رواية طوفان الدرة الفصل السابع و الثلاثون
قبل ساعات، في ذلك المقهى المعتم الذي اعتاد ريان التردد عليه، حيث تختلط رائحة البن برائحة دخان ثقيلة، دخل الى ركن خاص يختبئ عن الأعين، ينتظر ذلك الرجل الذي يأتيه بالسموم المُخدّرة... قلبه يخفق بسرعة، لهفة إلى تلك اللحظة الذي يُعطيه المخدرات...يتناولها تسحب عقله من واقعه البائس ليتوه في لذة زائفة، دقائق قليلة من الانتشاء يظنها سعادة، بينما في الحقيقة هي وحوش تغرز أنيابها في روحه ببطء قاتل...
يداه لم تكفا عن الارتجاف وهو يراقب الباب، كل دقيقة تمر عليه كعقاب طويل، قبل أن يظهر الرجل بملامحه الماكرة، حقيبة صغيرة في يده، ابتسامة خبيثة ترتسم على وجهه وهو يعرف تمامًا أن ريان صار أسيرًا، لا يملك من أمره سوى أن يبيع كرامته وصحته في سبيل تلك الجرعة.
وقف ريان أمام الديلر، عرقه يتصبب، أصابعه ترتعش من الاحتياج...
لكن الديلر كان قاسيًا وأكثر إستبدادًا بالإجرام...حين رأي لهفة وذل ريان وهو يُعطي له الكثير من الأموال،مقابل فقط جرعة صغيرة،علها تُخلصه من ذلك الألم الناهش لوجدانه.
لكن الديلر تعود على القسوة ولم يُبالي بهشاشة ريان ولا توسله، رفض بحسم...
هنا انفجر ريان، ضرب الطاولة بقبضة يده وصوته خرج متحشرج متوسلًا:
أنا جبتلك مبلغ كبير وهدفع أي مبلغ تطلبه بس أرجوك عاوز بس المرة دي وبعد كده.
رفض الديلر بقساوة وكاد يتخطاه، لكن تعصب وثار عقل ريان فاندفع نحو الديلر
، دفعه بقوة على صدره فعاد للخلف، تحدث الديلر بتعسف:
إنت هتعلّي صوتك عليا... ده أنا اللي مخليك لغاية دلوقتي عايش.
اندفع ريان عليه، أمسكه من قميصه، وبدأ بينهما صراع بالايادي كانت الهزيمة لضعف جسد ريلن، لكن لم يستسلم، زهوة الحياة يظنها بإستنشاق جزء ولو بسيط... لكن
الديلر مازال يقوم بلكمه لكمات قوية على وجهه جعلت فمه ينزف،
مازال ريان يحاول باستماتة يظن ان مجرد حُبيبات من ذلك المسحوق كافية لعودة الروح لديه وشفاؤه من ذلك الآلم...
لكن إنتهت قواه حين سحقه الديلر بقسوة الضربات وهو أصبح بلا قوة...
وقع ريان أرضًا يلهث، الدماء تسيل من فمه، وعينيه بها دمعة قهر وكُره... حاول يسترد أنفاسه، لكن الديلر ، مد إيده من جيبه واخرج نصل صغير، قائلًا وهو يزأر:
إنت فاكر نفسك راجل طب جرب الرجولة دي قدامي.
طعنه أكثر من طعنة منها غائر، ثم نظر الى إثنين من العاملين معه قائلًا:
خدوا الحثالة ده، إرموه قدام أي مستشفي، يمكن قبل ما يوصل يكون السر الالهي خرج منه.
بالفعل اخذه الاثنين وضعوه بالسيارة وقاد أحدهم ببطئ حتى اقتربا من أحد المشافي، وقام بتزويد السرعة، فتح الآخر الباب وألقي جسد ريان كأنه مثل القمامة، وسريعًا إختفت السيارة عن المكان.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
لا تعلم كيف غفت عينيها وهي تستلقي، على الفراش جوار صغيرها الذي أيقظها صوت همهماته فتحت عينيها نظرت نحوه كان غافيًا، جذبت هاتفها استغربت الوقت تأخر، وطوفان لم يعود... ظنت ربما عاد للمنزل وظل بالمكتب... شعرت بقلق فى قلبها لم تُفكر،
نهضت من الفراش بحذر، كي لا تُوقظ صغيرها، تركت الهاتف على طرف السرير، ارتدت وشاحًا خفيفًا فوق كتفيها وسارت بخطوات هادئة كان الصمت يُخيم على المنزل
توجهت الى غرفة المكتب ، لم تجد أثرًا له، زاد القلق في قلبها أكثر... صعدت مرة اخرى الى الغرفة، ازاحت الستائر نظرت الى الحديقة سيارة طوفان ليست موجودة... تركت الستائر عادت نحو الفراش مدت يدها جذبت الهاتف تتصل به، سُرعان ما قام بالرد فاندفعت سائلة:
طوفان إنت خرجت من بعد ما رجعنا من الفرح، وقربنا عالفجر ولغاية دلوقتي مرجعتش البيت إنت فين.
شعر بالسعادة من لهفتها وقلقها عليه، رغم ما يشعر به من آسف وأسي، لكن إنشرح قلبه من نبرتها الواضحة، فأجابها:
أنا فى المستشفى.
-مستشفي... مستشفي ليه
سألت بقلق ولهفه وأتبعتها باستفسار:
طوفان إحلف إنك بخير.
ابتسم قائلًا:
أنا بخير والله، كُل الحكاية ريان إبن خالي عزمي هو اللى متصاب.
تنهدت بارتياح هامسه:
الحمد لله.
ثم سألته بفضول وحُنق تتوقع ان ريان مثل وليد ليس لديه أخلاق :
وإيه سبب اصابته.
أجابها طوفان:
حادثة بسيطة.
تفوهت درة بحنق:
ربنا يشفيه، لسه هطول عندك.. هترجع إمتي.
أجابها:
مش عارف، بس أطمن على ريان، تصبحي على خير يا حبيبتي.
تعمد قول حبيبتي، التى زلزلت قلب درة، رغم أنها سمعتها منه كثيرًا لكن ما حدث مؤخرًا ومعرفتها بزواجه السابق، زعزعت ثقتها فى حبه لها...
اغلقت الهاتف وإستلقت جوار صغيرها، تنظر لصغيرها النائم، مدت يدها تتحسس وجنته الصغيرة الناعمة، همست بصوت خافت مرتجف:
مع الوقت بتجيب شبه كبير من طوفان...تعرف لو في يوم باباك جرحني... إنت الأمان الوحيد ليا.
أغمضت عينيها محاولة أن تُسكت ضجيج عقلها، لكن صورة طوفان لم تفارقها، وصوت كلماته ظل يتردد في أذنها، بين الحنان والخذلان، بين الحب والشك... حتى غلبها النعاس
❈-❈-❈
بالمشفى
كان طوفان يجلس على أحد مقاعدٍ الرُدهة بانتظار خروج الطبيب من غرفة العناية
مرت دقائق ثقيلة، قبل أن يخرج الطبيب، فنهض سريعًا يسأله:
خير يا دكتور.
أجابه الطبيب بعملية:
للآسف مش خير، فى إصابات كتير فى جسم المريض، غير عندي شك أو بالاصح شبة يقين فى أمر تاني أخطر من الإصابات دي.
ذُهل طوفان يشعر بالأسي سائلًا:
قصدك إيه يا دكتور ممكن توضح إنت شاكك فى إيه؟.
أجابه الطبيب:
المريض مدمن مخدرات بنسبة كبيرة، وده ظهر فى إستجابة جسمه وقت التخدير، أنا أخدت عينة من دمه وبعتها معمل المستشفي عشان أتأكد، لأن ده هيكون له تأثير فى الادوية والمُسكنات اللى هتساعد فى علاج المريض
تجمدت ملامح طوفان، شعر وكأن الأرض تهتز أسفل قدميه.. مد يده يتحسس رأسه بارتباك، قبل أن يقول بصوت خافت ممتزج بالغضب:
إيه اللي بتقوله يا دكتور ريان مستحيل يكون مدمن.
أجابه الطبيب بحزم وهدوء مهني:
أنا ما قلتش مستحيل، قلت "شبه يقين" والتحاليل هتأكد... لو النتيجة طلعت إيجابية، لازم تتعامل مع الموضوع بسرعة... لأن استمرار الإدمان مع إصاباته ممكن ينهار في أي لحظة... للآسف هيفضل فى العناية المركزة تحسُبًا لأي إنتكاسة
شعر طوفان بقبضة من حديد تعتصر صدره، عقله يرفض التصديق لكن قلبه يخشى أن يكون الأمر صحيحًا... غادر الطبيب، بينما طوفان ظلت عينيه شاخصتان نحو باب غرفة العناية... للحظات قبل أن يدخل بهدوء، نظر الى ريان المستلقي،ملامح وجهه بها جروح عليها ضمادات،كذالك وجهه شاحب،وسواد واضح أسفل عينيه، يبدوا أن الطبيب حقّا لديه يقين بإدمان ريان للمخدرات
اقترب طوفان وجلس جواره، قلبه يحمل مزيجًا من القلق والمرارة...يسأل عقله:
أين كان خاله وزوجته وريان يغرق فى خطر السموم...والجواب ليس مفقود،الإثنين هما السبب فيما وصلا إليه إبنيهما،سواء
احدهما بالاجرام والقتل،والآخر بالادمان.
❈-❈-❈
ظهيرة اليوم التالي
بمنزل جلال
كلما نظرت له خلود لا تستطيع إخفاء بسمتها من تلك الكدمة الواضحه بجبهته، كذالك الم يده، والكلمة التي تجعلها لا تتحكم فى بسمتها
" آاااه يا ضهري"
تعلم أن جلال ليس بضعيف وربما قالها على سبيل المزح، وأنها زادت فى انتقامها من لوعة قلبها، وتحكماته قبل الزفاف بأبسط الامور...
بينما جلال لاحظ ضحكها،شعر ببعض من الغيظ،نهض من مكان جلوسه،وجلس جوارها على الآريكة تعمد ضمها من كتفها لصدره حتي أنه داعب عنقها بانفاسه وقبلاته،حاولت التحرك فضمها أكثر .. وبلحظة كان يعتليها على تلك الآريكة ويُقبلها قُبلة جعلتها يغفوا عقلها لبعض الوقت، كادت تستسلم له وهي تشعر بيديه تتحسس ساقيها فوق منامتها المُحتشمة، لكن أفاقها صوت صدح عاليًا لصريخ يأتي من التلفاز... تذكرت كذبتها بالأمس عليه أن لديها عُذر شرعي، دفعته بيديها تلهث قائلة بخجل:
جلال أنا... مينفعش.. مش قولتلك عندي عذر.
ابتسم جلال ابتسامة ماكرة، يرفع حاجبه بدهاء وهو يهمس قرب أذنها بصوت غليظ يحمل شيئًا من السخرية:
ـ آه صح… العذر الشرعي.
ظل محدقًا في عينيها، ملامحه تجمع بين الغيظ والرغبة، وكأنه لا يعرف إن كان يُصدقها أم يتحدا كذبها...نهض عنها مد يده يلتقط جهاز التحكم ويخفض صوت التلفاز حتى لا يشوش عليهما، ثم اقترب منها ثانيةً، يمرر أصابعه على وجنتها بلطف مصطنع، وقال ببطء كأنه يعصر الكلمات:
خلود… إنتي فاكرة إني عيل صغير يتضحك عليه
ارتبكت، حاولت أن تخفض بصرها لتتجنب نظراته المتقدة، لكن ارتعاشة صوتها فضحتها:
جلال والله… مش وقته.
اقترب أكثر، يحاصرها بجسده على الأريكة، يحدق في قسمات وجهها المرتبكة، وكأن الغيرة والشك يشتعلان داخله:
مش وقته… ولا إنتي مش عايزاني أصلاً.
ابتلعت ريقها بصعوبة، قلبها يخفق بقوة، بين خوف من انكشاف كذبتها وبين ارتباك من قربه، وحاولت أن ترد بصوت خافت متقطع:
جلال… أنا مش… إنت عارف إنه غصب عني…
لم يُمهلها تستكمل حديثها الواضح بالكذب، رفع ذقنها بأصابعه ليلتقط ملامحها عنوة، عينيه مليئة بتحدٍ صريح، قبل أن يطلق جملة كالسهم:
تمام يا خلود، الأيام جاية كتير.
تحسست خلود نبضها المتسارع، لم تعرف كيف تخرج من حصاره، شعرت أن الأرض تحتها تهتز بين الحقيقة والكذبة…
ارتجاف شفتيها، واحمرار وجنتيها... شعر للحظة أن كل عنادها ما هو إلا غطاء سينكشف بالتأكيد سريعًا.
***
مساءً
دخلت زوجة عمها وخلفها إحد الخادمات، نظرت الى حياء خلود ببسمه، سائلة:
فين جلال.
أجابها جلال نفسه:
انا أهو كنت بقفل شيش البلكونة.
ضحكت والدته لكن حين إقترب ونظرت لوجهه وتلك الكدمة، كذالك رباط ضغط حول إحد يديه، شهقت قائلة:
إيه اللى حصل لك يا جلال.
نظر نحو خلود التى تجنبت النظر له تُخفي بسمتها، ثم نحو والدته قائلًا:
اتزحلقت فى الحمام.
ابتسمت والدته ثم نظرت الى الخادمة قائلة:
حطي الصنية وإنزلى إنتِ.
بالفعل وضعت الخادمة الصنية وغادرت، بينما نظرت والدته له وابتسمت ثم نظرت نحو جود، التى شعرت بالخجل، جلست معهم تحدثت ببساطة:
أنا جولت لهم إنكم عرسان نسيبكم مع بعض تتهنوا،محدش يطلع غير المسا.
نظر جلال نحو خلود وتهكم ساخرًا بمرح قائلًا بنبرة مُبطنة:
آه أحسن،سيبونا نتهني.
حايدت خلود النظر له تُخفي بسمتها بصعوبة تعلم أنه يسخر على حاله معها فمنذ دخلا الى هذه الشقه وبدأت فى تنفيذ تخطيط إنتقامي... بين الجذب والفر..
بينما تحدثت والدته الى خلود قائلة:
خدي صنية الوكل دخليها المطبخ يا خلود.
وخلود مُطيعة على غير العادة نهضت،حملت صنية الطعام وذهبت الى المطبخ،نهضت والدة جلال جلست جواره قائلة:
قولي احوالك إيه مع خلود، أوعي تكون هجمت عليها زي الحيوانات، عارفاك متخلف
نظر لها بحنق قائلًا بحسرة:
هو منظري يبين إنى هجمت، مش شايفة الاصابات، واطمني خلود حبيبتك معذورة.
ضحكت سائلة باستفسار:
يعني ايه معذورة.
أجابها بتوضيح:
عُذر شرعي، كفاية إحراج يا أمي.
ضحكت والدته قائلة بإستفزاز مرح:
عذر إيه يا عنيا، ولاإنت فيك حاجه ، إنت معيوب ولا إيه، وأنا أقول ليه مبصش لبنات الفرنجة وجابلي معاه عروسة شقرا من هناك. اتاريك معيوب.
نظر له بخضة قائلًا:
معيوب.... إنتِ هطلعي عليا سُمعه ولا ايه يا أمى، بقولك عندها عُذر، عندك أيه إسأليها أنا حاولت قالتلى الحارة سد.
ضحكت والدته قائلة:
يا خيبتك يا موكوس،
ضحكت عليك، عِذر ايه، دا انا اللى مجهزاها بنفسي.
نظر لها بعدم فهم:
مجهزاها إيه دخلها فى العُذر... قصدك..
نظرا لبعضهما،أمائت والدته له بتوافق، تنهد بإندهاش، ونظر نحو خلود التى عادت تجلس معهم، ينظر لها مُستحلفً، ما هي دقائق ونهض قائلًا:
أبوي بينادي عليكِ يا أمى.
تفوهت والدته بعدم فهم:
لاه مش سامعه.
نظرلها غامزًا يقول:
أنا سامع صوته،إنت عارفة لما بتتأخري عليه فى الرد بيضايق.
فهمت أخيرًا نهضت مُبتسمة،قائلةبتوافق:
أه سمعته أهو...هروح اشوفه عاوز إيه.
نهضت خلود التى شعرت بخطبِ ما،وتحدثت لزوجة عمها:
بس أنا مش سامعه صوت عمي.
نظرت له قائلة:
لاء انا سمعت صوته،يلا هسيبكم مع بعض.
أنهت قولها بغمزة لـ جلال...بينما خلود رافقتها الى باب الشقة،جذبتها بضحك قائلة:
أنا قولتلك ربيه مش تكسريه،هو إبني برضوا،يلا هسيبكم مع بعض،بس مش عاوزه الضيوف اللى هيجوا بعد المغرب يلاقوه مدشدش،كفايه ليني شوية.
تبسمت خلود لـ زوجة عمها وأغلقت الباب خلفها،ثم توجهت الى غرفة المعيشه لم تجد جلال...تسألت:
راح فين ده...
سُرعان ما شهقت حين تحدث من خلفها قائلًا:
انا هنا يا خوخة.
تبدلت ملامحها الى غضب،لكن لم يُعطيها فرصة حين فاجئها يحملها...إزدردت ريقها،شعرت بتوجس حين ذهب بها نحو غرفة النوم قائلة بخجل:
إنت رايح فين مش قولتلك عندي عُذر.
غمز لها ضاحكًا:
وماله أتأكد بنفسي.
إزدردت ريقها وحاولت الإعتراض، لكن أخمد ذلك الإعتراض بقُبلاته وهمساته الناعمة، تناغمت أنفاسهم مع مشاعرهم، كانت خلود صعبة المنال لكن بالنهاية فازت المشاعر...تخلت عن جمودها
شعرت لأول مرة أن القوة التى كانت بداخلها ما هي الا ستار خفي إنزاح مع قوة مشاعر جلال الصادقة التى أخفاها...
بينما جلال حاول طمس تلك المشاعر والإعتراض عليها، لكن للقلب شأن آخر فهي ليست إبنة العم التى ظن أنها بمقام الأخت، بل هي السكن والطمأنينة التي بحث عنها طويلًا دون أن يدرك، أنها هي المأوى الذي يذيب عنه قسوة الأيام، واليد التي تُطفئ صخب روحه.
فكلما حاول الاعتراض ،.. كلما إزداد انجذابًا إليها، كأن قلبه يعلن العصيان على عقله... هي
لم تعد مجرد قريبة تربطه بها الدماء، بل أصبحت أنثى تُشعل بداخله حياة جديدة.
بعد وقت نهض عنها نائمًا على الفراش يشعر بإنتشاء وتشبُع، نظر نحوها، خجلت منه وهي تسحب دثار الفراش على جسدها، تُحايد النظر له، أنثي أخرى أمامه الآن، مختلفة، شهية بحُمرة خجلها الذي يُزيدها بهاءًا...
لكن تخابث، وجذبها على صدره، بينما هي خجلت ودفست وجهها بصدره، ضحك وهو يرفع وجهها ينظر لها غامزًا بوقاحة:
تعرفي العُذر طلع لذيذ أوي.
خجلت منه وعادت تُخفض وجهها، رفع وجهها ضاحكً:
إكده يا بِت عمي كنتِ هتضيعي سمعتي وهيبتي.
أخفضت وجهها تبتسم، لكن لن تستسلم ورفعت رأسها قائلة بانزعاج:
بِت عمك...
قاطعها وهو يسحب يده عنه لتصبح فوق الفراش وهو فوقها قائلًا:
بِت عمي وحبيبتي المستقوية.
تبدل عبوس وجهها وعادت هشه ناعمة من مجرد كلمات:
أنا إمتى حبيتك يا خلود، مش عارف، قد ما كنت مضايق من أبويا إنه فرض عليا أكتب كتابي عليكِ قبل ما أسافر، قد ما أنا مُمتن له ومدين بشكر له، لانه فوقني من غفلة عقلي...
جلال مفيش فى قلبه وعقله غير خلود بِت عمه... بس هي قاسية.
شعرت بسعادة من مغزى كلماته أنه عاشق، وهي قلبها كان يرتجف كلما طال غيابه تخشي أن تسرق أخري قلبه وتظل هي تحمل فى قلبها عشقًا خفي، لكن القدر إختلف وتوغل طوفان العشق يهزم قلبيهما... لكن هي مثل الأرض تحتوي احيانًا وأحيانًا أخري تثور لتعلن رفضها، فهي ليست قلبًا يُستباح متى شاء، بل كيانًا يفيض بالحب حين يُقدّر، ويقسو حين يُهان...
تعلم أن العشق الذي يغمرها ليس ضعفًا، بل قوة تُربك خطواته كلما حاول الهروب منها...عاد لها هي مثل شلال عذب كلما إستقى منه شعر برغبة فى المزيد من الإرتواء... اما
هو فيضان اقتلع جدران الخوف من قلبها، يعلم أنها أيضًا قادرة أن تُغرقه إن تهاون في حفظها.
❈-❈-❈
بمنزل والدة درة
ضحك باسل وهو يحمل "نوح" منها قائلًا بمرح:
"أبو دومة" عندنا، بقالي فترة مشفتوش ده جاب شكل طوفان خالص.
صفعته بخِفة على كتفه قائلة:
بلاش الإسم ده، ده إسم مجرم، كانت غلطة إني طلبت منك "الدوم".
ضحكت كريمان وهي تقترب منهما قائلة:
الله أعلم المرة الجاية هتتوحمي على إيه طول عمرك غاوية تعب ومطالبك غريبة.
إدعت درة الغضب ضحكت كريمان كذالك باسل، جلس ثلاثتهم يمرحون ويمزحون، الى أز سمعوا صوت جرس المنزل، نهض باسل قائلًا:
أنا هفتح.
رفعت كريمان يدها قائلة:
هات نوح.
نظر باسل لـ نوح قائلًا:
سبيه معايا طالما ساكت.
بالفعل ذهب باسل يفتح باب المنزل تفاجئ بـ حاتم أمامه،رحب به ودخلا الإثنين،رحبت كريمان بـ حاتم،بينما درة رحبت بفتور،بينما جلس باسل بـ نوح الذي ظل حاتم يتأمله لاول مرة،وتذكر حديث جود عنه وأنها كان من الممكن أن تكرهه،لكنها كرهته هو...غص قلبه وتمني ليت طفلهم تمسك بالحياة ربما كان فتك طريق العودة الموصود منها...
أخذهم الحديث بمواضيع كثيرة،الى أن تعمدت درة القول بإدعاء السهو منها:
نوح متعلق أوي بعمتو جود بقول لها لما توافق عالعريس اللى متقدم لها وتتجوز وتبعد عنه هينساها.
رفع حاتم رأسه بسرعة، نظر لـ دُرة بعينين يشتعلان، مزيج من الذهول والغضب:
إيه اللي بتقولي ده يا درة جود هتتجوز.
ادعت درة السهو وصمتت للحظات ثم نظرت له قائلة:
وليه لاء،هي لسه صغيرة،تجربه فاشلة مش نهاية الكون.
يشعر بتهتك فى جسده بالكامل من مجرد تخيُل فقط الفكرة،بصعوبة خرج صوته مُستفسرًا:
وهي وافقت.
ارتبكت درة للحظة، لكنها تمسكت بهدوئها، وكأنها تعلم أنها زرعت قنبلة في صدره:
مسألة وقت وأنا شايفه أنها المرة دي قالت هتفكر،مش زي كُل مرة كانت بتنهي الموضوع مباشرةً.
شعر حاتم بإختناق، قائلًا
مستحيل.. جود مش ممكن تعمل كده.. مش ممكن توافق على حد غير لما…
توقف، شعر أن الكلمات تخونه، أن الاعتراف يتدفق على لسانه دون أن يملك الجرأة الكاملة لإطلاقه... عض على شفته بقوة، كأن الألم يردعه عن الانهيار أمامهم.
شعر لو ظل معهم درة ستسحقه بتأكيدها، نهض فجأة، كمن يقوده غضب عارم قائلًا:
أنا أفتكرت عندى ميعاد مهم،هستأذن أنا.
لم ينتظر، وسار بخطوات سريعة، متوترة، عيناه تائهتان لكن ثابتتان على هدف واحد الوصول الى جود.
بينما درة ظلت تنظر خلفه مبتسمة بخبث خفي، نجحت في إلقاء حجر ضخم في بحيرة هادئة، لترى كيف ستتموج المياه بعدها.
نظرت كاريمان لها بسؤال قائلة:
ليه قولتي كده قدام حاتم، ومتقوليش مكنتش أقصد.
ضحكت درة قائلة:
بالعكس أنا قاصدة، حاتم إستغبي مع جود كتير، وعرفت إنه ندم بس متأخر ويستاهل.
تنهدت كاريمان بعتاب سائلة:
و جود فعلًا وافقت عالعريس.
هزت درة رأسها برفض قائلة:
لاء حتى مش بتسمح لنفسها تفكر، جود رغم اللى عمله حاتم معاها بس هي قلبها محبش غيره، بتتعذب فى صمت، حطت كل تفكيرها فى الرسم، بتصعب عليا، أوقات بحس بالذنب إتجاهها، لما خلفت نوح إفتكرت إنها ممكن تكرهه، يمكن حطيت نفسي مكانها، لو الوضع اتعكس يمكن مكنتش هبقي زيها، وأحب إبز غيري وانا كان المفروض يبقي عندي زيه، جود قلبها مفيش فيه كُره، زي عمتي اللى سممت عقل حاتم.
تنهدت كاريمان بآسف قائلة:
فى قلوب كده صافية، وللآسف بتحول عذابها لـ محبة... طبعًا عكسك تمامً.
نظرت كاريمان نحو باسل الذي دق هاتفه فنهض قائلًا:
خدي أبو دومة يا ماما هطلع الجنينه أرد عالموبايل.
غادر باسل، بينما نظرت كاريمان لـ درة سائلة:
شايفة إنك بقيتي أهدى عن الأيام اللى فاتت كانت العصبية زايدة عندك... كان إيه سببها.
أجابتها درة بكذب تُخفى وجع قلبها من معرفتها بزواج طوفان من غيرها،ماذا ستقول تعلم رد والدتها ستلومها وتصدمها بالحقيقة أن تسرعها والموافقة على الزواج من حسام وموافقتها على عقد القران سببً كافيًا راوغت قائلة :
مكنش فى سبب، كنت متعصبه بسبب نوح.
تهكمت كريمان قائلة:
ونوح عمل ايه يعصبك أوي كده.
أجابتها درة:
رفضه يرضع من صدري، وتعبه.
نظرت لها كريمان غير مُقتنعة لكن سايرتها، خمنت قد يكون السبب خلاف بينها وبين طوفان على يقين أن طوفان لن يسمح لشيئ يُعكر حياتهما.
❈-❈-❈
بعد وقت
بمنزل طوفان
دلفت درة تحمل صغيرها... قابلت شكريه التى تبسمت لها، سألتها:
طوفان رجع.
أجابتها بـ لا... إستغربت درة ذلك فهو عاد لوقت قليل ثم خرج ولم يعود، لكن قالت لها شكرية:
فى إتنين ستات فى المندرة طالبين يقابلوكِ.
إستغربت درة ذلك، قائلة:
يقابلونى أنا ولا الحجة وجدان.
أجابتها:
لاء قالولى عاوزين يقابلوكِ... فى المندرة هاتي نوح وروحي شوفيهم عاوزينك فى إيه.
أعطتها نوح وذهبت الى المندرة فتحت الباب، إستغربت من زيهن الأسود كذالك النقاب الذي يُخفي وجوهن، تنحنحت تُلقي السلام :
سلام عليكم.
رددن عليها، نظرت لهن قائلة:
طلبتوا تقابلوني خير.
رفعن النقاب عن وجوههن، تفاجئت درة بهن، بالأخص حين تحدثت إحداهن بإستغاثة.
❈-❈-❈
بمنزل حاتم
حين دخل الى المنزل تقابل مع والدته حاولت التحدث معه لكنه نظر لها شعر بكم من الأسي... لم يستطيع الوقوف امامها تركها وص الى شقته... بينما غص قلبها وترقرقت الدموع بعينيها، غص قلب زوجها وإقترب منها قائلًا:
يا ما حذرتك بلاش تخسري حاتم هو كمان، بلاش تزرعي فى قلبه بُغض ناحية جود، وأهو بيدفع التمن.
غص قلبها، لكن إتخذت قرار لن تسمح ببؤس حاتم ولو إضطرت للذهاب الى جود وطلب الصفح منها.
****
دخل حاتم الى الشقه، جلس على مقعد بالردهة مُنهك الوجدان
يشعر وكأن عاصفة هوجاء اجتاحت صدره، رياحها تعصف بعقله وتكاد تفتك بثباته، منذ أن تسللت تلك الكلمات من بين شفتي دُرة، كالسهم المسموم:
في حد متقدملها.. وجُود وافقت.
لم يسمع بعدها شيئًا، كل الأصوات حوله خمدت، كأن العالم توقف لثوانٍ ثقيلة، ووقع الجملة ظل يتردد داخله كصدى صوت فى الخلاء لا يهدأ...
انقبض قلبه حد الألم، وكأن أحدهم يعتصره بقبضة فولاذية. أيعقل أن توافق جود... على الزواج من رجل آخر
-مستحيل
نطقها عقلة بتصميم... بعدما انكمشت ملامحه، انعكس الغضب والحسرة في عينيه، يشعر كمن تلقى ضربة غير متوقعة... كل ما يشعر به هو غليان داخلي، خليط من الغيرة والخذلان، ورغبة عارمة في الصراخ:
مستحيل.. جود مش ممكن توافق.
لكن صوته ظل حبيس صدره، والبركان بداخله يزداد اشتعالًا، كأن الأرض تحت قدميه لم تعد ثابتة، يشعر كأن عقله يتماسك بشق الأنفس بدأ يتداعى أمام فكرة خسارتها.... صدره يعلو ويهبط بعنف، وأنفاسه متلاحقة، وكأن الهواء يضيق عليه عمدًا... وعقله لا يستوعب كأنه يهزي:
ازاي توافق.
والجملة تتردد في ذهنه بلا توقف، تضرب عقله كالمطرقة، لا تمنحه فرصة للتفكير بعقلانية... وهو يقول بوعيد وتصميم:
مستحيل تكوني ملك لغيري وأنا مش هفضل واقف ساكت.
توقف فجأة، أمسك رأسه بكفيه، أغمض عينيه للحظة كأنه يحاول إخماد ذلك البركان المتفجر داخله... لكنه لم يستطع.... الصورة التي رسمتها كلمـات درة تتغلغل من رأسه، ترسم صورة جود وهي تبتسم لـ رجل آخر يمسك بيدها، كانت كفيلة بتمزيقه إربًا... فتح عينيه من جديد، بعزيمة تكاد تختلط بيأس، وهو يحسم الفكرة برأسه وبتصميم، رغم انه يخشي مواجهة عناد جود... لكن لم يعد قادرًا على التمهُل المواجهة أصبحت حاسمة ولا يوجد امامه سوا طريقة واحدة فقط.