![]() |
رواية الشبح العاشق الفصل الثالث بقلم رباب حسين
لم يكن جسدًا كامل الملامح بل ظلًا شاحبًا يتماوج كالضباب عينان فارغتان تنظران إليها وكأنهما تعرفانها منذ زمن بعيد..... شعرت أنها بحلم ليس بحقيقة فركضت خارج المكان وكأنها تأمل أن تجد باب يخرجها من هذا الحلم المزعج وبعد أن ابتعدت وذهبت بطريقها تيقنت أن ما حدث كان حقيقي..... كان حقًا شبحًا أمامها.... شئ لم تعرف عنه من قبل ولن تصدقه بهذه البساطة فهو خارج نطاق العقل وخاصةً عقلها.... شعرت للحظة أن الأرض لم تعد تحملها وأن الزمن توقف عند تلك العينين اللتين اخترقتا صمودها ومعتقداتها..... لم يكن مجرد شبح.... كان هذا الرجل الذي طالما بغضته.... المحاضر الذي كان يتعمد معاملتها بطريقة سيئة ولطالما منعها من محاضراته وأيضًا أعطاها درجات قليلة بمادته... من غموض العالم الذي لم تجرؤ على تصديقه من قبل إلى أسرار تفتح لها أبواب قد تنقلها إلى عالم أخر.... تُرى..... ماذا سيحدث بعد؟...
كانت تسير بالطرقات بعد أن فقد عقلها التركيز لا تعلم أين هي ومن هؤلاء البشر من حولها..... ظلت تنظر إلى وجوه البشر تتيقن هل هم بشر حقًا أم أصبحت ترى أشباح فقط؟.... وقفت مكانها تنظر إلى الفراغ في صدمة قد هزت كيانها والناس يمرون بجوارها في زحام الدنيا الواسعة وهي لازالت عند هذه الغرفة التي رأته بها.... نظرت إلى يدها.... نعم كان شعورًا حقيقيًا..... قد أجرى عملية جراحية بيدي... لا بيديه.... قد تحكم بجسدي!.... كيف ولماذا أنا؟!..... انتبهت إلى صوت هاتفها فوجدت مدير المشفى التي تعمل بها يتصل ويطلب منها المجئ فورًا.... ركضت حتى تذهب إلى عملها وبعد انقضاء اليوم الذي عملت به بنصف عقلٍ تقريبًا أبلغت المشفى أنها سوف تترك العمل بدءًا من الغد وخرجت من المشفى لتعود إلى منزلها..... توقفت عند محطة الحافلات ودب الخوف في قلبها عندما تذكرت أنها ستعود إلى المنزل الذي يقطنه ذلك الشبح فجلست بالمحطة واتصلت بروما وقصت لها ما حدث
روما : إنتي مطبقة على أفلام أجنبي ولا إيه يا ليان؟!
ليان : يا بنتي أنا مش بهزر.... بقولك شفت شبح دكتور وئام
روما : وهو دكتور وئام مات إمتى عشان تشوفي شبحه؟
ليان : اه صح.... هو مات إمتى؟
روما : أفتكر لو مات كنا عرفنا يعني..... جروب الجامعة كان نشر الخير.... يا بنتي تلاقيكي بس من الخضة بتاعت أول عملية أتهيألك الموضوع
ليان : يارب يكون كلامك صح يا روما.... ده أنا خايفة أروح البيت
روما : لا قومي روحي.... أكيد مش هتنامي في الشارع
أنهت ليان المكالمة وعادت إلى منزلها بعد أن اشترت بعض الإغراض لتعد الطعام بالمنزل... تنفست بعمق ووضعت المفتاح داخل الباب وفتحته وطلت برأسها تتفقد المنزل من الداخل.... ظلت تنظر يمينًا ويسارًا ثم دخلت المنزل وأغلقت الباب بحذر..... سارت بخطوات بطيئة وهي تتفقد المكان جيدًا ووصلت إلى مكان التلفاز ووضعت الأغراض من يدها ولم تجد شئ حتى سمعت صوت من خلفها : الهدوم ديه عايزة تتغسل..... إنتي مش ملاحظة إنك مشغلتيش الغسالة من ساعة ما جيتي
نظرت له ليان في صدمة فأردف : أنا مش عارف يعني عدم النضافة والتنظيم ده شئ سئ جدًا
ليان في غضب : وإنت مالك.... وبعدين إيه الشبح النضيف أوي ده
وئام : هو عشان شبح أبقى مش منظم
ليان : أوووووف..... بص.... إنت تمشي وتسيب البيت عشان أنا أصلًا مش بطيقك
وئام : ده بيتي على فكرة
ليان : كان..... كان بيتك.... أنا اللي بدفع الإيجار حاليًا مش إنت
وئام : هو إنتي بتكرهيني ليه كده؟..... مش أنا كنت الدكتور بتاعك؟..... يعني أنا اللي علمتك لحد ما بقيتي دكتورة.... ليه بتكرهيني؟
ليان : علمتني اه..... تصدق بالله... إنت أكتر دكتور كرهني في الجامعة كلها ومن عملي الأسود إنك وقعت في سكتي حتى وإنت ميت..... ما تسيبني في حالي بقى.... مش كفاية سبع سنين عذاب.... ده أنت شيلتني مادتك مرتين
وئام : أكيد كنتي فاشلة
ليان : أيوة طبعًا..... غرورك ده مش هينتهي..... فاكر نفسك خلاص مفيش زيك.... دكتور جامعة وصاحب مستشفى خلاص الدنيا كلها تحت رجلك وتدوس على الغلابة بقى اللى زيي.... متعرفش أنا كنت عايشة إزاي ولا كنت بجيب مصاريف الجامعة إزاي..... كنت ببقى سهرانة تحت رجل بابا العيان وأصحى الصبح أجري عشان حضرتك بتبقى أول محاضرة ولو دخلت قبلك المحاضرة لازم تسألني سؤال صعب عشان تقلل مني ولو دخلت جنبك من الباب تقولي متأخرة ومتدخلنيش المحاضرة.... كل المواد كنت بجيب فيها إمتياز إلا مادتك..... ولا محاضرات العملي كنت لما أسأل سؤال ترد عليا بقرف.... عايزني بقى أحترمك دلوقتي؟! ..... ده يمكن ربنا حاطك في طريقي وإنت كده عشان أقولك كل الكلام اللي كان محبوس في قلبي كل السنين ديه.... بص يا.... يا دكتور.... إنت تسيب البيت وتمشي وتقدر تيجي بقى تروق وتغسل الغسيل وأنا مش موجودة لكن تقعد بقى في وشي كده لا شكرًا
تركته وذهبت إلى غرفتها وهي تتنفس بقوة من شدة الغضب أما هو فنظر إلى آثرها في حزن..... من الواضح إنه قد ظلمها ولكنه لا يتذكر أي شئ عن ماضيه ولا يعلم سبب هذه المعاملة.... تركها لتهدأ أما هي فجلست على الفراش واتصلت بروما وأخبرتها بما حدث
ليان : يا بنتي وأنا هكدب عليكي ليه؟!..... بقولك برا ولسة متكلم معايا دلوقتي
روما : يا ليان ما اللي بتقوليه ده مش منطقي
ليان : لا منطقي..... فكري كده شوية..... الشقة كبيرة جدًا والعفش فخم جدًا وصاحب البيت أجرها حتى من غير ما يحدد إيجار وبعدين نظرته لما بقوله خد الفلوس كأنه بيقولي لو كملتي فيها أصلًا..... واللي حصل للجار اللي نزل يصلح الحمام والكلمة اللي اتكتبت على المرايا وصوت التكسير والهدوم اللي كانت بتطبق والمواعين.... حتى سامر ده قال قدامي إن الشقة مسكونة
روما : طيب وبعدين.... وليه شفتيه أساسًا.... يمكن لما دخل في جسمك بقيتي تشوفيه؟!
ليان : تقريبًا كده
روما : طيب بصي يا ليان.... أنا اسمع يعني كلام عن المواضيع ديه إن لو الروح موجودة وممشيتيش يبقى ليها طلبات لسه مخلصتش.... شوفيه عايز إيه وساعديه يمشي.... ده الحل الوحيد
ليان : أخر واحد ممكن أساعده في الدنيا كلها
روما : خلاص خليكي عايشة معاه بقى
زفرت ليان وقالت : يعني قارفني حتى وهو ميت يا جدعان.... اقفلي أشوف هو عايز إيه عشان يغور
خرجت ليان من الغرفة فوجدته مازال يقف محله فقالت : طيب أنا عايزة أخلص من الحوار ده.... إنت ليه موجود هنا؟
وئام : عشان ديه شقتي
ليان : لا مش هنا في المكان.... هنا في الدنيا عمومًا
وئام : هو المفروض يبقى في سبب؟!
ليان : إنت أدرى يا دكتور.... المفروض إنت اللي تبقى عارف
وئام : لا معرفش.... هو أنا كنت شبح قبل كده
وضعت ليان يدها على رأسها وجلست على الكرسي أمامه وقالت : طيب في أي حاجة نفسك فيها؟!
وئام : أنا مش باكل ولا بشرب
ليان في غضب : هو أنا بقولك تتعشى إيه؟
وئام : أمال إيه نفسك في إيه ديه؟!
ليان : نفسك تعمل إيه عشان تمشي.... يعني إيه اللي معطلك ومقعدك في الدنيا؟
وئام : معرفش
ليان : يادي القرف اللي أنا فيه..... بص أيًا كان السبب مش مهم.... المهم إنك تمشي من هنا
عقد وئام ذراعيه وقال : مش هسيب بيتي
ليان : ما هو لو عندي بديل كنت سيبتهولك أنا
وئام : لا ما هو حتى لو مشيتي هفضل وراكي
ليان : ده ليه بقى؟!
وئام : عشان بصراحة فرحان إن حد هنا سامعني شايفني وبيتكلم معايا.... أنا بقالي كتير أوي هنا وعايش لوحدي
ليان : ميت بقى لوحدك
وئام : دمك تقيل
ليان : مش أتقل من دمك..... أووووف
دخلت ليان الغرفة وبدلت ثيابها وعادت لتدخل المطبخ..... لحق بها وئام بعد قليل وقال في غضب : برده هدومك على السرير
ليان : روقهم.... على الأقل يبقى ليك لازمة
وئام : يعني أنا الخدام بتاعك دلوقتي؟!
ليان : أظن إنك قاعد في بيتي اللي بدفع إيجاره ببلاش.... فا اشتغل الشغل مش عيب
وئام : على فكرة إنتي قليلة الذوق
ليان : شكرًا
بدأت ليان في تحضير الطعام ثم وضعته على موقد الغاز وحاولت أن تشعله فوجدت يدها لا تتحرك كأنها شلت مكانها فنظرت إليها لتجد يد وئام تتحكم بها فنظرت له في غضب وقالت : سيب إيدي
وئام : هتولعي في البيت.... إنتي بتعرفي تطبخي أصلًا؟!
ليان : وإنت مالك؟!
وئام : الحق عليا خايف عليكي..... مش أحسن ما تموتي وتبقي شبح زيي ساعتها مش هسيبك
ليان : ما إنت عملي الأسود..... سيب إيدي بقولك
وئام : ده بوتاجاز كهربا.... بتعملي إيه بالولاعة مش فاهم
حرك يدها وأشعل الموقد ثم سحب يده من جسدها وقال : أي خدمة
نظرت لها ليان باشمئزاز وزفرت بوجهه وتركته وذهبت إلى غرفتها وأخذت الثياب ووضعتها بغسالة الملابس ثم أنهت الطعام ووضعته على الطاولة أمام التلفاز وفتحته وجلست لتأكل بعد أن توقفت على أحد القنوات لتشاهد فيلم ثم تركت جهاز التحكم ومدت يدها لتأكل ولكن وجدت يدها تتحرك باتجاه جهاز التحكم مرة أخرى فنظرت إليه في غضب وقالت : وبعدين بقى
وئام : في ماتش شغال.... عايز أتفرج عليه
ليان : مش بحب الكورة
ثم مدت يدها الثانية وأخذت جهاز التحكم من يدها فأمسك وئام يدها الأخرى وقال : عايز أتفرج.... إنتي هتاكلي وتنامي مكانك.... سيبيني أتفرج بقى
ليان في غضب : سيب إيدي
وئام : هتسيبي الماتش؟!
ليان : هسيب الزفت.... سيبني أكل بقى
ترك يدها فأمسكت الجهاز وغيرت القناة وقالت : هاكل في عشر دقايق وأنام وبعدين هات الماتش براحتك
وئام : كدابة أوي إنتي
ليان : شكرًا
تناولت الطعام وتركها وئام وحدها وبعد وقت عاد ووجدها نائمة فأحضر غطاء من الداخل ووضعه على جسدها ثم أخذ الأطباق وقام بغسلهم وأخرج الملابس ووضعهم على حامل تجفيف الملابس وجلس ليشاهد المباراة..... في الصباح استيقظت ليان ورأت الغطاء على جسدها ووئام يجلس يشاهد التلفاز فقالت :
شكرًا على الغطا
وئام : صباح الخير..... بحاول أصلح اللي عملته وأنا عايش..... ثواني.... مش يمكن إنتي المشكلة في إني هنا لحد دلوقتي
ليان : يعني إيه؟!
وئام : يعني عشان إنتي زعلانة مني أوي كده
ليان : ياريت..... لو كده تبقى سهلة.... أنا مسمحاك يا سيدي
وئام : لا ما هو مش هنضحك على بعض.... لازم تبقى من قلبك
ليان : من قلبي..... إمشي بقى
نهضت ليان ووجدت الثياب معلقة على المجفف ثم دخلت المرحاض وأخذت حمام دافئ وبدلت ثيابها لتذهب إلى العمل ووجدت وئام يلحق بها فقالت : رايح فين؟
وئام : هاجي معاكي
ليان : لا شكرًا بعرف أروح لوحدي
وئام : هقعد لوحدي ليه..... بصي هاجي معاكي ومش هتكلم..... بس مش عايز أقعد في البيت وبعدين مش يمكن أساعدك في أي حالة زي إمبارح
ليان : لا مش محتاجة
خرجت ليان من المنزل لتجده يلحق بها مرة أخرى فالتفتت وهي على الدرج وقالت : ممكن ترجع لو سمحت
وئام : لا
ليان : أووووف
كان سامر ينزل الدرج ورأى ليان تتحدث إلى الفراغ فنظر لها في تعجب ونزل أمامها فالتفتت إليه وقالت : أستاذ سامر
توقف سامر وقال : نعم
ليان : أنا أسفة على اللي قولته لحضرتك المرة اللي فاتت
نظر له وئام بغضب ولاحظت ليان ذلك وقال سامر : ده فجأة كده؟!.... شكلك عرفتي إن كلامي صح
ليان : اه.... طلع صح
سامر : طيب وقاعدة ليه في الشقة لحد دلوقتي
وئام : وإنت مالك
ليان : معنديش حل للأسف.... مش معايا فلوس أجيب شقة تانية
سامر : مش خايفة؟..... ده مفيش حد كمل في الشقة ٢٤ ساعة
وئام : عيل بلط
ضحكت ليان ثم تحمحمت ونظرت لسامر وقالت : لا مش خايفة..... عن أذنك عشان متأخرة
ذهبت ليان ونظر له وئام باشمئزاز ولحق بها وقال : إنتي بتتكلمي معاه ليه أصلًا؟
ليان : وإنت مالك.... وبعدين إنت متضايق منه ليه؟
وئام : معرفش.... دمه تقيل
ليان : لا دمه مش تقيل.... الراجل محترم يعني عادي.... إنت اللي شايف نفسك حبتين
وئام : براحتك..... بس متكلميهوش تاني
ليان : وإيه براحتك اللي في الأول ديه؟
وئام : براحتك في رأيك.... بس مش هتكلميه تاني
ليان : هو أنت ولي أمري
وئام : متعصبنيش.... نفذي كلامي عشان مزعلكيش
ليان : اللي تقدر عليه إعمله
وئام : ماشي إتفقنا
ذهبت ليان ووئام يلحق بها وركبت الحافلة.... وقفت ليان وخلفها وئام ثم أدخل يده في يدها وتحكم بها ووجدت ليان يدها توضع عند محفظة أحد الركاب فنظرت إلى وئام وهي تفتح عينيها في صدمة وإماءت له برأسها بلا فضحك وئام وقال : مش إنتي قولتي اللي تقدر عليه أعمله
وضعت ليان يدها الأخرى على صدرها في رجاء بأن يترك يدها فقال : هتكلميه ولا لا؟!
أماءت له بلا فترك يدها فتنفست براحة ونظرت له ووجدت نظرة إنتصار على وجهه.... بعد وقت نزلت من الحافلة ولحق بها فوضعت سماعة داخل أذنها مدعية بأنها تتحدث بالهاتف حتى لا يشك أحد بأمرها وقالت : بطل تتحكم فيا
وئام : بطلي تستفذيني
ليان : ما هو مش منطقي اسمع كلامك..... ومش منطقي إني أنفذ أوامر شبح
وئام : شبح مش شبح تسمعي الكلام وإنتي ساكتة
عقدت ليان حاجبيها ونظرت له وتوقفت عن السير فقال : إمشي عشان محدش يقول عليكي مجنونة.... مع إن مش غريب يعني إنتي شكلك مجنونة أصلًا
ليان في غضب : تصدق إنك....
قاطعها وئام وقال : هااا؟.... تاني
نظرت له باشمئزاز وتوجهت إلى المشفى فوجدت لؤي يقترب منها فهمس داخل أذنها : الواد ده برده ملزق.... بصاته مش عجباني
نظرت له بجانب عينها ثم ابتسمت للؤي وقالت : صباح الخير
لؤي : صباح النور على الدكتورة اللي قلبت المستشفى من أول يوم.... مفيش دكتور ولا ممرضة إلا وسألو عليكي
ليان : عشان عملية إمبارح يعني؟
لؤي : طبعًا.... عملتي كده إزاي بجد؟
ليان : مش عارفة.... بس لقيت الراجل بيموت مقدرتش أسكت يعني.... قولي صحيح يا لؤي.... هو دكتور وئام مات إمتى؟
عقد لؤي حاجبيها وقال : مين قالك إنه مات؟!.... دكتور وئام عايش