رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والواحد والاربعون 241 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والواحد  والاربعون 

في الطابق العلوي من مبنى مرتفع يطل على المدينة جلس كارم و يامن كصيادين يترقبان اللحظة التي يسقط فيها العدو في الفخ و أمامهما كؤوس تتلألأ بلمعة باهتة تحت الأضواء الخاڤتة لكنها لم تكن لتطفئ الڼار المشټعلة خلف أعينهما.
كان يامن يتأمل صديقه بدهشة يظن أن عقل كارم قد انفلت من عقاله و هو يغامر بمواجهة رجل كظافر رجل و يعرف الجميع أن ظله وحده كاف ليبتلع أي منافس يقول ساخرا و هو يهز رأسه بيأي
أجننت يا كارم! كيف تضع نفسك في مواجهة مباشرة و مع ظافر من أجل امرأة صدقني و لو فعلناها سنمحى من خريطة هذا البلد

مستقبلنا و كله سيتبخر.
ارتسم على ثغر كارم ابتسامة باردة فيها مزيج من التحدي و المرارة ثم حدق في عيني صديقه بنظرة كالسهم و قال و بصوت يقطر يقينا
و هل تراه سهلا الآن! أي مستقبل تتحدث عنه و هو قد أغلق كل الأبواب في وجهي
و توقفت الكلمات في حلق يامن لحظة قبل أن ينساب ضحكه العميق يعترف سرا بأن ما يقوله كارم هو عين الحقيقة فهو يعرف أن ظافر قد مد يده الثقيلة على كل الطرق حتى كاد يطبق أنفاس كارم تماما لولا أن ظافر لم يكتشف بعد أن يامن هو الشريك الخفي لكان و هو الآخر قد ابتلع الطعم ذاته و سقط في هوة العدم.
أدار
يامن العصير بين أصابعه و قال متهكما
يا سلام... و لا أطيق الانتظار حتى أرى ظافر وهو يتهاوى من عليائه و يسقط أرضا كبرج شيد على وهم لكن تلك دينا... آه يا كارم ما أثقلها! حضورها وحده مزعج كشوكة عالقة في الحلق.
بينما كان يتحدث تلألأت ابتسامة جانبية على شفتيه تحمل مزيجا من البرود و الاستهانة فيامن لم يكن يشبه غيره من الرجال الذين يطاردون السراب خلف كل امرأة تتلمس طريقها إلى القمة صحيح أن يامن يملك شركته الخاصة في صناعة الأفلام لكنه يرى في الممثلين جيشا من الطفيليات دائما مستعدين لفعل أي شيء كي يلتقطن بريق الأضواء
فيزحف إليهن القبح في هيئة طموح و ذلك وحده كان كافيا ليزيد من ازدرائه لامرأة مثل دينا التي لم ير فيها سوى ورقة محروقة تجري بها الرياح.
بدأت عقارب الساعة تعلن عن العاشرة صباحا لتفتح أبواب الحفل الكبير معلنة عن ولادة مشهد أسطوري في قلب المدينة كان المكان يفيض بالبشر شخصيات مرموقة و وجوه إعلامية لامعة و جمهور متعطش لالتقاط لحظة عابرة مع المشهد. 
أخذت عدسات الكاميرات تدور بلا توقف تبث كل تفصيلة مباشرة إلى العيون المتعطشة خلف الشاشات فيما تصاعدت الهتافات كأمواج بحر لا تهدأ.
و ما إن خطا ظافر إلى السجادة
الحمراء حتى عمت حالة من الهياج الجميل كأن ظهوره نقطة ضوء أنارت مسرحا غارقا في الظل فتعلقت به الأعين كما تنجذب الفراشات إلى اللهب و انعكس حضوره على وجوه الحشود بلمعان لا يخفى. 
و بينما كان يوزع نظراته بهدوء ملك يسيطر على عرشه انشقت الجموع عن دينا التي هرولت نحوه و قد تخلت عن المخرج الذي كان يحدثها كانت تمشي بخطوات محسوبة تتصنع الارتجاف كطفلة تبحث عن مأوى في حضڼ آمن فيما التقطت الكاميرات كل إيماءة لها بلهفة صياد متربص.
اقتربت دينا من ظافر و همست بصوت منخفض بالكاد يسمع لكن ارتعاشه المصطنع كان كافيا لتأجيج القلق في الهواء
ظافر أشعر

أن ثمة من يترصدني هنا أخشى أن يكون مختبئا بين هذا الحشد.
رفعت عينيها نحوه بارتجاف محسوب و أردفت بنبرة تتخللها لمسة من الخبث الخفي
رأيت في الأخبار كيف يهاجم الفنانون في مثل هذه المناسبات و اليوم في غرفتي لمحته رجلا يشبه أحد حراس كارم الشخصيين.
كلماتها وقعت على أذنه كحجر يلقى في ماء ساكن تصنع دوائر لا تنتهي فهي لم تكن تدري أن رصاصتها أصابت الحقيقة بدقة مدهشة دون أن تقصد.
أخذ ظافر نفسا عميقا كمن يتذوق ثقل الموقف قبل أن ينطق و قال بثبات يشبه صلابة الجبال
في طريقي إلى هنا كان هناك رجال يفحصون الداخلين واحدا تلو الآخر لا تقلقي.

و ثم استدار ببطء نحو الصحافيين الذين التفوا حوله مثل أسراب جائعة عيونهم تلمع خلف عدسات الكاميرات يبحثون عن لحظة ضعف يقتنصونها و انحنى قليلا للأمام و صوته يحمل قسۏة الحديد حين قال
أبعدوا كاميراتكم قبل أن تفقدوا وظائفكم إلى الأبد.
و ارتجف الهواء من وقع كلماته فتراجع الصحفيون على عجل كمن أصابهم زلزال مباغت لكن بعضهم و قد غلبهم الطمع تركوا الكاميرات تبث خفية يغامرون برقابهم لقاء لحظة قد تصنع تاريخهم المهني.
في تلك اللحظات المشحونة بالترقب كان الهواء يثقل صدر سيرين كأن الغابة نفسها تحاول الإمساك بها و منعها من الرحيل و بعينين
دامعتين تلقفت نوح على ظهرها كما تحمل الأرض سرها الأثقل مستعينة بخريطة رسمتها الأقدار قبل أن ترسمها يد الصغير و قد خبأت بين طياتها أملا بالنجاة و ذلك بعد أن تركت خلفها رسالة قصيرة لظافر بجوار تقاريري الډم زارعة مفاجأة موقوتة من الحقائق تنتظر لحظة الانفجار.
كانت سيرين قد أوصدت الباب برفق متظاهرة بأنها ما تزال تخلد للراحة بجوار نوح ثم تسللت إلى الخارج من الباب الخلفي بخطوات مرتجفة تقودها الغريزة لا العقل فبدا الطريق أطول من العمر و هي تمضي به حاملة صغيرها كأنها تحمل روحها على كتفيها.
همست له بحنان أم تخاطب قطعة من قلبها
حبيبي
إن شعرت بثقل أو پألم لا تحبسه عني أفصح لي أرجوك.
و تشبث نوح بها و جاء صوته متحشرج لكنه مطيع
حسنا
و خزت أنفاسه قلبها بمرارة فقد كان يجلد نفسه من الداخل لو كان طفلا سليما لمشى بجوارها و وفر عنها العناء لكنها عاجلته بابتسامة فتسربت إليه قوة العزيمة
تماسك يا صغيري ما إن نتابع السير قليلا حتى نجد رامي بانتظارنا و سينتهي كل هذا.
ذكرها نوح بقول الطبيبة التي تابعت حالته هنا بأن جسده بدأ يستعيد عافيته وأن الرحلة باتت ممكنة كلماته كانت أشبه بجرعات شجاعة تذيب خۏفها المتراكم.
و حينما لاح أمامها

طيف رامي كاد قلبها يقفز من مكانه وها قد ركض رامي نحوهما و من ثم انتزع نوح من على ظهرها برفق وحذر و احتضنه بذراعين تفيضان بالحنان. 
و تبعته سيرين بخطوات متوترة تتجنب عيون الكاميرات التي تترصدهم قبل أن ينزلقوا جميعا إلى داخل السيارة كمن يفر من فم الۏحش.
أخذت سيرين نفسا عميقا و هي تثبت حزام الأمان حول جسد نوح الهزيل ثم قالت بصوت ممتزج بالامتنان و الذعر
شكرا لك يا رامي فلننطلق فورا إلى المطار و لا وقت لدينا.
و كان الزمن يركض أمامهم پجنون فيما خلفهم حالما يتنبه رجال ظافر سيزحفون
إليهم كظلال متعطشة للصيد. 
و غلب نوح الإرهاق فسقط في سبات عميق بينما عين سيرين لا تكف عن التوجس التقطت هاتفها لتجد رسالة من ظافر تهمس بكلمة واحدة 
انتظريني.
و ارتعش قلبها للحظة ثم صلبت إرادتها تمسح الرسالة ببرود و ألقت الهاتف من نافذة السيارة كمن يتخلص من لعڼة و من ثم أخرجت جهازا آخر كان رامي قد أعطاه إليها مسبقا كشبكة أمان أخيرة و دخلت إلى البث المباشر لحفل دينا فراحت عيناها على المشهد على شاشة صغيرة بينما الآلاف يرونه على الشاشات الكبرى.
و الجماهير تهتف پجنون
ظافر
مذهل كعادته!
أليس و هو بطل أغنية دينا الجديدة
غير أن تعليقا تسلل كخنجر وسط الضجيج
أغنية دينا! بل أغنية مسروقة كيف يسمح لنفسه أن يقف في مسرح تلوث بالسړقة!
و لم يكد يكتمل صدى الجملة حتى طرد صاحبها من البث المباشر و كأن أحدا يريد أن يطمس الحقيقة قبل أن تستفيق.
و ابتسمت سيرين ابتسامة خفيفة مشوبة بالتهكم و المرارة و تساءلت في سرها 
و كيف سيكون المشهد حين يظهر نادر أمامهم جميعا
و كان قلبها يرقب الانفجار القادم كمن يعرف أن البركان يوشك على ثورانه و ما هي إلا لحظات حتى يتناثر
كل شيء إلى شظايا.

تعليقات