رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والخامس والاربعون 245 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والخامس والاربعون 

لم يلق ظافر بالا لتقارير الدم ولا للأوراق المبعثرة أمامه كل ما كان يريده هو أن يراها أن يسألها وجها لوجه
لماذا هجرتني
كان يدرك في أعماقه أنه لم يعد ذاك الرجل الذي أحبته يوما وأن شيئا ما بينهما قد تحطم دون رجعة لكنه مع ذلك تعلق ببقاياها كما يتشبث الغريق بقشة عائمة.
ظل ظافر يعتصر الرسالة في قبضته كمن يتمسك بشريان حياة ومن ثم استنفر رجاله وبددهم في أرجاء المدينة الثلجية بينما خرج بنفسه يبحث عنها.
تلك الليلة لم يغمض له جفن ظل يذرع الممرات بعينين متوردتين كمن طرد النوم من جفونه إلى الأبد.
وحين بزغ الصبح كانت المدينة مغطاة بوشاح أبيض كثيف ثلج صامت يخنق الأصوات ويضاعف برودة صدره.
جلس في سيارته ساكن الجسد بينما ينهال عليه وابل من تقارير رجاله أخبار عن فاطمة التي اختفت في أثينا منذ نصف شهر عن سارة والدة سيرين التي لم تطأ قدماها أرض اليونان منذ تلك الفترة نفسها كل ذلك جعله يدرك أن رحيل سيرين لم يكن وليد اللحظة بل مؤامرة صامتة كانت تنسج بخيوط خفية منذ زمن بعيد بينما كان هو غافلا يحلم بوقت أطول معها عل قلبها يتردد في

تركه.
في خضم شروده اخترق صوت هاتفه صمت السيارة كانت سكرتيرته تخبره أن إجراءات نقل سكن السيدة تهامي قد انتهت لم يعلق بشيء لم ينطق سوى صمت أثقل من الكلمات ثم أدار مقود سيارته نحو منزل تهامي ذاك البيت الذي كان شاهدا على أول مجيء سيرين إلى قصره ليلة زفافهما إذ أراد أن يستحضر أثرها من حيث بدأت الرحلة.
كانت عجلة القيادة بين يديه أشبه بجمرة متوهجة يضغط عليها بلا وعي كأنه يخشى أن يتركها فتبتلعه هاوية الفراغ.
الطريق أمامه لم يكن سوى شريط أبيض بلا نهاية كأن الثلج قرر أن يمحو معالم العالم ليتركه وحيدا في مسرح شاحب لا جمهور فيه سوى أشباح أفكاره.
كل منعطف كان يذكره بها ضحكتها نظرتها المتمردة حتى صمتها الذي كان يحرقه أكثر من الكلام سأل نفسه مرارا بصوت مبحوح لم يسمعه أحد
لماذا رحلت ماذا فعلت بك حتى تغلقي الأبواب خلفك بهذه القسوة أخطأت ولكنك عقابك لا رحمة فيه سيرين
كان يشعر أن قلبه يترنح داخله مثل سفينة فقدت بوصلتها تتقاذفها أمواج من صور متلاحقة
هي وهي تتحدث هي وهي تدير ظهرها هي وهي تختفي كل صورة كانت طعنة وكل طعنة تفتح جرحا لن يبرأ.

أدرك فجأة أنه لم يعد يطارد سيرين فحسب بل يطارد ذاته الضائعة معها لم تكن امرأة بل كانت مرآة تعكس صورته التي خسرها منذ زمن وكلما ابتعدت عنه ابتعد هو عن نفسه أكثر.
ضغط على دواسة البنزين بقوة كأن السرعة قد تمنحه خلاصا لكن الصمت الموحش ظل يلاحقه والبرد يتسلل إلى عظامه ومع كل نفس يتردد في صدره كان يتمنى لو أن صدى صوته يبلغها
عودي فقط عودي حتى لو لتكسريني تماما.
حين ترجل من السيارة كان الثلج يتساقط بخفة فوق معطفه فاقترب منه ماهر يمد له مظلة وقد اعتلت وجهه مسحة قلق
اطمئن يا سيد ظافر سنعثر عليها.
أجابه ظافر بصوت خافت متعب وقد تجلت الهزيمة في نبراته
ينبغي عليك أن ترتاح قليلا.
تردد ماهر لحظة قبل أن يسأل بحذر
وأنت يا سيدي
ارتسم على شفاه ظافر ابتسامة واهنة أشبه بظل ابتسامة وقال
هناك أمر علي أن أعتني به.
كان صوته هادئا على نحو مريب هدوء أشبه بسكون البحر قبل العاصفة هدوء ينذر بانفجار داخلي يوشك أن يبتلعه.
بعد أن انسحب ماهر تاركا سيده في مواجهة صقيع الليل بقي ظافر وحيدا يتوسد صمته والثلج يتساقط حوله كستار أبيض يطبق على أنفاسه لم يحتم
لم يبحث عن دفء كأنه أراد أن يعاقب نفسه ببرودة تشبه برودة الغياب الذي خلفته سيرين.
وحين بزغ الفجر عاد ماهر ليجد مشهدا يعلق الروح بين الحلم والكابوس خارج منزل تهامي انتصب رجل ثلج ضخم ملامحه متقنة على غير العادة كأن يدي طفل شغوف قد أعادتا للثلج براءته لكن الحقيقة كانت أكثر إيلاما
ظافر هو من صنعه قضى ليله بين الثلوج يجمعها بيديه المرتجفتين كأنها آخر محاولة بائسة لاستدعاء حضورها المفقود.
اقترب ماهر ببطء وصوت قلبه
يسبق خطواته ثم سمع سيده يتمتم وهو يتأمل صنيعه بعينين غارقتين في العذاب
هل يبدو جميلا كانت تعشق صنع رجال الثلج. أليس هذا سخفا أليس هذا طفوليا
قالها وصوته يتهدج يختنق بين حروف تحاول أن تبقى قوية لكنها توشك أن تنهار وظافر واقفا كتمثال نحت من الشجن فلولا كبرياؤه لترك الدموع تسيل على وجنتيه لكنه كبرياء يترنح أمام جرح لا دواء له ينهشه الفقد يلتهمه من الداخل التهاما حتى صار قلبه خواء لا يملؤه سوى صدى اسمها.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1