلك الوجه الذي يخشاه الجميع ولم تراه هي لظنها أنها استثنائية بالنسبة له.
ولكن، وفي الحقيقة هي ليست كذلك، ذلك الوجه في صورة أكثر قسوة وجبروت من قاسم عمران....
اختنقت أنفاسها فجأة ومرت بعقلها صورة لجلسة شبيهة في غرفة مظلمة بجانب جدار بارد صلب وهي طفلة كعقاب لها لأشياء لم تفعلها بل كانت افتراء من مروة، اختنقت أكثر وكورت قبضتيها بعنف رفضًا لكل ما تعايشه، فجأة استقامت متوجهة للباب ضاربة عليه بقبضتيها بقوة وغضب وكبت وقهر صارخة بأعلى صوت لها، لن تصمت بعد اليوم لن تسمح أن تكون الطرف الأضعف كما عاشت طوال حياتها:
افتحواااا افتحواااا افتح يا قاسم أنا مش كلبة حابسها عندك، افتح بقولك، أنا مش خايفة منك وتعالي واجهني تعال وريني دليل إدانتي اللي لسه ما شوفتوش، تعال قولي مين اللي اتجوزته عرفي،
اختنق صوتها أثر صراخها العالي وازداد ضرباتها على الباب:
_ أنا مش خايفة منك يا قاسم عمران سامعني،، خرجني من هنااااا خرجوني.
ضرب على المقود بغضب بعد أن أخبره الحراس بصراخ فيروز المستمر دون انقطاع، عاد بسيارته للقصر بوعيد لفيروز وتصرفاتها التي تجعله يخرج عن شعوره، فتحوا الباب الرئيسي بعد أن ضرب بوق سيارته بنفاد صبر وحنق، بخطوات واسعة اتجه للغرفة المحتجزة بها والتي وصل له صوت صراخها من الأسفل، فتح الباب على مصراعيه وملامحه غاضبة قاسية قابله وجهها الشاحب وصدرها الذي يعلو ويهبط من الانفعال، هاتفا بها بحدة:
_ فاكرة إنك كده هاتخرجي؟
_ أنا مش حيوانه حابسها يا قاسم، أنا ماعملتش أي حاجة من اللي قولتها، صدق أو لا مبقاش يفرق معايا، أنا عايزة أخرج من هنا.
التوى فمه بتسليّة مع ارتفاع حاجبيه:
_ ده إيه التحول المفاجئ ده؟ إمبارح بس كنتي عامله زي الفار من خوفك.
_ كنت غلطانه، أخاف من إيه وأنا ماعملتش حاجة، إنتو اللي خلتوني دايمًا جبانة وخايفة، إنتو اللي دايمًا بتعاقبوني على حاجات ماعملتهاش.
_ مصدقة الكلام ده بذمتك؟
_ أنا مصدقة نفسي، أما أنت أو غيرك مايفرقش معايا تصدقوني ولا لا، سيبني أخرج يا قاسم وهابعد عن هنا خالص ومش هاتشوفوش وشي تاني أبدًا.
بحركة مفاجئة أحاط ذقنها بكفه ضاغطًا عليها ومن بين أسنانه قال:
_ بالسهولة دي، في حساب لازم تدفعيه، اللعب معايا مش سهل ومش بمزاجك تنهيه.
بعينين بدأت تلمع، رغم نظراتها الخاوية همست فيروز بخفوت:
_ ماحدش خسر قدي.
دارت عينيه في عينيها، في لحظة ضعف منه همس لها:
_ وقلبي!!
سقطت دمعة واحدة ثقيلة من عينيها، فاتبعها بعينيه حتى سقطت على ظهر كفه، فانظر ليده ثم لعينيها ولشفتيها التي همست:
_ انت ماعندكش قلب.
_ مش هاتخرجي من هنا.
بحركة مفاجئة ووفي غفلة منه اندفعت فيروز من باب الغرفة المفتوح والذي بسهو من قاسم لم يغلقه، ركضت بكل ما لديها من قوة وهو من خلفها يهتف باسمها محاولًا اللحاق بها، نزلت درجات السلم ثم فتحت الباب وركضت إلى الحديقة، التفتت حول نفسها تبحث عن مخرج، أسرعت في ممر جانبي وجدته قبالتها ثم وجدت نفسها أمام مسبح كبير ومن حوله لم تجد أي مخرج، التفتت برأسها وجدته خلفها واضعًا يده في جيب بنطاله وبنظرة سخرية أغاظتها، فصرخت به:
_ خرجني من هناااااا!
تحرك اتجاهها بخطوات بطيئة جعلتها تبتعد للوراء بريبة منه وعينيها تبحث حولها عن أي منفذ لهروبها من بين براثنه، ثم دون أن تنتبه سقطت وهي تعود للخلف في مياه المسبح من خلفها، صدمتها برودة الماء وعمق المسبح وقدميها لا تلامس الأرض من تحتها، غطست برأسها وسعلت باختناق ويدها تتحرك بعشوائية محاولة النجاة.
فجأة وجدت نفسها مرفوعة لأعلى فأخذت شهيقًا عميقًا عدة مرات مع سعالها من المياه التي تجرعتها من فمها وأنفها، التفتت برأسها وجدته هو من يجذبها لأعلى مبتلًا بأكمله يضمها من خصرها حتى جعلها تلتف إليه وجسدها بأكمله ينتفض من برودة الماء، لفت رأسها ودوار أحاطها، فأستسلمت مرحبة بتلك الغيمة حتى مالت برأسها مغشيًا عليها، فأستقبلها قاسم متمسكًا بها من الغرق.