رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل الثالث بقلم سلمى ابو ضيف
قصرالبارون... قصر يغمره الظلام في عزِّ الظهر. يقف شامخًا كصنم، تحيط به الأساطير كأنها جدران خفية لا يراها إلا من تجرأ على الاقتراب أكثر من اللازم. بُني على طرازٍ فريد لا يشبه أي شيء من حوله. قصرٌ مخيف، غامض، يسوده الظلام الحالك، يبدو من الخارج كحوتٍ عملاق يريد أن يبتلعك، أما داخله فبلا نهاية، كأنه يريدك ألّا ترحل وتتركه!
قالت إهداء وهي تغطي أنفها: "إيه الريحة دي؟ مش قادرة أتنفس..."
مازن، بنبرة واثقة رغم التوتر في عينيه: "اتصرفي، الكاميرا شغالة... خلونا نبدأ."
رفع الكشاف وسلط الضوء على الجدران. النقوش الغريبة التي تزين الحوائط لم تكن مجرد زخارف، بل بدت كأنها تتحرك للحظة، كأنها تنبض.
نور همست وهي تمسك بيد إهداء:
"أنا حاسة إن الحيطان بتبصلي..."
خالد قال وهو يضحك بتوتر: "ده أنتي اللي عينيكي بتتحرك من الخوف، متخافيش أنا ومازن هنمشي قدامكم، وإنتِ وإهداء خليكم ورانا بالضبط."
انغلق الباب الحديدي خلفهم بعنف، فاهتزت الأرض تحت أقدامهم.
التفتت إهداء مذعورة: "إيه ده؟! مين قفل الباب؟!"
نظر خالد إلى الباب، ثم اقترب منه وجرب فتحه، لكنه لم يتحرك.
قال مازن وهو يحاول تهدئتهم: "يمكن الريح..."
قاطعه صوت خافت من أعلى السلم الخشبي، يشبه تمتمة...
لم يفهموا ما قيل، لكنه بالتأكيد لم يكن صوت أحد منهم.
نظرت نور إلى الأعلى وقالت: "في حد فوق... سمعتوه؟"
إهداء تراجعت خطوة للخلف: "مازن... خالد... كفاية
كده! المكان ده مش طبيعي."
رد خالد محاولًا السيطرة على الوضع: "بصوا... دا طبيعي مكان ليه سنين مهجور لو حصلت حاجة تاني، نمشي. تمام؟ بس دلوقتي نكمل الجولة وناخد لقطات كويسة."
مازن كان ينظر إلى كاميرته ويتكلم معها وكأن الجمهور يشاهده مباشرة: "زي ما أنتم شايفين، إحنا دخلنا القصر رسميًا... وغالبًا كنا أول ناس يدخلوا هنا من سنين طويلة. وهنتجه دلوقتي للسلالم، ونبدأ الجولة من فوق."
ثم أضافت نور وهي تنظر إلى كاميرتها:
ــ "وأكيد سمعتوا إن الغرف دي ملهاش نهاية، فحابين نجرب بنفسنا ونشوف."
قالت إهداء:
ــ "ومش بس كده! إحنا كمان هنتحدى بعض، كل واحد فينا يفضل في غرفة من الغرف ونشوف مين هيقضي وقت أكتر."
قال خالد بثقة:
ــ "أكيد أنا طبعًا!"
ثم قال مازن بوضوح:
ــ "القصر كبير جدًا، فشايف إننا نستكشفه مع بعض ونستمتع، وبعد كده كل واحد يختار أنهي غرفة يقعد فيها لوحده لحد باقي التحدي."
أضافت إهداء مازحة:
ــ "لحد باقي التحدي؟! ده لو حد استحمل يقعد دقيقة أصلًا!"
_______________________
بعد الكثير من الاستكشاف والانبهار، فقد كان القصر يتميّز بألوانه المميزة والفاتنة. يتكوّن من:
الطابق الأرضي (الدور الأول):
يضم غرف الاستقبال، غرفة الطعام، والمجالس، مزخرف بتماثيل وزخارف مستوحاة من الأساطير الهندية والكمبودية.
الطابق العلوي (الدور الثاني):
يحتوي على غرف النوم وغرف المعيشة الخاصة بالبارون وضيوفه.
السطح (الروف):
يتميّز ببرج دوّار (كان يدور فعلاً 360 درجة في السابق).
السلم الحلزوني والمصعد الكهربائي
في قلب القصر يقع سلم حلزوني فاخر مصنوع من الرخام الإيطالي، يمتد من الأرضي إلى الطابق العلوي، يعبر وسطه مصعد كهربائي تاريخي يربط جميع طوابق القصر بالبدروم .
درابزين السلم مزخرف بلوحات برونزية منقوشة بتماثيل هندية دقيقة، ويعلو الثريا الضخمة التي تضيف لمسة فخمة للفراغ المركزي
قالت إهداء باهتمام وهي توجّه نظرها إلى نور:
ــ "فين السرداب اللي كنتِ بتقولي عليه؟"
قالت نور بعدم ثقة:
ــ "مش متأكدة... بس دي معلومات شوفتها على النت."
ثم بدأت تحكي لهم أن المدخل موجود داخل القصر، غالبًا في الطابق الأرضي، وكان يُستخدم كغرفة خدمات أو تخزين. يُقال إن المدخل خلف أحد الأبواب الجانبية أو أسفل أحد السلالم، ويمتد السرداب لمسافة غير معروفة تحت الأرض. وتوجد شائعات بأنه يحتوي على نفق سري يصل القصر بكنيسة البازيليك المجاورة (تبعد نحو 300 متر فقط).
بعد مرور ساعة، كان الجميع يلتقط صورًا كثيرة تُبرز جمال القصر والإنبهار الشديد بتصميمه.
قال خالد بهدوء:
ــ "عدت ساعة يا جماعة، وسيف قالي إن المفتاح مدته أربع ساعات بالكتير وهياخده تاني، فـ إنجزوا يلا!"
ضحكت إهداء وقالت:
ــ "اللي يشوفنا وإحنا بنكتب في بايو الفيديو إننا هنقضي 24 ساعة في القصر، ميشوفناش وإحنا أصلاً هنقعد فيه أربع ساعات بس! لو قعدناهم أصلاً!"
_____________________________
"هكذا هي حياة السوشيال ميديا والإنترنت يستطيعون أن يكذبوا علينا ولو بكلمة واحدة فقط. وبرغم معرفتنا الأكيدة بأنهم يكذبون، نظل نستمع إليهم كأنهم يمسكون بنا شيئًا يجعلنا نستمر في تكذيب أنفسنا وتصديقهم!"