رواية خائنة خلف جدران الحب الخاتمه الثانيه بقلم صفاء حسنى
انصدم مومن لما شاف ثلاجات صف ورا بعض، وكل واحدة فيها أجزاء متقطعة من أجسام بني آدمين… مكتوب عليها أسماء، ومين المفروض يستلمها.
المنظر كان مرعب، مومن اتجمد مكانه والشرطة نفسهم اتصدموا.
---
اعترف الدكتور بعد القبض عليه وهو مرعوب:
ــ اللي كانت شغالة معايا من الأول هي العمة.
الكلمة دي قلبت الدنيا.
بدأت العمة في التحقيقات تنهار وتفضح أسماء تقيلة: مسؤولين، سماسرة، وحتى دكاترة كبار. اعترفت إنهم كانوا بيستغلوا الجثث اللي “ملهاش حد” أو المتشوهة، خصوصًا أيام المظاهرات… من 25 يناير لحد اعتصام رابعة. كانت بالنسبة لهم “سبوبة”.
كلامها كان صدمة… ناس كتير قلبها اتشحتف على أولادهم اللي اختفوا قسري، وناس تانية اتجننت من كتر الظلم. مومن كان واقف، قلبه بيتقطع وهو فاهم إن اللي قدامه مش مجرد جريمة فردية… دي شبكة كبيرة مربوطة بتنظيمات وعدو للبلد. الحقيقة ضاعت وسط الدم، ومحدش بقى عارف مين الصح ومين الغلط… والضحايا كانوا البسطاء اللي صدقوا الأمل، ودفعوا التمن غالي.
مومن ما فكرش في حاجة وقتها غير إيمان. بص للظابط وقال له:
ــ خليني أوصل العلاج… دي ل ايمان
الظابط هز راسه بابتسامة:
ــ روح يا صاحبي… وهفضل فخور إننا مسكنا قضية زي دي بسببك. اسمك مش هيتنسي.
جرى مومن بأقصى سرعة، وصل المستشفى، دخل عند الدكتور وسلمه العلاج.
تم حقن إيمان… والساعات اللي بعدها كانت كابوس. مابين الحياة والموت، نفسها بيتقطع، والأجهزة بتصرخ. لكن في الآخر… بدأت تسترد وعيها شوية بشوية.
مومن قعد جنبها، ماسك إيدها. أول ما فتحت عينيها شافت علبة صغيرة في إيده. فتحها… كان فيها خاتم.
ــ تتجوزيني يا إيمان؟
قبل ما تلحق ترد… حياة ومراد دخلوا جارين عليه، بصوت طفولي مليان براءة:
ــ يا طنط إيمان، إحنا بنحبك… ماما طلعت عند ربنا، وما لناش غيرك.
إيمان بصتلهم وهي مش فاهمة، لكن مومن غمز لها بمعنى “سيبي الباقي عليّ”.
في الوقت ده، كانت رهف خارجة من السجن، عربية خاصة واخداها على محافظة بعيدة. شقة مجهزة بكل حاجة وحراسة تحت البيت. لكن قلبها موجوع… فقدت مومن.
مومن اتفق مع الحراسة يراقبوها كويس.
كل يوم رهف كانت بتروح البحر، تقعد بالساعات تحكي مع خيال شايفاه:
ــ إنت سامحتني يا مومن؟ بتحبني؟
وكان الخيال يرد عليها:
ــ آه يا رهف… بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.
كانت تبتسم وتصدق.
منى حسّت إن رهف لازم تتشاف. طلبت من مومن تزورها. راحت لها… لقت رهف قاعدة على الأرض ماسكة لعبة قديمة، بتكلمها كأنها طفلة:
ــ ماما منى… مومن معايا، ومراد وحياة معايا… رجعوا ليا. عايشين هنا معايا، بعيد عن إيمان والعمة وكل الناس الوحشة.
منى دموعها نزلت… حضنتها وقالت:
ــ سامحيني يا بنتي… معرفتش أكون الأم الصح ليكي. بس صدقيني، هتتعالجي، وهتبقي كويسة.
وفعلاً خدوها على مستشفى نفسي. هناك قابلت دكتور شاب بدأ يتكلم معاها ويدوي جراحها.
رهف لأول مرة حسّت إن في حد بيسمعها… بيديها اهتمام حقيقي.
شوية شوية، فهمت إن اللي كان عندها مش حب… كان هوس.
وإن الهوس عمره ما كان حب.
---
الكاتبه صفاء حسنى
---
كانت إيمان لسه مرمية ع السرير في المستشفى، وشها شاحب وعنيها باين فيها الإرهاق.. كل نفس بتاخده كأنه صراع بين الحياة والموت. ساعات بتسرح في اللحظة اللي كانت فيها خلاص هتفارق الدنيا، والدموع بتنزل من غير ما تحس.
دخل مومن عليها، واقف قدامها بابتسامة فيها خبث وقال:
"إيه يا إيمان؟ مش عايزة تفكري تراجعي نفسك؟ العرض لسه قائم، مكانك جنبي موجود."
بصت له إيمان بعنيها الضعيفة بس مليانة كرامة وقالت بصوت مهزوز:
"أنا ممكن أكون وقعت بين إيدك.. وممكن الموت نفسه كان أقربلي منك.. بس مستحيل أخون صاحبة عمري! رهف بالنسبالي مش مجرد صاحبة، دي أخت، وأي سبب في الدنيا مش هيخليني أخد مكانها."
ضحك مومن بسخرية، وقرب منها وهو يقول:
"هتفضلي مثالية كده لحد إمتى؟ الدنيا ما بترحمش يا إيمان، وأنا مش بلعب."
دمعة نزلت من عينها، مسحتها بسرعة وقالت بكل إصرار:
"حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدي.. مش هكون أنا السبب في كسرة قلب رهف. أنا عشت لحظة الموت وشوفت قديه الحياة قصيرة.. ومش هقابل ربنا بعار الخيانة."
سكت مومن للحظة، نظر لها بنظرة غامضة وقال:
"يبقى استحملي اللي جاي يا إيمان.. لأنك اخترتِ الطريق الصعب."
إيمان أخدت نفس عميق، ورغم ضعفها حسّت جواها إن ربنا واقف معايا ، وإنه مهما حاول مومن يلعب، عمره ما هيقدر يبدّل الحق بالباطل.
---
رجعت إيمان من المستشفى، ملامحها لسه باهتة من التعب، بس عينيها مليانة وجع وقرار صعب.
سعاد كانت ماشية جنبها ماسكة إيديها بحنان الأم اللي عمرها ما سابتها لحظة.
وقفت قدام البيت، لقت منى وعماد مستنيينها. ملامحهم مشوشة ما بين فرحة إنها بخير، وحزن من رفضها الدائم ليهم.
منى بصوت متقطع وهي بتحاول تمسك إيدها:
– "تعالي معانا يا إيمان… بيتنا بيتك، انتي مش غريبة عننا… انتي بنتي، بنتي اللي شيلتك جوا بطني تسع شهور."
إيمان هزت راسها، والدموع مغرقة عينيها، صوتها مبحوح لكنه ثابت:
– "بس مربتنيش… مربتنيش يا طنط. أنا كبرت هنا… وسط الست اللي كانت بتضرب وتتبهدل عشان تسد جوعي… الست دي هي اللي ربّتني، هي اللي علمتني أكون إنسانة."
عماد حاول يقرب، صوته فيه رجاء:
– "إيمان… محدش فينا اختار الظروف دي، رهف نفسها ضاعت في النص، ليه تكملي في العناد ده؟ انتي ليكي حق علينا."
إيمان اتحولت ناحيته بغضب مكتوم:
– "حق؟! وشرع مين أو دين مين اللي يخليني آخد مكان رهف؟! هي اللي اتظلمت… هي اللي اتسرق عمرها عشان الحقيقة دي. إزاي عايزني أكون بديل؟!"
منى وقعت على كرسي قدامها ودموعها نازلة:
– "بس انتي مش بديل… انتي بنتنا الحقيقة."
إيمان عضت شفايفها من القهر، قلبها بيتقطع، لكنها مسكت إيد سعاد وضمتها ليها:
– "الحمد لله… لولاك يا ماما ما كنتش بقيت واقفة هنا. يمكن أنتي مش اللي جبتيني الدنيا… لكن أنتي اللي علمتيني أعيشها. أنتي أمي… ومش هتخليكي."
سعاد بصت لمُنى وعماد بعينين كلها وجع ودموع، وقالت بهدوء:
– "البنات مش بالدم… البنت باللي يربيها ويصونها. إيمان اختارت… ومحدش هيقدر يغير اختيارها."
وسابتهم ماشيين وهي ماسكة إيد سعاد، وقلبها بينزف، بس عقلها رافض يعيش على حساب جرح صاحبتها رهف.
بعد أيام من المحاولات من رفض قرب حد منها أن كان مومن أو عماد أو منى
رجعت إيمان الجامعة بعد ما صحتها ابتدت تتحسن شوية، بس لسه عايشة في دوامة تعب نفسي رهيب. كل الناس حواليها كانوا مستغربين قرارها؛ ليه رفضت ترجع مع منى وعماد أهلها الحقيقيين؟ وليه رافضة تقبل حب مومن؟ محدش قادر يجاوب… حتى رهف نفسها ابتدت تتعالج، يمكن عشان خلاص عرفت إن إيمان اختارت طريق غيرها.
إيمان كانت بتحاول تعيش عادي، تحضر محاضراتها، وتذاكر، وتثبت لنفسها إنها قادرة تقف على رجليها من تاني. بس كان فيه عينين بتطاردها في كل ركن بالجامعة… عينين مومن.
كان دايمًا بيراقبها من بعيد، وأوقات يضغط عليها بكلمة أو محاولة يقرب، بس هي دايمًا تبعد وتصد.
وده كان بيجننه: "ليه؟ أنا مغلطتش فيكي…"
وفي يوم، وهي واقفة في نص ساحة الجامعة، فجأة لقت مومن بيقف قدامها، كأنه سد الطريق عليها.
ملامحه مليانة وجع، وصوته متكسر وهو بيقول:
"إنتي ليه رافضاني؟ رغم إنك عارفة إني ضحية زيي زيك… لعبوا بينا وخدعونا. أنا حبيتك إنتي… والله دورت عليكي، بس رهف كانت بتخفي أي طريق يوصلني ليكي. يمكن مكنتش أعرف إسمك ولا حياتك فين… لكن ملامحك! ملامحك عمرها ما غابت عن عيني. ليه دايمًا حاسة إني باخد مكانها؟"
سكت لحظة، عينيه مليانة رجاء:
"إيمان… صدقيني، أنا دلوقتي مش بشوف غيرك."
إيمان اتجمدت مكانها، عينيها لمعت بالدموع، وفجأة انفجرت فيه بصوت عالي قدام كل اللي في الساحة:
"عشان دي الحقيقة يا مومن! إنت عايز مربية لأولادك مش أكتر… الحب مش بيتولد في يوم وليلة! إنت كنت بتحب رهف، كنت بتنام معاها وتوعدها بكلام كله حب. هتنكر ده؟! كنت بتعيط بالدموع عشانها، واتهِمتني أنا إني السبب إنها في الحالة دي دلوقتي. وفجأة كده اكتشفت إنك بتحبني؟!"
"إنت عاوز إيه مني يا مومن؟! عاوز واحدة تربي عيالك وخلاص؟! أنا مش هبقى مربية عندك. إنت نفسك معرّفتش تفهم زوجتك، ولا حتى تعرف عنها حاجة… وعاوزني أصدق إنك في لحظة حبيتني؟! لا، إنت بتضحك على نفسك… أو بتنافقني!"
الكلمة الأخيرة وقعت عليه زي الطعنة، قلبه اتشل، بس مومن ماعرفش يبين ضعفه… عض شفايفه من الغيظ، ورفع صوته فجأة:
مومن (بانفعال):
"أنا منافق؟! طيب إنتي إيه؟ مش عايشة في دور البريئة اللي ملهاش ذنب؟! مع إنك عارفة كويس إن أنا وإنتي الاتنين ضحايا رهف! عارفة إنها لعبت بينا… ومع كده بتتعاملي كإني أنا الجاني!"
سكت لحظة، وصوته بقى أخشن وهو بيخفي وجعه:
مومن:
"ما تلعبيش دور المظلومة عليا، إنتي اخترتي البُعد، وأنا اخترت فبرحتك لكن هتندم يا ايمان
كانت واقفة قدامه، عينيها مليانة غضب ووجع وهي بتقول:
إيمان (بحدة):
صوتها كان مليان كسرة وقهر، وهي بتبعد خطوتين، دموعها بتنزل وهي بتكمل بصوت أهدى بس جارح:
"أنا مش هقبل أبقى بديلة لحد، ولا هعيش في وهم اسمه حب… اللي بيتولد من جرح."
إيمان اتجمدت مكانها، دموعها وقفت في عينيها، بس فضّلت ساكتة…
نظر لها بغضب
اخر كلام ماشي يا ايمان لكن هتندم
أما هو، لف وخرج بسرعة، سايب وراه جرح أعمق من اللي حاول يخفيه.
إيمان كانت لسه خارجة من المكان ، قلبها مخنوق بعد ما سابت مؤمن بالكلام الجارح اللي تبادلوا فيه. حاولت تمسك نفسها قدام الناس،
وتتذكر فلاش باك
إيمان قاعدة على السرير، غرفة هادية بالمستشفى، ملامحها شاحبة من التعب، وعينيها متعلقة في السقف كأنها بتسأل الدنيا "ليه؟".
الباب اتفتح فجأة وبهدوء، دخلت شخصية ملثمة، لابسة أسود بالكامل، خطواته تقيلة ومرعبة. إيمان رفعت عينيها بارتباك، تحركت على السرير بخوف:
ـ إنت مين؟! عاوز إيه؟
الملثم ما اتكلمش ولا كلمة، مدّ إيده بورقة صغيرة وسبها على الترابيزة جنبها، وبنفس الهدوء خرج وسابها مرتبكة، قلبها بيدق بسرعة، عينيها مليانة رعب.
مدّت إيمان إيدها المرتعشة وخدت الورقة، فتحتها بسرعة، وقرايتها خلت الدم يتجمد في عروقها:
"إياكي ترجعي لأهلك... أو تقربي من مومن... وإلا هنقتلك، ونقتل أمك سعاد، ومش بعيد مومن وأهلك كلهم."
إيمان شهقت بخوف، الورقة وقعت من إيدها، إيدها مسكت صدرها من الرعب، دموعها نزلت من غير ما تحس. همست بصوت مكسور:
ـ حتى هنا... حتى في المستشفى؟!
وضغطت راسها في المخدة وهي بتحس إنها محاصرة من كل ناحية، وإن حياتها اتحولت لسجن مالوش مفر.
بس أول ما قعدت على كرسي في جنينة الجامعة، موبايلها رن برسالة جديدة.
بإيد مرتعشة فتحتها…
"برافو عليكي 👏 نفذتِ المطلوب. كده والدتك في أمان بعيد عن الخطر."
الكلمات وقعت عليها زي الصاعقة. عينيها غرقت بالدموع، والموبايل وقع من إيدها.
جلست على الأرض وسط الطلبة، من غير ما تحس بمكانها ولا بالناس اللي بدأت تبص عليها. دموعها كانت بتنزل غصب عنها، وصوتها اتكسر وهي تهمس:
ـ "أنا مالي… أنا مليش دعوة… أنا تعبت… نفسي أعيش بسلام بقى… تعبت من التهديدات والصراعات… عايزة أرتاح… كفاية."
حضنت ركبتيها وبقت تبكي كطفلة ضايعة، مش عارفة تروح لمين ولا تصدق مين… كل اللي حاسة بيه إنها اتسحبت في دوامة أكبر من قدرتها.
بعد أيام وشهور من محاولات مومن مع ايمان ومفيش امل
تمام ✨ خليني أرتبلك المشهد بأسلوب درامي مشوّق ومنسّق من غير ما أفقد المحتوى اللي كتبتيه:
بعد شهور طويلة من محاولات مومن المستمرة مع إيمان، وهو بيجري وراها في كل مكان، كلام واعتذارات ووعود، وحتى أولاده بقوا وسيلته الأخيرة… مفيش فايدة.
كان مؤمن قاعد في شقته، وسط هدوء قاتل، وهو باصص لأولاده وهما نايمين في حضنه. قلبه بيتقطع كل ما يشوف ملامحهم البريئة اللي مالهمش ذنب في أي حاجة.
اتنهد وقال لنفسه:
"يمكن السفر هو الحل... أبدأ من جديد، بعيد عن كل الوجع، بعيد عن كل الوجوه اللي بتفكرني باللي ضاع."
وبالفعل، قرر ياخد أولاده ويسافر. أهله وافقوا، وأبوه بنفسه اتدخل وساعده في نقله كـ وزير خارجية مصر في دولة أوروبية. الكل اعتبر ده انتصار له، لكنه من جواه كان شايفه هروب.
لكن في يوم عادي، وهو بيحزم شنطه، جاله صديق قديم من الداخلية. دخل عليه بابتسامة فيها جدية وقال:
"يا مؤمن... نسيت إنك كنت السبب إننا نمسك شبكة كبيرة؟ الداخلية قررت ترجعك الشرطة تاني. وجودك مهم... وإحنا مش هنسيبك تمشي."
:
وقف مؤمن مذهول وهو بيسمع صديقه، عينيه متسعة وصوته فيه رجفة:
إزااااي؟! أنا رجعت الشرطة؟! مش من زمان نفس الداخلية دي رفضتني وقالوا الحادثة عملالي إعاقة! دلوقتي فجأة بقوا شايفني صالح للخدمة؟
تنهد الصديق وهو باين عليه حرج:
اللي عرفته يا مؤمن… إن زوجتك رهف هي السبب. وقتها قدمت تقرير من المستشفى، كتبه الدكتور، وكان صحيح بنسبة معينة. لكن لما الرئيس عرف إنك السبب في القبض على الشبكة الكبيرة… استغرب جدًا. إزاي نخسر ضابط زيك؟
قرب منه خطوة وقال بجدية:
بعد التحريات الدقيقة لقوا إن كل التقارير اللي اتبعت للداخلية كانت مزورة. وإنك في الحقيقة كويس، لا عندك إعاقة ولا حاجة تمنعك من الخدمة.
فضل مؤمن واقف في صمت، صراع رهيب جواه… بين فرح خفي إنه رجع لبدلته اللي طول عمره عشقها، وبين ألم عميق وهو بيكتشف أن رهف اللي كانت السبب فى كل حاجة … وصوته خرج مبحوح
مؤمن وقف مذهول، قلبه اتخبط من جوه، وصوته خرج مبحوح:
رهف… انتى دمرتني رهف… انتى دمرتني
أنا تعبت! مش قادر أعيش نفس الدوامة من جديد. أنا خلاص خسرت كل حاجة... الحب، الأمان، حتى راحتي."
الصديق قرب منه، حط إيده على كتفه وقال:
"عارف وجعك... بس يمكن ربنا كاتبلك تبدأ بداية مختلفة، مش عشان نفسك بس... عشان البلد اللي محتاجاك. أوقات الألم بيكون الطريق للرسالة اللي ربنا عايز يوصلها مننا."
مؤمن سكت، عينه دمعت وهو بيبص لأولاده. حس إن قدره بيرجعه رغمًا عنه.
وقف قدام المراية، وشاف ملامحه اللي اتغيرت من كتر الجروح، وقال لنفسه:
"يمكن دي فرصتي الأخيرة... إني أكون أب وأكون ضابط في نفس الوقت. يمكن المرة دي أقدر أكتب نهاية مختلفة."
"صاحبه كمل كلامه وقال: "واحنا بنعمل التحريات، اكتشفنا حاجة غريبة حصلت."
مؤمن سأل بفضول: "إيه كمان؟ قلبي مبقاش مستحمل."
صاحبه ابتسم وقال: "ماتخافش."
"فيه ممرضة دخلت لإيمان قبل ما ترجع بالعلاج وهددتها، وقالت لها لو فكرت تقرب منك أو ترجع لأهلها هيقتلوا أمها اللي ربتها."
"
مومن كان واقف مدهوش من كلام صديقه، عينيه مليانة قلق وحيرة، صوته مهزوز وهو بيقول:
إيه اللي بتقوله ده؟! يعني كل اللي حصل لإيمان ورفضها ترجع مش من نفسها؟!
صديقه قرب منه، حاطط إيده على كتفه كأنه بيطبطب عليه وقال بنبرة جدية:
أيوه يا مومن، الممرضة اعترفت بعد ما اتقبض عليها. قالت إن في ناس من الشبكة اللي كنت بتطاردها وصلوا لإيمان وهددوها، قالوا لها لو رجعتلك أو حاولت تتكلم هيموتوا الست اللي ربتها.
مومن فتح عينيه على الآخر، قلبه اتقبض، حس كأن جبل نزل فوق صدره:
يعني كل ده، كل البُعد، وكل الدموع... عشان التهديد ده؟! يا رب سامحني أنا ظلمتها، فكرت إنها اختارت تبعد عني!
صديقه اتنهد وهو بيكمل:
عشان كده يا صاحبي الداخلية غيرت قرارها. عرفوا إنك كنت مظلوم، وإنك كنت ضحية لعبة كبيرة. الرئيس نفسه استغرب إزاي واحد زيك يتركن على جنب! دلوقتي عايزينك ترجع، لأنك أثبت إنك مش بس ضابط، إنت بطل حقيقي.
مومن سكت لحظة، ماسك راسه بإيده، صوته كله وجع:
طب وإيمان؟! إزاي هبص في وشها تاني بعد كل اللي حصل؟! أنا جرحتها بكلامي، وكنت فاكرها بتبيعني!
صديقه ابتسم ابتسامة خفيفة، لكن عينه كان فيها جدية:
إيمان لسه بتحبك يا مومن، وده باين في كل كلمة قالتها وقت التحقيق. بس هي اتكسرت من جوا. لازم ترجع لها، وتثبتلها إنك سندها، زي ما هي كانت دايمًا سندك.
مومن رفع عينه للسما، دمعة نزلت غصب عنه، وقال بصوت خافت:
والله ما هسيبها تاني... ولا هسيب حقي ولا حقها يضيع.
كان مومن واقف في شرفة مكتبه ، عينيه مليانة تفكير وحيرة، ماسك كباية الشاي اللي برد من كتر ما سرح.
دخلت منى وهي شايلة ورق، وقبل ما تسلّمه لاحظت علامات الشرود على وشه.
سالته منى:
"واضح إنك سرحان أوى يا مومن… في إيه؟"
مومن وهو بيرسم ابتسامة صغيرة:
"عايزك تعمليلي خدمة يا طنط منى."
سالته منى باستغراب:
"أمر… إيه هي؟"
مومن:
"اتصلي بإيمان… وقولي لها تيجي النادي. قوليلها إن حياة ومراد نفسهم يشوفوها… وإنهم مشتاقين ليها."
سكتت منى لحظة، رفعت عينيها له بتردد وقالت:
"مومن… انت عارف إنها مش هتوافق. إيمان رافضة أي حد يقرب منها بطريقة صعبة. أنا قلت لنفسي يمكن وقت… يمكن أيام… شهور… لكن دلوقتي قربنا نكمل سنة وهي على نفس الحال!"
ابتسم مومن ابتسامة فيها إصرار غريب وقال بهدوء:
"اسمعي كلامي يا طنط منى… وهتفهمي كل حاجة."
كانت ابتسامته دي مش مجرد ابتسامة عادية… كانت ابتسامة راجل شايف الصورة من بعيد، وواخد قرار إنه مايسيبش إيمان تغرق أكتر في وحدتها وخوفها.
في الليل
إيمان قاعدة في الصالة، لابسة تريننج بسيط، شعرها مربوط بسرعة، وإيديها مشغولة بترتيب أوراق على الطربيزة قدامها. فجأة موبايلها يرن، بتبص فيه بتنهيدة، اسم امى منى ظاهر.
إيمان (بضيق وهي بترد):
– ألو يا طنط منى… خير؟
حزنت منى (بنبرة دافية):
– طنط ازيك يا إيمان؟ وحشاني والله.
إيمان (بتحاول تبقى باردة):
– معلش مشغولة، قولي عاوزة إيه.
طلبت منى وهى (بتاخد نفس طويل):
– بصي… في ناس مشتاقينلك أوي، حياة ومراد، عمالين يسألوا عليك كل يوم. حياتي الصغيرة بتقول عاوزة أشوف طنط إيمان.
إيمان سكتت لحظة، صوتها اتغير خفيف كأنها بتحارب دمعة:
– منى… بلاش تفتحيلهم باب مش هيتقفل.
ردت منى (بلطف أكتر):
– مش باب يا إيمان… ده حضن ناقص. الأطفال محتاجين يشوفوكي، وأنتي كمان… محتاجة تشوفيهم. صدقيني مش هيجرالك حاجة، دي ساعة واحدة في النادي، مكان آمن وزحمة.
إيمان (بعصبية دفاعية):
– قلتلك قبل كده، أنا مش عايزة أي حد يقرب مني. الموضوع منتهي.
اتكلمت منى (بإصرار وبنبرة واثقة، كأنها بتنقل كلام مومن):
– طيب اسمعي… “
– إيمان… تعالي بس شوفيهم، ساعة واحدة. هتحسي إن قلبك رجع يدق من جديد.
إيمان قلبها ضعف للحظة… الحنين للأولاد غلبها، واشتاقت تشوفهم.
وافقت، تانى يوم رجليها ودّتها للنادي.
أول ما وصلت، موبيلها رن برسالة جديدة.
فتحتها… وكانت الصدمة: صورة حياة وهي بتلعب على الزحلقة، ووراها سيدة غريبة بتجهز تزقها بقوة.
والكلمات اللي تحت الصورة خنقت قلبها:
"واضح إنك مش خايفة على أمك… طيب إيه رأيك البنت دي تموت؟"
قلب إيمان وقع في رجلها، الدم اتسحب من وشها، وصرخت وهي بتجري بجنون ناحية الزحلقة:
ــ "حياااة… انزلي فوراً!"
الكل في النادي استغرب حالة الذعر اللي مسيطرة عليها، بس هي ما فكرتش في حد.
طلعت بسرعة وجذبت حياة بالعافية ونزلتها، وحضنتها بقوة كأنها هتطير من بين إيديها.
ولما حياة نزلت، صرخت فيها إيمان بعصبية مرتجفة:
ــ "أوعي تطلعي هنا تاني… مفهوم؟!"
حياة وقفت مرتبكة، خوفها بان في عينيها، وحتى مراد سكت من كتر ما اتخض.
وبسرعة انسحبوا ناحية منى.
منى انفجرت فيها بغضب:
ــ "إيه ده يا إيمان؟! إزاي تزعقي في حياة كده؟ دي طفلة!"
إيمان دموعها كانت محبوسة، قالت بصوت مكسور:
ــ "سكتي ليها . ما تقولي أنهم أحفادك… عشان دي الكلمة اللي كل مرة بتوجعني. أنا مش قادرة… إنتِ جايباني هنا ليه؟ عشان تفرجيني إنك معاهم؟! دول أولاد بنتك… وهتفضلوا طول العمر تقولوا الكلمة دي. أبعدوا عني… أبعدوا عني، ممكن؟"
إيمان قالت كلمتها وهي على وشك الانهيار، وصوتها بيرتعش بين الخوف والوجع. ووقعت على الارض وهى منهارة
في نفس اللحظة اللى وقعت فيها إيمان على الأرض، ودموعها مغرقة وشها، ظهر مؤمن بخطوات سريعة وعيونه متسمّرة عليها. وقف قدامها لحظة، شايف في رعشتها وصوتها المكسور خوف كبير بتحاول تخبيه ورا عصبيتها.
قرب منها فجأة، مد إيده وخطف التليفون من إيدها بالعافية.
.
إيمان تصرخ بصوت مجروح وهي بتحاول تسترجع التليفون:
ـ إنت بتعمل إيه؟! سيب تليفوني بقولك! بقولكم سبونى في حالي!
منى بعصبية وانفعال، صوتها عالي وفيه قهر:
ـ واضح إنك اتجننتي وعاوزة تروحي تتعلاجي! هو إيه اللي انتِ عايشاه ده؟!
إيمان عينيها دمعت وصوتها اتكسر وهي بتصرخ:
ـ آه! دخليني مستشفى.. دخّليني وخرج بنتك! سمعت إنها اتحسّنت وبقت حلوة.. رجّعيها لأحفادك.. ولحضرة الظابط!
سادت لحظة صمت تقيل في .. منى واقفة مذهولة من كلامها، وإيمان منهارة على الأرض، دموعها نازلة بغزارة وصوتها بيرتعش، كأنها فجرت كل القهر اللي جوّاها مرة واحدة.
مؤمن تجاهل صرخاتها، فتح الموبايل بسرعة، وعينه وقعت على الرسالة. وشه اتبدل، ملامحه شدّت وطلع التليفون من جيبه التاني واتصل بحد.
بصوت حازم:
ـ يا سيادة النقيب… في صورة مبعوت دلوقتي، ل ايمان عايزك تدور على الست دي حالاً… أوعى تهرب منك، مفهوم؟
قفل بسرعة، ورجع ركع قدام إيمان وهو ماسك كتفها، صوته فيه قوة وهدوء في نفس الوقت:
ـ إهدي يا إيمان… محدش هيقدر يقرب من أي حد فيهم، مامتك في أمان… وأولادي؟ أولادي تحت عيني، أقدّم حياتي ليهم. إنتي اتحمّلتي كتير لوحدك، بس من هنا ورايح مش هتفضلي لوحدك.
إيمان تبص له بعينين غرقانين دموع وصوتها بيرتعش:
ـ تعبت… نفسي أعيش في أمان.
مؤمن مسك إيد حياة الصغيرة اللي كانت متشبسة في هدوم منى ووشها كله خوف. قعد قدامها وقال لها بابتسامة هادية رغم القلق اللي جواه:
ـ متخافيش يا حياة… في ست شريرة كانت عاوزة تأذيكي… عشان كده طنط إيمان خدتِك بسرعة قبل ما تقرب منك. بس دلوقتي؟ ولا حد يقدر يلمسك طول ما أنا موجود.
وحياة تبص له بريئة، وهي تحاول تصدقه وتتمسك بإيده أكتر.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم