رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثالث والثلاثون

تدفقت الدموع على وجنتي سارة كما ينسكب نهر هارب من سد متهالك
لا شيء يوقفه ولا يد تمسح وجعه.
في تلك اللحظة التي انكشفت فيها حقيقة كل شيء
علمت أن ما بينهما انتهى.
ليس بصوت مدو ولا بانفجار درامي
بل صامت يشبه موت نجمة في مجرة بعيدة دون أن يراها أحد. 
أحمد لم يكن رجلها بعد الآن
بل جرح يمشي 
لقد دمر آل فوردهام ولم يترك لها إلا ركاما من الذكريات. 
ديون الأرواح لا تدفع بالنوايا ولا تغفر بالدموع.
كل محاولة منها لإصلاح ما انكسر
لن تفعل سوى أن تغرقهما أكثر 
ثم قال بصوت خافت لكنه يقطر نزفا
سارة... لا تحبيني.
اكرهيني رجاء.
لا تتركي نافذة واحدة للضوء. 
وسأظل أرددها ما حييت
لن أندم...
ولن أعود.
كان صوته متماسكا لكن نبضه كان يصرخ 
لم يكن رجلا يتحدث بل خرابا يعترف.
ورغم قسوته
رأت في عينيه لمحة من حنين
كأن روحه تتوسل إليها أن تبقى بينما لسانه يطردها.
كان يحبها
لكن

بطريقته التي تشبه الموت البطيء.
حبه كصحراء فيها سراب من الراحة لكن لا ماء حقيقي.
في قلب ذلك الطوفان
شعرت سارة بلحظة من حنان هش
كواحة صغيرة في منتصف عاصفة صحراوية
تعرف أنها لن تدوم.
ثم
استدار أحمد.
خرج من الغرفة كما يخرج ظل من حلم ثقيل
بلا وداع بلا التفاتة بلا صوت.
وبقيت سارة خلفه 
عرفت بيقين لا يخطئ 
أن هذا... كان وداعهما الأخير.
حين خرجت سارة من المكتب كان الصمت يملأ الممر كأن الزمن توقف حدادا على شيء لم ينطق به بعد.
لم تكن السيدة بيرجس هناك.
تلك المرأة التي تحمل قلبا أموميا 
ضحكت سارة بخفة حزينة ضحكة تشبه التنهد
تلك المرأة العجوز بابتسامتها الهادئة كانت الرفيق الأخير في هذا القصر البارد.
لم تشعر بالوحدة...
أما الآن وقد غابت
فقد بدا البيت كهيكل عظمي لقصر
والزمن فيه لا يتحرك بل يتحلل.
في الخارج كانت السماء تلبس عباءة الليل الداكنة
وفي الداخل كانت رائحة الحساء الذي أعدته
السيدة بيرجس لا تزال تعبق في أرجاء المطبخ كذكريات لم تغادر بعد.
سكبت سارة لنفسها القليل منه
وحين ارتفع البخار 
شعرت كأن الضباب لا يغطي ملامحها فقط بل يخفي روحها أيضا.
جلست بصمت تتناول طعامها كمن يأكل للمرة الأخيرة
وهي تفكر
أحمد سأسدد الدين 
لكنها لن تفعل ذلك بالمواجهة
ولا بالاعتذار
بل بالاختفاء.
قررت ألا تخضع للعلاج الكيميائي
قررت أن تستعيد ما تبقى من كرامتها في الأيام الأخيرة من عمرها
أن تكتب نهايتها بيدها لا بيد المرض.
رأت الانكسار في عيني أحمد 
كانت تعلم أنه مهما قسا لن يحتمل موتها بعد الآن.
فقررت أن تمنحه فرصة للنجاة منها.
أن تختفي ليرتاح
أن تختفي ليبدأ من جديد.
زوجة جديدة طفل صورة مثالية أمام المدينة أمام نفسه أمام الله.
وفي تلك اللحظة تحديدا
شعرت سارة وكأن شيئا ما تحطم في داخلها
لكنها لم تشعر بالضعف بل بالتحرر.
تحررت 
من آمال مؤجلة وأوهام حب كان يشبه العنف.
تلك
الليلة لم يعد أحمد.
كان القصر صامتا صامتا كالقبر.
وفي الصباح التالي استيقظت سارة باكرا لأول مرة منذ وقت طويل
لم تعد في سريرها كالأسيرة.
نهضت.
ربما لأن في قرارها نوعا من السلام
وربما لأن السيدة بيرجس بصبرها وحنانها ساعدتها على تذكر أنها لا تزال امرأة لا تزال على قيد الحياة.
رغم المرض 
ورغم الألم بدت ملامحها أنقى
كأنها تحولت إلى نسخة هادئة من نفسها السابقة.
ارتدت ملابسها بعناية.
بسيطة لكنها نظيفة
وكأنها تعد نفسها للقاء أخير... أو بداية خفية.
وحين فتحت الباب
وجدته.
برنت.
كان يقف كتمثال من الجليد
ملامحه متماسكة لكنها تخفي قلقا مشوبا بالاحترام.
قال بصوته الرصين
صباح الخير سيدتي ميلر.
ابتسمت له سارة.
صباح الخير يا برنت.
تجمد الزمن لوهلة.
هو الذي اعتاد رؤيتها غارقة في الدموع منهكة كسيرة
لم ير ذلك الوجه المنير منذ عامين.
أراد أن يقول شيئا
لكن الكلمات تخون حتى الحراس المدربين عندما تباغتهم
الحياة بابتسامة غير متوقعة.
ففعلت سارة ما لا ينتظر من مريضة على وشك الوداع
تقدمت وأخذت زمام المبادرة.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1