رواية طوفان الدرة الفصل الثالث و الثلاثون
بإحدى الثكنات العسكرية،
كان الغضب يتملكه كالنار في الهشيم، يذرع الأرض بخطواته غضبً، بعدما
علم للتو أن تم رفض طلب نقله إلى ثكنة قريبة من المنيا ، وقف خلف النافذة الحديدية،يزفر نفسه بقوة يتطلع إلى ساحة التدريب كأنها تذكره بحجم القيود التي تحاصره، ضرب الحائط بكفه بعنف وهو يزمجر:
هم فاكرين إني هسكت لا... القرار ده لازم يتراجع، وبأي تمن.
حسم قراره وذهب الى أحد الضباط المسؤولين بالثكنة ...وقف للحظات مترددًا في الكلام، لكنه نطق بعد تردد:
حضرتك من شوية بلغني ان قرار نقلي لـثكنة عسكرية اترفض أعرف السبب ايه.
أجابه الضابط:
القرار صادر من فوق...من القيادة العامة نفسها مش من هنا.
أدار له وجهه بحدة، نظراته حادة كحد السيف: قرار نقلي من هنا مهم اوي كده ان القيادة بنفسها ترفضه، أنا مش مرتاح هنا... ومن حقي..
نهض الضابط وضرب على سطح المكتب بقوة قائلًا بحسم:
احترم نفسك يا مُجند، إنت هنا بتأدي خدمة الوطن ومالكش تختار المكان بمزاجك، ودلوقتي على سكنك، وإحمد ربنا إني هتغاضي عن طريقتك الفظة فى الكلام ومش هحولك لمكتب تأديب.
لوهلة إرتجف وليد،لكن أظهر عكس ذلك وإستسلم وخرج من المكتب بخطوات حاسمة،
برأسه لن يستسلم، لن يستمع الى حديث ذلك الضابط فهنالك الأعلى منه، بالفعل
في الطابق العلوي من مبنى القيادة، دلف الى القاىد بعدما سُمح له، بنفس الوقت كان القائد ينهي إتصالًا... نظر الى وليد قائلًا
خير يا مُجند طلبت تقابلني.
نظر وليد له بملامح مشدودة، يقاتل ليبقى متماسكًا... وقف باحترام، ظهر التوتر في صوته بوصوح:
حضرتك أنا كنت قدمت طلب نقلي من هنا لمكان قريب من المنيا،بلغني قرار الرفض،كنت جاي اطلب من حضرتك مراجعة قرار نقلي اللي اترفض.
نظر له القائد قائلًا نفس حديث الضابط:
لازم تعرف القرار مش شخصي... فيه أولويات حسب احتياجات التوزيع.
اعترض وليد قائلًا بايحاء:
خضرتك اللى كان قالي على طلب النقل هو خالي عضو مجلس الشعب و...
انتفض القائد بغضب قائلًا بتعسف:
لا عضو مجلس شعب ولا وزير، انت هنا فى خدمة الوطن وأي مكان تخدم فيه، واتفضل عالسكن بتاعك وآخر مره هسمحلك تتكلم بالطريقة دي، كفاية اللى بيوصلني عنك انك مُجند متخاذل ومتكاسل، وده آخر إنذار لك ومتفكرش إن سطوة عيلتك أو حتى خالك هتخوفنا، وآخر تحذير لك قضي مدة خدمتك على خير بدل ما تتقدم لمحاكمة عسكرية ويتم زيادة مدة خدمة أو تقضي بقية مدة خدمتك فى السجن والمرة دي مش هتبقي فى سجن الاحداث زي قبل كده.
إرتعب وليد وإرتبك صامتً، نظر له القائد قائلًا:
إنصرف على سكنك يا مُجند وآخر مره أسمع من اعتراض او شكاوي.
غصبً ورعبً إمتثل وليد قدم التحية العسكرية وغادر، ذهب الى السكن مع زملاؤه... يشعر بغضب عارم، يكبت غضبه بصعوبة، يتمنى لو يصرخ، أو يلكم الحائط، لكنه يدرك جيدًا أن أي خطأ الآن سيكلفه الكثير... جلس على فراشه، يتصبب عرقًا يرمق زملاءه بنظرات مشحونة، ثم انحنى للأمام يُخفي وجهه بين كفيه، يهمس من بين أسنانه المطبقة:
لازم فى أقرب وقت أنزل المنيا والأجازة دي لازم أتمم كل حاجه اتفقت عليها مع مرعي... لازم أوصل لـ زينة... كمان متأكد فى حد ورا رفض قرار نقلي من هنا، بعد ما خلاص كان شبه إتأكد، أكيد اللى ورا كده طوفان، هو الوحيد اللى عاوزني أبعد عن البلد طبعًا عشان خاطر الحقيرة مراته... بس حتى لو بعدني هبعد قد إيه هرجع له من تاني والمرة دي مش هرتاح قبل ما طوفان يدفع تمن اللي عمله بداية من سجن الأحداث لحد هنا فى الجيش
❈-❈-❈
بشقة إبتهاج
كانت تقف أمام المرآة تُعدل هندامها استعدادًا للخروج، لكن تصنمت مكانها للحظات حين دوى صوت جرس الباب بطريقة مُفزعة، كأن الطارق يطرق على قلبها لا على الخشب...
ارتجف قلبها خوفًا، وأقدامها المرتعشة قادتها نحو الباب بخطى متوترة، نظرت من خلال ثقب الباب، فرأت وجه عزمي...
حاولت التقاط أنفاسها، لكنها لم تستطع أن تمنع رجفة قلبها من التزايد… عزمي لا يأتي نهارًا دون سبب، ولم تكن بينهما مواعيد اليوم.
ترددت... ثم فتحت الباب ببطء.
دخل عزمي ينظر لها بغضب قائلًا:
قافلة الباب عليكِ ليه..ولابسه كده كنتِ رايحة فين.
أجفلت من سؤاله المباغت، تراجعت خطوة، وقالت وهي تحاول السيطرة على نبرة صوتها مُبررة:
إنت عارف اني بقيت بخاف من يوم الحرامية اللى دخلوا الشقة وسرقوها... مكنتش رايحه في حته، دي عبايات جديدة اشترتها أونلاين وكنت بجربها
رمقها بنظرة طويلة، ثم اقترب منها قليلًا مُتفحصًا قائلًا بنبرة تشكيك:
أونلاين وبتجربيها وماله... أنا متغدتيتش جهزلي غدا ولا...
مازال قلبها يرتجف تسرعت بالرد وهي تلتصق به بدلال :
ولا إيه... نص ساعة أجهزلك أحسن غدا
هتاكل صوابعك وراه.
تهكم على دلالها والتصاقها به، وابتعد عنها جلس على آريكة، يتكئ بظهره قائلًا:
بلاش دلعك ده النهارده، مش رايق.
شعرت كأن سكين بردٍ مر على قلبها من كلماته، ابتعدت خطوة صغيرة، ثم قالت بصوت خافت حاولت أن تُبقيه مرحًا:
مالك صوتك فيه حاجة... حاجه مضيقاك.
أغمض عينيه للحظة وهو يتنفس بعمق، ثم فتحهما وحدق في السقف قائلًا:
مفيش... بس متضايق من كذا حاجة، كذا موضوع فى دماغي ودماغي مش راكبة على بعضها
ظلت لحظات تنظر له بصمت، قبل أن تستجمع شجاعتها وتقترب مجددًا تجلس جواره تتدلل قائلة:
طب قوم غير هدومك، وانا أعملك الغدا... وبعدها فضفض لى يمكن ترتاح.
أدار وجهه نحوها فجأة، نظر في عينيها نظرة طويلة حملت شيئًا لا تفهمه، ثم قال بجفاف:
متخليش بالك تقيل عليا، كل ما تلاقيني مضايق تسيبي اللي وراك وتعملي فيها" أمي" وترسمي الحنان... مش ناقص حنان مزيف.
تجمدت في مكانها، سقطت كلماتُه كصفعة، ارتعشت شفتاها لكنها حاولت أن تبتسم، لكن الوجه خانها، وقالت بصوت مبحوح:
مش حنان مزيف... إنت ليه بتقلل من مشاعري ناحيتك، إنت عارف إني بحبك واقفت اتجوزك فى السر عشان كده.
لم يرد للحظات... فقط أغلق عينيه مجددًا، وكأنّه يهرب من المواجهة، مواجهة ذاته لا يعلم ما يفعله هو الصواب أم الخطأ، يريد ابعاد وليد عن هنا ليس خوف من طوفان بل ربما بعده أفضل له....
شعرت ابتهاج بالغضب والحقد لكن أظهرت عكس ذلك انسحبت بهدوء إلى المطبخ، تحاول أن تتماسك، لكن هلع قلبها حين صدح رنين هاتفها يصل لها وهي بالمطبخ تركت ما كان بيدها وخرجت مُسرعة نحو غرفة النوم، دلفت تفاجئت بـ عزمي يمسك هاتفها بين يديه شعرت بالتوجس، إبتلعت ريقها بتوتر حين سألها عن هاوية المُتصل... بتوتر أجابته:
دي الست اللى إشتريت منها العبايات أونلاين أكيد عاوزه تسألني عجبوني ولا لاء.
تهكم بسخط ومد يده لها بالهاتف تمثلت بالهدوء وهي تقوم بالرد بالتورية الى أن إنتهت، نظرت الى عزمي الذي إتكئ على الفراش، نظر لها بخباثه قائلًا:
فاكرة لما الشقة اتسرقت من فترة.
توترت تبتلع ريقها قائلة:
أومال أنا بقيت بخاف وأنا لوحدي وبقفل الشقة على نفسي، ولو حد خبط بكش فى نفسي.
ضحك عزمي بقوة، نبرته تمزج بين السخرية والدهاء وهو يقول:
بتكشي في نفسك غريبة… مع إن المحترم والدك على حد علمي كان موظف بريد، يعني…
تجمدت ملامحها للحظة، نبرة صوته ونظرته زرعت في قلبها بوادر شك:
هل يقصد شيئًا.. هل علم بأمر السلاح.
ارتبكت، شعرت أن حديثه ليس عابرًا، بل يحمل ما وراءه…
لكنها تمسكت بخيط أمل داخلي:
لو كان فعلاً عارف، مكنش اتكلم بالهدوء ده… ولا ضحك بالشكل ده.
تهربت منه بجملة مقتضبة، قالت وهي تخفض نظرها:
ربنا يرحمه… هروح أشوف الأكل… البوتجاز والع.
غادرت المكان بخطوات سريعة، وكأن الأرض تشتعل تحت قدميها... دخلت المطبخ، سندت جسدها على الرخامة بارتباك، عيناها تنظران بلا تركيز نحو الفراغ، وكل ما يدور في عقلها هو صوته… ضحكته… وطريقته في نطق كلمة "كان موظف بريد".
تشعر بتوهان… ضياع غريب…
هل حديثه كان تلميح
أم تهديد مستتر
هل يختبرها
أم يلعب معها ليهز ثقتها
وضعت يديها على رأسها، كأنها تحاول أن تجمع شتات أفكارها:
لازم أكون أذكى… مش كل كلمة أفسرها على مزاجي… لكن برضه، عزمي مش سهل.
أفاقها من التوهان صوت غليان الماء على النار أعادها للواقع،
فتحت الثلاجة بارتباك، نظرت بداخلها دون تركيز، ثم أغلقته بسرعة دون أن تأخذ شيئًا
كانت تبحث عن مخرج… لكن كل الأبواب الآن مُغلقة… إلا باب الحذر... عليها الوصول بأي طريقة الى ذلك المجرم، وإن ادعي الأمر قتله.
بعد قليل
نهضت من خلف مائدة الطعام قائلة:
تحب اعملك شاي.
أومأ برأسه موافقً يقول:
ياريت كمان شيشة وهاتيهم أوضة الضيوف.
تجمدت للحظة بعد كلماته وتمتمت:
شيشة.
أصبح يشعر وكأنه في نُزُهة، بينما هي تقف على شفا جرفٍ من الجنون.
تقدمت نحو المطبخ بخطوات ثابتة ظاهرًا، لكن بداخلها عاصفة... وهمست:
شيشة كمان.. عايز يروق ويتسلطن.
بعد دقائق عادت بصينية نحو أوضة الضيوف… نظرت إليه، كان مُتكئًا على الآريكة، ممسكًا بهاتفه، يُرسل رسالة ما بابتسامة ماكرة على وجهه.
تنحنحت فأغلق الهاتف ورفع وجهه نحوها،إنحنت تضع ما بيديها على الأرض،قبل أن تنهض جذبها بقوة عليه لتمكُث جواره...
لوهلة شهقت،ضحك على شهقتها قائلًا بخباثه:
مالك متوترة كده ليه.
تنحنحت بخفوت قائلة:
مش متوترة،واضح ان مزاجك رايق.
ضحك وهو يجذبها علي صدره يُقبلها فجأة...قُبلة عنيفة كادت تختنق لولا أن دفعته بيديها فإبتعد بمزاجه ينظر لها وهي تلهث لالتقاط أنفاسها وقبل أن يهدأ تنفسها تحدث:
ناوليني كوباية الشاي.
مازالت تلهث لكن جذبت كوب الشاي ومدت يدها به نحوه،لكن سُرعان ما صرخت من قسوة تلك السخونة التي اشتعلت فوق يدها فجأة،
بعدما سكب الكوب عمدًا...
ورغم ذلك، ادعى البراءة وعدم الإنتباه ببرودٍ قاتل:
إيه ده معليشي... الكوباية وقعت غصب عني.
نظرت له، الألم يشتعل في جلدها، لكنه لا يُقارَن بالنار التي توهجت بداخلها...
نار القهر... والغصب... تنظر له بجمود ووجه شاحب تشعر بيد ها تحترق، ؤغم ذلك تخدثت بهدوء خادع:
بسيطة، مش مشكلة..هقوم أعملك غيرها.
سحبت يدها بحذر، وكادت تقف لكن بمكر جذبها بقوة من يدها الأخري وضعها فوق فحم تلك الآرجيلة الملتهب... صرخت مرة أخرى،
لمع الخبث بعيناه يشعر بإستمتاع...
حاولت الإفلات، لكنه ضغط أكثر…
رائحة الجلد المحترق بدأت تتصاعد...
وقلبها... انفجر صمتًا.
لمع الخبث بعينيه، يراقبها كصيادٍ يتلذذ بعذابات فريسته،
نظر لها بابتسامة هادئة كأن شيئًا لم يكن... عاود الحديث بتبرير:
معليشي إيدك اتلسعت.
لم تنطق...
ودموعها تحجرت… فقط عينها تومض بوميض قاتل.
سحب يدها أخيرًا، دفعها كدمية خشبية سقطت على الأرض،
تجعدت على نفسها، تضم يدها المصابة، وذهبت نحو المطبخ
بينما هو جلس بثقل وراحة على الأريكة،
يمد يده يجذب خرطوم الشيشة
يُراقبها بعين لاهية، كأن المشهد بالنسبة له تسلية مؤقتة في ليلة طويلة.
بينما هي الغضب والألم ممزوجان بقلبها... وضعت يديها لدقائق أسفل المياة، لكن مازال الالم... أغلقت المياة وجففت يديها، ذهبت الى غرفة النوم جذبت أحد انواع المراهم وقامت بوضعه فوق يديها همست بغضب مُستعر:
إنت اللى بتقرب النهاية يا عزمي.
جذبت هاتفها وبصعوبة حركت أصابعها تكتب رسالة مفادها.
"امنع عن ريان المخدرات عاوزه أسمع خبره النهاردة قبل بكره"
حذفت الرسالة واغلقت هاتفها، تشعر ببداية هدوء الألم نسبيًا.
همست بغلول:
خلي اللعب عالمكشوف بقى.
❈-❈-❈
نظرت جود لـ حاتم بإمتهان ثم تحدثت بإستهزاء:
واضح إن قرار وقفك عن العمل خلى بقى عندك وقت فراغ كبير، الافضل تقضي الوقت ده مع خطيبتك السابقة...
إستني نسيت إسمها
-آه... ماهيتاب...
ولا لما إتوقفت عن العمل نزلت من نظرها ومبقتش تنفعها، عالعموم أنصحك تبعد عن طريقي، جود اللى كنت تعرفها خلاص بح تلاشت والفضل ليك... العالم الرومانسي اللى كان فى خيالها إتمحي وشافت الصدمة الحقيقية فى الواقع .
صمت حاتم للحظة، عيناه تراقب ملامحها التي لم تتغير
ملامح جود لم تتغير... لكن هي ليست كما كانت.
حاول التمسُك بالبرود قائلًا:
خلصتي
نطقها بهدوء خادع، لكن صوته كان يحمل شرارة لمعة وجع قديم... اقترب خطوة، نظر في عينيها مباشرةُ قائلًا:
يمكن فعلاً مبقتيش جود اللي عرفتها…
بس برضه أنا حاتم اللي كنتِ شايفاه فارس أحلامك...
أنا واقع… خيب ظنك... بس صدقيني أنا مش طالب منك غير لقاء واحد يا جود...من حقي تسمعيني.
ابتسمت بسخرية واستهزاء قائلة:
مش بس معدوم المشاعر كمان بجح بتطلب شئ مش من حقك، خلاص إنت كنت قصة خيالية وصحيت منها، وهم وراح.
لوّح بيده وهو يتقترب أكثر قائلاً:
عالعموم… لو فاكره إنك بتنتقمي مني بالكلام ده، فكّري كمان إنتِ بتعملي إيه في نفسك.
تهكمت ضاحكة:.
بعمل ايه فى نفسي، فوقت بس على صدمة، وخلاص اتعلما،
وأنا لا بنتقم ولا إنت فى دماغي أساسً عشان أنتقم منك...شخص اتمحي من حياتي بسهولة وبسرعة تلاشي أثرهُ.
قالت ذلك ولم تنتظر فتحت باب السيارة ودلفت إليها، جلست خلف المقود وأغلقت الباب ثم سريعًا أدارت السيارة وغادرت.
ظل واقفً مكانه لحظات نظراته متسمرة نحو سيارتها التي تبتعد يشعر أن شيئًا ثقيلًا يشد جسده إلى الأرض.... لكن لن يستسلم،صعد الى سيارته وتعقبها
بينما جود لمعت عيناها…
لكن قاومت،دمعة واحدة فقط سقطت، ومسحتها بعنف، كأنها تُنكرها قائلة:
أنت اللي اخترت...
وأنا اللي كسرت جود القديمة علشان محدش يكسرها تاني... لم تنتبه الى سير حاتم خلفها الا حين سبقها وتوقف بسيارته بعرض الطريق بعيد عنها قليلًا كي لا تتفاجئ وترتبك وتتوقف فجأة، بالفعل رأت ذلك على بُعد ليس بعيد توقفت بالسيارة لحظات تنظر أمامها حتى ترجل حاتم من سيارته يسير نحوها،لكن قبل أن يصل إليها نظرت خلفها انتظرت لحظة أخري ثم إستدارت بمقود السيارة وغيرت إتجاه سيرها للعكس، تفاجئ حاتم بذلك وسريعًا توجه نحو سيارته بنفس الوقت صدحت أبواق سيارات أخري تود المرور، أعتدل بسيارته لكن كانت جود كانت إبتعدت... جلس يضرب المقود يزم غباؤه، الذي اوصله لفعل ذلك.
بينما جود رغم ذلك إبتسمت دون تعقيب لتلك البسمة
❈-❈-❈
بالمشفي
نظرت درة الى تلك البجحة
بصدمة وذهول
صدمة... من جرأتها اللامتناهية وكلماتها التي نطقتها بلا أدنى خجل.
وذهول... من قدرتها على قلب الحقائق وكأنها صاحبة الحق.
زفرت درة نفسها بصلابة رغم شعورها بالغِيرة ليس من تلك السفيهة الوقحة بل لأنها كانت الزوجة الأولى لـ طوفان...سبقتها...
بينما لمعت عين روزان وهي تُعيد قولها بعدما ظنت أنها نالت مرادها وأصابت قلب درة بذلك...
أنا...
قاطعتها درة بصلابة:
إنتِ مش مرات طوفان،إنتِ طلقيته،قصدي فى مقام عشقيته لأن اللى تقبل الجواز العرفي مالهاش مُسمي تاني غير كده،مجرد ست حس برغبة إتجاهها،رغبة كدابة،لان لو كان عنده فعلًا بس ذرة مشاعر نحوك مكنش قبل تكوني فى السر،اللى أعرفه إنك سيدة اعمال وليكِ مكانتك كان إيه يرخصك للدرجة دي وتقبلي تبقي فى الضل، شوفتك معاه فى مطعم كان سهل يقدمك قدام العميل على إنك زوجته ويتباهي بذكاء سيدة الاعمال، لكن إنتِ زي ما قولتلك مجرد رغبة وقت، أو بالأصح غلطة هو ندم عليها
إنصدمت روزان من رد درة،أخفضت رأسها لحظة، محاولة إخفاء ارتباكها، لكن ابتسامة ساخرة سرعان ما ارتسمت على شفتيها، محاولةً استعادة كبريائها:
واضح إنك متأثرة أوي يا مدام درة… الغيرة فاضحة عنيك.
رفعت درة حاجبها بسخرية هادئة، اقتربت خطوة ورسمت ضحكة سخرية وإستهزاء:
غِيرة.... أنا لو كنت بغير… كنت غرت من واحدة في مقام زوجة، مش من واحدة باعت نفسها بورقة عرفي.
ثم أردفت ببرود قاتل:
إنتِ ممكن تضحكي على نفسك وتصدقي إنك كنتِ مهمة… لكن أنا عارفة ومتأكدة… إنك كنتِ مجرد محطة هو مر بيها… وبسرعة كمل طريقه.
تصلبت ملامح روزان، لكن قبل أن تنطق، أضافت درة وهي تستدير مبتعدة:
وعلى فكرة… اللي بيعيش في الضل طول عمره، حتى لو خرج للنور… بيفضل شكله باهت.
ظلت روزان واقفة مكانها، وملامحها تتلوى بين الغضب والمهانة... وهي تنظر الى درة
كيف هي بهذا البرود عكس ما توقعت،تخيلتها تشتعل غيرة أو تهتز غضبًا، لكنها فوجئت بصلابة جعلتها تشعر بأن كل شهور الانتظار لم تكن سوى سقوطٍ جديد في هاوية المهانة... لهذه الدرجة أخطأت وتنازلت عن كبريائها، حين ظلت لشهور تنتظر تلك الفرصة، لم تكُن فرصة بل جزء آخر لمهانتها وشعورها بالدونية،
عقلها يستوعب حديث درة
بالتأكيد طوفان أخبرها بذلك، هو قالها لها لا يخشي من رد فعل زوجته، هو كان يضمن عشقها له، وبالتأكيد حصل غفرانها...
وحديثه السابق يتردد صداه بأذنيها
"أنا مش خايف من رد فعل مراتي... عشقي عندها مضمون."
شعور بالمذلة والمهانه وهي تعود ترسيب كلمات طوفان وتلك التي أمامها التي لم تهتز بل أفحمتها...
الخسارة لأول مرة تشعر بمذاقها
فالخسارة ليست فقط قلبها
بل كبريائها التي أهدرته هي منذ البداية حين واقفت على الزواج العرفي،
ضربة موجعة استقرت في أعماقها، تُذكرها بكل لحظة تنازلت فيها عن نفسها من أجل رجل لم يمنحها سوى الفُتات من مشاعره....
أحست أن الهواء من حولها ينسخي، وأن عيني درة الساكنتين أمامها أكبر صفعة تلقتها صفعة بلا يد، بل بكبرياء امرأة لم تسمح لأحد أن يهز عرشها.... ارتجفت أصابع روزان وهي تحاول تمالك نفسها، لكن صوت عقلها يصرخ بداخلها: كيف كنتِ عمياء لهذه الدرجة... كيف صدقتِ أن طوفان سيختاركِ يومًا.
كان كل شيء الآن يبدو واضحًا… وضوحًا مؤلمًا، كيف صدقت حماقة قلبها
ابتلعت ريقها الجاف، وهي تجر قدميها خطوة للخلف، محاولة الهرب من تلك المواجهة التي لم تكُن تتوقع نتيجتها، لكنها اليوم أيقنت أن بعض الهزائم لا تُنسي… بل تعيش، تُحفر داخلها ، وتذكرك كل مرة أنكِ كنتِ الخيار المؤقت في حياة رجل لم يكن يومًا لكِ.
استسلمت لتلك الهزيمة، فلم يعُد هنالك جولة أخرى…
خرجت من المكان وهي تجر خلفها ظلًا مُثقلًا بالخذلان، وفي قلبها غصة تدرك أنها لن تبرأ منها أبدًا…
وعليها الاعتراف، ولو مع نفسها فقط، أن النهاية قد كُتبت… نهاية بلا شرف وبلا ذرة انتصار، فقط هزيمة صريحة تجردت من أي تجميل، هزيمة امرأة أحرقت كل أوراقها بنفسها، ولم يتبقَّ لها سوى الرماد.
بينما دُرة
مع خروج روزان، شعرت دُرة ببوادر اختناق يضغط على صدرها …
سعلت بشدة، محاولة استجماع أنفاسها، بينما حرارة حارقة تسري في رئتيها...
توجهت بخطوات متعثرة نحو حقيبتها الخاصة، أخرجت ذلك البخاخ الطبي بيد مرتجفة، وبدأت تستنشق منه في فمها، تحاول امتصاص الهواء كمن ينتشل نفسه من الغرق...
استندت إلى أقرب مقعد، عيناها نصف مغمضتين، وقلبها يخفق بعنف، لكنها أجبرت نفسها على التماسك…
لن تمنح أحدًا متعة رؤيتها وهي تنهار… يكفي انهيارها قبل أيام.
خفضت بصرها نحو ذلك البخاخ بين أصابعها المرتجفة… هو نفسه البخاخ الذي كان طوفان يُمسكه ذلك اليوم حين باغتها ضيق التنفس بعد شجار عنيف بينهما...
ارتجف قلبها رغمًا عنها، فذاكرتها لا تزال تحفظ ملامحه القريبة وحرارة كفه وهو يسندها.
زفرت ببطء، وهي تتذكر أحداث ذلك الصباح المُعتم
بالعودة الى ذلك اليوم
نظرت درة الى طوفان بفضول قائلة:
يا ترا إيه هو الموضوع المهم اللى عاوز تقوله عالصبح كده.
تنهد طوفان بداخله خوف من رد فعل درة ،لكن بُكاء صغيره جعله يُزفر قائلًا:
شوفي نوح الأول.
رفعت درة حاجبيها باندهاش ثم نهضت من جواره نحو مهد الصغير جذبته وعادت للفراش مُبتسمة بحنان قائلة بعتاب مرح:
مش كنت تفضل نايم كمان شوية عشان اعرف الموضوع المهم بتاع باباك، ليه الإزعاج.
صمت الصغير بينما رسم طوفان بسمة مُترقبة، بعد دقائق تنهدت درة بتعب قائلة:
مش عارفة إيه حكايته بقي بيرضع من صدري بصعوبه، يمكن إتعود عالبيبرونة.
أومأ طوفان قائلًا:
شكله بينعس.
ابتسمت درة قائلة:
أيوة هو هينعس وينام ويرتاح بعد ما أزعج غيره وصحاه من النوم.
ابتسامة طوفان باهته، نهضت درة قائلة هحطه فى سريره يكمل نوم عندي فضول أعرف الموضوع الهام بتاعك.
أومأ طوفان ، لحظات وضعت درة نوح بمهده، ثم نظرت الى طوفان الذي توجه الى خزانة الثياب فتح أحد الأدراج وعاد نحوها بورقة يحملها بيده، توقف أمامها قائلًا:
إقري دي.
إستغربت درة قائلة باستفسار:
ورقة إيه دي.
عقب طوفان:
إقريها.
أخذتها منه بترقب، بدأت تقرأ محتويات الورقة فجأة توقفت قائلة بذهول:
دي ورقة جواز عرفي... بتاع مين.
هز رأسه بترقُب قائلًا:
كملي قراية.
عادت تقرأ محتويات الورقة بتمعُن، فجأة تبدلت ملامحها من الدهشة إلى الصدمة، اتسعت عيناها وهي ترفع رأسها نحوه بصوت مختنق تستفسر تنتظر منه نفي:
الاسم… ده اسمك يا طوفان.
لم يرد، اكتفى بتثبيت نظراته عليها بجمود، وكأن رد فعلها كان متوقعًا...
تسارعت أنفاسها، شعرت بحرارة تتصاعد في وجهها، قبضت على الورقة بقوة حتى كادت تقطعها ثم هتفت بغضب:
يعني إيه جواز عرفي... مين دي اللي اتجوزتها.
ظل واقفًا في مكانه، يراقب ثورتها بصمت تنرفزت درة بغضب قائلة:
رد عليا.
نطق أخيرًا بنبرة منخفضة لكن حادة:
اللي اسمها مكتوب جنب اسمي.
تراجعت خطوة للخلف، قلبها يخفق بعنف، لم تعد تعرف أيهما ينهشها أكثر… الغيرة أم الغضب والخوف من الإجابة القادمة.
ارتجف صوتها وهي تحاول السيطرة على أعصابها:
مين دي يا طوفان…؟ قول بسرعة قبل ما أفقد أعصابي.
اقترب منها خطوة، مدّ يده وأخذ الورقة من قبضتها، ثم رفعها أمام عينيه وكأنه يراجعها من جديد، قبل أن يجيب ببطء:
اسمها… روزان.
شعرت وكأن الأرض تميد تحت قدميها، الاسم ارتطم بعقلها وقلبها معًا، ليس لأنه غريب، بل لأنه غير معلوم لديها رمشت بعصبية وهي تحاول استيعاب:
روزان؟!
روزان مين…
أبتلع ريفة وأجابها:
عميلة من عملاء الشركة.
وضعت يدها على جبينها، تحاول لملمة أفكارها، لكن الغضب كان أسرع من عقلها:
عميلة... وإتجوزتها عشان عجباك...
وإنت كنت فاكر إنك هتفضل تخبي عليا الموضوع ده لحد ما أنا أكتشفه بالصدفة... ولا كنت مستني اللحظة اللي تجرحني فيها...وتحسسني بالقهر.
نفي طوفان ذلك برأسه... تنفس بعمق، ونبرة صوته هذه المرة كان ممزوجة بالقهر:
إقري التاريخ اللى فى آخر الورقة.
شعرت درة بلوعة ودموعها بدأت تسيل من عينيها قائلة:
هيفرق تاريخ الورقة فى إيه.
اقترب طوفان منها خطوة، وصوته يزداد صرامة:
إقريه يا درة… بقولك إقريه.
بيد مرتعشة مسحت دموعها ونظرت إلى آخر الورقة، عيناها تجمدتا للحظة، شهقت بذهول وهي ترفع نظرها نحوه:
ده نفس يوم كتب كتابي أنا وحسام.
توقفت تلتقط نفسها ثم رفعت رأسها ونظرت له بلوعة قلب قائلة:
للدرجة دي مقدرتش تُصبر، الحب اللى كنت دايمًا تظهره كان خداع بسهولة هان عليك، طبعًا هتقولى إني السبب وتسرعي وموافقتي على كتب كتابي انا وحسام...
حسام كان عنده حق، إنت مشاعرك قاسية ومتقلبة فى لحظة بتنسي، ليه جاي تقولى دلوقتي، خلاص زهقت مني وعاوز تنفذ وصية باباك، إني...
قبل أن تُكمل حديثها جذبها يضمها بقوة لصدره قائلًا بعذاب:
لو كنت عاوز أنفذ وصية أبويا مكنتش إتعذبت فى بعدك عني، ولا كنت حاربت عقلك عشان تبقي من نصيبي،درة أنا...
بقوة واهية دفعته عنها عاد خطوة للخلف بينما هي إنهارت جاثية على الأرض قائلة بلوعة:
إنت إيه...إنت كسرتني يا طوفان...وأنا اللى كنت عايشة عذاب ضمير وطلبت من حسام ننفصل،إنت منتظرتش وقت يمُر في نفس الليلة...كنت فى حضن واحدة تانيه،تنسيك...
ونسيتني يا طوفان.
شعر طوفان بالقلق على درة ، عيناه تلمعان بصدمة وألم، تقدم خطوة نحوها وجثي جوارها كاد يضمها لكن صوتها المتهدج أوقفه:
متقربش مني .
لم يستسلم لدفعها له بيديها ضمها
حاول التحدث، لكن الكلمات خرجت مختنقة:
درة… والله ما نسيتك لحظة… الليلة دي كانت بداية عذابي مش نهايته.
رفعت رأسها نحوه، عيناها حمراوان من البكاء، وصوتها يُقطر مرارة:
عذابك إيه اللي بتتكلم عنه... أنا شُفت بعيني الورقة… وشُفت التاريخ… وشُفت اسمها… كل ده مش هيمحي الصورة اللي رسمتها في دماغي عنك وإنت معاها... طبعًا الجواز كان كامل، نمت معاها
قولى كنت بتحس بإيه وإنت معاها....
اتسعت عينا طوفان بصدمة من جرأة سؤالها، كأن كلماتها كانت طعنة اخترقت صدره، شهق بعمق وحاول السيطرة على انفعاله، ثم قال بحدة ممزوجة بالقهر:
إنتِ سامعة نفسك يا درة إنتِ فاكرة إني هقارنها بيكِ...
ضمها أقوي وصوته يزداد خشونة:
اللي كان بيني وبينها ماكانش حب… ولا حتى رغبة…
قاطعته بعذاب:
أومال كان إيه... قولي كانت مشاعرك بتبقي عاملة معاها إزاي، قولي... ساكت ليه...
لمستها زي ما كنت بتلمسني، خدتها فى حضنك بعد كل علاقة...
تسمرت أنفاس طوفان في صدره، وانخفض جفناه لجزء من الثانية وكأنه تلقى لكمة في قلبه، رفع نظره إليها ببطء، وعيناه تلمعان بعذاب مكتوم.
رغم أنه يضمها لكن كأن هنالك مسافة بينهما صارت جدارًا من نار:
لا… والله ، ما لمستهاش زي ما كنت بلمسك… مستحيل... درة أنا كنت تايه...
توقف يلتقط نفسه ثم تحدث
صوته كان غليظًا، مخنوقًا، وكأن الحروف تجرح حنجرته وهي تخرج:
حضني ليكِ، كان عشق، حياة أتمنيت أعيشها معاكِ.. أمان، وطن… حضنها كان برد... صخر… كنت بحس نفسي مخنوق وأنا معاها، وكأني محبوس في قفص.
تهكمت درة بمرارة،وهي تدفعه بقوتها الواهنة وبدأت رأتيها تُعلن الإستسلام للإختناق وبدأت تسعُل،تتحدث بتحشرج صوت:
إبعد عني...سيبني لوحدي.
نظر طوفان لملامحها ويدها التي تضعها فوق صدرها وهي تسعُل،نهض سريعًا ذهب نحو أحد الأدراج وجذب تلك القنينة الصغيرة وجهها نحو فمها،لكن درة عاندت ترفض يده،مازالت تسعل كأنها لا تود الحياة...تستسلم لذاك السُعال الذي ينهش صدرها، رغم وجعه القاسي لكن ليس أقسي مما تشعر به... لكن طوفان لم يستسلم وضمها بقوة جعلها تفتح فمها غصبً، قام برش رذاذ الدواء داخل فمها قائلًا بعذاب:
درة أنا عارف مفيش إعتذار ...
توقف للحظة ثم إستطرد حديثه بتحفيز:
عشان خاطر نوح محتاج لك.
غصبً تقبلت درة الدواء، حتى هدأ السُعال لكن لم يهدأ لوعة قلبها، دفعت طوفان بوهن قائلة:
سيبني لوحدي، عاوزة أبقي لوحدي لو مش هتخرج من الأوضة همشي أنا من الدار كلها.
هذا ليس وقت أن يفرض نفسه عليها، يعلم عِناد درة، بالفعل إمتثل لذلك وغادر الغرفة، سمعت درة صوت إغلاق باب الغرفة رفعت رأسها، سُرعان ما أرادت ان تصرخ لكن شهقات قلبها أضعف من ذلك، ظلت جاثية تبكي وتشهق بألم ينهش كيانها، حتى فاقت من ذلك الشعور المرير على صوت بُكاء صغيرها، الذي يزداد، بوهن تحملت ونهضت ذهبت نحوه بصعوبة حملته بيديها المرتعشة، لم تتحمل السير، جلست به أرضًا، تنظر له بعينين غارقتين بالدموع، تحاول رسم ابتسامة واهنة على شفتيها عله يهدأ، لكن وجهها المرهق كان يفضح ما تخفيه...
مدت يدها تتحسس وجنتيه الدافئتين، تهمس بصوت متقطع:
ماما هنا… ماما مش هتسيبك أبدًا.
ارتفع نحيب الصغير وكأن قلبه الصغير يستشعر وجعها، فضمته بقوة إلى صدرها، كأنهاتحتميهي من قسوة العالم...
أغمضت عينيها، وأطلقت زفرة طويلة امتزجت بأنين مكتوم، محاولة أن تمنحه حنانًا ودفئًا يعوض رعشة جسدها وارتجاف قلبها.
«عودة»
عادت على صوت طرق فوق باب الغرفة،جففت دموعها بيديها وسمحت له بالدخول... متناسية تلك الوقحة.
❈-❈-❈
مساءً بـ دار طوفان
منذ يومين وهو غائب لأداء بعض الاعمال، هذا كان الظاهر لكن الحقيقة هو أراد هدنة ربما تجعل درة تهدأ، ويُصبح الحديث بينهما أهدأ...
إستقبلته والدته مُبتسمة:
حمدالله على السلامة.
اومأ لها مُبتسمً عيناه تبحث عن درة، تبسمت وجدان قائلة:
درة رجعت من المستشفي من شوية وخدت طوفان وطلعت أوضتك، على ما تغير هدومك تكون شكريه حضرت العشا نتعشا مع بعض كلنا.
أومأ لها مُبتسمً وصعد نحو غرفته...توقف أمام باب الغرفة لحظات بشعر بخفقان فى قلبه، حسم قراره وفتح باب الغرفه...
سمع حديث درة مع نوح وهي تقوم بوضع بعض الثياب علي جسده تتحدث معه بمرح.
إختفت بسمتها حين سمعت صوت فتح باب الغرفة ورأت طوفان، الذي إبتسم قائلًا:
مساء الخير.
ردت بخفوت، ثم نهضت قائلة:
كنت طلبت من شكرية تحضر البيبرونه لـ نوح، هو ساكت، هنزل أجيبها منها.
غادرت درة
وقفت على جانب باب الغرفة، تضع يديها على صدرها كأنها تحاول احتواء دقات قلبها ا
الهائجة الصراع بين الانكسار والصمود... تستجمع أنفاسها قبل أن تخطو للأسفل...
دخلت الى المطبخ، تبسمت لـ شكرية التي أعطت لها زجاحة الحليب قائلة:
كويس إنك نزلتي تاخدي الراضعه.
تبسمت لها درة بامتنان أخذت الزجاجه،وعادت تصعد نحو الغرفة،كانت خطواتها بطيئة، مُترددة، كأن كل خطوة تحمل معها ثِقل ما بداخلها...تحملت ذلك الوجع...
بينما طوفان شعر بوخزات قويه، يعلم أن درة مازالت غاضبه، ذهب نحو الفراش
وحمل صغيره الذي يبكي، وابتسم له بحنان هامسًا بحنان:
بتعيط ليه... عايز ماما
خفّت نبرة بكاء الصغير قليلًا، فقرب طوفان جبينه من جبين صغيره.... قبله بحنو، ثم همس له :
قول إنك اشتقت لحضنها... أنا كمان اشتقت لحضنها.
سكت لحظة، وصوته اختنق بندم....
بنفس اللحظة نظر نحو باب الغرفة، ارتسمت بسمة على وجهه حين رأى دُرة تدخل الى الغرفه، تحمل بيدها زجاجة حليب صغيرة.
لم تنظر إليه، تقدمت نحوه بصمت، رفعت يديها لتأخذ نوح دون كلمة، ثم اتجهت نحو الفراش جلست وبدأت تُطعمه.
وقف طوفان يراقبها للحظات يبلع ريقه، يشعر بغصة في حلقه من تجاهلها... لكن تغاضي،عن ذلك واقترب جلس إلى جوارها على حافة الفراش، ناظرًا إلى صغيره، ثم تحدث بهدوء: برضه لسه غضبان.. مش راضي يرضع من صدرك.
أومأت برأسها دون أن تنظر إليه.
تنهد طوفان، ثم مد يده وضمها من كتفيها إليه، طبع قُبلة خفيفة على وجنتها، وهمس:
مفيش حمدالله عالسلامة.
رفعت عينيها إليه أخيرًا، وقالت بهدوء يشبه العتاب:
حمدالله عالسلامة.
شعر بوخز في قلبه .. تنهد بعُمق وضغط على عضدها يضمها له بقوة
عيناه معلقتين بملامحها وهي تُطعم الصغير، تلك اللحظة تُحيي فيه شعور الندم.
همس قريبًا من أذنها، بصوت خافت لكنه مشحون بمشاعر قلبه الصادقة:
وحشتيني.
رفعت عينيها تنظر له بصمت، تشعر بقلبها يخفق سريعًا…ودت أن تنهض وتحتضنه فهي أشتقت لحضنه... لكن منعها كبرياء أحمق..رسمت البرود
لم يستسلم طوفان وحاول أن يُقرب وجهه منها أكثر، و..... لكنها انسحبت قليلًا وهي تُعدل وضع الطفل بين يديها كأنها تتهرب…
ضغط بيده من على كتفها، وعيناه ما زالت تراقبها بحزن...وقبل أن يتحدث تجمدت يدهُ على كتفيها حين تحدثت درة:
روزان كانت هنا جاتلي المستشفي.