رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل الثانى بقلم سلمى ابو ضيف
"كده إحنا وصلنا."
قالها مازن وهو يركن السيارة بهدوء على جانب الطريق، تحت شجرة ضخمة يبدو أنها لم تُروَ منذ سنوات.
نزلوا من السيارة واحدًا تلو الآخر. الهواء كان ثقيلاً بشكل غير طبيعي... كأن شيئًا ما يمنعهم من التنفس.
وقف خالد أمام البوابة الحديدية القديمة وقال: "ده مش بس قصر... ده مقبرة ضخمة!"
نظروا جميعًا إلى القصر الذي بدا ككتلة من الظلال في وضح النهار. الشمس كانت في كبد السماء، ومع ذلك، القصر غارق في العتمة، وكأن الضوء يخاف أن يلمسه.
بدأ مازن في توزيع المعدات: "كله يقفل موبايله ويحطه في العربية. الكاميرات، الترايبود، الكشافات... دي كشافات قوية، فلاش يدوي ورأسي."
ثم أخرج أربع ميكروفونات صغيرة ووزعها عليهم: "المرة دي الصوت لازم يطلع مظبوط. مش عايز ولا مشهد يتعاد."
بينما هم منشغلون بتصوير القصر بكاميرات الخاصه بالتصوير ، نظرت نور نحو القصر، ثم التفتت فجأة وقالت: "استنوا! نسيت حاجة مهمة جوه العربية."
ركضت بسرعة قبل أن يرد عليها أحد. فتحَت السيارة، ثم أخرجت شيئًا وخبأته بسرعة في جيب بنطالها. كانت أنفاسها سريعة... عيناها تائهتان. نظرت خلفها للحظة، وشعرت كأن هناك من يراقبها من بين الأشجار، لكنها تجاهلت الشعور.
عادت مسرعة، تحاول أن تبدو طبيعية.
سألتها إهداء: "إيه يا بنتي؟ مالك؟"
ضحكت بتوتر: "نسيت الروج... لازم أطلع كويسة في التصوير."
نظروا لها بعدم تصديق، لكنها تفادت النظرات، وأخذت الكاميرا من مازن دون أن تتكلم
قال مازن: "طيب يلا نبدأ... هشغّل الكاميرا بتاعتي."
ضغط على زر التشغيل، وبدأ التصوير. ظهرت صورته على الشاشة، وابتسامته المعتادة ارتسمت على وجهه:
"أنا مازن الهواري، ودي المغامرة رقم 100... بس المرة دي مختلفة. إحنا مش لوحدنا، إحنا في قصر البارون."
اقتربت الكاميرات من وجوههم واحدًا تلو الآخر.
إهداء بابتسامة متمردة: "إهداء كامل!"
نور بصوتها الهادئ: "نور صديق."
خالد بحماس: "خالد القصري!"
ثم هتفوا معًا بصوت عالٍ: "قالوا المكان ده مقفول من سنين... بس إحنا ما بنسمعش الكلام! يلا بينا نفتح باب الجحيم!"
اقتربوا من القصر. أخرج خالد المفتاح القديم من جيبه... كان لونه أسود باهت، ومرسوم عليه رموز لم يتعرفوا عليها.
قال خالد: "سيف قالي إن ده بيفتح الباب الخلفي المهجور... اللي محدش استخدمه من 60 سنة."
سيف، صديق خالد، يعمل في شركة أمنٍ خاصّة متعاقدة مع أحد المواقع الأثرية. بفضله حصل خالد على نسخة من مفتاح قديم يُقال إنه يفتح بوابة خلفية للقصر، نُسيت منذ عقود.
أدخل المفتاح في القفل، فدار بسهولة غير متوقعة. سمعوا صوت طقطقة معدنية... ثم فُتح الباب ببطء، وكأنه يرحب بهم. خرجت رائحة خانقة، مزيج بين الخشب المحترق والعفن والرطوبة. ارتجفت نور، وتمسكت بذراع إهداء دون أن تتكلم.
قال مازن وهو يسلط الكشاف للأمام: "متخافوش... إحنا أول ناس يدخلوا هنا من سنين. خدو نفس عميق، يلا بينا."
لكن الكاميرا الخاصة بإهداء التقطت شيئًا... شيء لم ينتبهوا له وهم يدخلون.
في زاوية الصورة، خلف الباب مباشرة، ظهر ظل شخص يمر بسرعة.
لم يرَه أحد في اللحظة دي... لكن الكاميرا كانت شاهدة.
__________________________________________
قبل دخولهم القصر بأربعة أيام...
في مكانٍ مقطوع، يقف شاب ثلاثيني أمام سيارته، يبدو عليه القلق الشديد، وكأنه ينتظر شخصًا ما.
لمح سيارة قادمة من بعيد، فعلم أنها سيارة من ينتظره.
قال بغضب وهو يتلفّت حوله بتوتر:
"إنت يا حيوان! مين اللي جاي معاك في العربية دا؟"
أجابه الشاب الآخر بهدوء:
"أنا آسف والله، ملحقتش ألاقي حد يجيبني... بس متقلقش، مش هقول حاجة لحد."
نظر الشاب حوله مرة أخرى، ثم أشار له أن يركب معه في السيارة.
أخرج كيسًا مليئًا بالمال، ودفعه إليه قائلاً بجدية:
"دا نصيبك لو عطّلتهم ومنعتهم يدخلوا القصر."
ثم أخرج كيسًا آخر وقال:
"ودا هيبقى نصيبك... لو قتلتهم."
ظهرت على وجه الشاب علامات الصدمة:
"أقتلهم؟! إحنا متفقناش على كده! أنا عمري ما قتلت حد!"
نظر إليه الآخر بتمعّن، ثم غمز له وقال بنبرة خبيثة:
"ممكن مش إنت اللي تقتلهم... ممكن تخلّي حد غيرك يعمل كده. وساعتها نصيبك هيزيد، ويبقى ليك حساب في البنك."
لم ينتظر رأيه، بل ختم حديثه قائلاً:
"هسيبك تفكر... ومعاك شوية الفلوس الحلوين دول، واللي ممكن يزيدوا لو فكّرت في كلامي."