رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السابع والثلاثون

كانت سارة جميلة... لا بل كانت أشبه بلوحة رسمتها يد فنان لم يعرف الاكتمال. حتى عندما بكت ظلت فاتنة كزهرة ترتوي من دموعها فتزداد سحرا على سحر.
كان في وجهها ذلك التناقض القاتل ذلك الجمال الذي لا يليق به الحزن والذي كلما تزين بالدموع صار أكثر وجعا لمن يراه.
اقترب برنت منها بصوته الرصين كعادته كمن يحاول مد جسر إلى قلب موشك على الانهيار
سيدتي... السيد أحمد ينتظرك.
رفت جفونها كأن الواقع صفع ذاكرتها لتفيق. مدت يدها تمسح بقايا الدمع... ثم وكأن الألم تسلل من جديد انفرطت عبراتها فجأة بلا استئذان.
قالت بصوت متهدج يخالطه خجل طفولي
أوه برنت... لا بد أن مظهري بشع. أليس كذلك
كان برنت قد خدم أحمد سنوات طوال. وعرف سارة جيدا بل رأى فيها رغم انكسارها امرأة لم تزهر بعد زهرة اختنق عبيرها في صقيع الحياة. كانت حيويتها تقاوم الذبول لكنه وفي قرارة نفسه كان يخشى ألا يأتي ربيعها أبدا.
لا تقلقي سيدتي... لا يزال فيك من الجمال ما لا يقارن.

لا أحد يضاهيك.
ناولها منديلا بنبرة لا تعرف المجاملة بل الحنين لروح تصارع السقوط.
مسحت دموعها ثم تمتمت كأنها تحدث ماضيها لا الحاضر
كنت أحتقر الذين يبكون لأتفه الأسباب... والآن ها أنا أبكي لأتفهها. صرت شيئا أقسمت أن لا أكونه أبدا.
حدق برنت في عينيها وفيهما بحر هائج تياراته متضاربة لا شطآن له. ثم سألها وكأن السؤال خرج من فمه رغما عنه
إذا كنت تكرهين ما أصبحت عليه... فلماذا ما زلت متمسكة
هو يعرف أن أحمد قضى الليل ينقح شروط الطلاق يبدل يعيد يزيد كأن شيئا في داخله يحاربه.
لكنه كذلك بدا مستعدا لتركها بل لتجريد قلبه منها.
كانت حياة سارة تنهار قطعة تلو الأخرى
أسرتها أفلست والدها على حافة الموت 
ومع ذلك... ها هي تقف على الحافة مترددة تمسك الريح بيد راجفة.
لم تجبه سارة لم تنكر ولم تقر بل قالت هامسة
لو أن طفلي عاش... لكان في عمرهم الآن.
أراد برنت أن يواسيها أن يملأ الفراغ بكلمات تطفئ الجمر لكنه صمت... ثم تنهد وقال
سيدتي ما زلت
صغيرة... ستتاح لك فرصة أخرى لتصبحي أما.
هزت سارة رأسها وقالت بصوت خافت كأنه يخرج من قبو داخلي بعيد
لن أنجب أطفالا بعد اليوم.
كانت ملامحها قد غمرها الحزن حزن ناضج لا يبكى عليه بل يفهم فقط.
أدرك برنت حينها... أن شيئا في داخلها انكسر لا يجبره الوقت ولا يرممه الحب.
أراد أن يسأل أن يمد يده إلى تلك الغرفة المغلقة خلف عينيها... لكن سارة سبقت كلماته وقالت
فلنذهب.
ومشت أمامه كأنها تشيع جزءا من روحها بصمت مطبق.
كان أحمد ينتظرها داخل السيارة جالسا كما يجلس الغائبون في مشهد لم يعودوا معنيين به بعينين زجاجيتين تلمع فيهما لامبالاة باردة كأن الزمن لم يعد يعنيه ولا ملامح الوجوه التي تمر أمامه. لم يلتفت إليها حين دخلت... كأنها لم تكن سوى ظل عبر الزجاج لا أكثر.
طوى ذراعيه بصمت كمن يبني جدارا من الثلج حول قلبه ثم قال بصوت جاف  
ما الذي تأملين تحقيقه في... 
بالأمس فقط... كانت تشتعل بالاحتراق تملؤها كراهية فوضوية لا تعرف طريقا إلا
الانتقام. كانت تود لو تنزف مشاعره كما نزفت أعوامها.
لكن ما إن رأت الدليل حتى دب الاضطراب في جوفها كعاصفة تتصارع فيها رياح متناقضة.
كرهت أحمد 
أخطاؤه بدت كأطياف ضباب أمام الحقيقة الفاقعة 
عرفت جيف ورأت فيه ما لا يراه الناس لكنها لم تتوقع أن يخفي خلف ملامحه النبيلة كل هذا الخراب.
أرادت أن تطوي الصفحة. أن تترك كل شيء العالم الحياة الذكريات... بلا ندم.
أرادت فقط أن تحب... مرة أخيرة. أن تلامس الطمأنينة قبل أن ترحل. 
ساد المقعد الخلفي صمت كثيف 
مر الوقت ثقيلا 
أريد شهرا فقط.
نظر إليها أحمد وفي عينيه نظرة لم يكن يعرف كيف يسميها. شيء ما بين الشفقة شيء كالغرق.. 
قال بنبرة عميقة كأنها خرجت من قاع جرح قديم
حتى لو منحتك عاما كاملا... لن يتغير شيء. فكيف بشهر هل تدركين ذلك
ثم قالت وقد اختلط الرجاء في صوتها بقدر من التحدي
أفهم... لكنك لي في هذا الشهر. حسنا
صمت أحمد. ولم يجب.
لكن في عمق عينيه... كان هناك شيء
ما ينذر بأن شهرا واحدا قد يبدل أكثر مما ظنه كلاهما.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1