رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الخامس والثلاثون


كانت ابتسامتها كزهرةٍ تحدّت زمهرير الشتاء...
رقيقة، ناعمة، لكنها خطرة. كادت تلك البسمة أن تُربك أحمد، أن تنتزع منه لحظة انكسار،
لكن عقله، المصلوب على جدار المنطق، جذبه سريعًا من هاوية التأثر.

ارتسمت على وجهه علامات امتعاضٍ خافت، عبوسٌ مُثقَل بالشك، وقال بنبرةٍ تنزف ريبة:

**"ما هذه اللعبة يا سارة؟ ما الحيلة التي تخبّئينها خلف كلماتكِ اللينة؟"**

رفعت سارة عينيها إليه بثباتٍ لا يخلو من رجفة داخلية،
كأنها تُلقي عليه بحقيقةٍ تعلم أنها لن تُعجبه، لكنها لم تعد تملك رفاهية التجميل:

**"لا أخدعك، ولا أبيعك وهماً...
أنا فقط أمنحك مهلة. ثلاثة أشهر، لا أكثر.
بعدها، افعل ما شئت... تزوج مارينا، انسني، امحُ اسمي من ذاكرتك...
لن يعنيني ذلك في شيء."**

في داخلها، كانت تكتب وصيتها.
تعلم تمامًا أن نهاية الرحلة قريبة...
وحين يحين الموعد، ستترك هذا العالم في ركنٍ بعيد، بصمتٍ يشبه من ينسحب من حفلةٍ لم يكن مرحبًا به فيها.

حدّق أحمد في عينيها مطولًا...
كل شيء فيها تغيّر.
ظنّها ستصرخ، ستكره، ستنتقم، ستحرق ما تبقّى من الجسور،
لكنه وجد امرأة أخرى... تُفاوضه على وقت مستقطع، لا أكثر.

همس، ببرودٍ قاسٍ كأنه يتحدى صلابتها:

**"وماذا إن رفضتُ؟"**

رفعت حاجبها الأيسر برشاقةٍ مُتعَبة،
وفي عينيها نظرةٌ ممزوجةٌ بين استهزاءٍ هادئ ونزيفٍ داخلي لا يُرى:

**"

حينها... لن أوقّع. وسأنتظر، كما يجلس الزمن على أطراف الحافة...
لكن توأميك ومارينا، لن يملكا ترف الانتظار."**
ثم أضافت، وكأنها توشك أن تضع النقطة الأخيرة في خطابٍ لا يُنسى:

**"ثلاثة أشهر، يا أحمد. بعدها نوقّع...
ثم أختفي من حياتك إلى الأبد."**

قهقهة ساخرة خرجت من فمه، لكنها لم تكن نابعة من فرحٍ أو سخرية حقيقية...
بل من رجلٍ لم يعد يفهم قواعد هذه اللعبة.

**"تعلمين أنكِ لن تتركي والدكِ خلفك، أليس كذلك؟"**

أرادها ضربة، أراد أن يراها تهتزّ...
لكنها لم تُظهر شيئًا.

في ذهنها، فهي على وشك الموت.
وفي قلبه، لم يفهم لماذا لا تزال تقاتل بابتسامة.

لكن ما لم يعِه بعد...

هو أن بعض النساء يُجدن فنّ الرحيل...
بكامل أناقتهن، ووجعهن، وهدوئهن الساحر...
تمامًا كما يُتقن الحبّ في لحظاته الأخيرة.

قالت سارة بصوتٍ ناعم كنسمةٍ خريفية، تخفي وراء هدوئها زلزالاً داخليًا:

**"الطبيب يقول إن احتمالية استيقاظ والدي ضئيلة للغاية...
ربما لا يكون بقاؤه في المستشفى بهذا السوء، إن كان سيظل على هذه الحال."**

لم تنظر إلى أحمد وهي تتكلم؛ كانت عيناها معلّقتين بشيءٍ غائم في الأفق... كأنها تُحدّث نفسها أكثر مما تُخاطبه.

**ربما، عندما يقترب أوان رحيلها، ستطلب من المستشفى أن يطفئ تلك الأجهزة عنه،
أن يُعيد إليه هدوء الموت كما كان هدوء حياته... دون أسلاك، دون ضجيج اصطناعي.

**
أما إن سبقته إلى الغياب، فلن يكون ثمة من يطالب بجثته أو يوقّع على مستند الرحمة.
**وإن جنّ أحمد ذات يوم، وألقى بجيف في البحر،
فربما ستأكله التيارات، ويفقد ملامحه،
حتى إذا التقت به يوماً في الجنة... لم تتعرّف عليه.**

ضحكت داخلياً، بسخريةٍ شاحبة، وراودها خاطر غريب:

**"ربما لو رحلنا معًا، سيكون الموت أقل وحشة...
كأننا نُغادر حفلة الحياة، يدًا بيد، دون أن نترك بعضنا."**

ساد الصمت، كثيفًا كثقل الرطوبة في هواء ما قبل العاصفة.
لم يقل أحمد شيئًا، كأن كلماته تجمدت على شفتيه.

لكن فجأة، قُطعت السكون... بصوتٍ ناعم، لا يخلو من تمثيل:

**"أحمد... هل انتهى كل شيء؟"**

كانت مارينا.

ولم تكن وحدها.

هذه المرة، جاءت مدججةً بكل أسلحتها...
وفي مقدمتها، طفلة صغيرة كانت تحملها بين ذراعيها كدليل حيّ على نصرها.

فتاة... كانت مدهشة في براءتها، تحمل ظلال أحمد في عينيها، وإن لم تكن تشبهه في ملامحها.

نظرت سارة إلى الطفلة،
وفي اللحظة ذاتها، انقبض قلبها كما لو أُحكم عليه بقبضة جليد.

**لو كُتب لابنتها النجاة، لكانت الآن في مثل هذا العمر.
لكن طفلتها ماتت...
ومات معها جزءٌ من أحلامها.
أما مارينا؟
فقد كوفئت بتوأم الحياة، بينما سارة نُزعت منها الحياة قبل أن تُعطى فرصة الأمومة.**

مدّت الصغيرة يدها إلى أحمد، وتمتمت بصوتٍ خافت:

**"بابا... احملني."**

كان الصوت

مثل طعنة لسارة،
لكن أحمد لم يتردد، التقطها بذراعيه كأنها طوق نجاة.
وقفت مارينا إلى جانبه، متلحفةً بثقةٍ وابتسامة مُقنّعة، وقالت بنبرةٍ هادئةٍ لا تخلو من استفزاز:

**"سيدة سارة... أحمد لم يعد يحبكِ، فلماذا لا تزالين هنا؟"**

ثم، بلمحة عين، وقعت نظراتها على أوراق الطلاق.
بدت عليها الدهشة، لكن سرعان ما استعادت مارينا توازنها واستكملت:

**"أحمد كان كريمًا معكِ أكثر من اللازم.
لو كنت مكانكِ، لعرفت متى أغادر.
لا تكوني طمّاعة يا عزيزتي... فقد تخسرين أكثر مما تظنين أنك تربحين."**

نظرت إليها سارة بهدوءٍ يُخيف أكثر مما يُطمئن،
وردّت بجملةٍ مغلّفةٍ بغموض، تحمل أكثر من معنى:

**"لهذا السبب... لن تصبحي مثلي يومًا."**

كانت مارينا تعلم أن العبارة تحمل إهانة، لكنها لم تستطع الرد.
اكتفت بابتسامة مُرتعشة، لأن أحمد كان هناك... يشهد كل شيء.

أما سارة، فقد أخذت تعبث بالقلم بين أصابعها، كأنها تحاول أن تُبرّد الغليان في قلبها بحركةٍ آلية، ثم قالت:

**"أحمد... هذا شرطي. إن لم توافق، يمكننا إطالة المسرحية.
ولنرَ منّا من سيسقط أولاً."**

نظر إليها... عيناه كمرآتين عكست كل الوجع المخبأ،
ثم قال بنبرةٍ لا تقبل المساومة:

**"شهر واحد."**

صمتت لبرهة، كانت تحاول أن تقرأ ما بين السطور في صوته، لكن لم يكن هناك أي سطر قابل للقراءة.

**"هذا عرضي الأخير."**

انتهى الحوار.

.. انتهت المفاوضة.
كل شيء كان محسوبًا، مضبوطًا، كما في اتفاقات الرحيل.
فأومأت سارة، كمن يُوقّع على هدنةٍ مؤقتة، وقالت:

**"حسنًا... شهرٌ واحد."**

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1