رواية طوفان الدرة الفصل السادس و الثلاثون 36 بقلم سعاد محمد سلامه


 رواية طوفان الدرة الفصل السادس و الثلاثون 

بالشركة 
نفث طوفان دخان سيجارته، أسند ذراعه على طرف المكتب، ثم التفت نحو الجالس أمامه قائلًا:
دي كل ملفات مُعاملات الشركة مع مدام روزان، وطبعًا بلغتها بفسخ التعاقد معاها.

أجابه الآخر بهدوء ممزوج بالتحفُظ:
أيوه يا أفندم، بعتتلها إيميل رسمي وأكدت لها إنهاء التعاقد، والحمد لله مكنش فيه أي شروط جزائية على الطرفين. بس… بصراحة رأيي الشخصي إن شركتها كانت من أقوى الشركات اللي بنتعامل معاها.

أطلق طوفان زفرة دخان أخرى، وعيناه تضيقان بثقة:
تمام… متقلقش، في عملاء كتير سبق وطلبوا التعامل معانا وأنا كنت مأجل الرد عليهم دلوقتي الباب مفتوح، ونقدر نختار الأصلح.

تردّد الآخر قليلًا قبل أن يقول:
مع إني واثق فى قرارات حضرتك، بس روزان صعب تسكت… شخصيتها مش من النوع اللي يستوعب الخسارة بهدوء.

ابتسم طوفان ابتسامة باهتة، أطفأ السيجارة في المطفأة ببطء وقال بنبرة حاسمة:
خليها تتحرك زي ما هي عايزة… في الآخر اللي هيخسر أكتر هي نفسها.

ساد الصمت لحظات،  بصرامة أخمدت أي شك همس بداخله:
كل المشاكل ليها حلول، واللى عملته روزان مستحيل أسكت عليه... وأنا مستحيل أسيب حد يفتكر إنه يقدر يلعب معايا ويفلت.

لم يجرؤ الآخر على الرد، اكتفى بهز رأسه موافقًا، 

رفع  طوفان نظره فجأة قائلًا بنبرة واثقة:
حضرلي اجتماع مع العملاء اللى فى الملف ده  بكرة الصبح، الناس دي كانوا مستنيين إشارة مني من شهور.

أجاب الآخر سريعًا:
حاضر يا أفندم.

أومأ طوفان برأسه، ثم استند بظهره على المقعد، صوته انخفض لكنه حمل حدة خفية:
وبالنسبة لمدام روزان… أنا متوقع أول حركة منها خلال أيام. خلي عينك مفتوحة على كل الإيميلات والمراسلات اللي تخصها، عايز أي خبر عنها يوصلني قبل ما يتحرك غيري.

ارتبك الموظف قائلًا:
تمام… حضرتك شايف إنها ممكن تعمل إيه. 

ابتسم طوفان ابتسامة جانبية غامضة، عيناه لمعت ببرود:
روزان ما بتخسرش بسهولة… بس المرة دي غلطت غلطة عمرها.

صمت طوفان قليلًا ثم نظر الى الموظف قائلًا: 
تمام كده تقدر تنفذ باقي الإجراءات وتجهزلي تقرير مُفصل قبل نهاية اليوم.

اومأ له الموظف وهو ينهض قائلًا: 
تمام حضرتك هنفذ كل اللى قولت عليه هستأذن أنا. 

اومأ طوفان له، غادر الموظف بينما اتكئ طوفان بظهره على المقعد قائلًا: 
أما أشوف هتراعي عيشك وتبقي ولائك للشركة ولا هتفضل جاسوس لـ روزان وقتها مش هندم على قرار فصلك. 

تنهد طوفان بندمٍ يعتصر قلبه، مُدركًا أن معرفته بـ روزان كانت أعظم خطيئة ارتكبها في لحظة ضعف ويأس، خطيئة ما زال يدفع ثمنها حتى الآن... 
فبعد أن هدأت العواصف بينه وبين دُرة قد خمدت، والحياة بدأت تبتسم لهما بهدوء واستقرار، جاءت روزان كعاصفة هوجاء أعادت الشرخ بينهما  ربما ليس أعمق مما كان،لكن شرخ  ذكره بأن أخطاء الماضي لا تُمحى بسهولة، وأن التسرع قد يقتلع ما يُزرع بالصبر والود.

❈-❈-❈

في مكتبها الفخم الموجود بأحد الاماكن الراقية، جلست روزان أمام الطاولة الزجاجية، كفها تضرب بخفة على سطحها، ووجهها متجهم... أمامها ذلك الإيميل الرسمي الذي أنهى شراكتها مع شركة طوفان.

تبادلت نظرات حادة مع مساعدتها الخاصة، قبل أن تقول بلهجة غاضبة:
فاكر نفسه يقدر يستغنى عني بسهولة كده ده مش طوفان اللي يعرفه السوق، ده واحد لسه فاكر نفسه أقوى من اللي حواليه.

اقتربت المساعدة بخوف:
مدام… حضرتك عارفة إن خسارة العقد ده مش بسيطة.

ضحكت روزان بسخرية، عيناها تلتمعان بدهاء:
خسارة لا يا حبيبتي

صمت للحظات تهمس لنفسها: 
طوفان مفكر إن يقدر ينهي تعامله معايا فى الشغل زي ما نهي جوازه بسهولة، مفكر العملاء زي مراته وواثق منهم يبقي غلطان،انا هقلبها عليه. 

بالفعل مدت يدها، تناولت هاتفها، وضغطت بعض الارقام، كانت تجد عدم الرد منهم، سعرت بغضب ونهضت واقفة 
تتطلع إلى الأفق  البعيد من نافذتها وإعترفت بهزيمتها،والحل الآن هو فى ذلك الهاتف الذي يدُق جذبته سريعًا،لوهلة تبسمت بنصر،لكن حين حاورت وحاولت التحدث معه بأن يفسخ التعاقد مع شركات طوفان كان الرد مُفحم لها...بالرفض. 

أغلقت الهاتف والقته على طاولة المكتب تشعر بإنهيار، خسرت من البداية الى النهاية وعليها الابتعاد عن حياة طوفان نهائيًا حتى تُحافظ على الباقي من مكانتها التى أهدرتها من البداية. 

❈-❈-❈
بالحقل
إتكأ مرعي على جذع إحدى الأشجار، يُنفث دخان الأرجيلة بنفَسٍ ثقيل، عيناه شاردتان في فضاء الخيال، يتأمل صورة الثراء التي رسمها وليد بكلماته... 
حياة مُترفة، منزل فخم  سيارة خاصة.. ووجوه الناس تُحييه باحترام لم يعرفه يومًا... ابتسم بخبث وهو يجر نفسًا آخر... 
لكن سرعان ما تجهم وهو يستعيد صورة ذلك "العريس البسيط" الذي طُرح أمامه كخيار، همس بتقليل شأن: 
ايه اللي هستفيده منه 
فقر على فقر... وجيب خاوي مش هيشبع من الجوع. 
بعقله... لا مقارنة بين وعود وليد بالثراء وبين مصير باهت مع آخر لا يمتلك غير قوت يومه.
ظل يراقب دخان الأرجيلة يتصاعد في الهواء، وكأنه يرى مصيره معلّقًا ما بين طموح يُغريه وخوف يُكبل قراره... ظل مرعي يتأمل حلقات الدخان وهي تتلاشى في الهواء، كأنها ترسم أمامه طريقين مختلفين... 
طريق مظلم لكنه مألوف، مليء بالفقر والذل، لا جديد فيه سوى قهر الأيام… 
وطريق آخر يلمع بوهج الذهب، محفوف بالمخاطر، لكنه يُغري قلبه الطامع.

زمجر في داخله:
يعني أدفن بنتي مع واحد غلبان وأفضل أنا في نفس الدوامة... وليد يمكن متهور ، بس  عنده ثروة وسطوة أبوه... وقالى بيحبها. 

هكذانيم ضميره كـ أب 
حك ذقنه ببطء، ثم مد يده يُعدل الفحم على الأرجيلة، سحب نفسًا عميقًا، وأغمض عينيه..  
يتخيل نفسه يجلس على غرفة فاخرة  يضع ساعة ذهبية في يده، والناس تقف له احترام… فتح عينيه سريعًا كمن صُفع، زفر قائلًا:
ـأنا مش هافضل مرعي الفقير طول عمري.. جدامي فرصة أجب على وش الدنيا وأشم هوا نضيف، ويبجي لى جيمة كبيرة وسط الناس، مكانه أستحقها لو كان" مُختار غُنيم"عطاني حقي مكنتش إتحوجت لـ فلوس وليد.. 

-وليد
عند ذلك الإسم.. 
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة، تلك الابتسامة تُعلن بداية نزول قلبه في هاوية الطمع...مد مرعي يده إلى هاتفه الموضوع بجواره، تردد لحظة قبل أن يلتقطه،  لحظة شعر كأن أصابعه نفسها مترددة في لمس الجهاز.... 
ظل ينظر إلى الشاشة السوداء، انعكس فيها وجهه المتعب، المليء بأثر السنين والجري وراء لقمة العيش، يُبرر طمع قلبه:
أنا تعبت من الفقر… ووليد فاتح باب يمكن يكون رزق... وأكيد هيسعد بنتِ زينة وينتشلها من الفقر، وتشوف حياة الناس الاغنيا. 

ضغط على الأزرار ببطء، أخرج رقم وليد من قائمة الأسماء، ظل يُحدق فيه كمن يقرأ مصير الثراء  مكتوبًا على الشاشة...
نفسٌ ثقيل خرج من صدره قبل أن يضغط زر الاتصال... 
رن الهاتف مرتين، حتى جاءه صوت وليد، هادئًا لكن يحمل في نبرته دهاءً يعرف كيف يُسيطر:
أيوه إزيك يا عم مرعي أخبارك إيه وأخبار زينه إيه. 

ابتسم مرعي مجاوبّ: 
أنا وزينة بخير، أنا كنت بتصل عليك عشان الموضوع اللى سبق وإتحدتنا فيه، مر وجت كتير، مش كنت بتقول إنك هتتنقل لإهنه فى المنيا. 

زفر وليد  نفسه بغضب قائلًا: 
لاء للاسف طلب النقل إترفض. 

شهق عزمي قائلًا بنبرة ماكرة* 
يعني إيه، إنت هترجع فى حظيتك معاي، لازمن تعرف ان زينة متجدم(متقدم) لها وأنا... 

قاطعه وليد بغضب قائلًا: 
مين العريس ده، اللى إتجرأ وطلب زينة، انا كلمتك وإديتك فلوس، وحتى لو اترفض قرار نقلي من هنا، أنا قريب هنزل أجازة البلد وهنفذ كل اللى اتفقنا عليه. 

إرتبك مرعي قائلًا:
أنا رفضت العريس،رغم زينة وأمها كانوا موافقين عليه،بس أنا أعرف مصلحة بِتِ أكتر منيهم. 

ارتفع ضحك وليد على الطرف الآخر، قصيرًا لكنه عميق:
أكيد إنت  أدري بمصلحتها، هتعيش ملكة...وإنت كمان. 

زاد الطمع  فى قلب مرعي يشعر  أن الطريق بدأ يُفتح أمامه، لكن في داخله ظل صوت خافت يهمس له بأن لا يسير خلف طمعه ويُجبر بإبنته، لكن فاز صوت الطمع. 
......****

بينما بالثكنة العسكرية اغلق وليد الهاتف،يضغط عليه بقوة يشعر بغضب مُستعر،بنفس الوقت اقترب منه مُجند آخر ورأي تجهم وجهه فسأله يغمز بعينيه بإيحاء:
مالك يا لولو واقف وشك بيطلع نار،كنت بتكلم مين،لا تكون الموزه زعلتك. 

نظر له بغضب، لكن سُرعان ما قال: 
أنا لازم انزل أجازة. 

أجابه زميله: 
ليك يومين آخر الأسبوع. 

نظر له وليد  قائلًا  بتأفُف: 
عاوز أكتر من يومين، مدة أطول أقل حاجه أسبوعين  كده. 

نظر له زميله، فكر ثم اعطاه الحل: 
لا ده يبقى أجازة مرضي بقي، ودي لازم تكون حاجه  كبيرة، مش شوية رشح. 

نظر له بإستفسار سائلًا: 
قصدك إيه. 

أجابه بتوضيح: 
يعني ممكن يكون كسر إيد، كسر رجل... خبطة قوية فى الدماغ وكام غُرزة مش اقل من عشره. 

نظر له وليد  بحُنق يُفكر، عضّ شفته السفلى وهمس كأنه يُحدّث نفسه:
يعني لازم أعرّض نفسي للأذية علشان آخد أجازة. 

قهقه المجند الآخر ساخرًا وهو يربّت على كتفه:
ما هو يا لولو دي ثكنة عسكرية وجيش مش مدرسة ابتدائي، مفيش حاجة ببلاش هنا... لو عاوز تزوغ محتاج حِجة تِعجب القادة.

ازدرد وليد ريقه بعصبية، عيونه اتسعت وهو يفكر بسرعة:
بس... كسر إيد ولا رجل، ده كبير... ممكن أفضل عاجز بالشهور.

اقترب منه زميله أكثر، يخفض صوته كأنه يبوح بسر:
فيه حلول تانية... مش لازم توصل لكسر... ممكن حادثة صغيرة مُخطط لها، كدمة جامدة، أو حتى تمثيلية تبين إنك مش قادر تكمل الخدمة دلوقتي... المهم يكون معاك تقرير طبي مُعتبر.

تجهم وليد، يتنفس بعُمق وكأن النار تشتعل داخله، ثم غمغم بصوت يكاد لا يُسمع:
أنا لازم أخرج من هنا، بأي تمن. 

❈-❈-❈

مساءً
بالفيلا الذي يعيش بها طوفان 
كانت درة تجلس على أورجوحة بالحديقة، تحنل صغيرها على ساقيها، كانت شاردة، لم تنتبه لاقتراب طوفان الى حين بدأ صغيرها فى اخراج بعض الهمهمات، نظرت له همهمات مرحة كأن حد يُشاغبه، نظرت خلفها وجدت طوفان الذي إبتسم لها، ابتسمت لوهلة وتركت له الصغير يحمله منها ثم جلس جوارها على الأؤرجوحة، وضع الصغير على ساقية، يشاغبه وهو يضحك، تبسمت درة بصمت، حاول طوفان جذبها للحديث كانت ترد بابتسامة باهتة، كلماتها قليلة ومقتضبة،  تكتفي بمراقبتهما في صمت أحيانًا... غص قلب طوفان، تعمد الإلتصاق بـ درة بعدما ضم صغيره بيد واحدة واليد الأخرى رفعها ثم وضعها على كتف دُرة يضمها إليه، رفعت رأسها تلاقت نظراتهم، إقترب طوفان برأسه أكثر منها هي الأخرى مازالت تُسلط عينيها عليه، رأسه تقترب منها... حتى إختلطت أنفاسهما   وكاد يُقبلها وهي تنظر منه القُبلة، ليست مُغيبة العقل، بل واعية، وربما راغبة فى تلك القُبلة، لكن قطع الإنسجام صوت هاتف طوفان...عادت درة برأسها للخلف قليلًا كذالك،سحب طوفان يده عنها وأخرج الهاتف من جيبه،تنفس قائلًا وهو ينظر الى صغيره:
دي تيتا وجدان أكيد هتسألني عنك.

بالفعل قام بالرد عليها،سألته بعض الأسئلة الى أن قالت:
أخبار جود إيه.

أجابها:
جود كويسة جدًا.

ابتسمت قائلة:
طيب إبقي سلم لى عليها وخليها تفتح موبايلها،عادتها وهي هنا بتقفل موبايلها.

ابتسم قائلًا:
حاضر هقولها.

إنتهت المكالمة نظر طوفان لـ درة سائلًا:
فين جود مش باينه.

أجابته:
جود خرجت من شوية راحت معرض فني.. 

نظر طوفان فى ساعة  يده قائلًا: 
الساعة قربت على تسعة ونص. 

أجابته درة: 
احنا هنا فى القاهرة، يعني الوقت ده مش متأخر، وأكيد زمانها على وصول... والسواق معاها وكمان حراسة... يعني متقلقش. 

زفر طوفان نفسه قائلًا: 
مش حكاية قلق يا درة، الوقت بدأ يتأخر وإنتِ عارفة ظروف جود المفروض. 

قاطعته: 
المفروض تحس بحريتها مش عشان مطلقة تتحبس فى البيت، ومعروف المعارض الفنية دي بتاخد وقت، وجود عارفة حدودها وأكيد مش هتتأخر... يعني بلاش تتصل عليها وتحسسها إنها متراقبة. 

نظر طوفان لـ درة قائلًا: 
مش حكاية متراقبة، أنا خايف عليها جود شخصية عاطفية، رغم اللى مرت بيه، مازال اللى بيتحكم فيها عاطفتها، بقيت بخاف حد يستغل ضعفها و... 

قاطعته درة بتفهم: 
معتقدش جود ممكن تكون عاطفية فعلًا بس مش بالسذاجة اللي انت متصورها... صحيح قلبها حساس، بس عندها خبرة كافية تخليها تفرّق بين الصادق والكداب... الخوف ساعات بيتحول لقيد يا طوفان، وهي محتاجة تحس إن عندها حياة مشروطه بثقة... مش بالخوف من شوية كلام. 

لمعت عيناه، اقترب منها ببطء مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يكن هاتف ولا صوت يقطع اللحظة... غير همهمات صغيرهم، الذي إعترض على تلك القُبلة الذي جمعت بينهما... بإشتياق... 
❈-❈-❈
بـ أحد القاعات الخاصة بعرض اللوحات الفنية، كانت  تتجول جود تتأمل اللوحات، مُنبهرة من بعض اللوحات، توقفت أمام إحد اللوحات  غص قلبها، كأن تلك اللوحة توصف مكنون قلبها... مضمون اللوحة، هي رسمته سابقًا، لكن بإختلاف عكسي
وقتها رسمت وجه حاتم وطفل صغير، هنا وجهه امرأة وطفل صغير، ذكري مريرة، جعلت عينيها تدمع، لم تلاحظ ذلك الذي إقترب منها وتحدث بترحيب: 
مكنتش متوقع أقابلك تاني بالسرعة دي. 

ابتسمت برقتها قائلة: 
أنا هنا صدفة، وقولت أستغل الفرصة وجيت المعرض. 

ابتسم  قائلًا: 
صدفة سعيدة طبعًا، إيه رأيك فى المعرض بتاعي. 

أجابته بإنبهار: 
بصراحة أول مرة أحضر معرض فني، يعني عيشت خياتي كلها فى المنيا، صحيح  جيت للقاهرة قبل كده، بس الوقت مكنش بيسمح أني أحضر معرض فني، المعرض هنا مختلف وله هيبة، كمان الحضور أكتر. 

ابتسم قائلًا:
تعرفي دايمًا فى مقولة بتتقال...إن مواهب الاقاليم فى أي مجال سواء رسم أو مواهب تانية  مش محظوظين،زي المواهب اللى عايشة فى القاهرة. 

اومأت له بـ نعم.. فابتسم قائلًا: 
بس الشخص الموهوب يقدر يخلق لنفسه مكانه لو حط قدامه هدف، ليه حسيت، إن مش فى دماغك هدف. 

نظرت له سُرعان ما ارتبكت قائلة: 
بالعكس عندي فى دماغي أهداف، بس أوقات الظروف بتأجل الهدف، يعني أنا فى دماغي أعمل لوحات كتير وأعمل معرض زي ده...بس ممكن ينجح 

ابتسم قائلًا: 
النجاح مش مضمون فى اي شئ، لكن كلنا بنسعي له والتوفيق والنجاح مسألة نسبية من شخص للتاني، أوقات ممكن كلمة مدح.. تشجيع... تحفيز... يبقي لها أثر كبير فى القلب،وتساوى أعلى نجاح ملموس.

لمعت عينيها،بنفس اللحظة جال برأسها ذكرى،ربما ظنت أنها تناستها...
حين مدح حاتم برسمتها ومد يده لها يساعدها على النهوض...كلمات قليلة لكن وقتها كان لها مفعول خاص بقلبها،والآن لا تعلم سبب لعودة تلك الذكري،ربما ذلك هو الموقف الوحيد التي تذكرت فيه معاملة حاتم الرقيقة.
نفضت تلك الذكرى، كأنها تخشى أن تُربكها، ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها تخفي ارتباكها قائلة:
يمكن معاك حق... بس ساعات الكلمة الطيبة بتوجع أكتر من النقد، خصوصًا لو جاية من شخص مش متوقعه منه.

تأملها قليلًا وكأنه يحاول قراءة ما وراء كلماتها، ثم حرك رأسه مبتسمًا بخفة:
يبقى السر مش في الكلمة نفسها، السر في مين اللي قالها.

"السر فى مين اللى قالها" 
هذا هو الجواب حقًا... سمعت مديح كثير في رسوماتها وثناء على موهبتها، لكن لم تشعر يومًا أن أي كلمة اخترقت قلبها كما فعلت كلمات حاتم البسيطة وقتها...
نظرته كانت مختلفة... والآن هي من إختلفت عن تلك الحالمة، قلبها أصبح يخاف من أن يُصدق، فيجني الخذلان كالسابق، رسمت الجمود فلن تضعف مرة أخرى.

❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام 
بمنزل جلال 
انقسم الى قسمين، قسم للنساء وهو القسم الأكبر، والقسم الآخر وحدودها غرفة نومه، وبنهاية الليلة، سينتقل الى شقة خاصة تجمعه مع تلك المُتمردة التى دائمًا تعترض لمجرد الاعتراض، وهنالك من تساندها لا يعلم ان كانت والدته هو أم والدتها هي، تحكمات منها الا يقترب من غرفة خلود او حتى يقوم بالاتصال عليها، حتى لا يُثير غضبها بإستفزازه... 
لكن سينتهي ذلك الحصار بنهاية 
اليوم ليلة الزفاف... لن يمنعه أحد عن حقه، لن يجرؤ أحد على سلبه لحظة طال انتظارها، لحظة امتلاك تلك التي أرهقته بتمرّدها وصدودها، لحظة كسر القيود التي فرضتها عليه العيون والوصايا، لن يتراجع... سيقتحم عالمها، سواء رضيت أم أبت، وسيكون الليلة بداية فصل جديد، لن يشبه ما قبله أبدًا.

❈-❈-❈
مساءً بأحد قاعات العُرس الفخمة 
بين الحين والآخر يرمق خلود بنظراته ويغمز لها، جعلها ذلك تشعر بتوتر، وخجل، يزيد وجهها بهاءًا يسلب قلبه ذلك الخجل الواضح، متمردته رغم انها دائمًا تدعي الصلابة وصلافة اللسان، لكن تمتلك خجل الأنثي

بالقاعة 
كانت جود ودرة تجلسان جوار بعضهن يتغمزن على افعال جلال الحمقاء، كذالك خجل خلود، بينما وجدان تجلس تحمل نوح وجوارها طوفان التي عيناه على درة، التى عادت تبتسم له، خفت حِدة تلك الازمة بينهما... 
لاحظ جلال يُشير له  تجاهله عمد، لكن تفاجئ به يمسك الميكرفون قائلًا: 
تعالي يا طوفان بينا وعد جديم، نرجص فى فرح بعض، انت إستعجلت وإتجوزت وانا مش إهنه. 

ضحك طوفان، نهض غصبً توجه ناحية مسرح القاعة، ضحك كل من بالقاعة حتى العروس حين قال جلال بنبرة مزح:
حطِب يا وِلد.

مسك الإثنين العصا،وبدأ بالتحطيب معًا والرقص بالعصا فكلاهما لا يُجيد التحطيب،لكن كان عرضً مازحً أضاف المرح،على الزفاف،حتى إنتصف الليل وإنتهى الزفاف.
.....***

بسيارة طوفان على الطريق  
كان محور الحديث حول زفاف خلود وجلال... 
حتى وصلا الى المنزل... لكن فجأءة صدح رنين هاتف طوفان... 
أخرجه من جيبه، تسألت وجدان: 
مين اللى بيتصل عليك دلوق. 

أجابها: 
رقم مش متسجل عندي... هطلع أرد من الجنينه الشبكة أفضل. 

اومأت وجدان قائلة: 
تصبح على خير. 

خرج طوفان للرد على الهاتف... 
بينما صعدت درة الى غرفة النوم وضعت نوح بفراشه وتوجهت للشُرفة  سريعًا حين  سمعت صوت سيارة طوفان، رأته يُغادر المنزل تحير عقلها... 

بينما طوفان تحدث بلهفة: 
تمام أنا عالطريق أقل من نص ساعه وهوصل. 
❈-❈-❈

بمنزل جلال

إنتهى من تبديل ثيابه بمنامه منزلية... 
توجه الى باب غرفة النوم، تنهد يُشجع نفسه ثم قام بالطرق على باب الغرفة... إنتظر لحظات لكن لا رد، إستغرب من ذلك وعاد الطرق، لكن كذالك لا رد، لوهله تحدث لنفسه: 
لا تكون خلود هربت من الدار. 

لكن نفض ذلك قائلًا:
تهرب فين دي داخله مبقلهاش ربع ساعة يمكن فى الحمام.

لمعت عينيه بخباثة 
بتلقائيه وضع يده على مقبض الغرفة كي يفتحها ويدخل يفاجئها بوجوده فى الغرفة لكن تفاجئ الباب لا يفتح يبدوا مُغلق من الداخل، زفر نفسه بفضول
،طرق الباب مرة ثالثة بصوت أعلى وهو يرفع حاجبيه بدهشة:
خلود... إفتحي وبلاش حركات عيال. 

لم يأتِه سوى الصمت... وضع أذنه قليلًا تجاه الباب لعله يسمع حركة، لكنه لم يلتقط شيئًا... 
عبس ملامحه، تمتم بحدة منخفضة:
هي بتتجاهلني ولا إيه؟

تراجع خطوتين للخلف يفكر في حل، لكن فضوله يشتعل داخله... مد يده يطرق الباب بقوة أكبر هذه المرة:
خلود... افتحي الباب، مش عاوز صوتي يعلى. 

ومع إصراره سمع أخيرًا صوت حركة خفيفة من الداخل... أنفاس متقطعة، وكأنها مرتبكة تحاول إخفاء شيء. ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة، همس لنفسه:
آه... يبقى انتي جوه فعلاً، وبتلعبي لعبة الإستغماية.

اقترب ثانية من الباب، صوته صار أهدأ لكنه مشبع بالتصميم:
خلود..ا افتحي الباب بنفسك، ولا أنزل أجيب المفتاح من مرات عمي 

مد يده يطرق بخفة هذه المرة، وكأن الطرق نفسه صار لمسة ناعمة تحمل تهديدًا خفيًا، منتظرًا منها الاستسلام... 
لكن هي للتو خرجت من الحمام سمعت الطرق، توجهت ناحية الباب... سمعت حديث جلال وهو يقول بنبرة شبه جدية:
خلود... افتحي قبل ما أجيب النجار يفك الباب. 

غصبً ضحكت، وردت بمرح: 
طب استنى ألبس الطرحة الأول. 

-الطرحة
هو مش خلاص بقيت جوزك عادي يعني أشوف شعرك، عارف إنه كنيش، وقبلت بكده، اخلصي وافتحي الباب زمان اللى تحت سمعوا صوت الهبد عالباب منظرى قدام العيلة هيبقي وحش أوي. 

ضحكت بنفس الوقت سمع صوت كأن شئ وقع، فتحدث سائلًا: 
إنتِ وقعتي ولا إيه. 

أجابته: 
لاء موقعتش، الإسدال اتعلق في طرف الكومودينو، بشده الكومودينو اتحرك وعمل صوت واتقطع. 

-الايسدال اتقطع. 
قالها بلمعة عين.

ردت عليه بنفي: 
لاء الايسدال سليم الحمد لله. 

زفر نفسه بضجر قائلًا بمحايلة: 
طب الحمد لله إفتحي بقى. 

-استني الف الطرحة. 
قالتها بعناد، فتحدث بضيق قائلًا بتصميم ووعيد: 
إفتحي يا خلود لاحسن والله اكسر الباب. 

-ثواني بس. 
شعر بالغضب وبلا تفكير عاد خطوات للخلف وعاد بسرعة قوية كي يستطيع كسر الباب... لكن بنفس اللحظة فتحت خلود باب الغرفة فلم يستطيع التحكم فى سرعته مُندفعًا فإنزلق واقعًا على الأرض يشعر بألم طفيف فى ظهره جلس عالارض يضع يداه خلف ظهره قائلًا: 
آه يا ضهرى. 

ضحكت خلود ثم مصمصت شفتيها بسخرية وتهكم قائلة باستهزاء: 
عريس... وبتقول آه يا ضهرى من أولها كده... شكلنا هنفضل إخوات وولاد عم زي ما كنت بتقول فاكر... 

نظر لها قائلًا: 
طول عمرك قلبك إسود يا خوخة. 

نظرت له بغضب قائلة: 
قولت لك الف مره بكره الإسم ده. 

نهض جلال قائلًا بمرح: 
خلاص بلاش خوخة، يا "لودي".  

-لودي
قالتها بسخط ثم أتبعتها: 
انا خلود وبس مش بحب الدلع. 

اقترب منها بنظرة مكر قائلًا: 
مش هنقضي الليلة فى الاسماء، الليلة، ليلة هنا وسرور، و... 

كاد ينقض عليها لكن عي ابتعدت بمكر قائلة: 
مش هتاخدلك دُش، أنا حضرت لك الحمام. 

نظر لها قائلًا: 
مش محتاج للـ دوش. 

قاطعته بترغيب ودلع: 
أنا حضرت لك الحمام لو مش عاوز بلاش. 

ذاك الدلع جعل منه تواق ليتذوق شفتيها لكنها هربت من أمامه، فاختل توازنه وسقط على الأرض مرة أخرى، ضحكت خلود، نظر لها جلال قائلًا: 
بتضحكي علي ايه، أقولك أنا هروح أخد دُش الاول واتوضا عشان البركة. 

اومأت له بإبتسامة... توجه ناحية الحمام... سُرعان ما نطق بإسم خلود: 
خلووووود. 

ضحكت وتوجهت الى الحمام فتحت الباب تمُثل الفزع، حين رأته يجلس على الأرض جوار حوض الاستحمام... تحدث بألم: 
آاااه يا ضهري.

ضحكت قائلة: 
إيه حكاية ضهرك ده، واضح كان لازم تعمل فحص شامل قبل الجواز يا جِلجل. 

نظر لها قائلًا: 
لا انا اتزحلقت، الأرضية كانت مبلولة وأنا مأخدتش بالي، هاخد دُش ماية سخنه الوجع هيروح. 

-متأكد
قالتها خلود بنبرة انعدام ثقة... أومأ لها بثقة. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1