رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والرابع والثلاثون 234 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والرابع والثلاثون 

ظل طارق غارقا في صمته كمن غادرته الكلمات إلى الأبد وقبل أن يتمكن من صياغة رد لمح زكريا واقفا أمامه بعينيه الصغيرتين اللتين تحملان وقاحة لا تناسب عمره وهو يمد يده له ورقة مطوية بعناية فتحها طارق ببطء لتقفز أمامه جملة بخط طفولي
إذا أردت الاحتفاظ بي فأنا بحاجة إلى مصروف يومي قدره مائة مليون دولار.
ارتسمت على شفتي طارق ابتسامة باردة يتعجب من جرأت هذا الصغير وكيف له أن يطالب بثروة لم يحلم بها حتى رجال الأعمال وهو لم يكن يعرف بعد إن كان ابنه حقا أم لا ومع ذلك كان يفاوضه كأنه ند بل يملك الحق في وضع شروط وجوده.
رفع طارق الهاتف إلى أذنه مجددا وصوته متماسك رغم ما يشتعل داخله
سأنظر في الأمر وإن لم يكن ابني سأعيده إلى كوثر وأعتذر.
ثم أنهى المكالمة وعاد ببصره إلى زكريا الذي ظل واقفا شامخا بعناد أكبر من جسده الصغير فتمتم طارق ساخرا
شهية لا تشبع مائة مليون دولار يوميا هل حقا تستطيع إنفاقها كلها
أجاب زكريا بثبات وعيناه تلمعان بذكاء متحد
سيدي بالتأكيد أنت تفاوضني لأنك لا تملك المال أليس كذلك
ارتجف فم طارق للحظة ارتباكا أكثر منه غضبا هو يعرف جيدا أن المال لم يكن

يوما عائقا لكن كيف يمكن لطفل أن يضغط على أوتار ضعفه بهذه البساطة
اقترب طارق خطوة ثم همس ببرود
إذا منحتك ما تريد ماذا ستناديني حينها
اتسعت عينا زكريا بابتسامة ماكرة كأن السؤال لعبة لا تستحق عناء التفكير
لا أجيب على الأسئلة الافتراضية أنا جائع أيضا أريد الطعام وإن لم تطعمني فسأذهب إلى المحكمة وأخبر القاضي أن أبي يتركني أتضور جوعا.
صعق طارق وانعقد لسانه إذ شعر كأن الطفل قد ألقمه حجرا لا حروفا فالتفت ببطء نحو المربية وصوته يخرج منه منهزما هشا بلا سلطان
خذيه دعيه يأكل.
في داخله كان يدرك أنه تلقى هزيمة كاملة إذ لم يكن رفض زكريا للطعام تمردا بريئا كما ظن بل كان جزءا من لعبة ذكية لعبة شد الحبال التي أتقنها الطفل وأبقى طارق معلقا في منتصفها.
في تلك اللحظة أحس طارق وكأن ضربة غير مرئية قد شقت صدره فأدرك أنه لم يكن في مواجهة طفل بل في مواجهة عقل صغير يجيد العبث بأعصابه كمن يحرك قطع شطرنج.
في قصر ظافر جلست سيرين تبلغ كوثر ما قاله إليها طارق بصوت واثق حاسم
لا تقلقي زاك سيعود حرا بمجرد أن تظهر نتائج الفحص.
لم تفهم سيرين سر تلك الطمأنينة المفرطة التي تشبث بها طارق ثقة لم
تجعله يفكر للحظة في اصطحاب الصبي لإجراء اختبار الأبوة بنفسه.
تنهدت كوثر وأجابت بنبرة خافتة يختلط فيها الألم بالخذلان
كان من المفترض أن أكون أنا من يواسيك فإذا بي أجدك أنت التي تواسينني.
ابتسمت سيرين برفق محاولة أن تسكن من اضطراب قلبها كما تسكن ألم صديقتها
لا بأس يا كوثر بالمناسبة هل تقيمين في فندق الآن
أطرقت كوثر قليلا قبل أن ترد
نعم والدي قاس إلى حد لا يحتمل قالها بصرامة إن لم أوافق على خطوبتي من طارق فسأظل مشردة إلى الأبد غدا سأبدأ رحلة البحث عن عمل.
كانت كوثر تؤمن في أعماقها أن قدراتها كفيلة بأن تمنحها فرصة عمل تحفظ كرامتها فبرغم أنها تعمل محامية خارجية لشركة سيرين وتحصل على بعض الدخل إلا أنه لا يكفي لسد حاجاتها لذا ندمت كثيرا على ماضيها المسرف الذي أكل كل ما ادخرته ولم يترك لها سوى الفراغ.
همست باعتراف مر
بصراحة أرى أن في أخذ طارق لزاك بعض الخير.
فلو لم يأخذ الصغير لوجدت نفسها هي وزاك الآن في أروقة فندق يبتلع ما تبقى من نقودها. الأهم من ذلك أن والدها لو علم بشأن زكريا ربما أساء الظن بأن الطفل 
أومأت سيرين مؤيدة ولكن صوتها يخفي رجفة
صحيح كأنه نعمة
مستترة.
ظلتا تتحادثان طويلا تتعانق الكلمات بينهما كخيط دافئ حتى أنهت سيرين المكالمة وعادت إلى غرفتها.
هناك كان ظافر خرجا للتو من مكتبه عيناه تشيعانها باهتمام صامت ومن ثم سألها فجأة بصوت لا يخلو من الشك
مع من كنت تتحدثين كل هذا الوقت
كانت تظن أنه لن يكلمها اليوم فإذا بصوته يخترق صمتها فأجابته

بتلبك
كوثر كان الحديث بشأن ابنها.
اقترب منها خطوة بخطوة وكأن المسافة بينهما مسرح لامتحان
هل تسكن كوثر في مدينة
بدت سيرين متحيرة تفتش في عينيه عن غرض لم تدركه
نعم لم تسأل ألم تذهب إلى هناك من قبل
بين عيني ظافر بريق من يقظة خطيرة يتذكر العنوان الذي كشفه له قسم التكنولوجيا توا بعد بحث مضن هو العنوان ذاته الذي تسكن فيه كوثر فانعقد حاجباه تلقائيا وهو يمعن النظر في ملامح سيرين
هل تحتاجين إلى مال
ترددت أنفاسها حالما استشعرت في صوته ظل اتهام خفي. فسألته بجمود
ماذا تعني بذلك
أجاب ظافر ببرود يخبئ وراءه زوبعة
لا شيء.
غير أن الحقيقة كانت أثقل من أن يسدل عليها ستار الإنكار لذا قد أوكل مهمة التحقيق بالفعل إلى من هم أهل لذلك وهذه المرة أقسم داخله أنه حتى لو اضطر إلى قلب منزل كوثر
رأسا على عقب فلن يتراجع حتى يعرف من يقف وراء ما يحدث.


تعليقات