رواية أنا لها شمس الجزء الثانى ( اذناب الماضي ) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم روز امين

  


 رواية أنا لها شمس الجزء الثانى ( اذناب الماضي ) الفصل السابع والثلاثون

«أنينٌ بالقلب وحزنًا وقهرًا سكناه،وعقلاً على مشارف الجنونِ رافضًا ما دَهَاه، تعجبتُ آمري وسؤالاً جال بخاطري كيف ولما؟!، كيف للضحية أن تحزنُ على جلادها ، قاهرُ أحلامها والأمنيات، إجابةً واحدة استقرت بذهني حينها، أن النفس السويةَ لا يسكن الحقد داخلها مهما تعرضت للإيذاءِ والويلات.»

«يوسف البنهاوي» 
بقلمي «روز أمين» 
_________________

خانتهُ دموعهُ وهو يتطلعُ بألمٍ وحسرة على ألسنة اللهب التي تتصاعد وصوت والده الذي انقطع للأبد،انتفضت أجساد جميع الحضور فور استماعهم لصوات إنفجارٍ عظيم،كلٍ تراجع للخلف متفاديين قطع الزجاج المتناثرة التي نتجت عن انفجار زجاج نوافذ وأبواب المنزل الزجاجية والتي بدأت شظاياها تتطايرُ في الهواء،انشطر قلبهُ لنصفين وداهمهُ شعورًا لا يمكن وصفهُ بالكلمات لمجرد التخيل بوجود عمرو وشقيقيه داخل ذاك الجحيم، نطق بصوتٍ جاهد بكل ما أوتي من قوة لإخراجه وهو يخاطب الضابط: 
-هو احنا هنفضل واقفين كده ونسيبهم بيواجهوا الموت جوه؟! 
نطق الضابط وهو يتطلعُ على حالة الشاب المزرية وأجابه مشيرًا على الحريق: 
-مش هنقدر نعمل أي حاجة قبل ما النار تهدى ورجالة المطافي يسيطروا على الحريق

بقلبٍ يئنُ وجعًا نطق بصوتٍ بالكادُ يُسمع: 
-إخواتي جوة، ودول أطفال صغيرين

-الأطفال مش موجودين جوة، دول خرجوا الصبح مع المدام الكبيرة...جملة نطقت بها إمرأةً بعمر الخمسين وكأنها دبت الأمل داخل قلب ذاك الحزين الذي نطق سريعًا يسألها بشغفٍ: 
-حضرتك متأكدة من الكلام ده؟! 
-أيوة طبعاً...قالتها للتأكيد وأشارت على حالها بتعريفٍ: 
-أنا اللي قدمت البلاغ للشرطة في التليفون 

سألها الضابط بجدية: 
-إنتِ تعرفي مين اللي جوه بالظبط يا مدام؟ 
نطقت المرأة بوقارٍ: 
-أنا هشرح لحضرتك يا افندم، أنا من الصُبح وأنا مراقبة البيت من بلكونتي ومش بس النهارده، أنا ليا فترة كل يوم براقبه لأن صاحب البيت ده راجل مش محترم

نزلت كلماتها على قلب يوسف جلدته وأشعرته كم هو صغيرًا لمجرد أنه نجل ذاك الرجل، لاحظت المرأة خجل الفتى فتحدثت بـ إجاز: 
-أنا آسفة في اللي هقوله، بس الراجل ده من ساعة ما اشترى البيت وسكن فيه وهو كل يوم جايب واحدة مختلفة وداخل بيها، كل يوم ستات رايحة وجاية معاه، وأنا وجوزي أخر ما زهقنا كنا ناويين نبلغ عنه البوليس، واتفقنا نراقبه كويس لحد ما يكون معاه واحدة في البيت ونتصل بالشرطة علشان تيجي تاخده متلبس هو واللي معاه

مع كل كلمة كانت تنطق بها كان يشعر بالخزي والعار يغطي كامل كيانهُ، أصبحت ساقيه كالهلام لا تستطيعان حملهُ،إختل توازنهُ وبالفعل مال وقبل أن يفقد توازنه وجد من يسنده بيديه وكأن القدر يبعثهُ له كلما مال ليستند عليه ويكون لهُ السد المنيع، إلتفت ورفع عيناه كي يكتشف صاحب الساعدين،فوجد عيناي ذاك السند تشملهُ برحمة وودٍ وخوفٍ حنون لو تفرقوا على مدينة بأكملها لكفت، إنه فؤاد لا غيره عندما علم بما حدث من خلال مصادره ترك ما بيده من أعمال وهرول مسرعًا كي يساند صغيرهُ الضعيف، ذاك الذي تربى في كنفه وتحت رعايته،طالعهُ يوسف بألمٍ ومال برأسهِ يشتكيه مُر الزمان، انتزعهُ من حالة الضياع ليسكنهُ داخل أحضانهِ الرحيمة، ظل يملسُ بكفهِ الحنون على ظهر الفتى هامسًا بجوار إحدى أذناه: 
-أنا معاك، متخافش
ما كان منه سوى ترك جسده الهزيل وإراحة رأسهِ المثقل بالهموم على كتف ذاك السند، لطالما  كان له السد المنيع والناصح الأمين،نطق كطفلٍ لم يتعدى الأربعة أعوام من عمره: 
-خليك معايا يا بابا
-أنا دايمًا معاك يا حبيبي... قالها بكل ما تحمل الكلمات من معاني الأبوة الحقيقية،تحركت أصابع يده تتجول فوق وجنته ليجفف له دمعات الألم الصارخ،ومازال مستندًا على كتفه، كان المشهد مؤثرًا ليس فقط لكلاهما، بل لجميع الحضور حتى تلك الشاهدة التي استرسلت حديثها بعدما طلب منها الضابط استكمال شهادتها: 
-من حوالي يومين جاب معاه ست عندها حوالي خمسين سنة و واحدة عندها حوالي تلاتين وطفلين صغيرين، على طول خمنا إنهم عيلته وخصوصًا إن كان معاهم بيبي سيتر وشغالة

تابعت حديثها بشرودٍ:
- الموضوع بالنسبة لي كان غريب ومُريب في نفس الوقت، إزاي راجل هلاس زي ده تجي له الجرأة يجيب مراته واولاده على وكر الغرام اللي بيقابل فيه عشيقاته
تحمحم فؤاد وهمس لصغيره كي يكفيه شر اللحظة والكلمات: 
-تعالى نقعد في العربية لحد ما يسيطروا على الحريق 

ربت على كف داعمه النفسي وتحدث بهدوءٍ: 
-أنا كويس، متقلقش عليا
تابعت المرأة مسترسلة شهادتها: 
-ومن يومها وأنا براقبه من بلكونة بيتي،تقدر تقول إني بقيت مقيمة فيها، النهاردة الصبح كنت بشرب قهوتي من البلكونة ولاحظت حاجة غريبة جدًا خلتني أحس إن فيه حاجة مش مظبوطة بتحصل
ترقب الجميع لحديثها بعقولٍ أكثر إنتباهًا ليسألها الضابط: 
-لاحظتي إيه يا مدام، إتكلمي
لتتابع هي مستطردة: 
-الناس دي من وقت ما وصلم وهما بيناموا متأخر جداً وبيصحوا كمان متأخر، النهارده تقريباً كده كانت الساعة تسعة،لقيت الست الكبيرة وبنتها والأطفال والناني خارجين من الڤيلا وعمالين يبصوا حواليهم بحذر،وقبل منهم الشغالة مشيت،المهم، ركبوا العربية بس البنت مراحتش معاهم ودخلت الڤيلا تاني،وبعد حوالي ساعتين سمعت دوشة وأصوات صريخ وزعاق طالعة من عندهم،إتصلت على طول بالبوليس لما حسيت إن فيه شيء مريب بيحصل

توقفت لتأخذ نفسًا تستعيد به تنظيم أنفاسها وخروج الكلمات بهدوء: 
-وبعدها جم تلات عربيات مصفحة ونزل منهم رجالة ببدل ونضارات واتحركوا للڤيلا بترتيب مخيف،تحسهم كده شبه رجالة العصابات اللي بنشوفهم في الأفلام الأجنبية،بعد شوية خرجوا ومعاهم الست وكانوا محاوطينها وبيتحركوا بسرعة زي ما يكونوا عاملين عاملة وبيهربوا،اتحركوا بسرعة وبعدها مفيش خمس دقايق وأنتم وصلتم والإنفجار حصل.

تمزق قلبه حين تأكد من وجود أبيه بالداخل،فبرغم ما كان يحملهُ بالقلب من غضبٍ وسخطٍ على أفعاله،لكنه بالنهاية يضل أبيه، أمسك كف فؤاد وتحدث بأملٍ تجدد بداخله: 
-رولا أخدت إخواتي وهربت 
وتابع وهو يُخرج هاتفه إستعدادًا لإجراء مكالمة: 
-أنا هكلم سيادة اللواء محمد عبدالسلام يعمل تحرياته بسرعة قبل ما تهرب بيهم
أمسكة من كفه وتحدث للأنتباه: 
-لازم تفكر كويس قبل ما تتسرع وتاخد أي قرار يا يوسف، إنتَ قد الخطوة والحمل الكبير ده
-ده مش وقت تفكير يا بابا،الأول ألحق إخواتي وبعدين أشوف هعمل إيه،واللي أهم لازم الحقيرة اللي اسمها رولا تدفع تمن اللي عملته. 

-عندك حق...قالها باقتناعٍ لكنه تحدث حرصًا على مستقبل الشاب: 
-بلاش تتصل برؤسائك يا يوسف،إديني خمس دقايق وأنا هتصرف من خلال علاقاتي

استرسل بتفكيرٍ: 
-حد بعقلية "رولا" أكيد هتاخد ولادها وتسافر بعد الجريمة اللي عملتها،خلينا ندور في المطارات والمواني 

علم أن فؤاد يخشى عليه من مواجهة رؤسائه وأراد أن يجنبهُ الحرج، بالفعل هاتف فؤاد أحد الشخصيات المرموقة وذو النفوذ الواسعة في الدولة،وعده الرجل أن يأتي بخط سير السيدة في خلال دقائق، وقف بجوار يوسف ينظر لألسنة اللهب التي ثارت ولا تأبى الإستسلام والاستجابة لمحاولات رجال الإطفاء المستميتة، شعر بوخزة وللحظة حمل حاله ذنب ذاك الذي يواجه مصيره داخلاً وسط النيران الغاضبة،لكنه تراجع ونحى هذا الشعور جانبًا،نعم هو من أزاح الستار عن جرائم ذاك الشرير وأعطى فرصة لزوجة مخدوعة رؤية الوجه الحقيقي لمن أحبت وأمنت له وبدوره سدد لها طعنةً بالظهر من خلال خنجرٍ مسموم،هو فعل ما توجب عليه لتبرأة زوجته من تلك التهم المشينة التي ألصقها بها ذاك الوغد عمرو،من أين لهُ أن يتوقع جنون الأخرى وخروج كل هذا الشر من داخلها،أقصى ما جاء بمخيلته أنها ستنفصل عنه وتحرمهُ رؤية صِغاره ثم تستعين بوالدها رجل العصابات ليجعلهُ يخسر جميع أمواله ويتركهُ متحسرًا بائسًا يشتهي الخبز ولا يجده . 

مر الوقت بصعوبة بالغة واستطاع رجال الإطفاء السيطرة على الحريق، هرول فريق الإنقاذ إلى الداخل مُتأملين العثور على ناجين، خرج أحدهم وتحدث إلى الضابط: 
-مفيش جوة غير جثة متفحمة في المطبخ يا افندم 
شعر برغبته في الغثيان لمجرد الاستماع للوصف فنطق الضابط بجدية: 
-متأكد إنه ميت؟! 
-يا باشا ده متفحم 
نطق الضابط مؤكدًا: 
-طبيعي يتفحم، النار كانت شديدة والبيبان مقفلة
وتابع بأسى ظهر من بين نبراته فبالنهاية هو إنسان: 
-الله يرحمه
ثم نظر إلى يوسف وتحدث: 
-معلش يا أستاذ، هتدخل جوه علشان تتعرف على الجثة إذا كانت لأبوك ولا لا
ارتعد داخله لينطق فؤاد باعتراضٍ شديد: 
-يوسف مش هيدخل يشوف حاجه،وبعدين هيشوف إيه يا حضرة الظابط،إنتَ مش سامع بنفسك عامل المطافي وهو بيقول لك الجثة متفحمة؟! 
وتابع تحت استنفار ضابط الشرطة من حديث ذاك المتطفل:
- إعملوا له تحليل DNA وده الإجراء الطبيعي في الحالات اللي زي دي

-طب ما تيجي تقف مكاني يا باشا وبالمرة تدير إنتَ التحقيق وتدي الأوامر!...قالها الشرطي متهكمًا قبل أن يهتف بحدة موبخًا:
-ده إيه الزمن اللي ما يعلم بيه إلا ربنا ده، هو كل من هب ودب بقى يتكلم وعاملي نفسه خبير وبيفهم وهو حمار
اشتعل داخل فؤاد ليتابع الأخر أمرًا يوسف: 
-يلا يا اخويا إنتَ كمان إنجر قدامي علشان تتعرف على الجثة، الحكاية مش ناقصة كوهن

وقبل أن يقبض بكفه على ذراع يوسف سبقته قبضة فؤاد الحديدية حيث أمسكه بقوة مفرطة وبدأ يفرك كفه بين خاصته بغلٍ شعر به الضابط وتألم صارخًا وقبل أن يسب فؤاد هتف هو من بين أسنانه: 
-صوتك ما يطلعش بدل ما اندمك على وظيفتك وشبابك اللي هتقضيه في سجن ابو زعبل. 

اتسعت أعين الضابط وابتلع ريقه بعدما شعر بجدية ذاك الرجل، بينما فك فؤاد كفه وبدأ ينفضه في الهواء باشمئزازٍ وكأنه لمس شيئًا متسخ، تحدث وهو يُخرج بطاقة تعريفهُ الخاصة ويضعها صوب عيني الضابط: 
-إبعت الجثة للمشرحة يا حبيبي، وإحمد ربنا، لولا الظرف اللي إحنا فيه كنت دفعتك تمن كلامك وندمتك عليه يا شاطر 
ارتبك لمجرد رؤية مهنة فؤاد، "قاضي إستئناف"ناهيك عن لقب عائلته،"علام زين الدين" تلبك بالحديث قائلاً باعتذارٍ مرتبك: 
-أنا آسف جنابك، مكنتش أعرف شخصية معاليك والله يا افندم

-وهو أنتَ لازم تعرف شخصية معالي جنابي علشان تتعامل معايا باحترام؟!... نطقها بصرامة وأعين تشبه نظرات الصقر بحدتها ليتابع مشيرًا إلى يوسف الذي يشاهد بصمتٍ والألم ينهش داخلهُ على والده وما أصابه: 
-وبالنسبة لشاب زي ده، مفيش أي إحترام لمشاعره ولا للمصيبة اللي هو فيها؟!،كليتك معلمتكش إزاي تتعامل بإنسانية مع الشعب اللي المفروض جنابك مكلف بحماية أرواحهم والحفاظ على حقوقهم؟، واللي أهمها المعاملة بأدمية والأحترام لمشاعرهم الإنسانية؟! 
نطق يوسف في محاولة لتهدأة ثورة فؤاد: 
-إهدى يا باشا لو سمحت
قدم الضابط أكتر من صيغة للإعتذار تخوفًا من مركز رجل القضاء هذا ومركز والده، قطع حديثهما رنين هاتف فؤاد الذي أجاب سريعًا لينطق بعدما أغلق وهو يجذب يوسف من كف يده: 
-رولا موجودة في مطار القاهرة الدولي هي والولاد ومامتها 
هرول كلاهما واستقل سيارة فؤاد الذي أدار محركها لتندفع بسرعة هائلة، امتعضت ملامح يوسف وهو يتابع ذلك الطريق المزدحم والذي يُعيق وصولهما بسرعة قبل إقلاع الطائرة، سأله وهو يتطلع للأمام بعدم صبر: 
-اللي بلغ جنابك مقالش ميعاد الطيارة؟ 

-مكنش فيه وقت للإستفسار يا يوسف، اللي بلغني قال إن فيه أكتر من رحلة طالعة لباريس وبعض دول اوروبا،وإحنا مش عارفين هي مسافرة لأي دولة بالظبط،أنا خمنت إنها هتسافر باريس عند أبوها وللسبب ده بلغتهم يشوفوا الرحلات لباريس ، بس هي اسمها متسجل وموجود هناك بالفعل
وتابع:
- إدعي ربنا إننا نلحقها
وصل في خلال ساعة، ترجل يوسف من السيارة ليهرول للداخل سريعًا، بات يجري كالذي يسابق عقارب الساعة، يدعو الله في سريرته بأن يلحق بشقيقيه قبل أن تهرب بهما تلك المجرمة، لحق به فؤاد الذي اتجه إلى مكتب أحد المسؤلين بالمطار وللأسف علم منه إقلاع الطائرة منذ أكثر من ساعة وهي الأن في طريقها إلى الأراضي الفرنسية،لم يعد بإمكانه أي شيء ليفعله،خرج ليبحث عن يوسف الذي يهرول وهو يتطلعُ في الوجوه بجنون يبحث عن الصغار في محاولة أخيرة لإنقاذهم من بين أيادي أمٍ مجرمة فاقدة للإنسانية،لا تصلح لتربية ورعاية صغار أبرياء كشقيقاه عديمي الحظ. 
وضع فؤاد يده على كتف الشاب ونطق بأسى ويأسٍ تجلى من بين نبراته:
-يلا بينا يا يوسف
طالعهُ بألمٍ يتلقى صدمته حيث تابع فؤاد:
-للأسف،رولا والولاد سافروا على فرنسا في الطيارة اللي طلعت من ساعة تقريبًا،يظهر إنها كانت مرتبة لكل حاجه.
لم يجد كلماتٍ يعبر بها عما يدور بداخله،فتحرك منساقًا بجوار فؤاد،يديه مرخيتين والحزن مرتسمًا على ملامحهُ.
جلس بالمقعد المجاور لفؤاد ثم أمسك هاتفه وطلب رقم عمه حُسين وأخبره بما حدث لأبيه تحت دموع الأخر وحزنه العميق على شقيقه الصغير وما أصابه، طلب منه أن يبعث أحمد كي يأتي بشقيقته من جامعتها دون أن يخبرها بما حدث، بعد أن أنهى المكالمة طلب فؤاد أن يصطحبه معه بقصر علام زين الدين لكن الشاب رفض رفضًا تامًا وطلب منه توصيله إلى منزله المتواضع حيث سيحضر عمه ويرتبون كيف سيتدبرون أمر الجنازة وتلك الأمور 

            ༺༻༺༻٭༺༻༺༻

تغفو بوسط فراشها بجسدٍ مرهق بعد يومٍ طويل شاق قضته في الشركة لتعود إلى المنزل فتجد زوجها لم يعد بعد من مقر النيابة،اعتذرت وتغيبت عن تناول وجبة الغداء بحضور العائلة وقررت إرجاءها لحين عودة خليل الروح والاستمتاع معه حيث باتت لا تتذوق حلاوة الدنيا سوى بحضرة جنابه،فجميع الاشياء بابتعاده أصبحت في نظرها بلا قيمة، علمت بما حدث من مروة التي حدثتها من خلال الهاتف واخبرتها بوفاة عمرو محترقًا بمنزله على يد زوجته التي هربت بصحبة نجليها

هرولت وارتدت ثوبًا باللون الأسود إحترامًا لمشاعر نجلها وشقيقته،ثم اتصلت على هاتف فؤاد وتحدثت بنبرة هلعة من وقع ذاك الخبر الجلل عليها:
-عرفت اللي حصل يا فؤاد
-مين اللي بلغك؟!...قالها بهدوءٍ واستمعت بجواره صوت تلاوةٍ عذبةل بعض أيات الذكر الحكيم بصوت الشيخ الجليل "عبدالباسط عبدالصمد"،فتيقنت وجودهُ بمسكن نجلها، نطقت وما زالت الصدمة تسيطر على صوتها المرتعب: 
-مروة مرات حسين إتصلت بيا وبلغتني من شوية
لم تعطه فرصة للإجابة حيث سألته سريعًا: 
-هو أنتَ فين يا فؤاد؟ 

-أنا مع يوسف في بيته
طب أنا جاية لكم حالاً... قالتها بتسرع لتتابع بنبرة خرجت رُغمًا عنها متألمة، فبالأخير هي إنسانة ولديها مشاعر وتعلم معنى الفَقد جيدًا: 
-اللي كُنت مانعني أزور إبني علشانه خلاص راح
اتسعت عينيه ذهولاً وهو يستمع لتلك النبرة الحزينة المسيطرة على صوتها ولولا تيقنهُ من مدى عشقها له ومدى احتقارها لذاك الـ عمرو لكان سيطر عليه الشيطان الرجيم وبات يدس السم داخل أفكاره،استطاع بصعوبة بالغة السيطرة على غضبه وتحدث بنبرة جاهد بكل ما لديه من قوة لتخرج عادية: 
-ما تسوقيش بنفسك، خلي السواق يوصلك 
-حاضر يا حبيبي... وكأن كلمة حبيبي بها كل السحر فقد نزلت على قلبه لتمنحه السكينةَ والهدوء الوقتي، نطق بنبرة حنون نابضة بكل ما يحمله القلب من غرامٍ هائل: 
-خلي بالك من نفسك يا بابا
-حاضر... قالتها بصوتٍ أرق من الندى وأغلقت لتتجه بطريقها إلى الدرج،وجدت عزة تخرج من غرفة الفتاة حيث كانت تُشرف على تنظيفها مع إحدى العاملات،سألتها إلى أين فأخبرتها بما حدث لتنزعج الأخرى قائلة:
-يا ستار يا رب، ربنا يكفينا شر الفواجع وشر النار دنيا وآخرة
وتابعت لاوية فمها: 
-أدي أخرة المشي العوج والسكك الشمال،أهي جت له اللي خلصت منه القديم والجديد وخدت لك حقك
وأشارت بكفها: 
-يلا هنقول إيه، مبقاش يجوز عليه غير الرحمة، حسابه بقى عند اللي خلقه
وكأن كلماتها لا تعني للأخرى بشئء لتنطق بتوصية: 
-أنا ماشية واحتمال أبات مع يوسف

نطقت وهي ترمقها بسخرية: 
-ده أنتِ بتحلمي،إنتِ فاكرة إن سيادة المستشار هيسيبك تباتي بره البيت.؟ 
-يا عزة حرام عليكِ خليني أقول الكلمتين علشان أمشي
وتابعت بتوصية: 
-خلي بالك كويس من مالك، مش عاوزة أرجع ألاقيه عامل كارثة جديدة، فؤاد على أخره منه اليومين دول، ولو أعصابه فلتت هيحبسه في اوضته وهيحرمه من الخروج طول الأجازة

-متشليش هم ويلا إنتِ بالسلامة، ومتنسيش تبلغي يوسف سلامي، وأنا هروح له بكره علشان اعزيه هو والبت زينة 

أومأت بجدية وتحركت إلى الطابق الأرضي، وجدت الجميع يجلسون داخل الردهة، تعجلت لتقف أمام علام وهي تبلغهم بنبرة بائسة بما حدث،لينطق علام بمشاعر إنسانية: 
-لا حول ولاقوة إلا بالله، سلمي لي على يوسف يا بنتي، وحاولي تجبيه معاكِ هو وزينة،بدل ما يقعدوا لوحدهم يتونسوا في وسطينا 
نطقت عصمت وهي تهم بالوقوف: 
-استني أغير هدومي وأجي معاكِ يا إيثار
-مفيش داعي تتعبي نفسك يا ماما، خليكِ مع الباشا وكمان علشان الأولاد ومالك، وأنا يوم ولا إتنين وهجيب يوسف يقعد معانا كام يوم 

انطلقت بطريقها للخارج وقبل أن تستقل سيارتها لحقت بها طفلتها: 
-مامي، خديني معاكِ أشوف چو
-مش هينفع يا حبيبتي... قالتها على عجلة ثم حاوطت وجنتها وهي تنطق بحنانٍ بالغ تجلى بين نظراتها: 
-اخاف عليكِ من أجواء الحزن اللي هناك، إنتِ لسه صغيرة على المواقف دي يا قلبي 
نطقت الفتاة بتفهمٍ: 
-طب سلمي لي على يوسف وزينة كتير لحد ما اشوفهم
-حاضر يا حبيبتي 
استقلت المقعد الخلفي لينطلق السائق ولحقت بها سيارة الحراسة المكلفة لحمايتها، خرجت الفتاة وخطت البوابة الحديدية للقصر ليوقفها كبير الحرس وهو يسألها باهتمامٍ وجدية: 
-حضرتك رايحة فين يا آنسة تاج؟ 
أشارت بكفها نحو منزل دكتور ماجد المقابل لهما وتحدثت: 
-هروح عند عمتو، هبلغ بوسي حاجة ضرورية وهرجع على طول
أشار لأحد الرجال ونطق وهو يمشط المكان جيدًا بعينيه: 
-مع الأنسه يا عبدالله، وما تتحركش من قدام فيلا دكتور ماجد غير وهي راجعة معاك. 
أومأ الشاب وتحرك بصحبتها، هرولت تاج نحو بيسان حيث كانت تتحرك حول أحواض الزهور تتفقدها بعناية ممسكة بيدها مرشة المياة تروي بها الزهرات،وجدت تلك التي تناديها بهلعٍ:
-بوسي،شوفتي اللي حصل؟! 
-فيه إيه يا تاج؟...قالتها بفزع لتجيبها الآخري: 
-بابا "يوسف" إتقتل 
وقع المرش من يدها لتنطق بروعٍ شديد ظهر بعينيها: 
-إتقتل إزاي، ويوسف فين؟! 

-مراته ولعت فيه، تقريبًا كده كان بيخونها، ده اللي قدرت أفهمه من كلام مامي مع جدو ونانا
نطقت وهي تتلفت من حولها بتشتُتٍ وعدم اتزان: 
-وانا بقول إيه اللي حصل، عمالة أرن عليه يكنسل عليا، أنا قولت أكيد عنده محاضرة مهمة أو موجود في جهاز المخابرات ومش عارف يرد
وتابعت وهي تهرول إلى الداخل لتتبعها الفتاة: 
-أنا لازم أروح ليوسف حالاً

وجدت والديها يجلسان ببهو المنزل فأخبرتهما بما حدث وتحدثت وهي تترجى والدها بعينيها: 
-بابي من فضلك أنا لازم أروح ليوسف
رأى بعينيها هلعٍ و رأف بجسدها المنتفض قائلاً: 
-طب إهدي، خدي مامي وروحي وأنا هتصل بيوسف وأشوف وصل لحد فين علشان أبلغ جدك وجدتك ونحضر كلنا الجنازة
هتفت فريال سريعًا لابنتها: 
-إطلعي إلبسي على ما اغير هدومي أنا كمان، بلغ السواق يجهز العربية يا ماجد
ثم نظرت لابنة أخيها وتحدثت: 
-على البيت حالاً يا تاج، وصلها يا ماجد من فضلك. 
-حاضر يا حبيبتي... قالها و رافق الفتاة إلى باب قصر علام زين الدين ثم عاد ليخبر السائق بأن يجهز السيارة. 

    ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
وصلت إيثار إلى شقة نجلها استقبلتها مروة التي احتضنتها وتحدثت إيثار: 
-البقاء لله يا مروة 
-الدوام لله يا حبيبتي... وتابعت بدهشة: 
-شوفتي اللي حصل لـ عمرو يا إيثار

-الله يرحمه يا مروة، تعب كل اللي حواليه حي و ميت
وتابعت بألمٍ ينخر بأعماق قلبها: 
-أنا حزينة على إبني وعلى المسكينة أخته، ذنبهم إيه في فضيحة زي دي يا مروة؟، ذنبها إيه البنت المسكينة لما أهل خطيبها يعرفوا إن أبوها مراته قتلته لما اكتشفت إنه بيخونها

نطقت الأخرى تخبرها بأسى وحزنٍ: 
-إسكتي يا إيثار، ده حسين هيتجنن من ساعة ما عرف، عمال يستغفر ربنا ويقول كان ناقصة إيه علشان يطلع يرمرم بره، دي مراته كانت بتعشقه وبتتمنى له الرضى، 
وتابعت بجدية: 
-قولت له إياك كان فاكرها إيثار هتعرف بقذارته وتكتفي بالطلاق، إسكتي، ده جوزك سيادة المستشار قال لنا من شوية إن أبو رولا تبع المافيا
زفرت تخرج ما في صدرها من أسى وسألتها: 
-هو يوسف فين؟ 
-قاعد في البلكونة هو وعمه حسين وجوزك، كان مخنوق يا حبيبي وخرجوه يشم شوية هوا، والبنات في الأوضة بتاعت زينة، المسكينة مقطعة نفسها من العياط من ساعة ما عرفت، اللي يشوفها يفتكر إنه كان بيعاملها زي باقية الابهات، هنقول إيه، طول عمره وهو لعنة على ولاده

تحركت سريعًا وبمجرد أن رأها حتى هب واقفًا ليأخذها بين أحضانه، ربتت على ظهره بحنوٍ وهي تسألهُ: 
-إنت كويس يا حبيبي؟ 
أومأ لها بدون حديث، تحدثت إلى حسين باحترام: 
-البقاء لله يا أستاذ حسين
-لا إله إلاّ الله يا أم يوسف... قالها الرجل متأثرًا، قدمت أيضًا التعازي إلى أحمد نجل حسين تحت نظرات فؤاد الفتاكة والتي لا تعلم سببها، نطق يوسف وهو يحتوي ذراع والدته: 
-تعالوا نقعد جوه في الريسبشن 
جلس الجميع ودخلت هي للفتاة التي تبكي بانهيارٍ، جلست بجوارها فنطقت الفتاة من بين دموعها الغزيرة: 
-أنا هطلب من حضرتك طلب، وبالله عليكِ توافقي يا خالتي

نطقت سريعًا:
- إطلبي يا زينة
-عوزاكي تسامحي بابا...قالتها بدموعها لتتابع تحت شهقات بنات عمها: 
-أنا عارفة إنه ظلمك وأذاكِ كتير،بس هو الوقت راح عند ربنا،ومحتاج كل دعوة،أنا عن نفسي سامحته عن كل حاجه عملها فيا
تعمقت وهي تطالع الفتاة وتعجبت، من أين لها بكل هذا التسامح وتلك الأخلاق الكريمة، هل هي حقًا إبنة الشيطان "عمرو" وتلك الخائنة "سُمية"، طالعت ابنتاي حُسين ومروة اللتان تحتضنا إبنة عمهما ويربطان على ظهرها بحنوٍ وهنا وجدت الإجابة، السر يكمنُ في نشأة الفتاة وسط عائلة تعرف حدود الله وتتقيه بكل خطواتهم، أبٍ يجتهدُ بجدٍ للحصول على لقمة عيش حلالًا لأبنائه، وأمًا تتقي الله وتربى أبنائها على الرضا والتسامح وذرع الاخلاق الحميدة داخل نفوس جميعهم، تنهدت عندما أعادت الفتاة تكرار السؤال عليها فنطقت بهدوء: 
-حاضر يا زينة، علشان خاطرك إنتِ بس أنا هسامحه، مع إني عانيت سنين وأنا بحاول أنسى اللي عمله فيه هو وجدك وجدتك، بس عزائي إن ربنا عوضني الحمدلله، وعوضه كان عظيم. 

تنهدت الفتاة براحة وخرجت إيثار تنضم إلى مجلس الرجال لمواساة نجلها، نطق بأسى وهو يحرك رأسهُ محاولاً محو المشهد من ذاكرته: 
-المنظر كان بشع يا ماما، شكل النار وهي ماسكة في البيت كانت توجع القلب
وتابع بدمعة ألم فلتت من عينيه: 
-جسمه اتفحم جوه النار 

سألته بهلعٍ: 
-إوعى تكون شفته وهو كده يا يوسف 
حرك رأسه نافيًا لينطق وهو يبتلع ريقه بصعوبة: 
-بابا رفض، الظابط كان عاوزني ادخل علشان أتعرف على الجثة، بس بابا أصر ورفض
تنفست بهدوءٍ ثم سحبته من جديد لتدثرهُ بين ثنايا قلبها كي تشعرهُ بثورة حنانها علها تنسيه ما حدث وأحدث شرخًا عميقًا داخل روحه

___________

بعد قليل حضرت فريال وبيسان التي تحركت إلى يوسف وشددت على كفيه قائلة وهي تتعمقُ بعينيه بمواساةٍ وألم لأجله: 
-قلبي معاك يا حبيبي،طمني إنتَ كويس؟ 
كان يحتاج وجودها من حولهِ بشدة، ضم كفيها يحتويهما وهو يجيبها: 
-أنا كويس يا بوسي، متقلقيش عليا 

بنبرة حنون اجابتهُ: 
-لو مقلقتش علشانك هقلق على مين يا حبيبي 

جلست فريال بجوار يوسف هي وابنتها وباتت تواسيه: 
-البقاء لله يا حبيبي، الله يرحمه ويبارك في عمرك يا يوسف

-تسلميلي يا عمتي...قالها لتسحبهُ داخل أحضانها، ولما لا وهو الصغير الذي تربى بين احضانها وفي كنف العائلة ولطالما اعتبرته طفلها الثالث

تحركت إلى زوجها الذي خرج إلى الشرفة فسألها بحدة وعينيه تطلق سهامها فتاكة: 
-هي الهانم لابسة إسود ليه إن شاءالله؟! 

نطقت بدهشة من سؤاله: 
-مالك يا فؤاد؟ 
نطق متهكمًا والشرر يتطايرُ من عينيه: 
-إنتِ اللي مالك يا ماما،خير يا حبيبتي، لابسة إسود ليه وعلى مين؟! 

ازدردت لعابها وعلمت أن شيطان غيرته قد حضر وعليها صرفه وحالاً، إقتربت عليه لتحتوي كفه وهي تقول: 
-أنا جاية أعزي إبني وأخته وعمه يا حبيبي، وعيب قوي أجي بألوان
إيثــار... قالها بعدم صبر لتحتوي غيرته بابتسامة عذبة وهي تقول: 
-وحياة إيثار لتعدي الليلة، ولما نروح ليك عندي مكافئة حلوة 

-إنتِ فكراني عيل صغير هتضحكي على عقلي بكلمتين... قالها بحدة وازدراء لتنطق بنبرة حنون: 
- لسه ما اتخلقتش اللي تضحك فؤاد باشا علام

رفع حاجبه الأيسر وبات يطالعها قبل أن ينطق: 
-بقيتي خطر ويتخاف منك

-أنا أخر واحدة تخاف منها يا فؤاد...قالتها بنبرة تقطرُ صدقًا لتتابع بأعين تفيضُ من الغرام ما يملؤُ بحورًا: 
- إنتَ النور اللي من خلاله بشوف طريقي وبيه مكملة،أنا من غيرك مليش وجود،من الآخر كده وجودي مرهون بوجودك 

لم يستطع مقاومة سحر عينيها لينطق مسحورًا متناسيين كل ما حولهما: 
-وإنتِ مش بس مراتي يا إيثار، إنتِ نبض قلب فؤاد وكل دنيته، خليلة الروح ورفيقة الدرب، حبيبة حبيبها اللي النظرة الواحدة من عيونها حياة. 
تبسمت فأنار العشق وجهها مما جعل قلبه يهدأ ويستكين

بعد قليل حضر رامي وتحدث بأسى إلى تلك الباكية: 
-البقاء لله يا زينة 
-الله يرحمه يا رامي...قالتها بدموعها الحارة فتابع هو يخبرها: 
-ماما كانت هتيجي معايا، بس قولت لها لما أعرف تفاصيل العزا الأول 

ولچت الفتيات مع زينة إلى غرفتها،وذهب حسين بصحبة إبنه لتخليص بعض أمورهم،دخلت مروة بصحبة فريال إلى المطبخ لتجهيز الطعام للجميع، بينما جلس فؤاد ويوسف وإيثار وأيضًا رامي الذي وجه سؤالاً إلى يوسف بنبرة متأثرة: 
-هو إيه اللي حصل لعمو يا يوسف؟! 
-مراته ولعت فيه وخلعت... جملة قالها فؤاد بخشونة كي يطمس الحقيقة وتموت مع ذاك الجالب للعار لأبنائه حيًا وبعد الممات، لينطق الشاب سريعًا بذهولٍ: 
-وليه مراته عملت فيه كده؟ 
أجابهُ باقتضابٍ: 
-أصلها شكت إنه بيخونها مع واحدة تعرفها
وتابع بذات مغزى وهو يتعمقُ في أعين الشاب: 
-وده يعلمنا إيه بقى يا رامي يا حبيبي
سأله الفتى مشدوهًا:
-إيه؟ 
ليجيبه الأخر:
- إننا نمشي زي الخط المستقيم، وكل واحد يتقي الله في الست اللي معاه ويرضى بنصيبه 
وتابع بكوميديا سوداء: 
-علشان متهبش منها والراجل يروح في لحظة طيش زي ما حصل لعمو
وسألهُ بمغزى جعلت إيثار تخبأ فمها بكف يدها لتداري ضحكتها التي فلتت رُغمًا:
-ولا انتَ إيه رأيك يا رامي؟ 
-مظبوط...قالها سريعًا وهو يبتلع لعابه من تلميحات ذاك اللئيم برغم أنه بعيدًا كل البعد هو ومبادئه عن فكرة الخيانة،لكن إسلوب فؤاد أصابه بالتوتر، ليؤكد على حديثه:
-مظبوط كلامك يا سيادة المستشار. 
-حبيبي يا رامي...قالها تحت حزن يوسف وتشتت عقله وحزن الجميع لأجله. 
سأل من جديد للإستفسار: 
-هي الدفنة والعزا هيكونوا إمتى؟! 

نطق فؤاد بجدية: 
-لسه التحقيق شغال والجثمان هيتشرح الأول، وبعدها هنخلص إجراءات الدفن وأكيد هنبلغك بالميعاد. 

       ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل الاراضي الفرنسية
ولچ سَليم إلياس ليلاً إلى منزله الفخم، ليجد ابنته وزوجته بانتظاره داخل الرُدهة،هرولت إلى أبيها لترتمي بأحضانه لينطق هو بحدة معنفًا إياها: 
-لأخر مرة بتتصرفي من حالك هيك
وتابع بجنونٍ وحدة:
- لك شو هايد يلي عملتيه يا مچنونة، على شوي وكان رح يلقطك البوليس المصري، فيكِ تِقِليلي لو كانوا كمشوكي كيف كنت بخرجك من هالمصيبة؟! 
بكل عنجهية وفخرٍ أجابته: 
-لك إنتَ سَليم إلياس يلي ما بيصعب عليك إشي، مِتل ما خرجتني المرة الماضية، كِنتْ بتخرچني من هايد بكِل سهولة

شرح لها الفرق بين كلاهما: 
-المرة الماضية ما كان فيه دليل قوي بيدينك، بس هالمرة غير،هاي قَتل مع سبق الإصرار والترصد مِتل ما بيقولوا الإخوة المصريين، والكاميرات يلي برة البيت وحوالينه لقطتك إنتِ وعم تِهربي، لولا الماما خبرتني بأخر وئت مبعرف شو يلي كان صار لك
جلس فوق أحد المقاعد لتسأله نائلة بارتيابٍ: 
-وهليء شو يلي رح يصير يا سَليم؟ 

أجابها وهو يشعل سيجاره الضخم"الكوبي"بعدما نزع عنه ورقة السولفان: 
-المحامي خبرني إن البوليس المصري رح يخبر الإنتربول الدولي، وعلى حسب الاتفاقيات الدولية فيهُن يوقفوها وبتتحاكم هون بفرنسا، على إعتبار إنها مواطنة بتحمل الجنسية الفرنسية
رأى الهلع بعيني غاليتاه فنطق ليطمأنهما: 
-بس لا تقلقوا، أنا بحلها، ولو وصلت بهربها من هون لحتى تهدى الأوضاع هون وبمصر

سخطت نائلة وهي تقول باشمئزاز: 
-لك الله يلعنه لها الواطي، كتير حظرتك منه إنتَ وبنتك ، قِلت لك ماني مرتحتله يا سَليم، ما صدقتوني، إن شالله عچهنم الحمرا
ضحك سليم وتحدث ملطفًا الاجواء: 
-لك شو هالچبروت ست نائلة، مبيكفي چهنم يلي رمته فيها بنتك، بدك بچهنم الأخرة كمان؟ 
نطقت "رولا"بارتياحٍ واسترخاء ظهر على وجهها: 
-لك يا بابا لو بخبرك عهالراحة يلي حاسستها من ورا هالموضوع، إنك تنتئم من يلي خانك عنچد شعور مبينوصف
ارتفعت ضحكاته وهو ينفخ دخان سيجاره للأعلى لتنطق نائلة بعدم رضى عن ما صار: 
-صِرتي دموية مٍتلُه لبَيك، الله يچيرني ويصبرني عتنيناتكُن
ضحك سليم وسألها: 
-وينون حبيبات الچدو، كير اشتئتلن

اجابته نائلة: 
-غفيو عبكير، السفر خلص عكل طاقتهن 

نطق الرجل وهو يعود بظهره للخلف باستمتاع: 
-أخيرًا رچعنا عبيتنا واستئرينا من چديد
تنفست رولا بقوة وتحدثت بانتشاء ظهر على ملامحها: 
-وأنا رح إرجع لحياتي القديمة من چديد، رح عيش لحالي وكفي مع ولادي، رح ننبسط كتير ونعوض كِل يلي فاتنا
وتابعت وهي ترفع رأسها بغرورٍ:
- رح دلل حالي مِتل الأول واكتر شوي

نطق أبيها يدعمها: 
-ولو،الدلال بيلبئ لك ست رولا، ما إنتِ بنته لسَليم إلياس. 

    ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بعد مرور يومان 
داخل تلك الحجرة المظلمة والتي تقضي بها فترة عقوبتها على يد ضحيتها السابقة والتي تحولت إلى جلادها، فما أشبه اليوم بالبارحة، تجلس على حافة الفراش تصيحُ كعادتها وهي تطالب إطلاق سراحها من تلك الغرفة المَقِيتة، بل وهذا المنزل المشؤوم: 
-إفتحوا الباب يا لمامة يا غجر
وبدأت بسب أهل المنزل بكلماتٍ بزيئة وبرغم تكرارها اليومي على لسان تلك الوقحة إلا انها أزعجت ساكني الدار،لتتابع بصراخٍ: 
-إنتوا فاكرينها سايبة يا رمم، عمرو إبني مش هيسيبكم، هيهجم على البلد وهيصفيكم واحد واحد وهياخدني معاه، هو قال لي كده في التليفون

استمعت إلى صوت المفتاح لتطل إبنة أزهار وهي تقول بانزعاجٍ: 
-هو أنتِ يا ولية مش هتتهدي وتبطلي صراخك وصويتك اللي ما بيتقطعش لا ليل ولا نهار ده

نطقت بتهديدٍ عل الفتاة تخشاها وتطلق سراحها: 
-سبيني أمشي بدل ما أأذيكي

-مبقتيش تقدري تأذي نملة يا إجلال، الزمن هدك خلاص، والجبروت اللي عيشتي طول عمرك تزلي الناس بيه انتهى، والدور جه عليكِ علشان تدوقي الذل اللي ورتيه للناس

نطقت بما أخبرها به عمرو عبر الهاتف قبل ذهابها مباشرةً إلى منزل شقيقها في ذاك اليوم الذي استدعاها السيد "محمد"، حيث أخبرها بأن تذهب ولا تقلق وإن حدث وانكشفت خطتهم سيبعث العديد من الرجال ليلاً بأسلحتهم وسيخرجها من القرية عنوةً عن الجميع: 
-عمرو هيخلص على البلد كلها، هيصفيكم كلكم يا رمم، حتى قليل الأصل محمد، هيصفيه قبل الكل، أنا متفقة معاه على كده، وهخليه يسافرني بلاد برة أتعالج، وهرج للي هيفضل منكم أقوى وأصبى من الأول

-مش هيلحق يا إجلال...كان هذا صوت أزهار الهزيل التي ظهرت من خلف ابنتها وتحدثت بما جعل قلب إجلال يرتعد رعبًا: 
-الشيطان اللي إنتِ ونصر خلفتوه وطلقتوه على الناس تبلوهم بشره، سبقك على جهنم الحمرا، مستنيكي هناك هو وأبوه

هتفت باستنكارٍ: 
-إنتِ بتخرفي بتقولي إيه يا عرة النسوان إنتِ 

نطقت المرأة بتعبٍ: 
-تصدقي في دي عندك حق، أنا فعلاً طلعت عرة النسوان علشان معرفتش أعمل اللي عملته مرات إبنك اللبنانية، بيقولوا ظبطته بيخونها مع واحدة رخيصة زيه، راحت مغفلاه وكتفته بالحبال زي النعجة، وفتحت كل عيون البوتجاز وقفلت البيت عليه بالمفتاح
ضحكت رغم وهنها لتتابع وهي تحدث ابنتها التي طالعتها بحسرةٍ وانكسار لحالتها التي تتأخر كل يومًا عن الأخر:
-بيقولك يا حنان، قال البيت اتفجر و ولعته كانت طايلة السما
تابعت وهي ترمق إجلال بنظراتٍ شامتة:
-ربنا شواه في نار الدنيا ولسه اللي مستنيه في الأخرة

نطقت مستنكرة: 
-إمشي من هنا يا ولية يا كذابة بدل ما أقوم أجيبك من شعرك واحطك تحت رجليا 

لم تنهي حديثها حتى انخلع قلبها وهي تستمع إلى مكبرات الصوت من المسجد المجاور لهما وصوت المؤذن يقول بتنبيه: 
-يا عباد الله الدوام لله، عمرو إبن نصر البنهاوي توفى إلى رحمة الله، والجنازة جاية في الطريق والدفنة بعد صلاة الظهر
صرخت وهي تحرك رأسها بالنفي: 
-لا، أه يا بلد كذابة يا ولاد.....، بتضحكوا عليا يا بلد عرر
وقفت وكأن صحتها رُدت إليها، جحظت عينيها بشرٍ والشرر يتطاير منهما، فاختطفت ليلى والدتها وأغلقت الباب سريعًا لتفادي هجوم تلك الشرسة التي صرخت بعلو صوتها وهي تقوم بتكسير جميع الأغراض الموجودة بالحجرة: 
-عمرو لااااا، كله إلا عمرو، كله إلا عمرو
باتت تصرخ وتدب بكفيها على الحوائط وباب الحجرة وهي تستمع لمكبرات الصوت تكرر التنبيه

وقد هاتف فؤاد ليلة أمس السيد محمد وطلب منه أن يستقبل جثمان عمرو إكرامًا لنجله يوسف وأن يسمح بأن يُدفن في مدافن عائلته بجوار أبيه، كان الرجل رافضًا في البداية لكنه وافق مجبرًا بعد تدخل فؤاد وإلحاحه، وأيضًا لأجل شكل الفتاة أمام عائلة خطيبها، حضر الجميع الدفن، وأيضًا وقف أهل البلدة بعدما خاطبهم السيد محمد وأبلغهم بما طلبه منه سيادة المستشار فؤاد علام، الجميع وافق إكرامًا لشخص فؤاد وحضرة الضابط "يوسف"وحُسين صاحب الأخلاق الحميدة، وأيضًا شهامة ورجولة منهم، فهؤلاء هم أهل القُرى وتلك هي شهامتهم ورجولتهم المعروفين بها، حضر رامي وعائلته وماجد وعائلته وكانت الجنازة مهيبة، حضرها الجميع للوقوف بجانب إبن بلدهم يوسف حيث حضر وفدًا من رجال المخابرات إكرامًا له وتقديرًا لمكانته بينهم، بعد الانتهاء من مراسم الدفن ذهب الجميع حيث حجز يوسف دار مناسبات كُبرى في القاهرة وأقيم فيه العزاء لوالده ليطوي صفحة طالما سببت لهُ الأذى بجميع أنواعه.

قدم يوسف شكوى إلى مكتب الإنتربول الدولي في مصر وطالبهم فيها بالعثور على شقيقاه وإعادتهم والقبض على تلك المجرمة رولا بتهمة قتل والده مع سبق الإصرار والترصد، وطالب بالوصاية على شقيقاه بحكم أنه شقيقهم الأكبر. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1