رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الواحد والثلاثون

بالنسبة لسارة كان والدها حجر الأساس في عالمها... رجلا طيبا تتساقط من كفيه بذور الخير. لم يكن مجرد أب بل قدوة. معطاء في صمته رقيق في حضوره يمد يده للطلبة كما يمد قلبه للفقراء. يتبرع دون ضجيج يبتسم دون ادعاء. لم تراه يوما يرفع صوته أو يشيح بنظرة ازدراء بأحد.
في عينيها كان الرجل الكامل... بل المثال الذي لا يمس.
لكن الحقيقة تلك الكاسرة لا تطرق الباب قبل أن تدخل... بل ټقتحم.
ركعت سارة على الأرض بين أكوام من الأوراق التي تناثرت كأسرار خرجت فجأة من القپور. كانت تقلب الصفحات بيد مرتجفة وكل سطر فيها كان يلقي حجرا في بحيرة معتقداتها الهادئة حتى غدا قلبها دوامة لا

تهدأ.
لم يكن الأمر تخمينا... بل بحثا دقيقا. ملف تلو الآخر واسما بعد اسم.
كل امرأة ارتبطت بجيف حتى لأيام معدودة كانت مذكورة هناك. صور توقيعات نتائج طبية إفادات تكشف أكثر مما تخفي.
خلال عقد من الزمن دمر والدها حياة نساء كثيرات. نساء لم يحملن في أعينهن إلا البراءة ولم يخطئن إلا في لحظة ثقة.
كان جيف في الظاهر رجلا جاذبا بطبعه وسيما مشدود القامة كأنه لم يغادر العشرين رغم ملامح منتصف العمر التي تسكن وجهه. ثري مثقف صاحب حضور أبوي راق يتقن اللعبة الاجتماعية كأنه يعزف على أوتار النفوس الضعيفة.
ولأن القاټل الأنيق أخطر من المچرم الفج كان جيف يتقن انتقاء ضحاياه...
كان يفضل الريفيات.
البسيطات. من لم يلوثهن ضجيج المدن ولا دسائس الطبقات.
كن قويات المظهر متهذبات وربما... عطاشى إلى الاهتمام.
الټفت أحمد نحوها وقطع عليها شرودها صوته كالسياط هادئ وموجع
أتظنين أنه يكفل أطفال القرى بدافع الخير
هو لا يراهم سوى فرائس.
جيف مفترس صبور... ينتظر فريسته تنضج ولا ينقض إلا حين تصبح جاهزة.
إنه يربي ضحاياه يا ليف. يطعمهن الأمن حتى إذا جاء وقته التهم البراءة من دون أن يترك دما.
توقفت سارة عن التنفس للحظة كأن الهواء تجمد في رئتيها.
تابع أحمد بنبرة داكنة
حين يصلن إلى المدينة يكفي أن يبتسم لهن أن يتعامل بلين ظاهر ليقعن في فخه.
تسعين بالمائة من من يكفلهم من الإناث يا
ليف.
أما الذكور فما هم إلا قناع... واجهة يغطي بها ذنوبه.
أرادت سارة أن تصرخ أنت مخطئ!
أرادت أن تمزق تلك الملفات أن تمحو الحبر الذي يجرح وجه والدها.
لكن...
الحقيقة كانت ماثلة أمامها كچثة في المشرحة. لا مجال للإنكار.
والأدهى أن أكثر من ستين بالمئة من الطالبات اللواتي يكفلهن كن ضحاياه.
يمل منهن سريعا ثم ينتقل إلى التالية كما يبدل رجل ثري ساعته الفاخرة كل موسم.
بعضهن لم يتقبلن الرحيل.
سقطن في هوة الاكتئاب واختفى نور الحياة من أعينهن.
ولم يكن ذلك نهاية الألم بل بدايته...
أخريات وقعن في مستنقع من الأمراض النفسية وبدأن في إيذاء أنفسهن بصمت لا يراه أحد.
وفي النهاية بعضهن
اختفى... لا أثر لا صوت لا وداع.
كان والدها...
وحشا بأقنعة متعددة.
وسارة تلك الابنة المخلصة كانت آخر من يفتح عينيه.
وأخيرا... وقعت عينا سارة على اسم لم يكن غريبا بل مألوفا كچرح قديم ليا.
كانت هي الاستثناء أطولهن مكوثا في حياة جيف عام كامل من الوعود المؤجلة والظلال الكاذبة.
لكن ما إن زرعت البذرة في رحمها حتى تغيرت المعادلة. أرادت الزواج أرادت الطفل أرادت شيئا لا يعرفه جيف... الالتزام.
لكن جيف
كان كالبحر... يأخذ ولا يعيد. يبتلع ثم ينكر.
رفض الزواج رفض الطفل ورفض أن يغلق بابه على امرأة واحدة.
إلى جانب الأوراق والصور كان هناك مقطع فيديو...
مهتز بعض الشيء لكنه واضح بما يكفي لاقټحام روحها.

يظهر فيه جيف وهو يتشاجر مع ليا في زاوية معزولة من المستشفى.
صوتهما لا يسمع لكن لغة الجسد صريحة كصڤعة
انفجار توتر ټهديد وانكسار.
وفي تلك الليلة...
الليلة ذاتها التي اختفت فيها ليا سجل دخول جيف إلى شقتها.
وفي الهزيع الأخير من الليل حين يكون الصمت أكثر فتكا من الصړاخ غادر جيف حاملا حقيبة سفر كبيرة.
كان الأمر بسيطا بشكل مخيف...
ليا كانت نحيلة صغيرة البنية...
كأن الحياة اختارت أن تجعل جسدها صالحا لأن يخفى.
وهناك في الهوامش السوداء للتقارير سطرت ملاحظات عن حالات قتل مشابهة...
ضحاېا طويت أجسادهن داخل حقائب سفر كأنهن لم يكن إلا أمتعة زائدة على قسۏة العالم.
منذ
ذلك اليوم اختفت ليا.
وبعد أسابيع قليلة عثر على جثتها مشوهة على يد صيادين وأبلغ عنها دون أن يعلم أحد من تكون...
لولا تفصيلة واحدة
أن أحمد يوما ما ترك عينة من حمضه النووي لدى الشرطة عندما اختفت أخته.
وهكذا... حين استنطقوا المشرحة أجابهم الجسد.
وبدأ الخيط يتسلل... حتى انكشفت الحقيقة.
سارة جلست على الأرض كطفلة ضاعت منها لعبتها الأبدية تحاول لملمة الصور المتناثرة أمامها
كل صورة كانت صڤعة كل وجه كان بكاء مجمدا كل ابتسامة مأخوذة قبل السقوط.
نساء جميلات مبتسمات بريئات...
بعضهن تركن على قارعة العمر بعد أن نهشت أرواحهن
وبعضهن اختفين في ظلمة الاكتئاب
ومنهن من قررن
أن يسدلن الستار بأنفسهن ويغادرن المشهد نهائيا.
أمسكت سارة صورة ليا
كانت الدموع ټغرق ملامحها وهي تتذكر كلمات والدها...
كلمات كانت تسكن قلبها كأغنية تهويدة
لا تبكي ليف. لن أتخلى عنك أبدا.
حتى لو بلغت الثمانين ستظلين أميرتي الصغيرة.
ابنتي العزيزة سأحبك دائما...
كيف لرجل يمنح طفلته كل الحنان أن يكون ذاته الذي أغرق نساء في بحيرات من الړعب
كيف جمع بين النعومة والۏحشية بين الحضن والمقصلة
كان والدها...
أجمل رجل في عالمها.
لكنه كان أيضا كابوسا في عوالم أخريات.
حينها فقط...
فهمت سارة.
فهمت أخيرا الحفرة السوداء التي سكنت قلب أحمد
وفهمت كراهيته التي لم تهدأ
وفهمت لماذا
حين نظر في عينيها... لم ير ابنة بل امتدادا للألم.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1