رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثالث والثلاثون 233 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثالث والثلاثون

كان القصر غارقا في سكون ثقيل غير أن الغضب الذي كان يتصاعد في صدر ظافر جعل الجدران نفسها توشك أن تضيق به لكنه ظل يتجاهل سيرين ببرود قاتل كصفحة تركت عمدا بلا كلمات 
بالماضي كان صمته يوجعها أكثر من أي عتاب أما اليوم فقد تبدد شوقها ولم تعد تبالي رأن يزول ذلك الجدار الجليدي الذي نصبه بينهما 
كانت قد فرغت لتوها من ترتيب مقطوعاتها الموسيقية وأرسلتها إلى شركة أجنبية كمن يلقي رسالة في زجاجة إلى بحر مجهول وما لبث البحر أن أجابها برد مذهل استثمارات بمليارات تتدفق من مصادر مجهولة كلها لأجل موسيقاها وإطراء المستثمرين جاء كمديح يعلو فوق خيالها وأرباح تفوق حتى أكثر أحلامها جموحا لكنها لم تكن تعلم أن في الطابق العلوي يجلس ظافر يرمم جراح حساباته بعد خسارة تجاوزت سبعة مليارات كفتحة سوداء تبتلع كل ما حولها كان نزيف أمواله يغذي غضبه 
وعندما رن هاتفها فجأة ارتجفت عيناها حين رأت الاسم كوثر رفعت سيرين رأسها لا إراديا نحو الطابق العلوي حيث ظافر محبوس في مكتبه منذ الصباح لا يبارحه إلا لمائدة طعام ثم يعود بوجه بارد كجدار

من حجر 
خرجت إلى الحديقة وأجابت
كوثر ما بك
انفجر الصوت على الطرف الآخر بالبكاء متقطعا كأنفاس غريق
سيرين أنا آسفة طارق يظن فعلا أن زاك ابنه لقد انتزعه من بين يدي! حاولت أن أستعيده لكن لم يسمحوا لي حتى بعبور بوابة الفيلا لقد طردني رجاله!
انقبض صدر سيرين كأن يدا خفية اعتصرت قلبها لكنها قالت بصوت ثابت رغم ارتجافها الداخلي
لا تبكي رجاء خذي وقتك وأخبريني كل ما حدث 
وبين شهقاتها روت كوثر تفاصيل اليوم المرير
قال لي ذلك الحقير إنه يريد تربية زاك بنفسه ثم سألني أن أحدد ثمنه وقال اطلبي ما تشائين من مال!
ارتجفت الكلمات في أذن سيرين كصفعة باردة ما هذا الجنون ما الذي جعله يعتقد أن زكريا ابنه أي لبس داهم قلبه بهذا الشكل
تماسكت سيرين أخيرا وقالت
كوثر لا تلومي نفسك هذا خطأ لا يصدق لكن إن كان يظنه ابنه فلن يؤذيه أبدا بل سيغدق عليه الحماية كل ما نحتاجه أن نخبره الحقيقة وحينها سيعيده 
هزت كوثر رأسها رغم أن سيرين لم ترها وصوتها متكسر
لكنه حظرني ولا أستطيع الوصول إليه بأي طريقة وأخشى أن أخبر أحدا غيره فيتسرب الخبر إلى ظافر 
تصلبت
ملامح سيرين عند الاسم الأخير فالحقيقة أثقل مما يحتمل قلبها ما زال نوح يعيش تحت سقف ظافر ولو لمح زكريا إلى جواره لكان الشبه كفيلا بإشعال جحيم لا ينطفئ 
صمتت لحظة ثم قالت بحسم
سأتصل به أنا 
اندفعت كوثر تسأل بذهول
أأنت حقا قادرة أعرف كم تبغضينه 
أجابت سيرين وعينيها تتوهجان بعزم مكبوت
سأتحدث إليه باسمك سأقول له إن قلب أم مكسور يتوسل إليه ألا يحرمها من ابنها 
سقطت كلمة تمام من فم كوثر كأنها استسلام أخير 
بعد أن أغلقت سيرين الهاتف لم تتردد لحظة بل حولت مبلغا كبيرا إلى حساب كوثر كمن يمد حبل نجاة لروح تغرق فقد شعرت سيرين بأن المال في تلك اللحظة أهون ما يمكن أن تقدمه بينما قلبها كان يرتجف كوتر مشدود بين خوف وغضب ثم التقطت هاتفها من جديد وضغطت الرقم الذي كانت ترفضه دوما رقم طارق 
كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساء والظلام قد لف الفيلا ككفن ثقيل في الداخل كان زكريا يجلس كطائر صغير محبوس في قفص عيناه الواسعتان مشتعلة بالتمرد فهو لم يذق طعاما منذ أن جلب ولم يطلب جرعة ماء واحدة وقد بدا أنه يحدث سجانه
بصمت
إن استطعت فاقتلني جوعا فلن أركع 
أما المربية التي جلبها له طارق لم تحتمل قسوة المشهد فهمست لسيدها متوسلة
سيد طارق الطفل لا يزال صغيرا يحتاج إلى الرحمة قبل القسوة 
لكن صوته كان حادا
يوم بلا طعام لن يقتله أريد أن أرى إلى أي مدى سيصمد 
انهارت أنفاس المربية يأسا وغادرت الغرفة تاركة خلفها صراعا غير متكافئ بين كبرياء طفل وقسوة رجل 
وما إن عم الصمت حتى انكسر بذبذبات الهاتف رن طويلا كأنه يقتحم سكون المكان فالتقط طارق الجهاز وأجاب بنبرة باردة
نعم
جاءه الصوت رقيقا وحادا في آن واحد
أنا سيرين 
ارتجف داخله رغم ثبات ملامحه ولا يعرف السبب أو ربما لا يزال ينكره أو يستنكره وتلقائيا نهض عن الأريكة بخطوة مترددة وعيناه تتجهان لا إراديا نحو غرفة الطفل 
لم تمنحه سيرين فرصة للتفكير بل قذفت الكلمات مباشرة
كوثر تريدك أن تعلم الطفل ليس ابنك إن لم تصدق يمكنك إجراء اختبار أبوة 
كان صوتها متماسكا لكن خلف التماسك كانت تختبئ عاصفة فهي لم ترد أي التواءات جديدة تعترض طريقها فخطتها كانت واضحة الرحيل عن هذه المدينة
وبصحبتها نوح وزكريا بعيدا عن كل فوضى


تعليقات