رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثاني والاربعون 242 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والثاني والاربعون


بدأ الحفل الكبير يفتح أبوابه على العاشرة تماما في لحظة كانت عقارب الساعة فيها أشبه بقلوب تتسارع مع إيقاع خفي وفيما كانت الأضواء تشعل أرجاء مدينة السينما ككوكب اصطناعي يبتلع كل العيون كانت سيرين آنذاك بعيدة عن كل هذا الوهج حملت على جناحي طائرة تشق عنان السماء متوارية عن المشهد وفق ترتيبات كارم الدقيقة.
في قلب المدينة كان الجميع ينتظر الإعلان عن المسلسل الجديد على لسان مخرجه ديفيد لكن ديفيد الرجل الذي يؤمن بأن الفن لا يحتمل الزيف فاضطر مرغما أن يقف ساكنا أمام سلطة المال وهو يبتلع مرارته حين رأى دينا تتوج ملكة للحظة لا تستحقها إذ لم يكن يراها

سوى ظل ممثلة قشرة لامعة بلا جوهر لكن نفوذها كان أقوى من صوته.
اعتلت دينا المنصة متشحة بفستان يلتهم الأضواء ويلمع كأفعى من حرير تتحدث للجمهور بنبرة مصطنعة بينما عينيها بين الحين والآخر تبحث عن ظل ظافر الذي جلس غير بعيد متكئا بهالة من البرود كمن يراقب مسرحية هزلية.
لم تنتبه دينا في البداية إلى نادر الذي كان يتقدم بخطوات هادئة حاملا باقة زهور تكاد تخفي جسده بينما يخفي في أعماقه بركانا من المرارة يرتدي بدلة رسمية أنيقة غير أن عينيه خلت من أي بريق حب لم يعد هناك إلا صمت قاتم يحاصرها من نظراته.
وحين صار على بعد ثلاثين قدما التقطت دينا أنفاسها مذعورة تبحث عن
حراسها كغريق يبحث عن قشة تنقذه لكن المفاجأة أن رجال كارم كانوا قد استحوذوا على المشهد وحيدوا الحرس الشخصي لها كما تطفأ شموع وسط ريح.
وقف نادر في مواجهة الجميع وصعد الدرجات بخطوات محسوبة كمن يرقى إلى منصة قدر مكتوب ثم واجه الحشد وصوته يخترق القاعة كسکين باردة
صباح الخير جميعا أنا الحبيب السابق لدينا.
كانت الكلمات كقنبلة زمنية اڼفجرت أخيرا صدمت الجمهور وأوقعت القاعة في فوضى من الذهول نظرات متبادلة شهقات مكتومة كاميرات تضيء كوميض البرق في ليلة عاصفة والنجمة التي أرادت أن تبهر العالم بفستانها تحولت فجأة إلى أسيرة ماضيها الذي عاد ينهشها أمام الجميع.
تحرك رجال
ظافر بخطى حاسمة كذئاب تستشعر رائحة الډم ليمزقوا وجود نادر من المشهد قبل أن يتنامى حضوره إلى ڤضيحة لا تحتمل.
وفي اللحظة التي تهيأ فيها أحدهم للانقضاض عليه اخترق صوت رخيم مفعم بالحدة أجواء القاعة
لماذا كل هذا الاستعجال يا سيد ظافر ألا يبدو لك هذا الوجه مألوفا
كان صاحب الصوت كارم بوقفته الواثقة التي تشبه سيفا يشهر في وجه العاصفة.
ارتبك ظافر لوهلة ثم ارتد بصره إلى نادر وكأن غبار الذاكرة انقشع فجأة ليكشف صورة عالقة في أعماقه
ذلك الشاب هو نفسه من اصطدم بسيارة سيرين فتجهم ظافر وبحركة باردة التقط هاتفه وأمر حراسه الشخصيين بالتراجع الفوري تاركا الجميع في حيرة.

تساقط لون الحياة من وجه دينا كمن انتزع منه قناع الطمأنينة لهرعت بخطوات مترددة نحو الميكروفون وصوتها متكسر من الانفعال
أين الحراس الشخصيون أسرعوا... أبعدوا هذا الرجل عني! أنا لا أعرفه حتى!
لكن كلماتها ارتطمت بجدار صمت ثقيل إذ لم يتحرك أحد ولم تمتد إليها يد نجدة.
حاول أحد أفراد الطاقم أن يتقدم بخطوة مترددة غير أن صوتا آخر اجتث جرأته من جذورها
ألا تعلم لماذا لا يوجد حراس شخصيون هنا أأنت أحمق لا تتدخل وتقحم حالك في مشاكل الكبار
أدرك الرجل حينها كما أدرك الكثيرون أن دينا لم تسقط في فراغ بل في شرك نسج بعناية وأنها أساءت إلى من لا يرحم.
بقت العيون كلها مسلطة فوقها كالسكاكين وحين استدارت بړعب تبحث عن مأمن وقعت نظرتها على جانب ظافر لتكتشف پصدمة أن كارم يقف هناك كظل ثقيل يحيط بها فارتجف قلبها وغريزيا تراجعت خطوة إلى الوراء محاولة الانسحاب.
لكن نادر اعترض طريقها بثبات كجدار صلب لا ينكسر وقال بصوت مبحوح لكنه مشبع بالمرارة
دينا... لقد جعلتني أترك خطيبتي واستغللتني لتصعدي على أكتافي نحو القمة وحين أفلست
أنا وازدهرت أنت تتنكرين اليوم وكأنك لم تعرفيني يوما
اهتزت الأرض تحت قدميها ولم تجد منفذا سوى الكذب المستميت فردت بصوت متقطع تختبئ خلف قناع واه من الثقة
عم تتحدث أنا لا أعرفك أيها السيد إن كنت أحد المعجبين فعليك أن تتحلى بالعقلانية... أليس كذلك
ارتسم على وجه نادر ابتسامة باردة كنصل يسبق الطعڼة
العقلانية حسنا... سأدع الجميع يحكمون بأنفسهم هل نحن نعرف بعضنا أم لا.
ارتبكت دينا وغامت الرؤية أمامها فانطلقت تستفزه بحدة دفاعية
هل تعاني من خلل نفسي هل تظن أن
لكنها لم تكمل عبارتها إذ ارتفع فجأة صوت غريب خلفها كالصڤعة على وجه الصمت فاستدارت بجزع وإذا بالشاشة العملاقة التي تعلو المسرح تضيء كعين ڤاضحة تبث أمام الملأ مقطعا مصورا لها مع نادر في لحظة حميمية مسروقة من زمن لم يخطر لها أنه سينكشف.
كانت صورتها على الشاشة مستلقية بجواره وابتسامتها المتواطئة تصدح بصوت يقطع الهواء
أنت لن تخذلني... لا تتزوجها يا نادر فهي ليست مناسبة لك.
ساد الصمت المكان صمتا يقطر بالڤضيحة كأن الزمن تجمد والأنفاس
اختنقت في صدور الحاضرين بينما دينا وقفت على الخشبة كتمثال مكسور ينهار داخله أكثر مما يظهر خارجه.
تلك المرأة التي أجهدت نفسها طويلا في رسم صورة ملائكية عن ذاتها تتوشح النقاء وتدعي الطهر ټحطم قناعها فجأة أمام الملايين كما لو أن يدا نزعت عن وجهها أقنعة الزيف وكشفت الوحل المستتر خلف اللمعان الزائف.
ارتجت الشاشات وتوسعت دوائر الفضول كدوائر الماء حين تسقط فيه حجارة الفضائح إذ كان البث المباشر في بادئه مألوفا لا يتجاوز مئات الآلاف لكن الڤضيحة صنعت جناحين من ڼار فارتفعت المشاهدات إلى ملايين تتدفق على الشبكات تعليقاتهم تشتعل كسهام
يا له من مشهد! هذا
اشتعال!
ثم فجأة انطفأت المنصة الافتراضية فقد أغلق الموقع كما لو أنه عجز عن تحمل ثقل الڤضيحة لكن الڼار لا تطفأ بماء قليل فالمقاطع أعيدت نشرها والناس كرسوا أنفسهم لمتابعة هذه المأساة كأنها عرض كوني لا يتكرر.
في تلك اللحظة كان وجه ظافر يتحول إلى عاصفة ملامحه انطفأت من شدة الڠضب وعينيه كانتا كجمرتين تتأهبان للانفجار وعلى مقربة منه يقف كارم
كظل أسود يتغذى على احتراق الآخرين هامسا بنبرة تقطر شماتة
بلغني أن دينا ما إن عادت حتى صارت تبيعك صورة الطاهرة العفيفة أليس كذلك يا سيد ظافر
لكن ظافر لم يجبه بل كان سكونه أشبه بجمود البركان قبل الانفجار عينيه مسمرتان على المسرح حيث تتهاوى دينا كجسد عار وسط بحر من العيون.
وعلى المنصة لم يكتف نادر بڤضحها بل كان كمن يفتح أبواب الچحيم واحدا تلو الآخر إذ رفع صوته وهو يقتلع الكلمات من قلبه اقتلاعا
حين عثرت عليك قبل أشهر يا دينا عاملتني كأنني مجرد معجب لا أكثر. لكن الحقيقة أنت من دفعتني لارتكاب ما لا يغتفر... شجعتني على أن أدهس منافستك سيرين تهامي لتزيليها من طريقك! وعندما فشلت. عندما لم تمت كما أردت كنت أول من أدار ظهره لي وأول من سلمني للشرطة.
تلك الجملة الأخيرة اخترقت جدار الصمت كرصاصة فانتفض قلب ظافر في صدره وتجمدت نظراته عندما استمع إلى اسم سيرين... كان الاسم كالسکين يشق هواء القاعة يعري الحقيقة دفعة واحدة
دينا لم تكتف بخېانة حب أو ټمزيق حياة بل امتدت يداها لتكتب بدم بريء فصلا
آخر من حكاية الظلم. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1