رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والخامس و العشرون 225 بقلم اسماء حميدة

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والخامس و العشرون


بينما كانت سيرين تتمشى مع نوح في حدائق قصر الغابة كانت عيناها لا تهدأان تتنقلان بين زوايا المكان تتفحصان الكاميرات المحيطة كمن يبحث عن ظل خفي يتربص بهما. كل شيء كان تماما كما رسمه نوح كل زاوية كل ممر كل شجرة... وكأن القصر نفسه يراقب أنفاسها.
وحين بلغ المسير بهما رقعة منسية من الحديقة حيث الأشجار تتشابك فروعها جلست بجانبه على المقعد الحجري المغطى بالطحالب وخفضت صوتها قائلة
نوح... ثمة أمر أود الحديث معك فيه.
التفت الطفل إليها بعينين لامعتين فيهما ذكاء فطري وخوف مكتوم
تمام.
اقتربت منه أكثر كأن الكلمات ثقيلة تحتاج أن تحمل على الهمس
أخطط لأخذك إلى المنزل بعد أيام قليلة لذا أحتاج منك أن تتهيأ أن تكون شجاعا ومستعدا حسنا
هز رأسه بحماس ناضج لا يليق بطفل في عمره
بكل تأكيد.
مسحت على شعره بحنان يختلط بالذنب وابتسامة حاولت بها أن تخفي توترا يتصاعد في صدرها
لكن يا صغيري سيكون هذا سرنا الصغير لا يمكنك البوح به لأحد لا للمربيات ولا حتى... السيد ظافر. هل وعدتني
رفعت إصبعها الصغير فمد إصبعه بدوره ليلتقي بها وابتسم قائلا
إنه اتفاق.
ومع أن الكلمات بدت مطمئنة إلا أن قلبها ظل يضج بالقلق فالطفل ما زال صغيرا بريئا وعالمهم مليء بالكمائن.
لكن نوح قرأ الهواجس في عينيها مال نحوها

هامسا
أمي... أعلم أن السيد ظافر اختطفني من أجل المال. أنا لست غبيا.
شهقت سيرين في سرها. لم تتوقع ذلك النضوج المختبئ خلف ملامحه الطفولية لكن كلماته رغم حدتها أبهجتها... أعطتها بصيص طمأنينة بأنها لم تنجب طفلا عاديا ولأن التفسير قد يجرح أكثر مما يوضح اختارت أن تجاري منطقه
أجل لهذا السبب عليك أن تعتني بنفسك جيدا حتى أعود إليك.
ربت على صدره وهمست بنبرة مفعمة برجولة مبكرة
لا تقلقي أني...
أخرجت سيرين من جيبها جهاز اتصال صغير بالكاد يرى وركبته بخفة في طية قميصه
حبيبي سأتواصل معك من خلال هذا قبل أن نبدأ. فقط أعدني ألا يراه أحد لا ظافر ولا غيره.
رد بثقة الكبار وابتسامة من يملك مفتاح اللعبة
أعدك وستنجح المهمة.
وقبل أن تدير ظهرها استدار نحوها 
كان ظافر واقفا في الطابق العلوي على بعد خطوات من نافذة زجاجية تطل على الحدائق الخلفية للقصر. حدق من خلف الزجاج بعينين تكسوهما ظلال من الحيرة والضياع كأن الزمن قد أوقف أنفاسه ليراقب معه ذلك المشهد الهش في الأسفل. عيناه لا تتزحزحان عن سيرين وهي تسير بجوار نوح... خطواتهما بطيئة كأنهما يتعمدان التمهل كي لا يصطدما بالعالم القاسي المتربص في كل زاوية من زوايا هذا القصر.
دلف ماهر إلى الغرفة بعد أن طرق الباب طرقا مترددا قاطع شروده يحمل في
يده أوراقا مشدودة الأطراف تخفي أسرارا أعجزتها الأيام عن النطق بها.
قال بصوت هادئ متزن
سيدي ظافر القسم القانوني أنهى ترتيبات نقل الأصول التي طلبتها.
استدار ظافر ببطء يرمقه بنظرة مختلطة فيها من الثقة قدر وفيها من الحذر أضعافه.
فهمت.
سأل ماهر
هل أبلغ السيدة سيرين بذلك الآن
لكن ظافر لم يجب. عاد بنظره إلى الحديقة يبحث بعينيه عن تلك الظلال الهادئة... لكن فجأة اختفى كل شيء لا أثر لسيرين ولا لنوح فراغ خادع اجتاح البصر كأن الأرض ابتلعتهما.
انقبض قلبه أغلق عينيه للحظة ثم اندفع خارج الغرفة بخطى متسارعة وشعور موحش ينهش صدره
هل فعلتها
هل اختارت أن تهرب وتتركه عالقا في شباك خيباته القديمة
هل أعادت تمثيل مشهد الفقد كما حدث له ذات زمن بعيد
لكنه ما لبث أن لمحها واقفة عند بوابة الحديقة وبجوارها نوح.
شهق صدره براحة لكنها راحة مشوبة بالحذر لم تهرب لا تزال هنا.
ابتسم نوح وقال بنبرة طفولية مهذبة
مرحبا سيد ظافر.
طلبت سيرين من نوح أن يذهب إلى المربيات
قال بصوت مبحوح بالمشاعر
سأفتقدك يا أمي... أراك في المرة القادمة.
غادرت سيرين مع ظافر إلى السيارة. وتبعهما ماهر لكن شيئا في الطريق أشعل الشك في قلبها فهم لم يتجهوا نحو القصر مجددا بل انحرفوا في الطريق نحو مكان آخر.
سألت محاولة أن تبقي نبرتها
هادئة
إلى أين نحن ذاهبون
أجاب ظافر دون أن يلتفت
إلى المكتب.
مر الوقت ببطء ثقيل إلى أن وصلوا إلى مبنى مجموعة نصران حيث يقبع المكتب الرئيسي في الطابق الأعلى تحرسه جدران زجاجية لا تخفي شيئا سوى ما يجري خلف الأرواح.
دخلوا مكتب الرئيس التنفيذي وهناك قدم ماهر ملفا جلديا أنيقا ووضعه أمام سيرين على الطاولة.
نظرت إليه وقد غشت الحيرة عينيها فتحت الغلاف لتجد في الصفحة الأولى عنوانا واضحا
اتفاقية نقل ملكية
تصفحت الأوراق. كل سطر كل فقرة كانت تشير إلى مشروع من مشاريع عائلتها تلك الشركة التي ولدت بين أنامل جدها ونمت مع أبيها وكادت أن تدفن مع أخيها الآن تعود إليها على يد من ظنه الجميع طامعا.
رفع ظافر نظره نحوها وقال
إذا لم يكن هناك أي خطأ بعد المراجعة يمكنك التوقيع.
لحظة صمت كل ما قيل عنها وعن زواجها منه انسكب على عقلها كالمطر كل همسة كل اتهام الجميع ظنوا أنه تزوجها ليحصل على ما لا يستحقه ليهيمن ليسيطر ليكمم أفواه السوق بالمال والنفوذ.
وكان ما ظنوه قد حدث فعلا... لقد أصبح هو مالك كل شيء سيد كل ما كانت تملكه عائلة تهامي لكنها وحدها كانت تعرف... أنه لم يستغلها ولم يستخدم زواجه منها كسلم نحو المجد بل صعد على أكتاف قدراته وصبره وعقله الفذ.
نظرت إليه ثم إلى الأوراق وأعادتها إليه بلا
توقيع تقول بنبرة خافتة تحمل كل التساؤل والدهشة
ما معنى هذا يا ظافر
تعليقات