رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والتاسع و العشرون
لم يعد في عالم ظافر ما يستحق الانتباه كأنما انكمش الكون كله في لحظة واحدة وتجمد في عينيه المشتعلتين كأحشاء فرن.
كانت سيرين قد ابتعدت على بعد خطوتين منه كأنهما مسافتان بين الحياة والمۏت. اتسعت عيناها وزاغت نظراتها وهمست بشفتين مرتجفتين كوتر قيثارة انقطع نصفه
يا لك من وغد...
لكن الكلمة سقطت على سمعه كريشة فوق جمر. قهقه بصوت عالي لا يحمل طرافة بل يخفي جراحا لا ترى ومن ثم هدر فيها بتلعثم ونبرة مخټنقة
إذا كنت وغدا فكيف أحببتني حتى المۏت أم أنك كنت تكذبين بينما تنظرين لعيني كنت تعدين النجوم
رائحة الكحول خنقت المسافة بينهما وتسللت إلى رئتيها كغاز سام فأدركت أنه غارق... لا في الشراب فقط
بل في دوامة لا قرار لها من الألم.
لا أريد الحديث مع رجل ثمل أتركني.
قالتها وهي تدير جسدها پعنف كمن يهرب من قدره.
لكن ذراعيه سبقتاها وعانقها بقوة لم يكن حبا بل احتجازا وارتفع صوته الخاڤت وأصبح هدرا مريرا يخرق جدار أذنها
إذا تركتك ستهربين إليه... إلى كارم أليس كذلك
أرادت التحرر كافحت كأنما تنتزع نفسها من براثن وحش لكنه تشبث بها بعقل فاقد للزمن. بينما تهدج صوته كأنه يخرج من حنجرة مقطعة بالأشواك.
لماذا خنتيني ألم تعديني أن تحبيني... إلى الأبد لماذا لم ټوفي تعلمين شعوري حين رأيت ذلك الطفل لأول مرة... ظننته ابني! ابني أنا!
لم يكن يتحدث بل ېنزف من فمه كلمات أثقل من الألم نفسه.
ثم يأتي إلي ويقول
لي إن كارم هو أبوه! بعد أيام فقط من ډفن طفلنا! أكنت حاملا به بعد مۏت ابننا مباشرة! أكنت تقيمين احتفالا مع كارم فوق نعش صغيري... ما هذه القسۏة يا سيرين
وكانت هي كتمثال خرساني في عاصفة رمل تشد على شفتيها بإصرار قاټل لا لتمنع الرد بل لتمنع دمعة كادت أن تفضح ما تخفيه.
اقترب ظافر وعيناه تترقرقا دون دموع قرص ذقنها بأصابعه المرتجفة يرفع وجهها إليه رغما عنها.
قولي لي إذا من الوغد الآن أنا أم أنت
رائحة فمه ضړبت أنفها أولا ثم اقټحمت معدتها كسم بطيء فشعرت بالغثيان يتلوى داخلها حتى أوشكت أن تفقد توازنها.
ظافر أرجوك من الأفضل أن تتركني الآن.
قالتها وهي تغلق عينيها بقوة تكافح لتبقي الغثيان في قاعها ولتمنع
اڼهيارا داخليا وشيكا.
لكن صوته جاء مشوشا كأن العقل انسحب من رأسه تاركا الروح تتخبط وحدها.
وماذا لو لم أتركك ماذا لو كنت لا أريد...
كان ثملا جدا... حد الغياب حد أن صوته صار لا يشبهه وحد أن سيرين لم تعد ترى الرجل الذي كانت تظن أنها أحبته بل ظلا مشقوقا بالخذلان.
في اللحظة التالية ارتج الصمت بصوت مفاجئ... صوت غثيان متصاعد من أعماق روح منكسرة إذ تقيأت سيرين فجأة دون إنذار وكأن جسدها قرر الاڼتقام من كل ما لم تستطع الكلمات الإفصاح عنه.
تجمد ظافر وارتسم على ملامحه لون الرعد ذاك الاصفرار الممزوج بالذهول والاحتقان الغاضب في عروقه.
أما سيرين بخفة من يهرب من سفينة الهلاك قفزت بعيدا عنه وهرولت إلى الحمام
وكأنها تركض من ظله لا منه.
بالنسبة إليها كان ذلك الإحساس مألوفا أكثر مما يجب.
ارتجف قلبها في صمت لا لا يمكن لست مستعدة لأن يفتضح أمري الآن.
لكن جسدها بخيانته العادلة كان يهمس بغير ذلك أنت حامل.
دوى انفجار خاڤت لا في الجدران بل في عصب ما في صدرها حينما فتح باب الحمام الذي نسيت وسط دوامة الغثيان أن تغلقه ودخل ظافر بخطوات مبللة بالشك وقد بدأت بعض من رزانته تعود تدريجيا كأن الثمالة تذوب داخل تاركة وراءها ظلا من رجل لم يعد يعرف نفسه.
خلع ملابسه المتسخة دون أن
ينبس وألقاها على الأرض ثم اقترب واقفا أمامها بثبات عار من الرحمة.
سأل بصوت خفيض فيه قسۏة المرآة
هل بلغ بك الأمر حد التقزز مني
لم ترغب سيرين أن تجيب لا بصوت ولا بنظرة فقط حاولت أن تفر لكن يداه لم تمنحاها ذلك الحق.
ظافر! أنزلني! كفى!
دفعته لكن قبضته كانت أقوى من كل محاولة.
حملها كما تحمل الذنوب التي لا تغفر
توقف مټألما وبدلا من أن ينفجر نظر إليها بصمت طويل وهمس
لطالما أحببتني أليس كذلك
ترددت الكلمات داخل صدرها لكنها لم تجد طريقها إلى
شفتيها الجواب الذي كان يوما بسيطا صار اليوم غائما مضطربا.
كان هذا الرجل الغريب لا يشبه طفل أحلامها القديم ذلك الذي كانت تبتسم لأجله في ظلال المراهقة رحل
أما الذي أمامها الآن رجل بارد قاس ضائع.
مرت لحظات طويلة كان فيها ظافر عاجزا عن النوم يجلس بجوارها بجسد أثقلته الوحدة وذهن يتشظى من صداع قاس.
صداعه لم يكن وليد الكحول فقط بل من الصمت من غياب الإجابات.
وفي غمرة انغماسه في خيباته رن هاتفه... لكنه لم يره فاتته مكالمة ماهر.
وبينما ظن أن فقد سيرين
هو أسوأ ما قد يحدث كان شيء آخر يحدث بعيدا عنه.
سبعة مليارات دولار غادرت حسابه بصمت وإلى الأبد.
زكريا لم يتوقع أن تكون الليلة بهذه السهولة.
لم يندهش حين رأى سلسلة الأرقام الطويلة تتهاوى عبر شاشة الحاسوب كأحجار دومينو محسوبة بدقة زكريا لم يكن لصا بل فنانا في التنكر ترفع له القبعة ولم يكتفي بهذا بل قام بتحويل المبالغ على دفعات تحت أسماء متفرقة وبنظام معقد إلى شركة واحدة فقط شركة سيرين.
ترى هل سيكتشف ظافر ما فعله زكريا وماذا إذا صدق نبأ حمل
سيرين والأهم ما هو سر جاسر