رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والرابع و العشرون
قالت دينا ذلك وهي تقيس ردة فعله بعينين جشعتين تبحث عن شق في ملامحه تركة من ذنب رعشة في الصوت أي اعتراف ضمني يعيد لها وهم الامتلاك حتى وإن جاء على هيئة بادرة صمت لكن خلف كلماتها المترجرجة كانت تدبر أمرا آخر... فهي تعلم أن الحياة لا تغلق أبوابها جميعا في وجه من يشبهها فكم من الرجال الذين يملكون المال والسلطة سيلاحقونها وتعلم أن اسمها وحده بات كافيا ليفتح لها أي قصر تريده لم تخلق لتحرق نفسها على مذبح ظافر وحده.
ورغم ذلك حين أجابها بصوته المتماسك كجدار بلا نوافذ
أفهم لكن لا شيء لدي لأقوله
انكفأت كل احتمالاتها في داخلها ككأس أسقط من حافة مائدة.
ثم ودون أن يمنحها طرف نظرة صعد إلى السيارة وانطلقت أمامها تاركة خلفها ذيول الصمت والغبار.
وقفت دينا في مكانها كتمثال يتآكله الحقد من الداخل. حتى جاءها صوت إيفون من الخلف تحمل نغمة فضول
كيف سارت الأمور يا دينا هل رفضك السيد ظافر
ارتجف فك دينا لكنها لم تسمح للغل بأن يخرج عبر لسانها وقالت بخبث مغطى بعاطفة زائفة
لم يقل شيئا... أعتقد أنه غاضب.
كذبت لكنها كانت تدرك أن إيفون تعرف ذلك جيدا.
ابتسمت إيفون
إنه يهتم لأمرك. لولا عودة سيرين لكان
قد تزوجك الآن.
كانت كلماتها مثل مرهم مالح يدهن على جرح مفتوح. كذبة محملة بالرثاء أكثر من الطمأنينة.
لقد غابت سيرين لخمسة أعوام كاملة ومع ذلك... لم يفكر ظافر حتى في النظر نحو دينا كزوجة.
همست دينا وهي تتقمص دور الضحية ببراعة
لا أظن أنه سيتزوجني... أنا يتيمة لا أستحقه.
ورغم تمثيلها صدقتها إيفون أو على الأقل... تقبلت المشهد كما أرادته دينا أن يرى.
قالت إيفون تمدحها كالمنتصرة على السلم الاجتماعي
لا تقولي ذلك يا دينا أنت معجزة نحن جميعا أبناء آبائنا... أما أنت فبنيت نفسك بيديك. إن لم يتزوجك هو سيتزوجك سواه الأثرياء مثلنا يملكون عيونا... ولن تظل تلك العيون غافلة عنك طويلا.
هزت دينا رأسها بخنوع مصطنع بينما كانت الأفكار تطن في عقلها كأسراب من الذباب الأسود لم يكن لظافر أن ينقذها لكنها لن تسقط وحدها.
فجأة توقفت سيارة لينكولن سوداء فارهة أمام الفندق وحالما نزل زجاج النافذة ظهر وجه رجل أنيق بملامح مصقولة كصفحة مجلة.
قالت إيفون بمرح
صديقي هنا ليأخذني... إلى اللقاء!
ثم ركضت نحو السيارة كفراشة تتبع الضوء.
تابعتها دينا بعينين متحجرتين ثم التفتت نحو لورا تسألها دون أن تبعد ناظريها عن السيارة
من
يكون هذا
أجابت لورا دون اهتمام
تريفور لامبر... والده يملك شركة أزياء عالمية.
ظلت دينا تنظر نحو السيارة التي ابتلعتها شوارع المدينة بعين لا تنظر إلى ما هو بل إلى ما قد يكون.
حين عاد ظافر إلى القصر لم تسأله سيرين عن دينا لم تلمح لم تحدق به كما اعتادت حين يخون صمتها الغيرة كانت عيناها ساكنتين أشبه بمرآة لا تعكس شيئا.
قالت بهدوء فيه نغمة باهتة من الانتظار
زاف ألم تعدني بأن تأخذني اليوم لزيارة نوح
تطلع إليها للحظة وملامحه لا تزال تحمل ظلالا من حفل الأمس لكنه لم يتردد
هيا بنا.
كان قد وعدها ولم ينس رغم صخب الجوائز ورائحة المجد الطازجة جاء يبحث عنها كما لو أن في داخله رجفة لا تهدأ.
لكنها فاجأته وصوتها يأتيه كنسمة مشوبة بالتوجس
هل يمكنني الذهاب وحدي
عندها نظر إليها نظرة لم تكن تحمل سخطا ولا دهشة بل شيئا أقرب إلى التنبه والخوف وكأن جسده كله توقف ليستمع لصوت دواخلها إذ كانت تتصرف بغرابة ذلك النوع من الغرابة الذي يسبق الانفجار.
نفس العبق نفس الهالة التي أحاطت بها قبل خمس سنوات حين وضعت كلمة الطلاق على الطاولة كأنها شفرة.
لا.
قالها بحزم كمن يدافع عن حصنه الأخير.
هو يعلم يعلم أن نوح هو الحبل
الأخير الذي ربطها بهذا القصر ربطها به.
ابتلعت صمتها ثم قالت بصوت أكثر هدوءا
في هذه الحالة هل يمكنني قضاء بعض الوقت معه وحدي دون رقابة دون أعين تترصدني وتزن خطواتي
رمقته مطولا بنظرة فيها رجاء مغطى بقناع من النعومة.
لم يستطع الرفض لم يكن يملك رفاهية أن يضع مزيدا من الحواجز بينها وبين الطفل وافق وبصمت ثقيل غادرا سويا قصر نصران الذي لم يكن يوما بيتا بل حصنا من القيود المقنعة بالذهب.
في مكان آخر داخل قصر الغابة حيث كانت الأرواح تخفي وجوهها خلف الأشجار والظلال كان نوح جالسا يهدهد يخاطب زكريا بصوت لا يخلو من دهشة
هل حقا استوليت على أكثر من سبعة مليارات دولار يا زاك
رد زكريا بحيرة
نعم لكن لم أجد طريقة آمنة لتحويل المبلغ إلى حساب خارجي بعد.
كان المشهد أعقد مما يبدو.
لو حاول زكريا التصرف بغباء لأوقع نفسه في فخ محكم فظافر ليس بالرجل الساذج لم يبلغ الشرطة لم يحرك شكوى واحدة لأنه أراد أن يرى النهاية بنفسه أن يسحب الخيط حتى يصل إلى عنق الخائن.
وفجأة خطرت لنوح فكرة كانت كالشهاب وسط عتمة تفكيره
استخدم العنوان هنا
ساد الصمت للحظة.
تردد زكريا ثم انفرجت أساريره كمن وقعت عليه نعمة خفية.
لماذا لم
أفكر بذلك من قبل سأجعله يحقق في الأمر بنفسه الليلة.
