رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثامن والثلاثون 238 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثامن والثلاثون

بعد أن أغلقت دينا الباب خلف ضيوفها استدارت إلى مرآتها الكبيرة تحدق في انعكاسها كمن يتهيأ لمسرحية العمر فغدا سيكون يوم حفل افتتاح برنامجها الجديد الذي سيسلط عليها الأضواء جميعها.
قلبها يخفق بخليط من القلق النشوة ومن ثم مدت يدها إلى هاتفها وأرسلت رسائل متتالية إلى ظافر لكن شاشة الهاتف ظلت صامتة كأنها تسخر من لهفتها.
دخلت إيفون بخطوات واثقة وعلى شفتيها ابتسامة امرأة تدرك سر اللعبة
دينا كل الترتيبات الإعلامية باتت جاهزة أقسم أن برنامجك سيكتب له النجاح حتى قبل أن يعرض. إنك على وشك أن تصبحي أيقونة.
أمالت دينا رأسها قليلا وأجابت بابتسامة مدروسة
شكرا لك يا إيفون.
رفعت إيفون يدها بإشارة اعتراضية تلمع عيناها بمكر
لا داعي للشكر بيننا. لكن طرأت لي فكرة أليس من حقك دعوة بعض الأشخاص إلى حفل الافتتاح لقد تكفلت بدعوة سيرين نيابة عنك ليكن حضورها إعلانا واضحا بأنها لم تعد قادرة على مجاراتك.
لمعت عينا دينا ببرود تفكر ببطء في لذة الطعنة لكنها راوغت بمكر فعلى أية حال لقد أرسلت الدعوة
لا ضرورة لذلك لقد أفلست عائلتها وهي مطلقة الآن مجرد امرأة مكسورة لا تستحق الالتفات.
ضحكت إيفون بخبث مائلة برأسها إلى الأمام
وهذا ما يجعلك أكثر رحمة يا دينا لكن لا تقلقي

لدي خطة تجعلها عبرة سألقنها درسا تتمنى معه لو اختفت عن وجه الأرض.
لم تزد دينا على أن أطلقت ضحكة صغيرة ثم غمزت بمكر حين استأذنتها إيفون لتذهب إلى الحمام.
وبينما كانت إيفون غائبة دخل تريفور الابن الثالث لعائلة لامبر كان وسيما مترفا يفيض حضوره بغرور أرستقراطي استقبلته دينا بلهفة مموهة تتحاور معه كأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن بعيد.
حين عادت إيفون غادرتا سويا لكن ما إن جلست دينا في سيارتها حتى اهتز هاتفها برنينين متتالين رسالتان من ظافر ثم فتحت الرسائل بتلهف
سأرسل لك من يهنئك بالافتتاح.
حددي لي سعر سكن تهامي.
قطبت جبينها وأرسلت بسرعة
سكن تهامي
لكن الصمت ظل يخيم فرفعت هاتفها واتصلت به
ظافر ما حاجتك إلى سكن تهامي
جاء صوته باردا
بيعيه لي لا حاجة لطرح أسئلة.
صمتت قليلا فهي تعرف أن كل ما يريده ظافر سيناله مهما كان الثمن لذا ابتلعت اعتراضها وأجابت بصوت خفيض
حسنا سأرتب الأمر.
حين عادت سيرين إلى القصر لاحقا لم تكن تتوقع أن تقع عيناها على ما لا يحمد عقباه شاشة هاتف ظافر كانت منسية على الطاولة تتدفق منها رسائل دينا إليه ردوده السريعة الحارة بدت كأنها لا تنتظر شيئا أكثر من لحظة وصولها إلى يديه.
انقبض قلب سيرين بين الصدمة والخذلان وارتجف سؤال في أعماقها
هل سيظل
ظافر مأسورا بهذا الاهتمام بعد أن يدرك حقيقتها القذرة ومن تكون دينا حقا خلف ستار المجد والأضواء
لم تطل التفكير وتماسكت بهدوء تخفي طوفانا داخليا وأبلغت نوح أن يستعد للغد وبعدها تواصلت مع ماثيو الذي طمأنها أن الترتيبات الخاصة بالهويات المزيفة قد اكتملت.
الليل يقترب ومعه لعبة الخداع الكبرى حيث سيسقط أحدهم غدا بلا عودة.
بعد أن أنهى ظافر مكالمته الأخيرة انفتح الباب بطرق متردد كأن أصابعها طرقت بقلق يسبق الكلام رفعت سيرين رأسها وعيناها تفيض بعزم يخالطه الرجاء.
قالت بصوت خافت لكنه محمل بثقل لا يستهان به
أريد التحدث إليك.
رفع ظافر نظره إليها مستسلما للحظة غير متوقعة
أسمعك.
ترددت لثوان ثم اندفع صوتها وكأن قلبها يقود لسانها
غدا عيد ميلاد نوح... أريد رؤيته هل تسمح
صمت قصير فصل بينهما كأن الزمن تجمد ليستمع معهما فقطبت حاجبيها مضيفة
إن كنت قلقا فلترافقني... أو اجعل أحد رجالك يتبعني لكن دعني أراه.
ظل ظافر يراقبها ببرود يحاول أن يخفي تحت جلده ما لا يريد الاعتراف به فبالرغم من أن لديه خطط أخرى وموعد مع ترتيبات لا يعرف عنها قلبه شيئا لكن وقع اسم نوح على لسانها كان كالسهم الذي أعاد ترتيب أولوياته ولا يعلم لما هو مشدود له هكذا فهو ابن غريمه.
تنفس عميقا ثم أجاب
سأذهب
معك غدا.
ابتسمت ابتسامة بسيطة تحمل في ملامحها راحة لم تتجرأ أن تظهرها كاملة واكتفت بأن تومئ برأسها
حسنا.
انسحبت من مكتبه لكن صدرها كان يشتعل بصراع آخر إذ لم يكن في حياتها الآن سوى عقدة واحدة... زاك ما زال أسيرا بين يدي طارق الذي يصر على أنه ابنه.
أمسكت سيرين بهاتفها واتصلت بكوثر وقد بدأ صوتها يختلط بارتجاف مكتوم
كيف حالك
جاءها الرد مشتعلا بالغضب كالنار التي لا تعرف الهدوء
هذا الأحمق ما زال يصر على أن زاك هو ابنه! وكأنني لم أقل له مرارا الحقيقة!
شهقت سيرين بضيق فهي أكثر من يعرف الحقيقة التي تخفيها ظلال الماضي... تعرف تماما من يكون والد زكريا الحقيقي.
دقت كوثر بقدمها على الأرض يائسة
ماذا سنفعل الآن
ابتلعت سيرين ريقها بصعوبة وأجابت بصوت يقطر حيرة وانكسارا
لا أعلم... لكن يبدو أنني سأضطر لأخذ نوح أولا ولن أضيع الفرصة. أما زكريا... فعندما يدرك طارق أنه ليس ابنه سيتركه يذهب من تلقاء نفسه.
هزت كوثر رأسها وكأنها تسلم بالأمر
حسنا... سأحاول أن أفتح عينيه على الحقيقة.
وبينما انسدل الصمت بينهما زفرت كوثر أنفاسا طويلة قبل أن تواجه طارق أخيرا.
رفعت هاتفها لتتصل به. وكانت كلماتها هذه المرة كسكين حاد لا يعرف الرحمة
طارق... كفاك وهما.. زكريا ليس ابنك لم يكن
يوما كذلك ولم يكن في حياتي رجل واحد فقط... وأنت لست منهم.


تعليقات