رواية للهوى رأي اخر الفصل الثاني 2 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الثاني 

في اجتماع استمر لوقت متأخر، طاولة ممتدة عليها أهم رجال الأعمال في مختلف المجالات، ويترأس طاولة الاجتماع قاسم عمران الجالس بهيمنة وثقة، الذي احتكر عدة مجالات في السوق مؤخرًا، مما أظهر رفضًا وامتعاض عدد من رجال الأعمال المتواجدين.
قال أحدهم:
_يا قاسم بيه، أنت راجل سوق وعارف إن اللي حصل ده يأثر علينا.
أجابه قاسم وهو يتلاعب بقلمه بين أصابعه بينما عيناه بلون الزمرد الأخضر متحجرة:
_وهو لازم كل واحد فيكم ياكل السوق في بطنه لوحده؟

قال آخر رافضًا:
_يا باشا، كده في ناس كتير بتتأثر وبيوتها بتتخرب.

ارتفع إحدى حاجبيه باستهزاء:
_تؤ تؤ، إيه شبورة الحنية دي؟ قال: وأنا اللي عرفت بالعمال اللي اتصابوا في المصنع عندك، وبدل ما يتصرف لهم علاج لإصابة عمل ومكافأة، استغنيت عن خدماتهم ورفدتهم.
ثم ضرب بقبضته على سطح الطاولة هادرًا وبعينين قاسيتين:
_أكره ما عليا مدّعي الفضيلة، أنا راجل واضح، مالاقتش في السوق اللي قدر يقف لي، فبقي في إيدي.

علت الهمهمات بينهم، فقال رجل آخر:
_والعمل يا قاسم يا باشا؟

أجابه قاسم بتروٍّ وسيطرة:
_شغلكم زي ما هو، بس الجديد إن إيدي في السوق، ليا صلاحياتي وكلمتي اللي تتنفذ، ومافيش حاجة تدخل وتخرج من غير علمي.
والعمال تاكل عيش بلاش الفتافيت اللي بترموها ليهم.

عمّ الصمت المكان، فتلاقت عيناه برجل معين، والذي التزم الصمت لفترة ليست بالقليلة...
انتهى الاجتماع وخرج الأغلبية بغير رضا، بينما هو والرجل الآخر لم يغادر...
قال قاسم وهو يهتز بكرسيه برتابة:
_شايفك ساكت من وقت ما بدأنا؟

اعتدل ذلك الرجل في آخر عقده السادس، ذو خبرة ومكانة ليست بالقليلة في عالم الأعمال، صاحب نظرة ثاقبة ونزيهة، هيئة وقورة تزيدها خصلاته البيضاء المتناثرة في شعره.
شبك كمال يديه على سطح الطاولة قائلًا:
_وعايز رأيي تعمل بيه إيه؟ كده كده مش هيعجبك.

ابتسم قاسم لأول مرة، فأظهر وجهًا أصغر عمرًا:
_مش عارف، لكني فعلاً بحب أسمعه، يمكن علشان كلامك بيفكرني بكلام أبويا.
أومأ كمال برأسه داعيًا له بالرحمة وقال:
_رغم إني ما اتقابلتش به، لكن لو كلامي يشبه كلامه يبقى أكيد تصرفاتك اللي مش بتعجبني مش هتعجبه برضو.

استقام قاسم فجأة، فارِدًا ظهره واضعًا يديه في جيبي بنطاله وقد تبدلت ملامحه:
_أنا مش عارف ليه إنت بالذات اللي بستقبل كلامك ده، حقيقي رغم إنه بيضايقني.

علا رنين هاتف كمال برقم مجهول، وضع الهاتف على أذنه، ولحظات وكان يقف ببطء، وملامحه المصدومة تحكي عن اتصال يعني له المتحدث الكثير، وبخطوات سريعة كان قد غادر كمال المكان تحت أنظار قاسم عمران.
........
الصمت سيد الموقف، ورجل تلمع عيناه وابتسامة تُجاهد في الظهور، لعلها تطمئن تلك الشابة الواقفة أمامه.
مرت سنوات كثيرة وكأنه لم يشعر بمرورها إلا الآن، ومضات قصيرة لطفلةٍ بجدائل سوداء وفستانٍ قصير وردي، متمسكة بدُمية بيدها، وبسعادة تستقبله، أو بالأحرى منتظرة أن يمدّها بحقيبة الحلوى الصغيرة.
ترقرقت العبرات بعينيه وغصّة حلقه تزداد، واشتياق لفُراق أخيه ولنسخته الواقفة أمامه.
رفع ذراعيه ببطء وابتسامة مطمئنة مع حركة من رأسه مشجعة، وصوتٍ ضعيف يهتف:
_ فيروز
لم تنتظر، استهلكتها البرودة وأهلكها الخوف والانتظار، ركضت لذراعيه واحتواها بحنان، وبكاؤها يزداد وكأنه لم ينفذ بعد، وأمان تبحث عنه بعد ليلة طويلة قضتها في الشارع بانتظار مصيرها المجهول، لكن جاءت الورقة التي أعطتها لها والدتها كطوق نجاة، ولم تُصدق أنه فعلاً هنا.
قال عمها كمال ماسحًا على رأسها:
_ جاي وخايف تطلعي كذّابة أو تكوني نصّابة، وشيء جوايا بيتمنى تكوني فعلًا إنتي فيروز بنت أخويا.
قالت من بين شهقاتها:
_ أنا فيروز
قاطعها مؤكدًا شعوره بها:
_ عارف، حاسس بأخويا فيكي وفي ملامحك.

شهقاتها المستمرة وعبراتها التي لم تنقطع وملابسها السوداء جعلته يتساءل بقلق:
_ ليه لابسة أسود؟
أغمضت عينيها بوجع وبخفوتٍ مؤلم:
_ أمي ماتت
أحنَى رأسه بأسف، مُربّتًا على كتفها وقال:
_ طب تعالي يالا بينا
تساءلت فيروز بحيرة:
_ هنروح فين؟
أجابها بابتسامة هادئة:
_ بيتي، أنا مش هاسيبك أبدًا، عندي بنت في سنك هتحبيها أوي

سارت معه باستسلام، غير مصدقة للآن أنها وجدت من ينتشلها من الشارع والكلاب الضالة، أنها بعد ما جرّبت شعور التشرّد ليومٍ واحد، وكان أصعب يوم في حياتها، ستكون بمأوى آمن.
تساءل كمال فجأة، أخرجها من شرودها:
_ كنتي عايشة فين يا فيروز؟
نفسها العزيزة أبت أن تقول إنها قضت ليلتها على الطريق، وخزي آخر لو اعترفت بما عاشته بمنزل زوج والدتها، وقهر لو اعترفت بمحاولة ابنه لاغتصابها.
فقالت بإيجازٍ مرير:
_ في بيت جوز أمي
وعلى صفحة وجهها أدرك أن هناك معاناة تعايشها فيروز، غيّر مجرى حديثه، جاذبًا عقلها إليه، يسرد على مسامعها أشياء مختلفة عن حياته وابنته، لعله يبث فيها الأمان.
،،،،،،،،،،،،،،،،،
توجه موسى إلى الممر الصغير والذي يكون في نهايته مكتب المساعدة الخاصة الجديدة، والذي وجدها منكبّة على عدد من الأوراق والملفات المختلفة المفتوحة بعشوائية على المكتب، والذي يظهر أنها هنا قبل ميعادها، لكن فقط لو أكملت ذلك الانضباط بزي مناسب لشركة محترمة يتوافد عليها الرجال من جميع الأصناف.
لكن كيف ذلك بتلك الحُلّة التي تشبه أمس ولكن بلون كريمي، أسفله قميص حريري داكن اللون، مع تنورتها، وما يوحي من أسفلها من شدة ضيقها.
أجلى موسى حنجرته، فانتبهت هي، فعادت بظهرها للخلف دون أن تقف كعادتها حتى في شركة الشناوي، وقف قبالتها بقامته العتيدة، تدور عيناه على الملفات، ثم تقابلت بعينيها ذات الكحل الأسود، قائلًا وهو يضع يديه في جيبي بنطاله:
_ شايفك جاية بدري
أجابته دهب بأريحية مدروسة:
_ قبل ميعادي كمان
_ وإيه الملفات دي؟
استقامت ببطء قبالته وقالت دهب بهدوء، متمائلة للأمام قليلًا:
_ بحب أرتّب كل حاجة بطريقتي، علشان لما أحتاج حاجة أنا بس اللي أعرف هتكون فين وأجيبها إزاي.
توقفت عيناه على فتحة قميصها الداكن، مظهرًا عظمتَي الترقوة خاصتها مع لون بشرتها البيضاء.
التوى ثغرها بابتسامة صغيرة واثقة، ورفع عينيه إليها موسى وقال:
_ مظبوطة
ارتفع أحد حاجبيها، ولمعت عيناها بغرور، وازدادت ابتسامتها الخافتة، وانتبهت كل حواسها واضطربت للحظات عندما مال عليها حتى أصبح قبالة وجهها مباشرة، وعيناه تدور في أنحاء وجهها، وقبل أن يزداد انتصارها وتهنئ نفسها به من اليوم الأول، قال موسى بصوتٍ متسلي:
_ قهوتي
ضيّقت عينيها للحظات، فأكمل بابتسامة صغيرة:
_ قهوتي مظبوطة
تحولت عيناها بلحظة من الإغواء لغضب مكتوم، دارته بسرعة ولم يَخفَ عليه هو.
تركها ودخل إلى مكتبه، صافقًا الباب من خلفه،
ارتمت على المقعد من خلفها، تعض على شفتها السفلى بغيظ،
لُوهلة ظنّت أنه... أنه ماذا!
نفخت ثم ضغطت على الزر وطلبت قهوته "المظبوطة"... كما يريدها.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

في قصر لم تره سوى في التليفزيون أو المجلات، توقفت سيارة عمّها أمام البوابة الحديدية الكبيرة،
ترجلت فيروز، وجالت بأنظارها المكان، ومعالم الانبهار مرسومة على وجهها الحزين،
دخلت مع السيد كمال، الذي استقبلته إحدى الخادمات مع نظرات فضولية موجّهة لفيروز، والتي تبدو كلوحة باهتة وحزينة وسط كل ما يحيط بها من ثراء...
السجاد الثمين الذي تمشي عليه بحذائها المتسخ من ركضها أمس،
الستائر المخملية بألوانها الزاهية، والتحف واللوحات الغالية الثمن، حتى تبدو أنها أغلى منها شخصيًا.
انتبهت على ركض الفتاة لوالدها، والتي ما إن أبصرت فيروز توقفت، وبعينيها تتساءل،
قال عمّها بهدوء مشيرًا إلى فيروز الصامتة بجواره:
_ فيروز يا أسيل... بنت أخويا، الله يرحمه
تعالت على وجهها الدهشة وباستغراب ردّدت من خلفه:
_ بنت عمي!
أجابها بإيجاز قائلًا:
_ هافهمك كل حاجة بعدين يا أسيل، دلوقتي فيروز تعبانة ومحتاجة ترتاح، طلّعيها في أوضة الضيوف لحد ما أجهز أوضتها

بحركة من رأسها أومأت، رغم فضولها الشديد لمعرفة أي تفاصيل عن ابنة عمّها التي ظهرت فجأة ولا تعرف متى ومن أين أتت...
وكان أفضل ما قيل لفيروز: أن ترتاح.
تشعر بتعب يكاد يُغشي عليها، وجسدها يصرخ طالبًا بعض الراحة والنوم.
أسيل لا تشبه والدها في الشكل، لكن تشبهه في اللطف، فتحت لها الغرفة وبابتسامة رقيقة قالت:
_ دي أوضتك مؤقتًا زي ما قال بابا، هاسيبك ترتاحي، ولما تصحي نبقى نتعرّف على بعض براحتنا
تركتها للحظات، ثم عادت وبيدها منامة وبعض المستلزمات إن أرادت فيروز أن تأخذ حمامًا وتغيّر ملابسها.
ورغم أن فيروز لم تنطق بكلمة واحدة، إلا أن أسيل كانت تتصرف بلطف مقدّرة حالتها وما توحي به من تعب وإرهاق...
أغلقت أسيل الباب من خلفها، وظلت فيروز مكانها لعدة لحظات،
ثم جلست على طرف الفراش، وعقلها لا يصدق تواجدها في مثل ذلك المكان الآن، ومع عمّها الذي لم تره منذ كانت صغيرة،
خلعت حذاءها، وعادت بظهرها على الفراش، دست نفسها تحت الغطاء بملابسها كما هي،
وبوضع الجنين انكمشت على نفسها، وظلت عيناها مفتوحتين مترقبتين كما اعتادت مؤخرًا،
ودون إرادة منها سقط جفناها، وغفا عقلها، واستسلم جسدها لنعومة الفراش من تحتها.
.......
بانتباه استمعت أسيل لوالدها وهو يلقي على مسامعها ما كان يعرفه عن زوجة أخيه وابنته، وبعتاب قالت ابنته:
_إزاي يا بابا ما تدورش عليهم وتعرف هما فين؟
أجابها كمال:
_أنا دورت والله دورت عليهم كتير، يا أسيل أنا سافرت وفيروز كانت صغيرة جدًا وأخويا كان لسه عايش، سافرت بره مصر وغصب عني، الغربة صعبة، ووسائل الاتصالات كانت صعبة جدًا غير دلوقتي، أنا فجأة عرفت بوفاة أخويا، وسألت عن مراته وبنته ما لاقيتش ليهم أثر، ولما رجعت عرفت من ناس جيران إنها اتجوزت، ومرت السنين وسافرت تاني ورجعت وأخبارهم بقت صعب توصلها.
تساءلت أسيل بحيرة:
_طب وصلت لحضرتك إزاي؟
مسح على جبينه وقال:
_اتصلت بيا، ماعرفش وصلت لرقمي إزاي، بس المهم إني لاقيتها.
سكتت أسيل وبترقب قالت:
_بابا، إنت متأكد إنها بنت أخوك؟ يعني مش ممكن تكون واحدة نص...
قاطعها رافعًا يده بوجهها وقال مؤكدًا:
_بنت أخويا يا أسيل، لو شفتي عمك هتعرفي هي قد إيه شبهه، وكمان إحساسي، البنت اللي فوق دي شافت كتير ومرت بحاجات الله أعلم بيها، هي بنت أخويا، أنا متأكد.

وقفت أسيل وربتت على كتف والدها بحب:
_طب ممكن تسأل عليها، علشان حتى نعرف هي كانت فين ومرت بإيه، أنا مش بشكك فيها، بس كمان محتاجين نعرف إيه اللي مرت به.

أومأ برأسه مؤكدًا حديث ابنته، وأنه كان ينوي ذلك بالفعل وقال:
_عايزك تبقي معاها يا أسيل، حاولي تتكلمي معاها يمكن تتكلم معاكي.

حرّكت رأسها بإيجاب وقالت بابتسامة:
_حاضر يا بابا، بس حضرتك ناسي حاجة.
_إيه هي؟

رفعت حاجبيها وبمشاغبة قالت:
_خالتو نازلي جاية من السفر بكرة بالليل.
نفخ كمال حانقًا، بينما ضحكت أسيل وقالت بمواساة:
_معلش يا بابا استحملها.
_يا بنتي إذا كنا إحنا مش قادرين نستحملها، اللي فوق دي هتعمل فيها إيه؟
التوى فم ابنته بقلة حيلة، بينما وضع كمال يده على رأسه يفكر في حل ما لتلك المعضلة.

،،،،،،،،،،،،،،،

دخلت لغرفة والدتها، تمددت على فراشها وتدثرت بالغطاء، دفنت وجهها في وسادتها، للمرة الثانية تعرف معنى الفقد والفراق، جفت دموعها وشعورها بالغربة يجعلها غير قادرة على أن تُكمل حياتها، كانت تعرف ... أثناء ركضها إثر نداء إحدى الجارات، أخبرها قلبها أنها فارقت، ولا سبيل آخر للقاء، كذبت حدسها حتى رأت والدتها فاقدة للحياة، وفقدت هي أيضًا جزءًا من روحها لا سبيل له للعودة.
أغمضت فيروز عينيها تحاول أن تستشعر لمسة أمها الغائبة وصوتها الحنون الداعي لها، والدفء بنفسها حولها.

تململت فيروز على تلك اللمسات، وقشعر جسدها برفض، كانت بين الحلم واليقظة، تظن أنه كابوس، لكن تماديه جعلها تشحذ تركيزها وتحاول مقاومته في عقلها، لكن جسدها ما زال ساكنًا، حتى استيقظت كليًا، وانتبه عقلها لما يحدث، وفتحت عينيها على وسعهما بذعر، وقابلها وجه القريب منها للغاية، أنفاسه لاهثة ساخنة وعينيه تجريان على جسدها برغبة وجنون.

شهقت فيروز أخيرًا وفتحت فمها لتصرخ، لكنه وضع كفه عليه وقال لها بهمْس:
_اهدي وماتخافيش، أنا بحبك يا بنت وهتجوزك.

حرّكت رأسها بالرفض، وتدفقت عبراتها بقهر، وجسدها لم يتوقف عن المقاومة من أسفله، وبصعوبة تحررت إحدى قدميها وضربته بركبتها أسفل بطنه، حتى تأوه بوجع، ثم خرجت منه كلمة بذيئة من فعلتها...
استغلت انشغاله بألمه المفاجئ، وقبل أن تقترب من الباب، ركض إليها وحملها بيد واحدة ثم ألقاها بقسوة على الفراش، ثبتها بوزنه عليها وهو يرفع يديها أعلى رأسها بيده، قاتلًا أي أمل لها في النجاة منه...

ازداد بكاؤها بقهر، ومقاومتها لم تتوقف، وكلمات غير مفهومة خرجت منها ترجوه أن يتركها، بتوسل وبكاء.
قال لها رامي وهو يثبتها بقوته، والرغبة مستحوذة على كل تفكيره:
_اثبتي بقى يا بنت، بقولك إيه؟ خليها بالرضا أحسن من الغصب.
همست فيروز من بين شهقاتها:
_والنبي ماتعملش فيّ كده... أبوس إيدك...
لم يجبها، لكنه هم بفك أزرار فستانها، فازدادت في حركتها المقاومة متغلبة على ضعفها.

انتشلها من تلك اللحظات التي مرت كالساعات الطويلة عليها صوت شقيقته الهاتف باستنكار:
_إيه اللي بتهببه ده يا منيل؟
على مضض قام من فوقها، لاعنًا شقيقته التي تدخلت قبل أن يصل لمبتغاه، نهضت فيروز بسرعة، وعادت بظهرها لآخر الفراش، ضامة ركبتيها إلى صدرها، وجسدها بالكامل يرتجف، وعينيها عليهم وكأنهم وحوش سينقضون عليها آكلين أحشائها.

تمايلت مروة وقالت وهي تلكز كتف أخيها:
_يا منيل هتجيب لنفسك مصيبة، الناس هتقول علينا إيه؟ ولا إنت ناوي تتجوزها؟ لا يا حبيبي ده على جثتي، ده أنا ما صدقت أمها غارت، هتقعدلنا هنا العمر؟
مسح رامي على جبينه المتعرق وقال بحنق:
_ده إنتي فصيلة يا بنت، وفيها إيه يعني؟ أتجوزها، ومش هتكلّفنا لا أبيض ولا أسود، أحسن ما ندخل على عروسة تأمر وتتشَرط، وأنا بكح تراب!
أشارت له وقالت:
_روح أوضتك يا خويّا قبل أبوك ما يصحى، وأنا مش ناوية أداري عليك.

غمغم بغضب منها ثم ألقى نظرة متحسرة على فيروز المتجمدة مكانها وغادر، نظرت لها مروة بكره واضح قائلة بأمر:
_قدامك ربع ساعة، لِمّي اللي يخصك واغوري من هنا، يا إما الصبح هقول لأبويا إنك كنتِ بتغري أخويا وطلّعتيه من أوضة أمك وإنتي فيها، وإنتي عارفة إن أبويا هيصدقني أنا.
ثم ألقت عليها نظرة أخيرة وغادرت، لم تنتظر لثانية أخرى، وهي تجذب ما تطاله يدها وتركض للخارج، بعيدًا عنهم، لأي وجه ولأي مكان، لا تعلم، المهم أن تنجو بنفسها من تلك الوحوش غير الآدمية...

فتحت عينيها فجأة، والسقف المزخرف من فوقها يوحي لها أنها خرجت من ذلك السجن، تحرك بؤبؤا عينيها وغشاوة النوم عليه، حتى استفاقت تمامًا وأدركت مكانها.
تنفست الصعداء وأغمضت عينيها مع انسياب دمعة على جانبي عينيها، تحمد الله على ستره عليها، وتفكر في القادم، وماذا ستفعل!
رغم معاملة عمها الطيبة وابنته، لكنها أيضًا قلقة، صعب جدًا بعد ما عايشته أن تثق بأحد بسهولة، وأيضًا ليس أمامها غيرهم، لن تطلب منهم الكثير، فقط عمل وستستأجر شقة صغيرة وتعيش لحالها، لن تكون عالة عليهم...

استقامت من على فراشها، نظرت لملابس أسيل، رفعت ذراعها فتقزّزت من رائحتها، تحتاج فعلًا لحمام ساخن وتغيير ملابسها برائحتها الصعبة، ثم بتردد أمسكت الملابس واتجهت للحمام، استغرقت وقتًا طويلًا حتى خرجت، وقفت أمام المرآة، ترى أن بعض التورد عاد لوجنتيها، وعينيها السوداء الواسعة تنظر للفستان المزين بالورود والملائم على جسدها، عقصت شعرها الأسود الطويل لذيل فرس، فانساب على ظهرها بنعومة يتحرك معها، وقبل أن تنتوي الخروج، انفتح الباب فجأة والتفتت لتلك السيدة الواقفة أمامها تقيّمها بنظرات من أسفل لأعلى، ومن خلفها أسيل غير راضية عن اقتحامها الغرفة بهذه الصورة، أخذت فيروز نفسًا عميقًا مهيّئة نفسها على أن الآتي لن يكون خيرًا...


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1