رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والسادس و العشرون 226 بقلم اسماء حميدة


 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والسادس و العشرون


تغضن وجه ظافر فجأة كأن صخرة ثقيلة سقطت داخله وقال بصوت غليظ يقطر مرارة
أليس هذا ما كنت تطلبينه دائما
كان صوته يوحي بتماسك مصطنع يخفي وراءه طوفانا من الخذلان وكأنها خيبت ظنه في لحظة كان يأمل أن تبرق بالصفاء.
لم يكن في وسعه أن يجد مبررا واحدا لعودتها المفاجئة سوى هذاالمال.
تجمدت نظرات سيرين في عينيه كأنها تسمع كلماته من خلف زجاج سميك. بدت للحظة عاجزة عن الفهم كأن صدمة جليدية أصابت عقلها.
وقبل أن تلفظ أي رد عاجلها ظافر بصوت خاڤت كمن يلقي بثقل عن صدره
مرت سنوات... طويلة بما يكفي كي ينطفئ الڠضب أو يذوب. لا طائل من النبش الآن. وقعي... ودعينا نطو الصفحة.
لكنها لم تلمس الورق ولم تنظر فيه. نظرت إليه لا كما

تنظر امرأة إلى رجل خاڼها بل كما تنظر روح إلى بقايا وهم كان يوما وطنا.
كان يظن أن المال يداوي وأن الكيف ينسي وأنه إن ألقى إليها بمجموعة تهامي كمنة ستفتح له الأبواب وتغفر ما لا يغتفر.
لم يفهم قط أن الچرح لم يكن في الميراث بل فيه.
تقدمت سيرين تقبض على الاتفاقية بأصابع ترتجف من ڠضب هادئ يشبه العاصفة قبل انفجارها ثم مشت نحو آلة التقطيع وكأن خطواتها تنقل جثمان خيبة إلى مثواها الأخير.
وضعت الأوراق هناك تشاهد بأعصاب مشدودة كيف تتحول تلك الأحلام المعلبة إلى نثار لا يقرأ.
قالت بصوت مكسو بالحزم ېخنقه ألم الاعتراف
لا مجال لترك الماضي... ليس بعد ما كسرته في. كنت صادقة حين أخبرتك... لا أريد أن أبقى أنا لا أحبك
كان التمثيل
ثقيلا. كل كلمة حب قالتها خلال الأيام التي مضت كانت تقطع جزءا من كرامتها وتدفنه بصمت. لم تعد تقوى على تزييف نفسها أكثر.
لم تعد تريد شيئا سوى نوح... وأن تبتعد. بعيدا عن كل شيء يحمل اسمه أو ظله.
في ركن الغرفة بدا ماهر مشدوها عيناه تتحركان بينهما كأنهما تقرأ نبوءة سريالية تتهاوى أمامه تسلل خارج المكتب يغلق الباب برفق كمن يغلق على شبح في تابوت.
أما ظافر فقد تجلت على وجهه سخرية قاتمة كأنها ظلال من شياطينه القديمة خرجت تهزأ به. كانت عيناه تشعان بغرور مكسور فتمتم
كرريها...
كانت كلماته شبه همس لكنها تقطر تحديا كأنما ينتظر منها أن تتراجع أو تعتذر... لكنها لم تفعل.
بل وقفت في مواجهته كما لم تفعل من قبل وقالت بصوت خفيض
كأنها تكتب الختام بأحرف دامعة
لا يهم كم مرة أكررها... تبقى أحد عشر يوما فقط.
توقفت تمهل قلبه ليفهم.
ثم همست والنور ينسحب من ملامحها
أتمنى أن تفي بوعدك... أن تسمح لي ولنوح بالرحيل.
كانت تنطق اسمه كما تنطق أمنية عمر كامل وكأنها لم تكن تتحدث عن نوح الطفل بل عن الخلاص نفسه.
تفتت صبر ظافر كرماد سېجارة محترقة... وفي ومضة اختنق فيها الهواء بينهما قال بصوت غليظ يحمل مرارة التحدي
حسنا ممتاز جدا!
اقترب منها بخطى ثابتة عيناه تقدحان بما يشبه الجنون الممزوج بالعشق المكبوت. حاصر جسدها بخطوته ثم طوقها بين ذراعيه كمن يجر الزمن إلى الوراء بالقوة وهمس بصوت لاهث قريب من الأذن
إن كان لم يتبق لنا سوى أحد عشر يوما... ألا يحق لي أن
أستمتع بها كزوجك للمرة الأخيرة
وفي


لحظة وجدت سيرين نفسها معلقة في الهواء كطفلة مسلوبة الإرادة لا تملك سوى الاعتماد الكامل عليه حتى لا تهوي. فغرابة المشهد جعلتها تصرخ بتوتر مكتوم
ظافر! نحن في المكتب!
ضحك ظافر ضحكة جافة بعيدة كل البعد عن السعادة وقال بسخرية باردة
ألم تكن نظراتك تغويني هنا في هذا المكان تحديدا
ثم أردف وهو يمسح على فكه بيده
لنفعل شيئا مختلفا اليوم... أتساءل إن كنت قد جربته أنت وكارم من قبل!
تجمدت ملامح سيرين. لم تفهم قصده في البداية. ثم راقبت بنبض مضطرب كيف أنزل الستائر الثقيلة واحدة تلو الأخرى لتحجب كل نور... كل هروب.
سادت العتمة الخفيفة وكأن الغرفة تحولت إلى
مشهد من مسرحية سوداوية لم يكشف بعد عن عنوانها.
بدأ يقترب منها ببطء وشيء داخلي فيها بدأ ېصرخ قبل أن تنطق. لم تفهم أولا ثم فهمت.
قاومت بجسدها بعينيها بكل شهقة خرجت من رئتيها المرتعشتين.
توقف... لا...
لكنه كان قد انحنى ليطبع قبلة على شفتين لم تعودا تطلبانه.
وفجأة ارتفع الألم من بطنها كعاصفة مباغتة. دفعته بقوة غريزية وانسلت من بين ذراعيه كمن يهرب من چحيم ملتهب ثم هرعت نحو الحمام تتقيأ بمرارة توازي كل ما في قلبها من خذلان.
وقف ظافر خارج الحمام متجمدا في مكانه. وجهه مشدود كوتر مقطوع.
كل شهقة من الداخل كانت ټطعنه لا في جسده بل في رجولته.
هل وصلت بها
الكراهية إلى هذا الحد
أشعل سېجارة ثم سحقها. ثم أخرى وأطفأها في الهواء.
الڠضب بدأ يتسرب إلى عينيه كأنهما مرآة لرجل خذل من امرأة لم يعد يعرفها. كان على وشك اقټحام الحمام ليواجهها لېصرخ في وجهها ليقول لها
أي جزء في يثير فيك هذا الغثيان!
لكن الطرق على الباب قاطعه.
ادخل.
دخل ماهر بتوتر لم يخفه حاملا بعض الوثائق. وحين رأى ملامح سيده الغاضبة أطرق رأسه قليلا وقال
سيدي هذه الوثائق تحتاج إلى توقيعك.
لوح ظافر بيده بكسل ممتلئ بالقرف
اتركها.
وقبل أن يدير ماهر مقبض الباب للمغادرة تردد ثم قال بنبرة فيها ما يشبه الرجاء
ربما لو أخبرت السيدة سيرين بأنك تعيد
بناء المقر الرئيسي لمجموعة تهامي قد تتفهم نيتك.
رمقه ظافر بنظرة مشټعلة.
الهدم ثم إعادة البناء لم لا هو وحده من يفعل مثل هذه الأمور الچنونية. يملك ما يكفي من المال لكن لا يملك على ما يبدو مفاتيح امرأة تهدمه كل يوم دون أن تبني فيه شيئا.
اصمت! واخرج.
قالها بصوت هادر جعل المكتب بأكمله يختنق للحظة.
نعم سيدي. قال ماهر وغادر مسرعا.
وبعدها عم السكون.
انقطع صوت الماء من الداخل وانفتح باب الحمام ببطء كما لو أن الخروج منه ولادة جديدة.
خرجت سيرين.
وجهها باهت كصورة قديمة وعيناها حمراوان كأنهما شربتا من دمعة لم تذرف بعد.
لم تنظر إليه ولم يخط هو نحوها.
ظل
الصمت بينهما كثيفا يروي كل ما لم يقال.
تعليقات