رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثلاثون 230 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثلاثون 

استفاق ظافر عند الظهيرة كمن يسحب من قاع حلم ثقيل رأسه يئن تحت وطأة صداع لاذع كأن مسام جمجمته تنزف ضوءا حارقا.
امتدت يده بدافع غريزة لا شعورية نحو الجانب الآخر من السرير فلم يلمس سوى فراغ بارد كالجليد ولا أثر لسيرين.
بضجر متوتر أزاح الغطاء عن جسده ونهض بخطوات متثاقلة على الأرضية الخشبية بينما عقله يترنح بين بقايا الكحول وضباب الأفكار.
في الأسفل جلست سيرين عند البيانو تحاصرها نوتات مقطوعة جديدة وأناملها ترسم على المفاتيح ألحانا غامضة لكنها رفعت رأسها فجأة لترى جذع ظافر العاري تحته بنطال بدلة مجعد بمظهر بوهمي جذاب كمن استيقظ من معركة لا من نوم كانت عيناه نصف مغمضتين من النعاس وملامحه تحمل تعبا خامدا يشي بلامبالاة متعمدة في الحقيقة لم يسبق لها من قبل أن رأت ذراعيه فضلا عن ذلك الجذع المتين فعلى الأغلب أن مظهره اليوم يشي بنوع من الانكشاف المقصود أو أنه لم يعد يكترث للحدود التي كانت يوما واضحة بينهما لم تتفرس به بل خفضت بصرها كأن النظر إليه الآن يفضح سرا ما في قلبها.
وحين التقت عيناه بعينيها تراجع ظافر فورا وعاد إلى الطابق العلوي متوار خلف باب الحمام وهناك ترك الماء ينهال على جسده محاولا غسل أثر الليل الماضي وأيضا ذلك المشهد الذي لا يريد الاعتراف بوطأته عليه
قيء

سيرين والكحول الذي أذابه في صمته.
بعد نصف ساعة خرج من الحمام رائحة البخار تلاحقه وشعره المبلل يقطر على عنقه.
التقط هاتفه لتظهر على الشاشة سلسلة من المكالمات الفائتة من ماهر ففتح الخط
ما الأمر
جاءه صوت ماهر متوترا
سيدي ظافر المخترق نقل سبعة مليارات وتسعمئة مليون دولار من حسابك.
انعقد حاجبا ظافر كحبلين من الدخان الكثيف يسأل بهدوء ظاهري
هل حددتم الموقع
تردد ماهر يخشى النطق بالحقيقة
حددناه لكن
قطع ظافر صمته بهدر بارد
لكن ماذا
ابتلع ماهر ريقه ثم قال بصوت متوجس
الموقع قصر الغابة.
ارتسمت على شفتي ظافر ابتسامة ساخرة كأن الجملة نكتة سخيفة ألقيت في توقيت خاطئ مردفا بتهكم
يبدو أننا بحاجة إلى دماء جديدة في قسم التكنولوجيا.
كان السبب في عدم لجوئه إلى الشرطة بسيطا شخصيا فهو يريد أن يقبض بنفسه على الجرذ الذي تجرأ على العبث بملكه وعلى كل من يمد يده إلى أغراضه أن يتوقع قفصا لا يخرج منه ومع ذلك لم يتوقع أن ينجح القرصان إلى هذه الدرجة فأمر وهو يجاهد ألا يبدي غضبه المتفاقم
لا يهم كيف أمامك ثلاثة أيام لإحضاره.
أجاب ما هر على الفور
مفهوم سيدي.
لكن الآن والآن فقط ومع انكشاف عنوان القرصان بدأ فضول ظافر يتضخم ككرة ثلج تهوي من جبل ليتساءل
من يكون هذا الذي كشف قصر الغابة وجرؤ على فعلها!
عطس زكريا
بينما كان جالسا في ركن قاعة الروضة نصف جفونه مثقلة بالنعاس والنوم يوشك أن يختطفه لكن شيئا ما خلف الزجاج أيقظه فجأة.
تجمدت عيناه الصغيرتان على المشهد في الخارج وشخصيتان مألوفتان ظهرتا كظلين على باب القدر الأولى مديرة الروضة بوجهها المتجهم والثانية طارق ذاك الرجل الذي يجر خلفه هالة شيطانية لا ترى لكنه أطلق نحو زكريا ابتسامة مائلة مشحونة بمعنى لا يليق إلا بالتهديد المبطن.
لم يتردد زكريا وبحركة غريزية رفع معصمه ضاغطا على شاشة ساعته الصغيرة مستدعيا الاتصال بكوثر لكن في تلك اللحظة كانت كوثر واقفة في مواجهة عاصفة أخرى وصوت والدها يجلجل في أذنها كالسوط.
من الذي سمح لك أن تخبري جد طارق بأنك لن تكملي حفل الزفاف!
صوته كان كالصاعقة لا يقبل نقاشا فحاولت كوثر وسط ارتجاف أنفاسها أن تلتقط خيط هدوء
أرجوك فقط دعني أذهب لآخذ زكريا.
دون وعي ضغطت زر حساس بوالدها لتواجهه بكلماتها القاطعة
أنا لست مهتمة بطارق.
لم تتوقع أن يتجسد رد الفعل أمامها بهذه السرعة وإذا خطوات والدها تهدر نحوها والغضب يلون وجهه بلون الدم حينها رن هاتفها ولما أوشكت أن ترفعه إلى أذنها انقض صوت والدها الحاد
أغلقي هاتفك.
لم يكن أمامها إلا الانصياع فأطبقت أصابعها على الهاتف وأغلقته فيما عينيه تحاصرانها كسيفين.
أنظري إلى نفسك
جيدا عائلة طارق ثرية نافذة وطارق نفسه وسيم خريج قانون. كيف لا يكون مناسبا لك
رفعت كوثر حاجبا بدهشة صامتة كأن المعلومة لم تصلها من قبل همست بمرارة
لو كان درس القانون فعلا لعلم أن الزواج اختيار لا حكم بالإعدام.
ارتفعت يد والدها يستعد لصفعها لكن شيئا ما ربما ارتجافها أو لحظة تردد داخله أوقف حركته في منتصف الطريق لكنه صرخ في وجهها
لا يهمني ما تقولينه إن لم تكوني عروسا لطارق فلا تعودي إلى هنا أنا ليس لدي ابنة حمقاء مثلك.
كلماته كانت أثقل من أي صفعة لكن كوثر لم تصدق أن قلبه سيقدم على طردها بالفعل حتى انقضت عشر دقائق وكان الباب يغلق خلفها وهي تقف في الشارع ووراءها كومة من متعلقاتها ترمى أرضا بلا رحمة.
حدقت في البوابة المغلقة.. عيناها معلقتان على صدى صوته الذي لا يزال يتردد في رأسها تتسائل بعدم تصديق
أبي هل أنت جاد
لم يصلها جواب إلا دمية قديمة قذفت على رأسها من أعلى بطريقة تشبه الكوميديا السوداء كأنها الجملة الأخيرة في حوار قاس.
تجمدت للحظة ثم اخرجت هاتفها ويدها ترتجف لتتصل به لكنها توقفت فجأة وقد خطف نظرها إشعار مكالمة فائتة من زكريا فتمتمت لنفسها والقلق يتسرب في صوتها
لماذا يتصل بي الآن
أسرعت تعاود الاتصال لكن صدى الأرقام انطفأ في الفراغ وصوت قميء يتردد كتعويذة سحر سفلي
الشخص
الذي تحاول الاتصال به غير متاح الان. 


تعليقات