رواية للهوى رأي اخر الفصل الثالث 3 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الثالث 

أخذت نفسًا ثم طرقت على باب مكتبه ودخلت بهدوء، كان مُهيبًا خلف مكتبه الضخم، غرفة واسعة بأثاث راقٍ ثمين يليق بمكانته واسمه، رفع عينيه إليها وبتمايل غير متعمد أنثوي تحركت بقهوته وببطء وضعتها أمامه ثم وقفت في انتظار أي تعليمات لليوم..

قال موسى وهو يلقي بالملف على مكتبه:
_ الملف ده المفروض يتراجع بند بند وتكوني فاهمة كل حاجة فيه؛ لأن في اجتماع بعد أقل من ساعتين والمفروض نكون جاهزين، تقدري؟

التوى ثغرها بابتسامة واثقة ثم جلست وبدأت معه في مراجعة كل كلمة به، يعرف أنها ذكية ولكنها فاجأته بعقلها العملي، رفعت عينيها إليه وهو منهمك في أوراقه بعدما تحرر من جاكيت حلته، وظهر عرض منكبيه، لم تنتبه لتلك الخصلات البيضاء التي تناثرت على جانبي شعره قبل ذلك، تلمع كالفضة تزيده وقارًا وشكيمة رغم تناقضها أحيانًا مع ملامحه التي توحي أنه أصغر سنًا من عمره الحقيقي، ومع عينيه، عينيه التي تنظر لها لأول برهة بهدوء ولين ثم تتغير لتكون كالجليد يصعب عليها قراءتها، وتحاول جاهدًة لاختراقها بأساليبها التي تعرفها والتي تظن أنها تناسب رجلًا مثله، رجل تجاوز السابعة والثلاثين دون زواج وسمعة لا غبار عليها، وحيد دون دفء امرأة في حياته..

رفع موسى رأسه إليها بغتة، ولُوهلة ارتبكت؟!
تململت دهب في جلستها، فقال دون مقدمات:
_ الشناوي بعتلك مرسال ليه؟
ضيقت دهب حاجبيها للحظات ثم تساءلت:
_ وإنت عرفت إزاي؟
لم يُجبها، ولكن عينيه أرسلت لها نظرة جعلتها تُجيب قائلة:
_ عايزني أرجع أشتغل معاه تاني.
طرق بالقلم على مكتبه بغضب مكتوم:
_ بعد اللي عملتيه فيه؟
احتدت عيناها القاتمتان وبرسمتها السوداء ظهرت مخيفة:
_ يستاهل، وأنا حذرته قبل كده، أنا عارفة بيعمل كده ليه، أسرار شغله كلها معايا وتفاصيل يمكن هو نفسه ما يعرفهاش، ومش هايقدر يجيب حد يعمل اللي كنت بعمله.
ألقى موسى بالقلم، ثم عاد بظهره للخلف، وبنبرة غيظ مستهزئة قال:
_ والشناوي هايخاف منك؟!
استقامت ببطء ثم انحنت بنصفها العلوي إليه، وقالت بصوت هادئ رغم حنق عينيها:
_ خايف أفتن بتفاصيل شغله هنا، وأنا عارفة إنك أكبر من إنك تهتم بشوية معلومات حتى لو مهمة إنها تجيلك بالطريقة دي، وكمان ما يعرفش إن ولائي خلاص بقى للمكان ده.
للحظة تشتت انتباهه مع حركة شفتيها البطيئة المتأنية، وأن ما ترقّب حدوثه أصبح على حافته، وما حذّر منه ينزلق إليه، وهي كالفَرَسَة تغوي الأنظار بسحرها، لكنها... جامحة... وساحرة.

التوى ثغرها بابتسامة ناعمة، والتَمعت عيناها بإغواء ساحر، ثم ابتعدت دهب وتحركت للخارج، تاركة موسى خلفها ينفخ أنفاسًا ويمسح على وجهه مستغفرًا، حانقًا على ذلك الوضع الذي أصبح فيه...

وهي... هي ليست بالسهلة أبدًا وتحتاج لكثير وكثير من... الأدب.
يجزم أنه لو بإرادته لأبعدها عنه من أول ساعة رآها هنا، لكنه مُضطر ومقيّد بوعد ألزم نفسه به... وعد لا يعرف نتائجه بعد...
........
"انتي مين وإزاي تدخلوا حد القصر من غير علمي؟!"
كلمات قالتها السيدة نازلي في وجه فيروز المصدومة، وأسيل غير الراضية عن تصرف خالتها، السيدة الأرستقراطية، المنظمة بهوس يكاد يكون مرضيًا؛ الالتزام بالمواعيد، والأكل، والخروج، والاستيقاظ.
رغم أسلوبها المتعنت في كثير من الأحيان، لكن من في البيت اعتادوا الأمر، وتقبلوا صفاتها ووجودها بعد وفاة زوجها، وإكرامًا لشقيقتها الراحلة، ولأن أسيل بمثابة ابنتها.

تدخلت أسيل وقالت بمهادنة:
_يا خالتو، اسمعي بس الأول.
التفتت إليها نازلي قائلة بعصبية:
_أسمع إيه؟ أنا مش مصدقة عيوني! جايبين واحدة من الشارع ودخلتوها القصر وتقوليلي قريبتك؟!

احتقن وجه فيروز، وبرفض لإهانتها قالت:
_أنا مش جاية من الشارع، وعمي...
_عمي؟!
قاطعتها نازلي بغضب هاتفة بها:
_خلاص صدقتي نفسك؟!
هتفت أسيل بعدم رضا عن حالتها:
_خالتو، ما تقوليش كده، انتي مش فاهمة حاجة، بابا على وصول وهايْفهمك.

بينما هدرت فيروز قبالتهم، رافضة أن تظهر بمظهر المتوسلة أو النصابة:
_أنا لا نصابة ولا شحاتة! أنا ماشية من هنا.
استوقفتها أسيل بمهادنة:
_فيروز، اهدِي بس، أرجوكي.
ولكنها لم تلتفت إليها، وبخطوات أقرب للركض نزلت من على الدرجات الرخامية حتى فتحت الباب الحديدي أمام أنظار الحارس المستغرب، وأسيل التي تركض من خلفها مشيرة للحارس أن يوقفها...

---

أصابعه تطرق على المقود، وعقله لا يتوقف عن العمل.
ورغم انتهاء ساعات العمل الرسمية منذ وقت طويل، إلا أنه يشبه الآلة، لا يتوقف أبدًا، حتى لو كان صامتًا مثل الآن، لكن عقله يعمل ويدور في شيء ما...
فجأة، أصدرت سيارته صريرًا عاليًا، وبمهارة، توقّف قبل أن يدهس تلك الفتاة المتهورة تحت إطارات سيارته.
نزل من سيارته واقترب من الفتاة المتكومة على الأرض، انحنى إليها، ووصله صوت بكائها الهامس.
ولأن شعرها تفكك إثر ركضها، حاوط وجهها، فاستصعب عليه رؤية ملامحها.

_انتي كويسة؟
تساءل قاسم بصوت هادئ ووجه لا يملك أي تعابير، سوى عقدة جبينه.
لكن صمت بكائها وحلّ مكانه تأوه بسيط،
حرّكت رأسها، فأسقط شعرها مظهرًا ملامحها بتعابيرها المتألمة.
سكن قاسم مكانه، وعينيه منجذبتان إليها لا تحيدان، وضربة لا يعرف مصدرها تلقّاها في صدره.
رفعت فيروز عينيها إليه، وللحظة ارتخت ملامحها، وعيناها الواسعتان بلون الليل ألقت عليه شيئًا ما.
ثم بيدها حاولت الاستقامة، لكن يبدو أنها أُصيبت بها، ومن شدة الألم أصدرت "آه" خافتة من شفتيها.

رفع يده يمسك ذراعها، لكن توقفت فجأة سيارة يعرف صاحبها.
نزل كمال مسرعًا متجهًا لفيروز، بينما وقف قاسم مستعيدًا صلابته، واضعًا يده في إحدى جيبي بنطاله، منتظرًا توضيحًا لكل ما يحدث الآن.

وقفت فيروز معه، وكمال دسّها في صدره معتذرًا عن أشياء مبهمة له، وهي ممسكة بساعدها، والذي يبدو أنها أُصيبت به.
لا يدري لِمَ انقبض قلبه فجأة، كانت تبدو ضعيفة جدًا، ولا تشبه أسيل التي يعرفها، وملامحها متخفية خلف شعرها وكتف كمال، الذي نظر له، ويبدو أنه لم ينتبه إليه سوى الآن.

_قاسم؟
قال قاسم موضحًا:
_ما اتخبطتش في العربية، ممكن اتصابت من الوقعة بس.
تنفس كمال الصعداء، فتساءل قاسم فجأة مشيرًا إليها:
_مين دي؟
صمت كمال للحظة، ثم أجابه:
_بنت أخويا.

ودون حديث آخر، تحرك أمامه لسيارته، ووضعها في الخلف برفق.
تحرك كمال بسيارته من أمامه، وقف قاسم مكانه للحظات، ثم تحرك هو الآخر، وصورة لعينيها السوداء الواسعة انطبعت في عقله.
.......
دار كمال حول مكتبه، وفيروز جالسة على الأريكة ممسكة بيدها المصابة، ولم يتوقف عن إظهار ضيقه من مغادرتها دون علمه بعد أن وجدها.
قال وهو يشرف عليها:
_ ليه يا فيروز، ده أنا ما صدقت إني لاقيتك.
خرج صوتها باهتًا ووجهها شاحبًا:
_ أنا مش نصابة.
قاطعها قائلًا:
_ ومين قال؟! أنا قلت كده؟ شوفتي مني إيه يخليكي تقولي كده؟
ثم تنهد وبهدوء تحدّث:
_ يمكن ماكنش في وقت كافي أفهمك طبيعة الناس اللي عايشين هنا. نازلي طبعها صعب شوية، أنا عارف، لكن أنا بطلب منك تتجنبيها، وأنا بأكدلك إنها مش هتضايقك.

رفعت عينيها إليه وقالت برجاء:
_ أنا مش طالبة أعيش معاكم هنا، أنا عايزة بس وظيفة، وأنا هأجر شقة وأقعد فيها. أنا مش عايزة أكون عالة على حد.
ارتفع حاجباه وبلهجة يشوبها العتاب:
_ عالة يا فيروز؟ الكلمة دي تقوليها للغريب مش لعمك! أنا مش هارمي لحمي في الشارع، إنتي مكانك هنا.
زاغت عيناها بحيرة فقالت:
_ طب عايزة شغل، وأرجوك ما ترفضش.
أومأ برأسه بعد برهة صمت وقرر أن يريحها:
_ بسيطة، هاشوفلك وظيفة في الشركة بتاعتي.
قالت أسيل من خلفهم بابتسامة وبيدها شاش ضاغط:
_ الست الهاربة! تعالي أربطلك إيدك.
جلست بجانب فيروز التي نظرت لها بتفاجؤ من بساطة تعاملها معها، فقال كمال مبتسمًا:
_ أسيل شخصية سهلة جدًا، أنا عارف إنكم هتكونوا أصحاب.

وبمزاح قالت أسيل:
_ آه ده لو ما هربتش مرة تانية وجرتنا أنا والحرس وراها!
ابتسمت فيروز بخجل، فقال كمال متذكرًا ابنته:
_ عارفة مين الأول اللي كان هايخبطها بعربيته؟
_ مين؟
وبترقب استمعت فيروز بحواسها للاسم الذي نطقه عمها...
قاسم عمران.

---

في جلسة شبابية جماعية، كان ياسين وصحبته، ينظر لهاتفه عاقدًا جبينه، حانقًا على أسيل لعدم ردها على رسائله المتكررة.
يفكر أن آخر لقاء بينهما، رغم بدايته المضطربة ومحاولته في تغيير حالتها المزاجية، إلا أن في النهاية عادت لبيتها والابتسامة على وجهها الجميل...
والآن، من الصباح، لم تجب على هاتفه ولا رسائله.

_ اللي شاغل بالك يا ياسو واخدك مننا؟
اقتحم ذلك الصوت أذنيه وخرج من تفكيره، منتبهًا لها... تلك الفتاة، أحد أفراد صحبته، ولا يُخفي الأمر عن الجميع، وعن نفسه، محاولاتها الدائمة في التقرب منه.
أجابها ياسين وقال:
_ معاكم يا دلال، يعني هأكون فين؟

مالت عليه حتى لاصقت صدرها بكتفه، وشفتيها المصبوغتين تتحركان في دعوة صريحة له:
_ تؤ، مش معانا!
ابتعد ياسين قليلًا، وبمزاج لا يميل للعبث الآن، قال:
_ مشغول شوية، يمكن أقوم دلوقتي.
تمسّكت بذراعه قائلة بهمْسٍ مغوٍ:
_ طب لو هاتقوم خدني معاك!
جميلة دلال، لا يُنكر، وبكل ما تفعله من دلال عليه يضعفه، ولو كان في مزاج آخر وذهن صافٍ، لكان استمتع ببعض الدلال، لكنه استقام مبتعدًا عنها وخرج من المكان كليًا.
وما زالت أصابعه مستمرة في إرسال الرسائل والمكالمات، وقد قرر أن يذهب إليها، ربما بها شيء أو أصابها مكروه.

صعد سيارته وقام بتشغيلها، وقبل أن تتحرك انفتح الاتصال، وجاء صوتها الناعم:
_ ياسين؟
وانفجر ياسين، ملقيًا كلماته بوجهها، بحق قلقه وما دار بعقله من مخاوف إصابتها:
_ ياسين إيه وزفت إيه يا أسيل؟! إنتي شايفة أنا كلمتك كام مرة؟ شوفتي بعت كام رسالة؟! رامية تليفونك في أي حتة؟! ولا عاملة أي اعتبار إن في حد هيكلمك ويطمن عليكي؟! ومنبه عليكي أكتر من مرة لما أتصل بيكي تردي على طول، حصل ولا لأ؟!

وابتسامة ناعمة ارتسمت على وجه الجميلة، وبيدها أغلقت ستائر غرفتها، واتجهت إلى فراشها الذي جلست على طرفه، قائلة:
_ غصب عني، اليوم كان طويل جدًا ودماغي اتشغلت.
والمتحدث على الطرف الآخر زاد غضبه، ضاربًا على المقود، هاتفًا بها:
_ اتشغلتي في إيه ومع مين؟! ويعني إيه اتشغلتي فما عبّرتيش اللي بيكلمك؟! ما جاش في دماغك ولو مرة إنك المفروض تكلميني؟!

_ ياسين، إنت مضايق كده علشان فعلًا ما رديتش عليك، ولا علشان مش أنا اللي كلمتك؟
أجابها عاقدًا حاجبيه، متسائلًا:
_ وإيه الفرق؟
_ لا، في فرق كبير.
الأولى علشان فعلًا قلقت عليّ، والتانية إنك بس تكون اتعودت إن أنا اللي أتصل واهتم، وإنك تكون محور يومي...

ترَكَ يده المقود، وبعينين تتحركان في كل اتجاه، سكت ياسين، محللًا كلماتها،
رغم حقيقة سعادته بالتميّز بالثانية، إلا أن الأولى كانت مسيطرة عليه أيضًا.
قالت أسيل بصوتٍ هادئ، وكأنها لم يعد لها رغبة في سماع إجابته بعد صمته:
_ إنت فين؟ النادي صح؟
_ أيوة.
ظهر الضيق بصوتها رغمًا عنها، وبسخرية قالت:
_ يعني في النادي، ومع شلتك اللي أنا عارفاها، وفكّرت تكلمني؟ لا، ده هاصدق إني مهمة فعلًا!

ضاقت ملامحه، رغم إنه بيبذل جهده حتى لا يقصر بحقها، إلا إنها دائمًا ما تشعره إنها بمكانة أقل عنده من أي شيء.
_ انتي ليه مش واثقة في مكانتك عندي يا أسيل؟
_ دلال كانت هناك، مش كده؟ حتى لو مش دلال، إنت مش بتحب تكسف حد.

عمّ الصمت على كلاهما، أغمضت عينيها ورفعت رأسها لأعلى بألم، علاقة صعبة تستنزف طاقتها، مؤلمة لها كأنثى، صعب أن تقنع نفسها وترضى أن يعبث بعيدًا طالما في النهاية يكون لها.
تحبه وتعشقه ولا تتمنى رجلًا غيره، لكن قلبها ينزف، وعلاقاته النسائية المتعددة ما زالت مستمرة حتى بعد ارتباطهم، وتقنع نفسها وتسترضيها أنه سيتغير يومًا ما... ربما!

استمعت إليه يأخذ نفسًا، وبصوت هادئ وكأنه يداعبها، قال ياسين:
_ انشغلتي عني بإيه؟
فتحت عينيها مستسلمة لتغيّر مجرى حديثهم، وأجابته بصوت أقرب للطبيعي:
_ بنت عمي ظهرت فجأة، وشوية حاجات حصلت.
انتبه لها متفاجئًا، متعجبًا:
_ بنت عمك؟ وانتي ليكي عم أصلًا؟
تنهدت أسيل، وأجابته باسترسال:
_ اسمع بقى من الأول...
.....
على مائدة الإفطار، والتواجد الأول لفيروز التي تتجنب النظر لنازلي التي ترمقها بنظرات حانقة غير مرضية، بينما كانت أسيل تفتح مواضيع مختلفة لعلها تبدد الصمت المحيط بهما.
قالت نازلي فجأة:
_ فكريني يا أسيل لما نخلص فطار تيجيلي أوضتي تشوفي الهدايا اللي جبتها لك.
لوحت أسيل بسعادة مشاركة فيروز الصامتة:
_ وشك حلو يا فيروز، هدايا من خالتو وكارت الفيزا بتاع بابا في إيدي.
قاطعها كمال موضحًا بحزم مصطنع:
_ لا يا حبيبتي، الفيزا دي علشان فيروز تشتري كل اللي هي عايزاه، وانتي يعني لو حبيتي تجيبي حاجة، هاتيها بالمرة وخلاص.
شهقت أسيل قائلة:
_ بالمرة يا بابا!
ثم وجهت حديثها المرح لفيروز:
_ إيه يا ست فيروز، شكلك كده هتاكلي الجو مني ولا إيه؟
أجابتها فيروز بسرعة نافية:
_ لا أبدًا والله، أنا مش عايزة حاجة، شكرًا، كفاية وجودي معاكم.
ابتسمت أسيل بلطف وقالت:
_ أنا بهزر معاكي يا فيرو، ده إحنا هنخرج ومش هنرجع غير لما نخلص الفيزا دي، إيه رأيك بقى؟
تدخل كمال مؤيدًا للتخفيف من إحراج فيروز:
_ وأنا موافق، أهو أول مرة أوافق إنك تخلصي الفيزا.

بامتنان قالت فيروز:
_ مش عارفة أقولكم إيه، بس بجد مش لازم.
نفخت نازلي بحنق لم تخفه ومسحت فمها بالمنديل وألقته على السفرة وقالت وهي مغادرة:
_ خلصي اللي وراكي وتعاليلي يا أسيل.

نظر كل من أسيل وكمال بغير رضا لبعضهما، دخلت الخادمة ثم وضعت دعوة أمام كمال وقالت:
_ الدعوة دي وصلت لحضرتك يا فندم.

أمسكها كمال وفتحها، ثم قرأ ما بداخلها وأغلقها ووضعها جانبًا وقال للفتاتين بجواره:
_ اعملوا حسابكم في فستان سهرة.
تساءلت أسيل وبدأ الحماس بالظهور:
_ ليه يا بابا؟ دعوة إيه دي؟
_ دعوة لحفلة.
قالت فيروز بقلق:
_ أنا مش هاجي.
انتبه لها كمال:
_ ليه يا بنتي؟ انتي وأسيل هتيجوا، غيري جو وشوفي ناس تانية وحاجات جديدة، هتفضلي محبوسة يعني؟
وبحماس هتفت أسيل:
_ يالا يا فيرو، ده أنا مبسوطة إنك موجودة، بدل ما أروح لوحدي بزهق وبمل، ده إحنا هنجيب فساتين وهنروح الكوافير وندلع نفسنا، ها بقى وافقي.
وكأن الحماس انتقل إليها، فأومأت برأسها وقالت:
_ موافقة.
صفقت أسيل واتسعت ضحكتها، فتساءلت والدها:
_ بابا، صحيح، حفلة إيه ولمين؟
_ عاملها إبراهيم الزهيري لشغله الجديد على شرف قاسم عمران.
وضرب الاسمين كلا منهما، الأول صاحب القلب وآلمه، والثاني على اسمه ظهرت صورة لصاحب عينين خضراوين، بوجود مهيب وصوتٍ مازالت تدوّي كلماته في أذنها.

نظرت الفتاتان لبعضهما، ورغم أن كلًّا منهما لا تعلم عن الأخرى شيئًا، ولكن يبدو أن صلة قوية كصلة الدم تجذبهما، وكلٌّ منهما تشحذ قوة من الأخرى.

يومًا شيق، يتنقلن بين المتاجر، والمشتريات يأخذها السائق للسيارة باستمرار، وفيروز منبهرة بكل ما تقع عيناها عليه، أحد المولات الفخمة التي كانت تراها في الإعلانات، ملابس ذات ماركات لأول مرة تسمع عنها، وأرقام طويلة ظنتها كودًا، لكنه في الواقع السعر الذي جعلها تفتح فمها بصدمة، وأسيل مستمرة في الضحك على تعبيراتها المضحكة.

جاء وقت شراء الفستان، وبحيرة ككل الفتيات قضين نصف اليوم في اختيار فستان للحفلة، والباقي في مركز التجميل ليستعدّ الفتاتان لحفل المساء.
أسيل لم تخبر ياسين بقدومها رغم أن والده من أقام الحفل، وبفضول وحماس قررت الحضور دون علمه، والأخرى تشعر أنها في حلم، وستستيقظ على وجود والدتها بجانبها في شقتهن البسيطة مع ثلاث من أكثر ما كرهتهن بحياتها.
ولأن كل شيء تغير، ربما عليها التأقلم مع الأمر الجديد، وبدايته كان حضور حفل لأناس من صفوة المجتمع وفتاة بسيطة تتخبط في دوامات الحياة...

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1