رواية للهوى رأي اخر الفصل الرابع 4 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الرابع 

في تلك الحفلة المعتاد حضورها، يقف بملل من تلك الأجواء، والغريب أنه يبغضها رغم أنها حياته وعمله.
عينيه تدور في أرجاء المكان، وبجانبه عدد من رجال الأعمال يتمنون أن يقترن اسمه بجانبهم في أي من أعماله. يقف معهم وبداخله يريد أن يهرب منهم، غير مبالٍ بالفتيات اللاتي يحاولن لفت انتباهه ولو بنظرة عابرة منه.
هو يعلم ومتأكد أنه إذا أراد سيكونن تحت قدميه بأي صورة يريدها، لكنه لا يريد، يريد فقط الهروب ويشعر بالاختناق من تلك الأجواء التي تصيبه بالملل.
وقفت عينيه ومرت لثانية وعادت مرة أخرى لتلك التي تتهادى لدخول القاعة برفقة ابنة كمال.
لا يعرف ما أصابه، كل ما يعرفه أنها ما إن أطلت بسحرها في تلك القاعة، ما عاد يرى سواها.
تلك التي كاد أن يصدمها بسيارته وكأنها سقطت عليه من السماء فجأة.
خدع نفسه أنه مجرد انجذاب لأنثى جميلة مثلها، وأنها فريسة جميلة لصياد ماهر،
لكنه ليس غرًّا، ولا عمره الذي تخطى الخامسة والثلاثين، لا يدرك الفرق بين الانجذاب والسحر.
لم يشعر بنفسه إلا وعينيه تدور على رجال القاعة، وأعينهم بها لمحة من الإعجاب لها.
استقام قاسم بهدوء وابتسم بحذر، وتوجه إليها دون انتظار المزيد من الوقت.
....................

بخطوات تؤخرها وتقدمها، دخلت فيروز وهي ممسكة بيد أسيل، وشيء بداخلها يحثها على العودة والاختباء بين جدران غرفتها الحديثة.
عينيها تدور بكل ما حولها، من فخامة القاعة، والمتواجدين ومظهرهم الذي يصرخ بالثراء، النساء كأنهن يلمعن، وبريق مجوهراتهم يكاد يغشي العيون...
أين هي من هؤلاء؟ كيف وصل بها الحال إلى هنا؟
كانت تلك الأسئلة تدور في عقل فيروز وهي تتأمل كل جديد تراه عينيها، حتى سقطت عينيها على ذلك القادم الذي يقترب منها...
اتسعت عينيها وبسرعة أدارت وجهها لأسيل التي نظرت لها من قوة جذبها لذراعها إليها، متسائلة بعينيها بحيرة تبددت لرؤيتها قاسم يقترب منهن.
دون أن يتحدث، رفع يده وفرد كفه أمامها، كانت عينيه تلمع وابتسامته صعّبت عليها الوضع، نظرت لابنة عمها كأنها تستغيث،
لكن، وقبل أن تخرج أسيل من صدمتها، كان قد جذبها من يدها، وفستانها السماوي الحريري يهفهف من خلفها، وشعرها منسدل خلف ظهرها ويحيط بوجهها ببساطة.
وصدحت الموسيقى لتدوي المكان من حولهم.
وضع قاسم يده على خصرها ورفع يدها ووضعها على كتفه، والأخرى ممسكًا بيدها رافعًا إياها لأعلى.
بدأت خطواته بطيئة مدروسة وهي بين ذراعيه مسحورة. تلاقت أعينهم لثوانٍ واقترب بجسده أكثر إليها.
كانت يداه كالكماشتين قابضتين على خصرها، يحركها كالماريونيت كما يشاء.
تاهت فيروز بين يديه، كان خبيرًا جدًا في أن يجعلها لينة ومتخبطة بين يديه...
كانت خطواته مدروسة صحيحة، وكانت هي تجاريه بتخبط وارتباك.

ابتعد قاسم فجأة عنها، ورفع يدها لأعلى لتدور حول نفسها عدة مرات، وشعرها يتطاير حول وجهها وظهرها، وفستانها يدور من حولها، يجعلها خاطفة للأنفاس...
جذبها إليه بسرعة، وارتطمت بصدر قوي، وأصبحت قبالته، وعينيها صوب عينيه المرتكزة عليها، ترى عينيه وكأنها أصبحت أمام أرض خضراء ممتدة لا ترى آخرها، متوهجة وساحرة.
كانت جميلة وناعمة وبريئة في نظرتها المنبهرة به، كتم أنفاسه للحظات، مشدود ومشدوه لتلك الهالة المحيطة بها، وتلك العينين السوداوين الواسعتين التائهتين به،
تحركت يده ببطء من على خصرها حتى لامس وجنتها بظهر يده برقة، فأغمضت عينيها حتى شعرت أنها لا تلامس الأرض من تحتها.
كانا كالنجمين يلمعان، عدسة الكاميرات المختلفة لم تمر على حركة أو لفتة دون تسجيل، وصفحات الغد تستعد من الآن بالعناوين المختلفة عن رقصة اليوم،
ولم يستطع أي من الحضور إبعاد أعينهم عنهم في حالة اندهاش من قاسم عمران، وظهور تلك الفتاة والتي من الآن أصبحت محظورة على الرجال، مادامت أصبحت في قبضته هو.

انتهت الموسيقى وسطعت الأضواء من جديد...

فتحت فيروز عينيها لتقابل مباشرة عينيه، رمشت عدة مرات، ثم عبست بعينيها، وتحركت خطوة للخلف وسقطت يداه عنها لابتعادها،
دارت عينيها على الحاضرين المرتكزين بنظراتهم عليها، والتفتت برأسها تجاه جهة وهي عاقدة حاجبيها وكأنها استيقظت للتو من غفوتها الساحرة بين ذراعيه،
في لحظة أخرى انحنت رافعة فستانها، وركضت للخارج بسرعة، وبقي هو واقفًا متتبعًا بعينيه هروبها...
.........
لقد فاتها هذه الرقصة، بعد ما انتشل قاسم عمران ابنة عمها من جانبها.
ذهبت أسيل تبحث عن والدها ليكون على علم بما يحدث، لكن في طريقها قابلت ياسين، الذي للحظة نسيت تواجده في خضم قلقها على فيروز، وأنه لا يعلم بتواجدها هنا إلى الآن.
رفعت فستانها الأسود وعزمت على أن تخبره بجرأة ما يُسمى بقاسم عمران، والعثور على والدها على الفور، لكن ظهور تلك الفتاة وابتسامته لها حتى وقفت بجانبه ملتصقة به وهمست بأذنه بشيء ما، فالتفت لها وزادت ابتسامته، ونظرتها له توحي بالكثير...
تصنّتت للحظات، وتراجعت للخلف، وقد أوجعها ما تعرفه عند رؤيته. أن تصم أذنيك شيء، وأن ترى بعينيك دون إرادتك شيء آخر، وكأن القدر يريك ما تكذّبه على نفسك...
التفتت أسيل عائدة، وغشّت الدموع عينيها، لكنها تعثرت بطرف فستانها، وحذاؤها ذو الكعب العالي لم يساعدها على التوازن، فمالت لجانبها واستسلمت لسقوطٍ مخزٍ أمام الجمع.
فجأة شعرت بمن يحيط خصرها من الخلف إلى صدره، وحال دون سقوطها.
اعتدلت أسيل شاهقة، والتفتت له، فبادلها بابتسامة بسيطة قائلًا:
_ جات سليمة.
ارتبكت أسيل وبوجنتين غزاهما الاحمرار:
_ متشكرة.

لم يُخفِ ابتسامة ذلك الأسمر، قائلًا:
_ من حسن حظي إني لحقت الجميلة قبل وقوعها. تسمحيلي أتشرف برقصة معاكي؟
لكن كانت أسيل في حالة لا تسمح لها بالاسترسال في حديثٍ متزن، وكل تلك الأفكار برأسها، بداية من فيروز وهي بين يدي قاسم، واختفاء والدها، وذلك العابث ياسين.
_ ياسين!
صرخت بها أسيل فجأة عند ظهوره، وتلك اللكمة التي تلقاها الشاب بصدمة، وصوته الهادر به غاضبًا:
_ ترقص مع مين؟! طب كنت تفكر تقرب منها كده، كنت هخليك ترقص زي الهنود الحمر!
مسح الشاب جانب فمه بطرف إصبعه، وابتسم بخبث ملقيًا كلماته:
_ لا، قرّبت، الأميرة كانت هتقع ومن حسن حظي إني لحقتها بين دراعاتي.
شهقت أسيل واضعة يدها على فمها، وزمجر ياسين وهجم عليه بلكماته، فتدخل الأمن وفضّوا الشجار، وخرج الشاب خارج القاعة، ولم تفت على المصورين تلك الفضيحة، وكانت الحفلة غنيّة بالأحاديث والأقاويل.
التفت لها ياسين، ووجهه الغاضب يوحي بمدى ما يشعر به. اقترب منها وجذبها من ساعدها حتى انزوى بها بركن هادئ، كانت تبكي بخوف، وكلمات الشاب المؤذية أثّرت بها.
وقف أمامها وبأنفاس غاضبة، قال ياسين:
_ إيه اللي حصل مع الـ #$ ده؟! وإيه جابك هنا؟! وإزاي تيجي من غير ما تعرفيني؟
هدرت أسيل بانفعال مماثل بعد أن واجهها بغضبه:
_ مالكش الحق تسأل عن وجودي هنا! وإنت اللي عامل لي حفلة وما كلفتش نفسك حتى تعرّفني من باب العلم بالشّيء!
اتسعت عيناه وهتف:
_ وإنتي بترُدّيهالي يعني؟!
رفعت رأسها قبالته وقالت صوب عينيه مباشرة بقوة:
_ مش عايزني أجي وأشوف إيه يا ياسين باشا؟!
ضيّق عينيه أمامها وقال:
_ تشوفي إيه وأنا هاعمل إيه هنا؟! وبعدين إنتي بتغيّري الموضوع عن الواد ده ليه؟! بتوهي علشان عارفة إنك غلطانة، وسمحتي لكلب زي ده يحط إيده عليكي!
صرخت نافية ما يُلقيه ليدينها:
_ كنت جايلك لما شُفتك، فللأسف لاقيتك مشغول باللي واقفة جنبك بتوشوشك، وإنت فرحان أوي ومبسوط، فتكعبلت وهو مسكني قبل ما أقع!
ثم ابتسمت بألم:
_ وإنت هتعمل إيه هنا أكتر من كده؟!
ابتعد عنها خطوة، وقال ياسين:
_ لو كنتِ عرّفتيني، كنتِ هتفضلي جنبي لحد الحفلة ما تخلص، من غير ما && زي ده يحط إيده عليكي!
نظرت له بصمتٍ للحظات، وقد هدأت أنفاسه الغاضبة قليلًا، لكن عيناه كانت هائجة.
قالت أسيل بهدوء، ملقية كلماتها ذات السهام:
_ وإنت متوقّع إيه؟ مش دايمًا تقول إني أخصّك؟ أهو كما تدين تُدان! زي ما بتعمل، هيتعمل فيك.
وعلى فكرة يا ياسين، أنا ما بحبّش أظهر معاك قدّام الناس، عارف ليه؟ لأن كلهم عارفين علاقاتك ونزواتك، وفاكرين إني هَبلة ما أعرفش حاجة!
ثم بصوتٍ ظهر فيه ارتعاشة، قالت بألم:
_ بدري أوي أخاف على صورتي تتهز قدّام الناس بسببك.
تحركت مغادرة، لكنه أمسك يدها، فالتفتت برأسها إليه، ينظر لها بتلك الطريقة التي تضعفها، وحبّه المزروع بقلبها بجذوره المتشعبة بروحها، كأنها لعنة أُلقيت عليها...
همس باسمها بخفوت، لكنها نزعت يدها منه، وركضت خلف فيروز التي خرجت خارج القاعة منذ لحظات...
........
استلقت على فراشها وبين إصبعيها خصلة طويلة من شعرها الأسود، تحركها بينهما بهدوء وعقلها سابح في شيء آخر، يُسمى موسى رشيد.
تشعر أنها باتت مهووسة به، حضوره الطاغي، هيبته، صوته، وعينيه، حتى تلك الشعيرات البيضاء القليلة على جانبي شعره...
انفتح باب غرفتها فجأة، وأطلت تلك السيدة بغضبها الشديد وصوتها العالي معنّفة ابنتها، هادرة بها:
_ عملتي اللي في دماغك يا دهب؟ سبتي الشغل برضه؟ ماكنتش إجازة قعدتك بقى؟ ضحكتي عليا وروحتي لابن رشيد؟

التوى فمها بضيق واعتدلت بملل ثم تحركت قبالة والدتها، كأنهم صورتان لنفس المرأة في مراحل عمرية مختلفة. الشبه بينهما كبير، نفس الطول وتقاسيم الجسد والوجه ولون الشعر الفحمي، ما عدا لون العينين، امتلكت كاميليا عينين ذهبيتين كانت تُسقط بهما أعتى الرجال عند التماعهم. الخطوط العميقة على جانبي عينيها وحول فمها وشعرها المصبوغ خافيًا شعيراتها البيضاء المنتشرة، لم تُخفِ أثر جمال كانت تمتلكه يومًا ما، أغوت به الكثير، وربحت به الكثير من القلوب، وأيضًا... خسرت به الكثير.

قالت دهب قبالتها:
_ عملت اللي نفسي أعمله من زمان وإنتي عارفة.

قسا صوت كاميليا الغاضب، قائلة:
_ مش أول مرة تخرجي عن طوعي يا دهب، سكتلك كتير، بس السكة اللي إنتي ماشية فيها خسرانة.

هتفت بها دهب:
_ سكتِ! وأنا حرة، أخسر أكسب، أنا اللي هاتحمل النتيجة لوحدي. وهي سكتك هي اللي مكسب؟! إنتي كنتي هاتضيعيني!

ضيقت كاميليا عينيها الذهبيتين المشتعلتين محذّرة:
_ بتنبشي في اللي فات يا دهب؟

_ بالعكس، ده أنا بفكّرك. يوم ما حبّيتي تبعيني في جوازة وطلع الشاري مفلس وفاكر تحت القبة شيخ؟! كاميليا هانم فوقي وبصي حواليكي شوفي إحنا فين؟! أنا مش هاعمل زي اللي عملتيه زمان.

توحّشت عينيها وهدرت:
_ إيه اللي بتعمليه ده؟ سايبة راجل كان هيتقالك بالدهب ويتمنالك الرضا، ورايحة لواحد آخر ما عملكِش غير سكرتيرة، وبهبلك فاكرة نفسك هاتعرفي تطويه؟

أصدرت دهب صرخة مفاجئة أجفلت والدتها للحظة:
_ أنا مش هابيع نفسي للشناوي!

رفعت كاميليا إحدى حاجبيها، قائلة بقسوة:
_ أنا مش غبية يا دهب. إنتي كنتي بترمي للشناوي اللي إنتي عايزة تديهوله وبمزاجك، بس من يوم ما ظهر موسى وإنتي حالك اتقلب، ورايحة في سكة خسرانة.

اهتزت حدقتا دهب، واشمأزت ملامحها:
_ الشناوي ما طالش مني شعرة. إنتي اللي مش عايزة تصدقي إني مش زيك!

لوت كاميليا فمها قائلة بغرور:
_ هَبَلة... وما تعرفيش تبقي زي!

تركتها كاميليا وظلت تنظر لأثرها وما زال الاشمئزاز مرتسمًا على وجهها. التفتت للنافذة، ماسحة على وجهها، وشعرت باختناق. إن كانت والدتها تظن بها ذلك، وراسمة لها مستقبلًا غير مشرّف، فبالتأكيد الشناوي ظن، ومن معرفته القديمة بوالدتها، أن يكون نهجها مثل نهج والدتها...
.......
يعني إيه، أفهم إيه من السكوت ده؟ فيروز، إزاي ده يحصل؟ وإزاي تسمحي لقاسم عمران إنه يتجاوز معاكي؟ وانتي يا أسيل، إيه اللي حصل عشان تكوني سبب في خناقة بين ياسين وضيف في الحفلة لدرجة إن الأمن يدخل؟
ألقى كمال كلماته بغير رضا عن ما حدث في الحفل معهن. نظرت فيروز لأسيل الشاحبة وقد خرج صوتها متلعثمًا:
_ أنا مش عارفة إزاي ده حصل، لكنه شدني للرقص، حاولت أستنجد بحد لكني ماعرفش حد من الموجودين، كنت خايفة.
قالتها، وبعدها أخفضت عينيها بخجل، بينما قالت أسيل بهدوء:
_ بابا، أنا تعبانة، لو سمحت نكمل كلامنا بكرة.
ضيق حاجبيه وضرب على حافة مكتبه بضيق:
_ بكرة إيه؟ بكرة هنلاقي صور اللي حصل وروايات من كل جريدة وموقع عن اللي حصل النهارده.
أجابته برغبة أن تنهي النقاش هذا:
_ كنت هاقع، فشاب مسكني قبل ما أقع على الأرض، وياسين افتكره بيضايقني، فاضربه. ممكن أطلع أوضتي؟
لم تنتظر أكثر، فخرجت، بينما بقي وحده مع فيروز، التي قالت بخفوت:
_ أنا كنت عارفة إن ماينفعش أحضر.
قاطعها كمال مربتًا على رأسها:
_ إنتي بنتي، وطبيعي تحضري الحفلات، لكن بعد كده لو مش هتكوني حابة، أنا مش هاغصبك. فيروز، أوعي تخافي من حد، ولو اللي حصل ده اتكرر تاني، وقفيه هو أو غيره عند حده، وراكي ضهر.
التمعت عينيها بغشاوة رقيقة مع بسمة ممتنة، خرجت هي الأخرى، وقد تسلل له شعور بالقلق عليهن.

................

لم تستطع تجاهل البكاء الخافت الخارج من غرفة ابنة عمها. بتردد، وبعد انتظار عدة دقائق من وقفتها، طرقت بابها ثم قابلت وجه أسيل الباكي وعينيها المنتفخة.
بقلق ارتسم على وجهها، قالت فيروز:
_ إنتي كويسة؟
لم تجبها أسيل، لكنها ألقت نفسها بين ذراعي فيروز التي تصنمت مكانها، والأخرى مستمرة في بكائها...
مرت دقائق وهدأت أسيل، وفيروز تربّت على يدها وكأنها تؤازرها على شيء لا تفهمه.. لكنها تمنت لو كان بيدها شيء لتقدمه لها، خصوصًا لمعاملتها الطيبة معها.
مسحت أسيل عبراتها ونظرت لفيروز التي تساءلت بحزن لأجلها:
_ ليه كل ده؟
أخذت نفسًا عميقًا وأجابت بألم:
_ بحبه.
ضيقت فيروز عينيها وباستنتاج قالت: الشاب اللي عمي كان بيتكلم عنه؟
أومأت برأسها ورفعت كتفيها بقلة حيلة:
_ غصب عني، حبيته.
سكتت فيروز ولم تفهم ما المؤلم في ذلك، لكن أسيل قالت بخفوت:
_ ياسين من أصعب الحاجات المؤلمة اللي القدر بعتها ليا، فاهمة يعني إيه تحبي راجل وتكوني مش كافية ليه؟ علاقاته العابرة مستمرة حتى وهو بيقنعك إنه بيحبك في نفس الوقت.

علا رنين هاتفها وظهر اسمه على شاشته. نظرت لها فيروز ومدتها بهاتفها التي تعلقت عينيها به. نظرت لفيروز التي قالت بابتسامة صغيرة:
_ ماجربتش الحب قبل كده، لكني أسمع إنه حلو ومر، لكن لو مراراته غلبت حلاوته يبقى علقم. لو قادرة تستحملي مرارته وعارفة إن الحلو اللي بعديه شهد، يبقى حاولي، لكن ما تاخديش الأمور على أعصابك كده.

ثم ابتسمت لها وتركتها تنظر لهاتفها دون أن تجيب، لكن أسيل استوقفتها متسائلة:
_ فيروز، قاسم قالك حاجة ضايقتك؟
ضمت شفتيها مجيبة رغم اضطرابها المفاجئ:
_ لا، ماقالش حاجة.
قالت أسيل مبررة:
_ أنا اتحركت علشان أدور على بابا يدخل ويمنعه، لكني ما لقيتوش، وحصل اللي حصل مع ياسين. عمومًا، قاسم مش شخص مؤذي، وبابا عمره ما اتكلم عليه وحش.
أومأت لها فيروز ولم تجبها سوى:
_ حصل خير.
وتركتها وأغلقت الباب خلفها.

..................

رمت فيروز نفسها على فراشها الجديد، أغمضت عينيها، ومشاهد ما عاشته منذ ساعات قليلة توالت بعقلها. كيف حدث؟ وكيف سمحت له أن يراقصها هكذا في العلن دون أن تعرفه أو حتى تبدي موافقتها أو رفضها؟ لكنها انبهرت، وكيف لا؟
كالحلم، ما شعرت به وهي بين ذراعيه كان كالحلم.
رجل لم ترَ مثله من قبل، رائحته العطرة علقت في أنفها للآن، عيناه الخضراوان رائقة وتلمع، وجهه رجولي بتقاسيم صلبة، جسد قوي اصطدمت به برقصةها الأولى معه، ويدان تحركها بسلاسة وخفة حتى شعرت أنها كالفراشة بين يديه...
قاسم عمران، حتى اسمه به فخامة ورنّة لا تُنسى، وأيضًا رهبة غريبة، وريبة تسللت خفية إليها من فعلته معها هي دون عن فتيات الحفل، بنات الأثرياء وأصحاب العائلات، والتي رغم أنها ارتدت مثلهن، إلا أنها تبقى مختلفة.

تعليقات