رواية انا المفقود الفصل الثانى بقلم كريم محمد
كنت مربوط في السرير، وكل جسمي مشلول من الخوف، وفي بلاستر بني لازق على بوقي منعني حتى من الصرخة.
عيني بدأت تِلف في المكان أشوف أنا فين
الأوضة شكلها مش مرعب، بالعكس كانت شبه أوض الأطفال، فيها بوسترات لأبطال خارقين، لعيبة كورة، وتليفزيون، وجهاز ألعاب قديم الأتاري
الألعاب متبهدلة على الأرض، وكل حاجة تقول إن المكان معمول لطفل .. طفل زيي.
بس أنا مش بلعب، أنا مربوط في السرير
كنت ممكن أعيط من الفرحة لو كان دي أوضتي بس أنا عايز أصرخ من الرعب.
بعد دقايق، الباب اتفتح، ودخل
دكتور فؤاد.
قعد على طرف السرير، ووشه عليه ابتسامة غريبة مش مطمنة.
قالي بصوت واطي
– اسمعني كويس يا سيف أنا مش هأذيك، بالعكس أنا هنا عشان أساعدك.
وبدأ يفك اللازق من على بوقي، ويفك الحبل اللي رابط إيدي.
أنا أول ما قدرت أتنفس، صوتي اتخنق وعيني دمعت
بس حاجة في الدكتور خلتني أحس بأمان كده مش مفهوم يمكن طريقته؟ يمكن نبرته؟ مش عارف
ابتسملي وقال
– إنت هتقعد هنا شوية فترة بسيطة، وخلالها تقدر تلعب براحتك بأي حاجة في الأوضة دي بس لما أكون موجود.
سكت، وكمل كلامه
– أول ما أخرج، هرجع أربطك تاني
بس مش هتزهق هسيبلك التليفزيون شغال، بس تتفرج على الأخبار بس تمام؟
أنا كنت ساكت، ومخضوض، ودماغي مش فاهمة ولا كلمة، بس هزيت راسي بالعافية.
خبط على رجلي وقال
– يلا بقى يا سيف، قوم إلعب شوية، أنا راجع قبل العشا.
قام شغل التليفزيون، وخرج وقفل الباب وراه.
سكت شوية
وبعدين بدأت أصدق هو مش بيهزر، هو فعلًا سايبني ألعب.
وصلت جهاز الأتاري بالكهربا، وبدأت ألعب سوبر ماريو، بحاول أنسى، بحاول أهرب بلعبة.
حوالي الساعة ٧ رجع تاني وكان شايل معاه طبقين فراخ وبطاطس محمرة.
فضلت أبصله، ولقيت نفسي بسأله
= هقعد هنا لحد إمتى؟
رد وهو بيضحك
– حوالي شهر كده مش أكتر، عندي شغل محتاج أخلصه، ووقتها كل حاجة هتبقى تمام.
تاني يوم، صحيت على إيده وهي على راسي.
قالي
– صباح الخير يا بطل، إنت مش لازم تصحى دلوقت، بس لازم أربطك تاني قبل ما أخرج.
بصيت عليه كان لابس بدلة وقميص، زي ما بيبقى في المدرسة، ماسك شنطة، شكله طبيعي بس اللي بيحصل ده مش طبيعي.
قبل ما يمشي، حط الريموت جنبي وقال
– خلي بالك، النهاردة تتفرج على الأخبار بس، متغيرش القناة.
هزيت راسي، وسكت
أول ما خرج، فتحت التليفزيون
ظهر عنوان كبير
"خبر عاجل"
ظابط واقف وسط الصحفيين، بيتكلم بنبرة حادة جدًا
– صدر تنبيه عاجل على مستوى المحافظة بخصوص طفل مفقود بنحاول نوصل لهوية أي مشتبه بيه، بس لسه مفيش أدلة كافية
قلبي وقع
لما صورتي ظهرت على الشاشة..!!
كانت صورة من المدرسة، كنت متصورها في الطابور السنة اللي فاتت بس كان مكتوب جمبها بياناتي
اسمي، سني، مدرستي، اسم المحافظة وعنواني
وفوق الصورة، مكتوب بخط كبير
"التحقيقات مستمرة في قضية اختطاف الطفل سيف عبد الرحمن لا يوجد معلومات مؤكدة حتى الآن"
وشي سخن، أنا مش قادر أصدق
وبعدين، شوفتهم
بابا وماما
بيطلعوا على الشاشة، عيونهم حمرا، ماما بتعيط، وبتمسك المايك وبتقول
– أرجوكم رجعولي ابني، أنا آسفة، أنا غلطانة أرجوك ارجع يا سيف
عمري ما شوفت ماما كده في حياتي
ولما بابا أخد المايك، كنت متوقعه يبقى بنفس طريقته الحادة المعتادة
بس كان بيعيط هو كمان
قال
– عارف إني مكنتش أب كويس بس نفسي أصلح اللي حصل، نفسي أكون موجود دلوقتي، نفسي تشوفني أرجوك، ارجع يا سيف.
سكت
وطفيت التليفزيون
أنا مش فاهم أنا حاسس بإيه
بس لأول مرة حسيت إن بابا وماما بيحبوني
وإنهم فعلاً بيعيطوا عشاني.
الأيام عدت
أربع أسابيع كاملة قعدتهم هنا في الأوضة.
كل يوم دكتور فؤاد بييجي يتغدى ويتعشى معايا، يلعب معايا بلايستيشن ويضحك، ونتكلم وبعدين بيربطني ويمشي.
وكنت كل يوم أصحى، وألاقيه في طريقه للشغل.
لحد ما في يوم
صحاني بدري عن المعتاد، وشكله مش طبيعي، متوتر جدًا.
قالي
– لازم تتفرج على الأخبار النهاردة من غير ما تفصل التليفزيون، فاهم؟
أنا قولتله ماشي، وسكت.
خرج وأنا شغلت التليفزيون وفضلت أتابع.
وبعد ساعتين قطعوا إعلان عن مسحوق غسيل، وظهر العنوان الجديد
"تم العثور على بقايا جثة"
ظهرت صورة عربيات الشرطة، والعساكر واقفين في كل حته عند الطريق اللي كان مقفول ومحطوط شرايط صفرا.
المذيع كان بيقول
– تم العثور على جثة داخل كيس بلاستيك، الجثة محتـ.ـرقة بالكامل، ومقطـ.ـوع منها الراس ويعتقد إنها تعود للطفل المفقود من أربع أسابيع.
أنا اترعبت.
المشهد اتغير، وظهر كارنية المدرسة بتاعي
الكارنية اللي كان في الشنطة بتاعتي.
