رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الثامن و العشرون
العلاقة بين الفارس وجواده علاقة ثقة لا يمكن زعزعتها إلا بفتنة عظيمة ، وجميعنا مخطؤون يا جوادي
فالأصيل أحيانًا يخطئ ، والجسور أحيانًا يخاف ، والحكيم أحيانًا يفتن ، جميعنا بشرٌ يا عزيزي
وإني لأخشى السقوط بدونك ، فالمعركة قاتلة ، والعدو يستخدم أسلحته المحرمة ، والموت لا يوقف انتقامهم
لنكن يدًا بيدٍ دائمًا ، فلن أكون يومًا فارسًا بلا جواد .
(بقلم آية العربي)
❈-❈-❈
قبل قليل
يتحدث مع رشدي عبر الهاتف ويستمع إليه وهو يخبره بما حدث :
– ماتقلقش الولد خاله استلمه ، وتوماس رسميًا اتسجل إنه انتحر من المستشفى اللي كان بيتعالج فيها بعد ما حالته اتدهورت ، مافيش أي حد هيعرف إنه اعترف بأي حاجة ، وموضوع الفندق أكد على ديما تنساه تمامًا لإن مافيش أي تقرير هيثبت أنه انتحر من الفندق أو حتى خرج من المستشفى .
تنفس مطولًا وسأله :
– وإرتوا هيصدق ؟
أجابه رشدي موضحًا باطمئنان :
– مجبر يصدق ويلم ورا صاحبه الخاين ، ده واحد كان ناوي يعمل عملية اغتيال جوة مصر ، وعامل بلاوي تانية زي مانت سمعت ، يعني إرتوا مجبر يصدق التقارير وإلا هيدخل نفسه في مشاكل هو بغنى عنها .
أومأ ثائر بتفهم وودعه بعد قليل وأغلق معه وعقله ما زال شاردًا يفكر في اعترافات توماس ووصيته لديما ، ترى بماذا كان يفكر حينما طلب منها هذا الطلب ؟
شعر بثورة ستقام داخله نتيجة غيرته ولكن أخمدتها ديما بدخولها الغرفة فقرر ألا يظهر ما يشعر به خاصةً وأنها مجهدة ومرهقة بعد ما حدث اليوم .
❈-❈-❈
وقف في شرفته ، انهى سيجارته للتو وبات يفكر بملامح عابسة ، لماذا لم تخبره بهذا الأمر ؟ ربما كان تم تأجيل حفل الزفاف ليومين .
نهر نفسه يردف داخله :
– خلاص بقى يا داغر اعتبر نفسك لسة ماتجوزتش .
نطق غريمه الداخلي ينهره :
– ماتجوزتش إزاي وهي قاعدة قدامي كدة ولوحدنا ؟ انزل انام في شقتنا تحت ولا اعمل إيه؟
فاجأته وهي تحتضنه وتضع رأسها على ظهره ويديها حول خصره، نطقت بنبرة ناعمة تواسيه :
– إنت لسة زعلان ؟
أغمض عيناه وتحول غضبه وعبوسه إلى استمتاع بعناقها المفاجيء ، هذا أول عناق تبادر به هي ، أطلق زفرة مطولة والتفت لها يتأمل ملامحها ليجدها تبتسم له وتسترسل بنبرة مبطنة :
– ماتزعلش بقى ، المهم إننا مع بعض دلوقتي ، بقينا في بيتنا واتحدينا كل المشاكل اللي واجهتنا وانتصرنا عليها ، وبعدين مش إنت بتحبني ؟
رفع يده يزيح خصلتها للخلف ويتلمس وجنتها بهيامٍ ومشاعر سحقت همومه :
– طبعًا بحبك جدًا ، هو فيه حاجة مبهدلاني ومخلياني هتجنن كدة غير حبك !
ابتسمت وارتفعت قليلًا لتقبل فكه ثم اتجهت تقبل الآخر وعادت تطالعه لترى هل ارتضى ولكنه لم يكتفِ بهذا بل أطلق لشفتيه العنان وبات يوزع قبلاته على كامل وجهها ورقبتها وهي تذوب معه في سطوة عشقٍ غير مكتملة الأركان .
❈-❈-❈
في الفندق
خرجت من حمامها ترتدي مئزرها وتخطو بغنجٍ وانتصار ، ليتها تعلم ماذا حدث بين ثائر وديما بعدما دست سمومها .
التفتت لترى زوجها يجلس يتصفح هاتفه ، فقد تلقى للتو رسالة من الإعلامية أسما ترد على رسالته في طلب اللقاء بها لأمرٍ هام ، لذا لم يلحظ خروج سها ولم يهتم ، بل انفرجت أساريره وهي تخبره بموافقتها على لقائه ، ستقابله يوم الثلاثاء في مقهى بمحيط عملها .
تجاهله استفز سها التي تجهمت واتجهت تجلس جواره وتحاول معرفة سبب سعادته ولكنه أغلق الهاتف والتفت يطالعها بعبوس ليرى ماذا تريد .
نطقت بحدة وهي تمد يدها نحوه :
– قفلت الموبايل ليه ؟ وريني كدة .
قطب جبينه وأردف باستنكار وهو يبعد الهاتف عنها :
– أوريكي إيه ؟ إنتِ مصدقة نفسك يا سها إننا لسة زوجين طبعيين ؟
اشتعل غضبها ونطقت بانفعال بات جزءًا لا يتجزأ من شخصيتها :
– كل ده من ساعة ماجيت مصر ، الجرأة مسكتك أوي وحنيت لأخوك المتحرش الهمجي ، وتلاقيك كمان شايفلك شوفة تانية علشان كدة قلت لازم اضحي بسها مهي لقمة طرية ، بس تبقى غلطان يا أحمد لو استهنت بيا وباللي ممكن اعمله ، هتندم إنت وأي حد يفكر يأذيني بكلمة .
حاول ألا يقع في بؤرة استفزازها لذا نطق ببرود وابتسامة أصابتها في مقتل :
– ماحدش مهتم بيكي أصلًا يا سها ، لا اخويا شايفك ولا مراته اللي إنتِ قومتي جريتي وراها ع الحمام ، حتى أنا خرجتك من حساباتي ، إنتِ دلوقتي على ذمتي بس علشان أولادنا ، مش عايز أوحش صورتك قدامهم واطلقك لإنهم هيسألو عن السبب وأنا مش هعرضهم لموقف زي ده .
جن جنونها وكادت أن تهجم على وجهه بأظافرها ولكنه أحكم قبضتيه حول كفيها ونطق بنبرة حادة :
– كفاية بقى ، أنا جبت أخري منك ومن أسلوبك وجنانك وهمجيتك ، مش هسمحلك بالتجاوز معايا مرة تانية ، إنتِ سامعة ؟
نفض يدها ونهض من فراشه يحمل هاتفه وينوي التحرك ولكنه نطق قبل أن ينطلق :
– واعملي حسابك اخرنا بكرة هنا وبعد كدة هنطلع على الشقة ، مش هقعد في فندق وانا ليا بيت .
تحرك بعدها خارج الغرفة لينزل ويستنشق القليل من الهواء بعدما شعر بالاختناق في وجودها .
أما هي فجلست لا تستوعب ما قاله ، تبدل برجلٍ آخرٍ متمردًا على سلطتها وسطوتها ، ولكنها لن تقبل بهذا ، ستعلم ما الذي حدث معه وتقسم إن تأكدت شكوكها ستنتقم منه أشد انتقام،ليست سها أبو المجد التي يرى زوجها غيرها،لن تسمح لهذا أن يحدث .
❈-❈-❈
صباحًا
شعرت بشيءٍ ما يطوف بخفة على ملامحها ، كأنها رقاقة زهرة التوليب ، وكانت بالفعل هي .
يمسك بها صالح ويسافر بها عبر ملامحها الناعمة ، يميل نحوها ويحدق بها بسعادة عبرت حدود قارات عشقه السبعة ، لم يعد يستطيع صبرًا على نومها .
تململت كأنها تحلم ، ابتسمت بخفة ومالت ثم فتحت عينيها لتتفاجأ به أمامها يبتسم ويردف بنبرة منشرحة :
– صباح الهنا يا عمري أنا .
تعمقت فيه لثوانٍ ثم تذكرت ليلتهما الأولى ، حنانه ، احتواءه ، مراعاته لها، وبحه الكبير الذي كان يصدر من أفعاله ، لذا ابتسمت وأخفت وجهها بين كفيها بخجلٍ فابتسم ومد يده يبعدهما واسترسل وهو يعاود مناغشتها بالوردة :
– بسواش عالحكي ، صرنا واحد ، يالا قومي عشان نفطر .
نهضت تعتدل فجلس قبالتها لذا ابتسمت تطالعه بحب وتساءلت :
– هو إحنا امتى دلوقتي؟
تأملها لثوانٍ يجيبها وعيناه لا تفارق خاصتها :
– الساعة عشرة .
نظرت له باستنكار تردف بعتاب :
– عشرة يا صالح ؟ فيه عرسان يقومو بدري كدة ؟
أومأ يردف بهدوء :
– ورانا شغلات كتير حبيبتي ، بلا كسل ويالا فيقي .
نهض يتجه نحو الخارج تحت أنظارها المتعجبة ، أي شغلات هذه ؟ هل تبدل هذا الرجل وظهر على حقيقته ؟ هل سيجعلها تحضر الفطور وتنظف البيت ثم تطهو الطعام من أول يومٍ لها ؟
في خضم أفكارها الهوجاء وجدته يدلف الغرفة حاملَا صينية الفطور التي قام بتحضيره يطالعها مستنكرًا ويردف :
– بعدك ما قومتي ؟ يالا فوتي ع الحمام وتعي .
نظرت لصينية الفطور التي وضعها على الطاولة ثم ترجلت وتحركت نحوه بخفة تتساءل متعجبة :
– فيه حاجة صح ؟
وقف يحاوطها ثم دنا يطبع قبلة لطيفة على شفتيها وعاود يتأملها ثم أومأ يجيبها بخفوت :
– اممم ، بس نفطر بقولك شو في ، هسا بدك تفوتي ع الحمام ولا بلاها فطار وبلاها مفاجأة ونضل محبوسين هان ؟ أنا ما عندي مانع بس إنتِ يللي ممكن تندمي بعدين .
تأثرت من همسه ولمساته ونبرته الحنونة ثم تعلقت برقبته تجيبه بدلال نتج عن معاملته لها :
– مين قالك إني هندم ؟ بالعكس بقى أنا هكون مبسوطة لو اتحبست معاك العمر كله .
أسرته فعاود يقتنص شفتيها هذه المرة في قبلة يبث بها عشقه وشغفه ثم ابتعد مرغمًا ولم يبتعد في آنٍ بل حرر شفتيه عنها يهمس لها :
– حتى لو قلتلك إن بدنا نطلع رحلة ؟
فرغ فاهها بسعادة وتساءلت :
– رحلة ؟ إزاي ؟ وليه مقولتش ؟ هنطلع شهر عسل؟
ابتسم على ملامحها المنفرجة وأجابها يوضح :
– كانت مفاجأة يا عسل صافي ، يالا قولي بتحبي نسافر ولا نضل هان ؟
أسرعت تتحرر وتركض نحو الحمام بسعادة فهي تعشق السفر برغم أنها لم تسافر في رحلة من قبل ، لذا تمنت لو فعلتها ، وها هي تحقق أولى أمنياتها مع حبيبها صالح ، ولكن يا ترى إلى أين ؟
❈-❈-❈
بعد ساعتين :
تململت في نومها بكسل .
مدت يدها لتراه ولكنها وجدت الفراش فراغًا ، فتحت مقلتيها تتطلع حولها وتتماطأ ، أين ذهب ؟ هل غادر دون أن يودعها؟
اعتدلت تجمع خصلاتها وهجمت عليها ذكريات أمس ، من بداية خطفها وحديث توماس وانتحاره وصولًا إلى كلمات سها الخبيثة .
تنفست مطولًا ثم كادت أن تترجل ولكنها وجدته يفتح الباب ويدلف الغرفة يطالعها مبتسمًا يردف :
– صح النوم ، الساعة داخلة على اتنين يا ماما ديما .
تفاجأت من الوقت وأردفت وهي تلتقط هاتفها بينما هو اتجه يجلس قبالتها :
– معقول ؟ نمت كل ده ؟ ماصحتنيش ليه يا ثائر ؟
نزع الهاتف يلقيه جانبًا والتقط كفيها يحتويهما وأردف بحب وهو يحدق بها وبملامحها المرهقة :
– لإنك كنتِ تعبانة جدًا امبارح ، وبعدين مامتك كتر خيرها عملت الفطار وفطرتني أنا والولاد .
ابتسمت بهدوء تجيبه :
– ألف هنا يا حبيبي .
كان ينتظر اعتراضها على فطوره ولكنها لم تفعل لذا أردف مستفسرًا باعتراض :
– يعني عادي افطر من غيرك ؟
ابتسمت تجيبه بثقة :
– أنا عارفة أصلًا إنك مافطرتش ، بس أوعى تكون شربت قهوة على الريق !
هز رأسه بلا يجيبها بارتياح وحب :
– لاء ، استنيتك.
أومأت وكادت أن تترجل ولكنه لم يستطع صبرًا على معرفة ما بها لذا أوقفها يتساءل بترقب :
– تحبي نتكلم الأول ؟
تعمقت في مقلتيه ، وعادت تتذكر حديث سها ، هي تريد أن تتحسن علاقته بشقيقه ، تريد أن تنزع تلك الغصة منه ، تريده أن يعفو حتى لا تنجح تلك الأفعى في دس سمومها في هذه العائلة ، لذا عليها أن تستفسر منه عما حدث مجددًا ، وبتفاصيل أكثر .
تنفست بقوة وأردفت بتوتر خوفًا من انزعاجه :
– أنا وسها اتكلمنا امبارح .
تبدلت ملامحه المرنة بأخرى مشدوهة ونطق بثقب :
– في الحمام .
أومأت واستطردت توضح وهي تحرر كفها من قبضته وتهندم خصلاتها :
– أيوة ، وسيبك من اللي قالته ، أنا عايزاك تحكيلي بالضبط عن اللي حصل من سنين ، عن علاقتك بسها كان شكلها إيه ؟
احتدت نظرته وتأهب يستفسر :
– بمعنى ؟
ازدردت ريقها بعد ظنه أنها تشك به لذا وضحت قائلة :
– بمعنى إن فيه سبب هو اللي دفع أحمد إنه يصدق سها يا ثائر ، في حاجة إنت استهونت بيها واتعاملت معاها بعفوية أو بطبيعتك وللأسف بنت خالك استغلتها بطريقة مقرفة ، لازم تفهمني .
شرد قليلًا لثوانٍ ثم نهض يطالعها بضيق ونطق معترضًا :
– في سبب ؟ بس ده مكانش كلامك يا ديما ، أنا حكيتلك اللي حصل فعلًا، ولا سها لعبت في عقلك وهتشكك في جوزك ؟
مسحت على وجهها تتحلى بالهدوء ثم نهضت تقف قبالته وتحدثت بثباتٍ وعينيها في عينيه مباشرةً :
– كلام سها أكدلي إنها واحدة خبيثة ، يتخاف منها ، يتخاف منها على عيلتك وعلى أخوك وأولاده ، اخوك محتاجك وانت كمان محتاج له جدًا ، ولازم الخلاف اللي بينكم ده يتحل ، ولازم تقعدو مع بعض وتتكلمو وتوضحو كل حاجة .
تعمق فيها وشرد يستعيد الماضي لثوانٍ ثم عاد للحاضر سريعًا يهز رأسه مستنكرًا يردف :
– كنت محتاج له بس هو اتخلى ، والأحسن تخليكي بعيد عن الموضوع ده يا ديما طالما هتتأثري بكلام واحدة خبيثة زي دي، مسألة أخويا أنا هحلها ماتشغليش بالك إنتِ .
تحرك يغادر ونطق قبل أن يخرج :
– يالا اجهزي وتعالي علشان نفطر ونقولهم ع الحمل .
غادر وتركها لتدرك أنه يحاول الهروب من نفسه قبلها ، ربما هي وضعته أمام مرآة الماضي التي كان يستنكرها ، لذا ستتركه مع نفسه قليلًا ولترى ماذا ستفعل في مهمتها التالية .
❈-❈-❈
دلف بهاء يمسك بملف المعلومات والثغرات عن الأسلحة الغربية التي تم جمعها من خلال اعترافات توماس .
ألقى السلام على رشدي وناوله إياه يردف بهدوء :
– اتفضل يا فندم ، كل حاجة متسجلة هنا ، بس معقول يا فندم توماس كان عارف إننا سامعين كل حاجة ؟
هز رشدي رأسه وأجابه وهو يتفحص الملف :
– لاء ، هو كان مراهن على ذاكرة ديما ، هو متأكد إنها هتنسى معظم المعلومات اللي قالها ، لو كان عنده شك اننا سامعين ماكنش قال حرف ، هو كان عايز يقنعها فقالها كل اللي عنده علشان تنفذ وصيته ، وبعدين الخبرا بتوعنا هيأكدولنا إذا كان كلامه بخصوص الأسلحة صح ولا غلط .
جلس بهاء أمامه وتساءل بترقب :
– والمفروض الخطوة اللي بعد كدة إيه يا فندم ، كدة خلاص مهمة فرنسا اتحلت ؟ ولا لسة فيه حاجة تانية ممكن تظهر ؟
شرد رشدي قليلًا ثم أردف برتابة :
– هنشوف يا بهاء ، بس كدة نقدر نقول إننا تجاوزنا الصعب في المهمة دي وحققنا المعادلة الصعبة ، إن يبقى معاك نقط ضعف الأسلحة اللي بتستوردها من برا وبدل ما تستعين بخبرا أجانب تستعين بخبرا مصريين دي حاجة مهمة جدًا بالنسبة لجيشنا ، هتعزز من قدراتنا وقوتنا أكتر،وهتخلينا نتجنب الأخطاء دي في صناعاتنا الحربية لنفسنا ، وطول مانت قوى وفاهم كل حاجة وبتلاعبهم صح هيتعملك مليون حساب ، حتى لو مش بتحارب ، الجيوش الضعيفة يا بهاء خصوصًا في المنطقة دي بلدانها بتتاخد ، واحنا مهمتنا ومسؤوليتنا اننا نحمى البلد دي، وزي مانت عارف كل شيء مباح في الحرب ، علشان كدة ثائر ذو الفقار وغيره كتير بيستحملوا الاتهامات والغربة والوحدة في سبيل وطنهم ، ومش مهم إحنا المهم الوطن يعيش وده اللي اتربينا عليه، هما بيبعتوا جواسيسهم يعرفوا نقاط ضعفنا علشان يهاجمونا منها،واحنا بنبعتلهم جواسيسنا علشان نعرف نقاط ضعفهم وندافع عن بلدنا من خلالها،هما بيعتدوا واحنا بندافع،علشان كدة ربنا دايما بينصرنا عليهم ( إن الله لا يحب المعتدين) .
أعلن هاتفه عن اتصالٍ ما لذا التقطه يجيب تحت أنظار بهاء المترقب خاصةً بعد نظرات رشدي له ، أغلق بعد ثوانٍ ونظر لبهاء يستطرد بتنهيدة :
– إرتوا جاي مصر .
❈-❈-❈
انتهيا من الفطور ونادى ثائر على منال والأولاد
جاءت منال وجلست أمامهما تتساءل بنظراتها ، تبعها الصغار الذين جلسوا ينتظرون حديث والدهم الذي ناداهم .
نظر ثائر نحو ديما المتحفزة ومد يده يمسك بكفها يشجعها ثم التفت يطالعهم وأردف بهدوء :
– عندنا خبر حلو عايزين نقولهولكم .
ترقبوا الخبر وشعرت منال بم سيقوله قبل أن يردف :
– جاي لنا بيبي في السكة ، قولو لماما مبروك .
انفرجت أسارير منال وأردفت بسعادة :
– ألف مليون مبروك يا ثائر ، مبروك يا ديما ، ربنا يتمملك على خير يا حبيبتي .
ابتسمت ديما لردة فعل والدتها بينما عيناها تسلطتا على الصغار ، أسرعت رؤية إليها ووقفت تحدق بها وتتساءل بترقب :
– بنت ولا ولد يا مامي ؟
ملست على وجنتها وابتسمت تجيبها :
– لسة يا روح ماما ، أول ماهنعرف هقولك .
أومأت لها مبتسمة نظرت إلى معاذ الذي نهض وتقدم منهما يردف بمحبة وسعادة :
– أتمنى أن يكون صبيًا كي أضمه إلى فريقي ونلعب معًا ضد مالك .
قالها ممازحًا وهو يشير نحو مالك فابتسمت ديما ونظرت نحو ابنها فوجدته يحدق بها ، كأنه يعاتبها على ما فعلته ، ألا يكفيها أنها تزوجت واتخذت من ثائر بديلًا له ؟
حاول ألا يحزنها كعادته ونهض يردف بهدوء :
– مبروك يا ماما .
قالها وتحرك يغادر فنهضت منال تتبعه لأنها تدرك ما يشعر به بينما نظرت ديما إلى ثائر تشكي له مشاعرها الآن فربت على كفها ومال يرنو منها قائلًا بهمس بعدما انشغل معاذ بالحديث مع رؤية عن هوية الجنين :
– استني لما مامتك تكلمه وبعدين اتكلمي معاه ، وأنا كمان لازم اتكلم معاه ، مالك لازم يفهم إننا كلنا مسؤولين منك مش هو بس .
قالها وهو منزعجٌ بعض الشيء من ردة فعله وهذا الانزعاج لم يرُق لها لذا تنهدت بعمق وأردفت بترقب كي تختلي بنفسها وتفكر :
– أنا مصدعة شوية يا ثائر ، هطلع اريح فوق ولما ابقى كويسة هروح اتكلم معاه .
نهضت بعدها تتجه لغرفتها لتفكر في أمورٍ عدة .
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
يقفان عند مقدمة اليخت ، يقلدان وقفة فيلم تايتنك بناءًا على رغبة دينا .
الهواء يلفحهما وهي تبتسم بحرية وانطلاق ، يحاوطها صالح بروحٍ منتعشة ، يعيش معها أفضل أيام حياته .
أردفت وهي على وضعها مستمتعة بهذه الحالة التي تعيشها معه :
– تعالى ننزل البحر يا صولي ، علشان خاطري .
ابتسم يعتصرها وأردف وهو يميل على أذنها :
– ما بيصير هان يا عمري أنا .
عبست تستفسر وهي تلتفت لتقابله :
– ليــــه بس !
أجابها مشاكسًا :
– لإنو عم يقولو إن هان في أسماك قرش ، بلا ما نخاطر .
توسعت حدقتيها والتفتت تنظر للمياه ثم عادت إليه تردف :
– بتهزر ، معقول ؟
أومأ يكتم ضحكته فاسترسلت بتذمر :
– بس أنا نفسي أنزل ، المية شكلها تحفة .
ابتسم ونظر لهيأتها ليتأكد مما ترتديه،ثم فتح الباب المعدني المجاور وعلى حين غفلة حاوط خصرها وقفز بها في المياه فصرخت ولكن ما إن لامست المياه وطفت على سطحها معه حتى باتت تضحك بسعادة واستمتاع وهي تلكزه وتردف :
– كنت متأكدة إنك بتضحك عليا ، المنطقة دي مافيهاش قروش أصلًا .
ابتسم وتمسك بها ونطق بحبٍ وهيام من فرط نعومتها :
– بلكي كنت أنا القرش، ولا ما بيصير ؟
مال يقضم وجنتها فتآوهت وابتعدت عنه فجأة تسبح هاربة وتضحك وهو يلحق بها بسعادة .
ظلا يسبحان حول اليخت الذي أجره صالح ثم صعدا على متنه مجددًا وجلسا يستريحان وهي تشعر أنها داخل حلمٍ تمنت تحقيقه ولم تتمنى أن تستيقظ منه .
نظرت له بحبٍ كبير ونطقت بحماسٍ :
– أنا مبسوطة أوي يا صالح ، نفسي ألِف معاك الدنيا كلها ، نفسي أسافر برا مصر وأشوف بلاد كتيـــــــر أوي .
شرد يفكر في عرض عمه للحظات ثم أردف متسائلًا :
– شو رأيك لو تيجي معي ع أمريكا ؟
شهقت وهي تطالعه بذهول فضحك يسترسل موضحًا :
– عمي قال بدو ياني هناك ، لفترة زغيرة ونرجع لهان ، بس بعدني مش مقرر .
تمسكت بكفيه ونطقت بحماس شديد :
– وافق يا صالح ، قول ماشي وخلينا نسافر شوية ، علشان خاطري .
رفع كفها يلثمه ثم أردف بتريث :
– بيصير خير ، نرجع الأول من هان وبنحكي مع داغر ونشوف شو بدنا نعمل ، لا تنسي المشروع تبعنا .
أومأت بتفهم لكنها باتت تبني قصورًا من آمال بالسفر إلى أمريكا ، لو أن هذا حدث بالفعل ستحقق كل ما تمنته ، يكفيها أن تحاول إقناعه .
❈-❈-❈
ذهبت إلى المجلة بعدما سئمت من المكوث في المنزل ، خاصةً بعد محاولتها في التحدث إلى مالك الذي لم تجد منه التقبل لفكرة حملها .
باتت تدرك أن مالك يحمل بعض الأنانية وهذا ما لا تريده على الإطلاق ، يكفيها ما عانته من أنانية كمال ، لن تسمح له بأن يورثها لابنها ، يجب أن يشعر مالك أنها تنسحب من براثينه حولها ،يجب أن يشعر أن استمراره بالتصرف على هذا النحو سيجنبه الكثير من التعامل معه باستيعاب .
جلست خلف مكتب ثائر الذي ذهب ليرى والدته ، كانت قد قامت بنشر مقال كدعاية عن كتابها القادم ، ليعلن هاتفها عن اتصال من يسرا .
التقطته تنظر له للحظات ، تعجبت منه خاصةً في هذا التوقيت ، ولكنها أجابت تردف بتريث :
– أزيك يا يسرا ، عاملة إيه ؟
أجابتها يسرا بتوتر :
– الحمدلله يا ديما ، أنا كويسة ، بس فيه حاجة مهمة .
ترقبت ديما لتسترسل يسرا بضيق من وجود هذا الضيف :
– أخو رحمة عندنا ، جاي يطلب مننا لو نعرف حد من فرنسا يكون قريب توماس نتواصل معاه علشان ييجي وياخد الطفل ، هو رافض يربيه ومراته هي اللي صممت ياخدوه ، لكن تقريبا كدة حصل مشكلة بينهم وهو جه هنا وعايز دياب يدخل في الموضوع ، أنا قلت لدياب إني هكلمك ، احتمال ثائر يعرف حد من أهل باباه في فرنسا ، لو سمحتِ يا ديما ممكن تسأليه ؟
شردت ديما للبعيد بأفكارها وهبت على عقلها كلمات توماس لها عن ابنه ، مسحت على وجهها تستغفر ، منذ يومان وهي تفكر وما كان يطمئنها وجوده مع خاله ، ولكنها الآن أمام خيارات محدودة ، وأفضلهما سيء جدًا ، لم تُزل من ذهنها جملة توماس لثائر قبل أن ينتحر حينما قال ( سأنتقم منك حيًا كنت أو ميتًا ) ، هذه الجملة تتردد على عقلها دومًا لذا زفرت بقوة وأردفت بعبوس :
– ممكن تخليه يييجي المجلة يا يسرا ؟ أنا في انتظاره دلوقتي ، لو سمحتِ بلغيه واديله العنوان .
أغلقت معها وجلست تفكر وكل ما يشغلها ردة فعل ثائر لذا رفعت هاتفها تهاتفه فأجابها وهو في يترجل من منزل عائلته :
– أيوة يا حبيبي، محتاجة حاجة،أنا جايلك في السكة.
ازدردت ريقها ثم أردفت بتوتر :
– مستنياك يا ثائر ، فيه موضوع مهم لازم نتكلم فيه .
تساءل بشكٍ وظن أنها ستتناقش معه مجددًا في أمر سها الذي أقسم أن يوقفها عند حدها :
– موضوع إيه ؟
سألها وانتظر حديثها ولكنها خالفت ظنه وليتها لم تفعل حينما أردفت بنبرة مترددة :
– عن ابن توماس يا ثائر .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
وصل شقيق رحمة إلى المجلة ، جلس أمام ديما يشرح وجهة نظره بضيق وانفعال :
-اختي خرجت عن طوعنا ، دلعناها زيادة عن اللزوم ، في الآخر راحت اتجوزت واحد كافر وماهمهاش ولا واحد فينا ، حتى بابا مات مش مسامحها ، وأنا عمري ما هسامحها ، وبرغم كدة كنت ببعتلها مبلغ مع دياب علشان لو احتاجت حاجة هي وابنها وقلت ممكن تكون ندمت وتعقل وتفكر صح ، اتفاجيء بعد كل ده انها رجعت للحقير ده تاني ؟ وبعد ده كله تقتله هو وعشيقته جوة بيتها ؟
كان يتحدث ويستعيد ما فعلته شقيقته بعقلٍ مستنكر كاد أن يجن، لذا تعابير وجهه غاضبة وهو يوضح مسترسلًا :
بعد ده كله أنا ليه اربي ابن زي ده ؟ ليه اعمل في نفسي وفي عيالي كدة ؟ أنا ضغطت على نفسي وروحنا استلمناه علشان خاطر المدام عندي وقلت يمكن أبوه يخف وياخده ، انما بعد موت أبوه انا مش هتحمل يقعد معانا ثانية واحدة ، معلش يا مدام ديما كلمي جوزك لو يعرف حد من قرايبه في فرنسا يوصله ليه .
كانت ديما تنظر له بخيبة ، حمدت ربها على عائلتها ، على شقيقها ، وعلى والدتها ، من ذا الذي يستطيع التفريط في جزءٍ منه ، هل حقًا رحمة تمردت عليهم نقمةً أم أنهم كان لهم الفضل في ذلك ؟
نطقت في محاولة منها لاستعطافه قائلة :
-طيب ممكن تفكر بهدوء ، ده طفل مالوش ذنب ، أي طفل بيتولد بريء وع الفطرة والتربية هي العامل المؤثر فيه ، يعني حاول تتقـــــــــ.
-ماتحاوليش يا مدام ديما ، المدام عندي قالت كتير زيك كدة لدرجة إني زعلتها بسببه ، أنا فعلا مش هقدر اتقبله بأي شكل ولو فضل عندي هيتظلم بجد .
قاطعها بكلماته فطالعته بضيق لبرهة ثم مدت يدها تناوله ورقة وقلم قائلة :
تمام ، اكتب رقمك وعنوانك وأنا هتواصل معاك في أقرب وقت .
بالفعل دون رقم هاتفه وعنوانه ونهض يردف :
-هستنى مكالمة منك يا مدام ديما ، عن اذنك
غادر وتركها تجلس متألمة على ما آلت إليه الدنيا من أحوال بعض البشر ، ماذا ستفعل بحق ذلك الطفل ؟ وكيف ستقنع ثائر برعايته حتى لو من بعيد ؟
اقتحم ثائر المكتب بعدما رأى شقيق رحمة في الخارج ، ملامحه متجهمة ونطق بانزعاج معنفًا :
– بتتصرفي من دماغك بطريقة غلط تمامًا ، يعني إيه تقابليه وتتكلمي معاه في موضوع مالكيش أي علاقة بيه ؟
حاولت امتصاص غضبه فأردفت وهي تنهض وتتحرك خطوات باتجاهه :
– اقعد يا ثائر وخلينا نتكلم .
رفع سبابته ولم يتخلَّ عن غضبه بل تابع محذرًا :
– إياك يا ديما ، إياك تفكري في كلام توماس عن ابنه أو تحاولي تفتحي معايا الموضوع ده من أساسه ، ممنــــــــــوع .
نظرت له بعمق ثم تحلت بالثبات وتكتفت تجيبه بجدية :
– لاء لازم افكر ، بعد ما قالك إنه هينتقم منك حي أو ميت لازم أفكر ، ولا ناوي تسيب توماس جديد يتربى ويحارب اولادنا ؟
وقف يقطب جبينه باستفهام يحاول استيعاب ما تريد توضيحه وحينما اقترب من فهمها نفض رأسه رافضًا وأردف بحدة وضيق نتج عما يحدث الآن وعما علمه صباحًا من رشدي :
– لا توماس جديد ولا توماس قديم ، إرتوا جاي القاهرة يشوف معتز وبالمرة ياخد جثة توماس وياخد ابنه يربيه ، وانتهى الحوار على كدة .
جحظت مما تسمعه فها هي مخاوفها تتحقق لذا هزت رأسها تعترض وكادت أن تتحدث ولكنه عاد يحذرها بنبرة عالية :
– يالا يا ديما نروح، الموضوع ده منتهي.
❈-❈-❈
ليلًا جلس داغر أمام التلفاز يقلب قناة تلو الأخرى بملل ، يشعر أنه على وشك الاختناق ، لا يستطيع النزول ، ولا يستطيع العودة للعمل الآن ، ولا يستطيع حتى أن يتزوج،قفط يجلس يندب حظه العاثر .
ظهر أمامه العرض المسرحي بعنوان (المتزوجون) شرد قليلًا يستمع إليهما وبدأت ملامحه تنفرج ، كانت البطلة تسرد لزوجها ما حدث معها أثناء التسوق وكيف ابتاعت الدجاجة .
ضحك داغر وتخيلها بسمة وهي تعود إليه بعدما تبتاع بطة حية وتقوم هي بتنظيفها وطهيها له مرتدية عباءة وإيشارب معصوج حول رأسها ، لا يعلم لِم راودته تلك الفكرة الآن ولكنه ضحك عليها وهز رأسه يزفر بقوة قبل أن تظهر بسمة تحمل طبقًا من الفواكه وتطالع ابتسامته التي اختفت حينما وصلت إليه رائحة عطرها، وحل محلها التجهم فابتسمت عليه واقتربت تضع طبق الفواكة على الطاولة أمامه وهي ترتدي شورت وقطعة قطنية قصيرة تظهر معدتها، تحمحم يحاول ألا يتأثر خاصةً وهي تلتفت خلف الأريكة التي يجلس عليها لتعانق رقبته وتميل عليه متسائلة :
– ينفع كدة أول ما تشوفني تكشر ؟
لم يفك حصار وجهه بل يزيده ، يريدها أن تدللـه أكثر ، حتى لو لم يكن هناك زواجًا فعلى الأقل يمكنها تقبيله دومًا ، نعم هو كاد أن يفسد ليلتهما الأولى ولكنه لم يعد يحتمل،حتى يمكنها أن تأتي وتجلس على ساقيه الآن ليعنفها على ما ترتديه أمامه من ملابس تكاد تزهق سلامه النفسي والعقلي .
وضعت قبلة على فكه وهمست بمغزى :
– تمام براحتك ، كنت جاية افرحك واقولك خبر حلو ، بس مش مشكلة .
اعتدلت لتغادر ولكنه قبض على معصمها ونهض يقفز من فوق الأريكة ووقف أمامها يسألها بنظراته هل تعي ما تقوله ؟ يخشى أن يتفوه فيجد إجابة تخيب آماله لذا سألها بعينيه فأومأت وأطرقت رأسها تدعي الخجل ولكن قلبها يقفز فرحًا على هيأته، ليرفع رأسها ويسأل بعدم تصديق :
– خلصت ؟
نظرت لعينه لبرهة ، في هذان اليومان كان قد تفتت خجلها وتوترها وباتت أكثر اشتياقًا له ، شغفها الآن في قربه يشبه شغفه لذا همست من بين شفتيها تردف بسعادة :
– أيوة .
قفزت السعادة تتراقص على ملامحه وهو يحاوط خصرها ويطالعها مشاكسًا يردف :
– أكلك منين يا بطة أكلك منين .
ضحكت عليه فمال يقبلها بشغف فبادلته ثم أوقفته تلتقط أنفاسها وتردف بترقب :
– هدخل آخد شاور وارجعلك .
تحركت خطوة ولكنه أعادها يقبض عليها ويعانقها مكبلًا إياها :
– لازم يعني ؟
نطقت بجدية وهي تحاول التململ من بين يديه :
– أيوة لازم علشان نصلي ركعتين الجواز أنا وانت زي ما كنت ناوي .
أومأ واعتدل يحترم رغبتها ثم أردف بحب :
– تمام يا حلو انت يا حلو ياللي هتتاكل أكل .
ضحكت عليه وتحركت نحو الحمام المتصل بغرفتها لتغتسل وتعود إليه بينما هو تحرك بعدها يضع الورود الحمراء على السرير كما كانت منثورة أول يوم ويشعل الشموع التي تمنى أن يشعلها ذلك اليوم ويردد لحن وجملة ( أكلك منين يا بطة أكلك منين) .
❈-❈-❈
في غرفة ثائر
خرج من حمامه يجفف خصلاته ، يرتدي سروالًا وتيشيرتًا رياضيًا ، نظر لها حيث غفت ولم تنتظره ، يدرك أنه أحزنها ولكن لا يمكنه تقبل ما تفكر به ، لا يمكنها أن تفكر على هذا النحو من الأساس .
يكفيه أمر سها ، تلك الخبيثة التي ينتظر اللحظة المناسبة لينتقم منها ، لقد وضعته ديما أمام مرآة الماضي .
نعم ربما اخطأ في شبابه ، نعم ربما بالغ في علاقته بها ، نعم ربما لم يضع حدودًا مناسبةً لعلاقتهما ولكنه كان يتعامل معها كصديقة وابنة خال تعد شقيقة وربما ظن أن بينهما توافق فكري حينما كانت تؤيد آراءه ، ولكنه وضع حدودًا لها بعدما أصبحت زوجة أخيه ، بدأ يدرك أنها لا تتعامل معه على نفس الصعيد .
سؤال ديما له ذكره بكل شيء، ذكره باندفاعه في شبابه، ذكره بشقيقه وطباعه ونصيحته له بالتروي ، ولكن هل هذه أسبابًا كافية ليجعله يصدق عليه تهمةً كهذه ؟
هو لم يخفِ عن ديما شيئًا ، لقد سرد لها ما حدث بالفعل من وجهة نظره ، ولكنه الآن وفي هذه المرحلة العمرية من حياته يستطيع أن يدرك أنه كان مخطئًا حينما لم يضع حدودًا مشددة لعلاقته مع ابنة خاله التي لم تكن تتعامل بعفوية على الإطلاق ونجحت في انتقامها منه حينما أدركت أنه لا يراها كحبيبة ، ونجحت أيضًا في التفريق بينه وبين شقيقه .
زفر واتجه يتمدد بجوارها لينام ، يكفيهما ما هو على وشك الحدوث ، مجيء إرتوا إلى هنا لن يكون أمرًا هينًا على الإطلاق ، خاصةً من أجل معاذ ، عليها أن تسانده في هذا الأمر ، هو لا يستطيع بدونها ، هي القوة التي يستند عليها ويجب أن تدرك ذلك وألا تتخد من حبه لها نقطة ضعفٍ تمارسها عليه من أجل ذلك الطفل الذي لم ولن يتقبله مطلقًا .
تمدد يحدق بها، يحبها ويحزن حينما يحزنها، ربما هي ظاهريًا تشبه غيرها، ولكنه يدرك بها ما لا يدركه أحد، يقدر كل ما فعلته وتفعله معه، يكفيه أنها تحتوي قلبه.
اقترب منها أكثر ورفع كفها يلثمه، كانت قد غفت وراودها حلمًا ما
( تجلس في منزلٍ غير منزلها ولكنه بات وكأنه هو ، تحيك قميصًا لطفلٍ صغير لا يتجاوز عمره الأشهر وتبتسم بحماسٍ لإنهائه لترى النتيجة النهائية .
سمعت صوت بكاء طفلٍ صغير فتعجبت وتركت ما في يدها تترقب السمع وتتساءل من أين يأتي هذا الصوت ؟ هي تعلم أن أولادها ليسوا صغارًا ، وجنينها لم يأتِ للحياة بعد .
تحركت تتبع الصوت وكلما خطت خطوة يزداد بكاء الصغير ، بكاء جعل قلبها يتلهف لعناقه وطمأنته .
فتحت باب المنزل لتتفاجأ بالصغير ملقيًا أمامها في عربةٍ ومياه المطر تغمره ، لا حول له ولاقوة .
أسرعت تلتقطه بين يدها وتهدهده وأغلقت الباب ودلفت تدفأه بحرارة جسدها وتربت عليه حتى هدأ الصغير وشعر معها بالأمان ، أبعدته تنظر له فوجدته يحدق بها ويبتسم كأنه يشكرها.
عاطفة كبيرة غمرتها نحوه ومالت تقبل وجنته ولكنها انتفضت حينما فتح ثائر باب المنزل وطالعها بغضبٍ وتحرك نحوها ينزع منها الصغير ويلتفت مبتعدًا .
انعقد لسانها وتجمدت قدميها في الأرض فلم تستطع الركض خلفه أو الحديث إلا بعدما رأته يفتح الباب ويمد يده بالطفل يناوله لرجلٍ ما يخفيه الظل .
مالت قليلًا لترى من هذا الرجل وحينما علمت هويته جحظت وصرخت تردف وهي تشير بيدها :
– لاء يا ثائر ماتخليهوش ياخده علشان خاطري .)
فتحت عيناها فجأة لتجد نفسها في سريرها وما هذا إلا كابوسًا مزعجًا جعل نبضات قلبها متسارعة .
نظرت عن يمينها لتتفاجأ به يطالعها ويعتدل متسائلًا باهتمام وهو يملس بيده على جبينها :
– كنتِ بتحلمي ولا إيه ؟ كنتِ بتنادي عليا في الحلم ؟