رواية علاقات سامة الفصل الثاني والاربعون 42 بقلم سلوي فاضل


 رواية علاقات سامة الفصل الثاني والاربعون 

« فرصة أخيرة»

يومٌ شديد الحرارة، ألهَـبت أشعة شمسه الأجواء، استقبلت سارة يومها بقلب منقَبض، تأهَّبت لسماع أو وقوع أمر سيئ وكلمَّا مر الوقت زداد خافقها انقباضًا، يدور عقلها برأسها تمنعه قسرًا عن توقع ما قد يحدث؛ فكلما توقعت أنها وصلت مع كمال لذروة صدماتها وجدت مِن أفعاله ما يجعلها توقن أنه ما زال يخفي بجرابه الكثير، لم تكن تعلم أنَّ اليوم هو أشد أيامها سوءًا ستتجرَّع فيه الضَّنى والهوان، عاد كمال مساءً مكسوًّا بهالة غَـضـَب شديدة السَّواد لتفاقم مشكلته بالعمل، لم يستطع معالجة الأمر ومع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تصدَّرت قضيته محركات البحث تتناقلها الألسن؛ فقرر المسئولون ذوي الضمائر الخَرِبة تصديره للرأي العام ككبش فداء يخفوا فسادهم تحت مظلته، وكالمرة السَّابقة عملت على تجنب ظهورها.

 

 

مر بعض الوقت وهو يفكر بحلٍ لهذه المعضلة؛ فآخر ما أقترحه عليه زميل له هو إيجاد حل بديل يخمدوا به ثَــورة الرَّأي العَام وإبداء ما حدث بشكل مقبول يقنع الشخصيات الهامة والكبيرة المعنية بمتابعة التحقيق مع كل المتورطين، أمَّا هي ظلَّت حبيسة داخل المطبخ تشعر بجدرانه تُطِّبق عليها، تخشى ارتفاع صوت أنفاسها فيتذكَّرها، جفَّ ريقها واشتدت مرارته فمدت يدها تلتقط كوب مياه لعله يهدئ روعها! ولشدة توترها سقط منها مصدرًا صوتًا مدويًا بقلب صخب الصَّمت، جحظت مقلتيها وانسحبت الدِّماء من عروقها وكاد قلبها يقفز هاربًا من مصير توقن أنَّه أشد قتامةً من سواد الليل الذي غاب قمره، وبالخارج جذبه الصوت من غطيس أفكاره فانطلق صوبها كرصاصة خرجت من محبسها، رماها بسهام نظراته تنهشها فقابلته نظراتها المذعورة ونبرتها المترجية:

-       أنا آسفة والله مش هتتكرر تاني.

-       مش عايز نفس الاعتذار جوه مش هنا.

 

 جمع خصلات شعرها بكفِّه يسحبها جرًّا لغرفة العِـقَاب، أذاقها الهوان وتجرَّعت الألم، طال الوقت ولم ينتهِ تمنَّت حدوث معجزة تنقذها من براثنه، وكأن القدر استجاب لها؛ أضيء هاتفه وارتفع رنينه وبرؤيته لهوية المتصل انتفض جسده بارتباك تراه منه لأوَّل مرة، استمع لكلمات الطرف الآخر مُتَّضـع صــاغرًا وهرول للخارج غير منتبه لما حوله، حين ظنَّت خروجه لملمت شتاتها وأشــلاء كرامتها ثُمَّ غادرت الغرفة بخطوات مهـزُومة تحاول تغطية جَسَدها بملابسها المهترئة من قسوة ما عاشته، مع أوَّل خطوة خارجها وقفت مصدومة جاحظة العينين، لقد ترك باب سجنها مفتوحًا، أنسيَّ غلقه؟!! أم أنه يختبرها ليزيد معاناتها؟!! حسمت قرارها ليس لديها ما تخسره، لم يبقِ لها سوى روحها إن فقدتها نظير محاولاتها للفرار فهي ناجية، وإن تمكنت من نيل حريتها فهي منتصرة، أسرعت خُطاها بدلت ثياب الغانـيات لأخرى محتشمة وحاولت العثور على نقود ولو شحيحة دون فائدة، هرولت للخارج ورغم الظلام الذي بدأ يعشش بالأرجاء إلا أنها شعرت به كسراج منير يضيء سبيلها للحرية، عَبَرت بوابة الفيلا الضخمة المفتوحة أيضًا تركض دون توقف، تلفح وجهها نسمات الحرية تستعيد حياتها وكأنَّها عادت من مَوْت محقق، تستنشق نسمات نظيفة بعيدًا عن عطنة القبو السحيق الذي انغمست داخله لأشهُر طويلة مرت عليها كدهور طويلة.

 

 
 

بعدما عاد وتناولا الطعام وهو يطلب منها الراحة وهي تطلب مهلة صغيرة لتتم ما تفعل، وكأنَّها تفسد ما أُنْجِز لتبدأه من جديد! كلما دخل إليها ظنها انتهت لا يرى ما يريد الترتيب أو التنظيف وهي لها رأي أخر، لكن إلى هنا وكفى لا مزيد من العمل. 

-       يا طيف كفاية كده تعالي أقعدي، أيه ما تعبتيش!

-       خلاص ثواني بس.

-       لأ، كفاية كده، مش عايزك تتعبي وبعدين شغل البيت في واحدة بتعمله وخلاص هتيجي كل يوم مش كل أسبوع، ارتاحي، الدكتورة قالت لازم راحة.

 

نظرت له ممتنة ينبض قلبها بسعادة لا ينقصها سوى عودة الغائب، جذب كفها بحنان ادمنته وتحرك بها للمجلس يحاوطها بتملك مستمتعًا بقربها منه.

-       مبسوط يا مؤنس إني حامل؟!

-       أكيد يا طيف، عارفة أنا بحلم باللحظة دي من كام سنة! مِن يوم ما شوفتك في المترو.

-       مش نادمان؟!

-       نادمان!!! عايزة الحقيقة أيوة، ندمان لإني ما لاقتكيش قبل كده بشوية سنين، لإني قبلت اتجوز غيرك، لإني فقدت الأمل ولو للحظات بسيطة إني أقابلك من تاني، لإني ما صارحتكيش من أول يوم جواز إني الظابط اللي ساعدك زمان ودخلتِ قلبه وملكتِيه وقفلتي عليه وأخدتي مفتاحه وهربتي.

 

 

 

تُسْرِع وتُهرول بكل طاقتها أسدل الليل ستائره واستوحشت الطرق، لكنها وبعد عناء وصلت لبداية العمار، نذر بسيط من المارة والقليل من سيارات الأجرة، لن تستطيع الاعتماد على سرعة ساقيها فقط، كلما تملكها الانهاك جلست تستجمع طاقتها ثم تعاود الكَر، لكن بهذه السرعة ستسقط أسيرة له مِن جديد، فكَّرت مَن تستطيع اللجوء إليه دون أن يخذلها! مَن لن يتخلى عنها أو يخلف ظنها ولن يقايضها! لم تجد غيره لتثق به، لكن هل سيثق هو بها؟!! لم تُضع وقتًا أشارت لأول سيارة أجرة قابلتها وأملته عنوانه، لازمها القلق والابتهال لله حتى وصلت لوجهتها.

 

 

طرقات متتالية مذعورة على الباب ايقظتهما فشعر بالغضب مِن الطَّارق الذي نقل له حالته وقلقه، فتح الباب فتجهَّمت ملامحه وتيبَّست، بالكاد منع لسانه عن التحدُّث بنزق، نكَّـست رأسها بخزي:

-       ممكن أدخل؟

-       عايزة أيه يا سارة؟ ويا ريت دوغري من غير تمثيل.

-       طيب ممكن أدخل نتكلم جوه! والله مش جاية في أذى، أنا محتاجة مساعدتك مش هقدر أثق في حد غيرك.

 

حالتها الرثَّة جعلته يشفق عليها؛ فأفسح لها لتدلُف فاستمع لصوت من خلفها:

-       الأجرة يا أستاذة.

 

هربت نظراتها واردفت بمرار:

-       مش معايا فلوس.

 

وبصَمْت دفع للسائق أجرته مغلقًا الباب خلفها، وعينيه ترمقها بتفرس فخرج صوته خشنًا جامدًا:

-       عايزة أيه؟

-       ساعدني يا مؤنس، ساعدني بالله عليك والله العظيم تعبت وعرفت غلطي كله!

-       المفروض أصدقك! أنتِ تحالفتِ مع كمال ومش بس كده اتجوزتم، طول الشهور اللي فاتت حاول كتير اذيتي، ما تفتكريش اني ما عرفتش بخططه عشان يوصل لطيف، لا أنا توقعت خطواته وعملت على نســفها من أساسها، وفي النهاية وقع في شر أعماله.

-       والله يا مؤنس أنا كمان انكويت بناره، تعبان روحت له برجلي، كنت بتهــمك بالعُنْـف والسَّـاديَّة معاه عشتها ودوقت ذلها ووجعها..

 

اختنقت نبرتها وتحشرج صوتها بحنجرتها فالحديث عمَّا عانته يطــعنها بسهام الهوان ويزيد معاناتها، وبتلك اللحظة خرجت طيف إليهما واستمعت لباقي كلمات سارة:

-       كنت بوطي على رجله أتوسل الرَّحمة، عمل فيا كتير قوي، أنا تعبت، لو طالني بعد ما هربت منه هيموتني بالله عليك يا مؤنس أقف جنبي.

 

أزداد شعوره بالشفقة عليها؛ فمَن تتوسل إليه ليساعدها ليست سارة طليقته التي تعتز بكرامته حد الغرور، هيئتها رثَّة كَمَن عَدَت لمسافات طويلة، شعر بتناقض مشاعره تجاهها، صوت داخله يطالبه بمساعدتها والوقوف بصفها حتى تنال حريتها وآخر يحدثه أنَّ ما تعيشه من صُنع يديها فلتذُق ما صنعت، انسحب لغرفته ينفرد بنفسه ولو لدقائق بسيطة؛ فظنت سارة تخليه عنها -ويحق له- بتعثر تحركت جهة الباب فوجدت يد طيف تحاوطها ترمقها ببسمة ودودة مرحبة تحثَّها على الجلوس بلطف.

-       هيساعدك ما تخافيش، هو محتاج يصفي ذهنه، لكن أكيد هيقف جنبك.

 

تبادلتا النظرات، مقلتان معتذرتان تقابلهما أخرى داعمة مشفقة، ومَن يشعر بما عانت سوى طيف التي تذوقت الحنظل لأعوام طويلة، تعرف مرار الهوان وغصَّة القــهر قرأت عَذَابها بمقلتيها، نظراتها المُنْكَـسِرة وحنجرتها المَذبُــوحة تذكِّرها بماضيها القريب.

 

 

يقود سيارته يحدث نفسه بصوت مسموع، يكاد يشــتعل غَضَبًا، ظن بهذه المكالمة نجاته وخاب ظنه، يصرُّون على التضحية به كأنهم اكتشفوا طريقته وأسلوبه الآن فقط، الجميع يلومه ويؤنِّبه، قطع استرسال أفكاره مروره ببوابة الفيلا، سبَّ نفسه لنسيانه غلقها، زاد من سرعة السيارة ليدلف لقلب الفيلا التي غفل عن غلق باباها الداخلي أيضًا، وبقلب المكان صرخ على سارة بكامل صوته؛ فأجابه صداه يخبره بفرارها من قبضته، توعدها بالهلاك البطيء سيعيدها ويقتص منها فمَن لها ينقذها منه، بتفكير متمهل توقع إلى مَن لجأت ولم يهدر الوقت فتحرَّك من فوره.

 

  

طرق متتالي وعَنِيف كَسَـر الصَّمت وأخرج مؤنس من دائرة التفكير التي لم تتعدَ بِضع دقائق، خرج متحفِّزًا يكاد يجزم أن كمال هو الطَّارق هذه المرَّة، تفاقم حنقه منه وامتزج بشفقته على سارة التي انزوت بأحد أركان المجلس ترتجف بذُعْر وهيستيرية، حاوطتها هالة رعب فاصمَّت شعورها، فصلتها عن إدراك وقوف طيف جوارها ومحاولتها منحها بعض الأمان؛ فعقلها ينذرها بمصير أسود إن تمكَّن كمال منها ومقلتيها ترثي حالها وتقص رُعــبها.

 

 

وقف كسدٍ منيعٍ قبالته لم يهتز للقوة التي رافقت كمال رغم أنَّ صوته رجَّ العمارة بالكامل ووصل لسمع طارق بالأعلى الذي أسرع إليهم ليدعم صديقه.

-       اثبت عندك أنك لقيتها فعلًا وحالتها باينة، واضح أنه مهددها.

 

أردف كمال بجملته لضابط القسم مثبتًا مقلتيه بعيني سارة يرشقها بتهديد واضح إن خالفت قوله، وهو يعلم أنها بكل الأحوال هالكة إن وصلت ليديه، فقد ظنَّ أن المَحْضَر الذي حرره يتهم مؤنس فيه بخطف سارة وتهديدها سيربك الآخر ويجعله يتخلى عنها بيُسر، لم يتوقع هجوم مؤنس عليه أو مناصرته لها أبدًا.

-       الكلام ده تُرَّهات، بعيد عن الحقيقة هي ضيفة هنا وجاية بإرادتها ورغبتها.

 

تابعت طيف حرب النظرات التي شنَّها كمال على سارة، كم كرهتها! وكم قاست مرارها! وجدت نفسها تكمل حديث مؤنس بسلاسة بعيدًا عن خوفها المعتاد من الغير؛ فأدهشت مؤنس وراقت له:

-       مدام سارة كانت جارتي بسكني القديم وجت تزورني، ممكن تسألها.

-       جارة!!!

 

 

رد كمال ساخرًا بينما طالعتها سارة بامتنان فواصل كمال سخريته وكاد يهم بأول خطوة داخل المكان لولا تصدي مؤنس له وحضور طارق.

-       قصدك كانت مراته.

-       ما سمحتلكش تدخل، ومدام سارة لجأت لي عشان عايزة تطلق منك، وهتعمل ضدك محضر تثبت فيه أثار التعْــنيف البدني اللي وقع عليها ولحد ما يتم الطلاق هي في حمايتي وحما القانون.

-       أهدوا يا جماعة الشارع ملموم على صوتكم، أيه اللي بيحصل يا مؤنس، فيه أيه بالظبط؟!

-       كده يبقى حضراتكم تيجوا معايا القسم كل حد فيكم يعمل المحضر اللي عايزه ونقفل محضر اللي قدِّمه المُقَدِّم كمال.

-       حضرتك اتفضل انتظرنا في البوكس، أنا هغير واجي أنا ومدام سارة في عربية المُقَدِّم طارق.

 

 

انتظره الضابط والقوة بالأسفل بينما انطلق كمال غاضبًا للقسم وهو يسب الجميع بأحَطِّ السُباب وحاول الاتصال ببعض القيادات الفاسدة لتساعده وجميعهم رفضوا ونصحوه بالتركيز في مشكلته التي قد تفقده مستقبله الوظيفي وتمحوه.

 

بالأعلى بدل مؤنس ملابسه وعمد ارتداء الزِّي الرسمي فوجد طيف هي الأخرى بدلت ملابسها لترافقه.

-       طيف، أنا قولت مش هتيجي.

-       عشان خاطري يا مؤنس حالة سارة وحشة خليني أفضل معاها.

-       مش هتدخلي قسم أبدًا لأي سبب ريحي نفسك، ده غير أن ده مجهود وارهاق عليكِ عشان صحتك وعشان ابننا.

-       وسارة!

-       أولًا هي ملهاش تزعل منك، ثانيًا وقوفك جنبها يحرجها لأسباب كتير أنت ما تعرفهاش، ووعد مش هسيبها في القسم ولا أخليها ترجع معاه أنا متأكد أنه هيأذيها لو طالها ومهما كان اللي حصل قبل كده استحالة أسيبها له يدمرها.

 

وبالقسم تم كل شيء سريعًا رجَحَت كفَّة مؤنس بسهولة ودون جهد ودُحِر كل ما صبا إليه كمال، شعرت سارة ببعض الأمان ودبَّ داخلها بريق من الأمل.

ارتسم الجمود على قسمات مؤنس ولم يفارقه، بالسيارة جاور طارق وساد بالأجواء هدوء حذر أنهاه مؤنس بعملية شديدة:

-       تروحي على بيت والدك أفضل؟!

 

 

انهارت باكية وتملكت منها الحَسْـرة؛ قد سلبها كمال كل ما تملك ولم يكتفِ بنَــحر كرامتها، جردها مِن كل شيء، أغمض مؤنس مقلتيه يتحكم في غضبه ثم استرسل:

-       ممكن تقعدي في الشقة اللي هنا هي زي ما هي بعفشها وبكرة هبعت لك واحدة تنضفها، ولو حابة نطلع على ماما تباتي معاها.

-       لأ، قصدي.. أنا...

-       مش محتاجة توضحي حاجة أدام مش حابة، بكرة همر عليكِ مع طارق نحدد خطواتنا الجاية.

 

 

 

الانحدار شيمة حياته مع ريفال، بعد تعافيه مما رتبته له دبر لها مكيدة جديدة وتحت مسمى رحلة تصافي ومصالحة وبدلًا مِن النزول بمنتجع سياحي ضخم كما وعدها اختلى بها في منطقة بعيدة عن العَمَار، أخذها عنوة إلى شقة بأطراف المدينة بمجمع سكني جديد خالٍ مِن سواهما، أجره ووضع فيه عُدَتَه أحبال، عصيان، قطع جلود رفيعة وأخرى سميكة، فحم وأسياخ، ولم يبخل عليها بوضع قطع أثاث بالية يرافقها مرتبة هوائية ووسادة حرمهما عليها، وكان كريمًا بفترة مكوثهما ثلاثة أيام كاملة وكان ردها على فعله أشد سَخاءً منه ولم تكن أقل منه كرمًا، فبعد تعافيها دبَّرت له وصديقها ما رد لها كرامتها.

 

 

عاد بعد انقضاء عقوبته فاستقبلته بلاذع الكلمات توسطت الدرج الداخلي للمنزل صوَّبت ناظريها عليه بحِـقْد عميق تراه يجلس بصالة الاستقبال يحتضن صغيرته باشتياق، يغمض عينيه ويشدد عليهما فابتسمت منتصرة؛ فبالتأكيد يئن جسده ألمًا من هول ما حلَّ به وعاناه.

-       أهلًا، شرَّفت الوقت جري بسرعة كده، تحب ترجع تاني ولا تعلمت مِن أخطائك! شوفت يا زوجي، العين بالعين والبادي أظلم.

-       قوليها صح وكاملة الأول، أنا ماليش مزاج أتكلم وأنت عارفة ومجربة بنفذ على طول يمكن تتعلمي حاجة.

-       هنشوف يا.. يا غضنفر، كل قلم هرده عشرة وعشرين كل حاجة هردها أضعاف مضاعفة مناخيرك دي هدفنها مش هجيبها الأرض وبس، اتقي شري أحسن لك.

-       اتكلمي على قدك، واضح أنك لسه محتاجة كتير عشان تتعلمي اللي أبوكِ نسي يعلمهُ لكِ.

 

 

نقاش متدني وغير منتهي على مسمع ومرأى مِن حلا، لم تكن أوَّل مرة تسمع نقاشهما ولن تصبح الأخيرة تستمر حياتهم على نفس النهج والمنوال، تحوَّلت حياتهما لعنف ومكائد؛ كر وفر، تنحدر علاقاتهما وتحتد، لم يُراعيا وجود فتاة على أعتاب المراهقة بينهما، لم تسلم سيرة طيف مِن أحاديثهما طالما تنفى ريفال الخضوع مثلها أو تقبل ما عاشته، ومع كثرة الخلافات وكثرة ذكر طيف ربطت حلا بين ما سمعته منهما وبين ما رأته من حالة والدتها بالسابق، يعاد بذاكرتها كلمات والدتها بآخر لقاء؛ فأيقنت براءة والدتها من كل ما نُسِب إليها؛ فبكت نادمة على تصديقهم، كم اشتاقت إليها!

 

 

منذ عودته مع حسن وهو يشعر بتغير ابنته، لا تقوى على النظر داخل مقلتيه يرى بعينيها نظرات اعتذار وندم، وكلَّما فتح ذراعيه لها داعيها للسكن داخلهما جادت عينيها وعلا نشيجها، زادت حيرته مع كثرة زيارات الضابط ياسين لهم وسماعه لحديثه مع حسن وحينها ارتبك الجميع وانسحب الضابط بعُجَاله، ارتسم التجهم على ملامح الأب وكتب على اللوح الالكتروني الذي يرافقه يطالب حسن بالتوضيح، تملَّكت الحيرة من حسن يخشى تأخر حالة والده ولن يستطع الكذب.

-        ده ظابط القسم حصل موقف وساعدني فيه ومن وقتها بيزورني من وقت للتاني.

 

لم يقتنع والده عقد حاجبيه، مَن يراه يجزم أنه لو ملك صوته لصرخ بوجههم جميعًا ودون له سؤاله التالي فأجاب حسن:

-       لأ طبعًا مش كل حد يدخل القسم يصاحبه بس الحالة كانت غريبة شوية.

 

رغم أنه يدون ما يرغب السؤال عنه، لكن ارتجاف أصابعه واحمرار وجهه دلَّا على مدى غَضَبه.

-       حاضر يا بابا هاحكي لحضرتك بس أوعدني تعذر سعاد اللي حصل كله كان فوق طاقتها.

 

 

قص له كل ما حدث لم يخفِ عليه شيئًا أو يجمِّله، حاول توضيح الضغط الذي أدى للنتيجة التي وصلت لها، وما أسوأ شعور والدهما بهذه اللحظة! جمع المال وفرق شتات أبنائه؛ ففسد ابنه الأصغر وضاعت ابنته ولم ينجُ سوى حسن، يلتهم مضغته نَدَم وقــهر، لا يدري أي خطأ اقترف فدفع أبناؤه ثمنه فادحًا، طلب من حسن استدعاء سعاد، فجثت بين يديه وقد حفرت دموعها جدولًا على وجنتيها تحولت إلى أنهار دامية مع صفعته التي حطت على وجنتها، ارتفع صوت شهقات الجميع حسن ونيرة مصدومان وسعاد باكية معتذرة.

-       أنا آسفة والله آسفة سامحني يا بابا!  

 

جثا حسن جوارها قبل يد والده وحدثه موضحًا وراجيًا:

-       أرجوك يا بابا! هي غلطت مش هنكر، لكن الغلط الأساسي احنا السبب فيه، كلنا غلطنا وهي كانت لوحدها مع حالة سامر، صدقني يا بابا هي مجني عليها والله شافت كتير وقاست، مرِّت بحاجات صعبة، درسها علِّم فيها جامد عمرها ما هتنساه أبدًا.

 

أبعد والدهما وجهه عنهما يشعر بالغضب والسخط ليس منها فقط، بل من نفسه ومِن زوجته ومن العالم أجمع، اتخذ قرار كان متذبذب فيه قبل تلك اللحظة، لكنه الآن أكيد من حتميته، سيطلق زوجته ويودع سامر بمصحة لعلاج الإدمان لعل هذه الخطوة تصلحه أو تكف أذاه عمَّن حوله.

 

 

تعافت نادية وعادت لحياتها وعملها، لكن بهذه المرة أشرقت للحياة وساد الصفاء بينها وبين شيماء، لم تستطع التصالح مع والدتها بالرغم من إشفاقها عليها ولم تقوَ على لقائها.

أما شيماء فحلَّقت بالسماء تشعر أنها بقلب حلم جميل دافئ، اتصلت بوالدها تودَّه رغم جفاف معاملته وجفائها، لكنها عزمت على تنفيذ وصية جدها دون كلل.

 

 

عدة أيام مرت على الجميع اختلفت أحوالهم وتناقضت، عادت الكآبة تحيط بسعاد لجفاء والدها وتجنبه الاجتماع بها، حاولت الانعزال عنهم؛ فلم يعطها حسن حرية الابتعاد. 

وعلى النقيض شيماء ونادية داومتا على اتصال يومي كل منهما تقص تفاصيل يومهما للأخرى دون ملل ولم يقل عنهما زوجيهما سعادة لأجلهما، أمَّا سارة فبرغم تخلي حياتها عن غطيس سوادها إلا أنها لم تفارقه؛ فكمال لم يترك أحلامها لحظة واحدة، حرَّم عليها النَّوم خوفًا مِن لقائه، وما زاد معاناتها هو سخط مؤنس عليها والشيء الوحيد الذي هوَّن عليها حالها هو تواصل طيف معها ورحابة صدرها التي تغلفها مؤازرتها وإحساسها القوي بمأساتها وهو نفس السبب الذي يجعلها تشعر بالصِّغر أمامها وأمام نفسها.

 

 

عاد من عمله يشعر بالضَّجر؛ لم يترك طارق فرصة واحدة تمر دون أن يشعره بالتقصير مع سارة يطالبه بتقليل حدته معها، كيف وهو ساخط عليها؟! فهي تتمسك بحقها في المال؛ لذا ترفض الخلاص السريع من كمال برفع قضية خُلع، ستقبل طول أمد القضاء في قضايا الطلاق، رَفَض منطقها؛ فأبى سماع تبريرها ومن حينها وهو يتجنبها، دلف للبيت فحاوطته طيف برعايتها رغم ذبول وجهها وتعبها الذي بات واضحًا على قسماتها.

-       حمد الله على السلامة.

-       مالك يا طيف؟ أنت تعبانة غيري نروح نكشف.

-       ما تقلقش ده تعب الحمل العادي.

-       مش معقول يكون العادي وما تستهونيش كده، أكيد وقفتي وتعبتِ نفسك مش عارف مش بتسمعي الكلام ليه وترتاحي شوية.

-       تعالى بس أنا عملت الغدا كل الحاجات اللي بتحبها.

 

جذبته إلى المائدة وهي لا تقوى على الحركة، وبلحظة شعرت بالمكان يدور بها وتحولت الأرض الثابتة تحت قدمها لهلام استسلمت لضعفها مغلقه عينيها بوهن.

ربت حنون على وجنتها ونداء قلق باسمها جذباها من إغمائها، حاولت رفع جفنيها فشعرت بهما شديدي الثقل واقتحم أنفها رائحة نفَّاذة أصابت معدتها بالهــياج؛ فدفعت مصدرها بضّـعف تبعده.

-       طيف، سمعاني! طيف ردي عليَّا.

 

رمشت عدت مرات حتى أفرجت عن مقلتيها ابتسمت بوهن ووضعت راحة يدها الحرة فوق كفه القابض على كفها الآخر تطمئنه.

-       قولت لك ما تتعبيش نفسك، مُصرَّة تقلقيني عليك؟!

-       بحب اعمل حاجتك بنفسي، أنا حامل مش مريضة يا مؤنس، وكمان أنا كده كويسة ومرتاحة أنا بس حملي صعب شوية، تعالي نتغدى زمان الأكل برد.

 

يشعر بتوترها الذي تحاول إخفاءه عنه، تنظر إليه خفية كل فترة، انتظر أن تخبره بما يقلقها وحين طال انتظاره وطال صمتها بدأ هو الحديث:

-       قولي يا طيف، ليه متوترة وقلقانة؟

-       عايزة اكلمك بخصوص سارة.

-       ساااارة طول اليوم طارق يكلمني عشانها حتى أنتِ.

-       مؤنس!

-       يا طيف سارة لسه عايزة كل حاجة ومش عايزة تخسر حاجة، النفقة ومستحقاتها المالية شوية فلوس أهم من كرامتها وحريتها.

-       هو أخد منها تقريبًا كل حاجة حتى شقة باباها ودهبها.

-       دول أهم منها ومن سلامتها، كمال مش هيطلق بالساهل هيستخدم كل ثغرات القانون، أكيد هيستغل سلطته عشان يبتزَّها ويقلب الترابيزة عليها ويطلع فيها كل الصفات السيئة، مش هيخلي أي محامي كبير يمسك قضيتها، ممكن يلفق لها قضية دعــارة، أنتِ فاهمة بتدخل نفسها في أيه!!!

-       عارف ليه رضيت سنين عمري تضيع معاه؟ عشان ما كانش عندي بيت أو فلوس أقدر أعيش بهم، ما استحالة أخد بنتي واعيش معاها في الشارع وابهدلها، الموت كان أهون من إني اسيبها...

-       طيف!

-       لما حسيت أن في حد واقف جنبي بجد رغم أن كل اللي ملكته إحساس بوجودك، لكن قدرت أقول لأ واتحرر منه...

-       طيف!

-       عارف بابا ليه مش بيسأل عليا؟ مش عشان مطمن لأ، عشان ناسيني ومش عايزني، لكن باباها عمل عشانها كل اللي يقدر عليه وهو أخد كل حاجة تفكرها به، البيت ده هو حنان باباها هو حضنه وأمانه هو حياتها وكمال سرقه منها بالغَـصْب، مؤنس أنت كريم ورجل يعتمد عليه خليك كده معاها.

-       عايزاني أعمل لها أيه يا طيف! هي اللي راحت له برجلها، هي اللي باعت وهي بردو اللي تعاونت معاه رغم إني متأكد إن والدها حذرها منه لأنه متأكد من تهورها.

-       كمِّل كرمك معها وخليك جنبها، هي عايزة شقة باباها مش مجوهراتها رغم أنها كتير، عايزة ريحة باباها وبس.

-       حاضر يا طيف، هأعمل اللي عايزاه، كُلي بقى طبقك زي ما هو.

-       مش قادرة يا مؤنس.

 

كاد يضغط عليها لتتناول الطعام، لكنه انتفض مع نهوضها السريع واتجاهها للمرحاض وهي تكمم فمها براحة يدها، تحرك خلفها يتابعها باهتمام وقلق، استغرقت بضع دقائق مرَّت حتى هدأت معدتها وانتهت طاقتها؛ فسندت جبهتها على الجدار جانبها فوجدت يد مؤنس تجذبها إليه باحتواء والأخرى تحمل منشفة تخفف وجهها، نظرت له ممتنة.

-       أنا آسفة مش قصدي اضايقك معدتي دايما بتتعب وقت الحمل.

-       بتعتذري! ممكن تقولي عليا مجنون لو قولت لك اني حلمت كتير بالموقف ده، لكن لو عايزة تريحيني بجد بلاش تجهدي نفسك عشان خاطري وخاطر ابننا.

 

 

سحبها النوم سريعًا، لم تشعر باستيقاظ مؤنس ولا بإشراق شمس الصباح، وجهها مجهد يغــزوه بعض الشحوب أراد الاطمئنان عليها وقف جانب الفراش يربت على ذراعها بحنان:

-       طيف أنتِ تعبانة، سمعاني! حبيبتي طمنيني عليكِ.

 

 

تخللت رائحة عطره أنفها وهي بين الصَّحو والغفوة فثارت معدتها، نهضت بعُجالة مترنحة تكتم فاهها مُتَّجهة للمرحاض وهو خلفها، يتكرر الحدث بذهنها يعيد ذكرى أليمة مشابهة، لكن اختلف مَن يشاركها مَن تعاظم قلقه عليها وحاوطته حيرته فكيف يتركها وحيدة وهي بهذا الضَّعف؟!! يرى انهاكها جليَّا حاوط كتفها بذراعه وبالأخرى مرر المياه على وجهها بلطف ثم جففه عاونها للعودة للفراش يدثرها جيدًا وبفعله الحنون محى ذكرى دميمة لتحل محلها أخرى محتوية مُحبة.

-       ما تقلقش أنا كويسة.

-       نامي يا حبيبتي ارتاحي.

 

ابتسامة مغتَـصَبَة رسمها على وجهه لتصاحب كلماته، بالخارج هاتف والدته آملًا أن تؤازره وكان ردها شديد الجفاء.

-        قولت لك مش داخلة بيتك غير لما تطلقها تقولي أجي اقعد جنب المحروسة! بالذمَّة بقى هي دي اللي تبقى أم أولادك! عاجبك اللي حصل لك ولسارة بنت سيادة اللوا مش موظف عادي ومش طايق بنته لا ومبهدلها كمان.

-       آه يا أمي هي دي اللي راضي تكون أم أولادي ويا بختهم هيلاقوا حب وحنان، ولو هتقارنيها بسارة فأحب أقولك إن سارة هتطلع خسرانة.

-       ليه بقى؟! خليك عادل يا مؤنس سارة عاشت معاك سنين واستحملتك ودارت عننا انك رافض حملها.

-       سارة اللي بتتكلمي عنها بكل فخر قتلت أولادي بأيدها أربع مرات بدون ذرَّة ندم واحدة، في حين طيف متمسكة بالجنين رغم صحتها وتحذير الدكتورة، غير أنها مهتمة بيَّا وبكل تفاصيلي، قولي يا أمي المقارنة في صالح مين! وعلى العموم أنا مش عايز أضغط عليكِ أنا هتصرف وآسف لو أزعجتك.

 

لم ينتبه لارتفاع صوته الغاضب لإصرار والدته على موقفها بتعنُّت، والذي نبه حواس طيف وانهضها قلقة من مضجعها لتطمئن عليه، ومع اقترابها استمعت لكلماته الأخيرة واستنتج عقلها بداية المكالمة، وقفت على مسافة منه تغلف الشفقة نظراتها، إلتقت مقلتيهما حين رفع هامته وقبل أن يهم بأي تعقيب باغتته بكلماتها:

-       آسفة، مش عارفة مشاكلي هتخلص امتى أو هترتاح مِن تعبي أزاي! قدري يكون طرف كرهني، أم حنونة وأب كاره، جدة حلا طيِّبة وأبوها كارهني ولما اجتمعنا والدتك مش عايزاني، من يوم ما قابلتني وأنا بعمل لك مشاكل.

-       أنا اللي آسف يا طيف، ماما قالت هتيجي، مش هنزل غير لمَّا توصل.

 

رافقها للغرفة أجلسها فوق فراشها بصمت حوى كلمات يجَـاهد لخرسها، لكنه بالنهاية أطلقها بحذر ثم خرج للصالة:

-       ما تفتحيش الماضي تاني يا طيف، ما تضغطيش على جرح صاحي، حلا بنتي اللي تمنينها منك نفسي ترجع عشانك، بس مش لازم تفكريني بأنك كنت لغيري، حتى لو رغم عننا.

 

 

 

انقضى أسبوعان بقيت كل الأطراف على حالها، انعقدت أولى جلسات قضية الطلاق بمحكمة الأسرة، فاجأها كمال بوضاعة افترَاءاته وتجاذب المحاميان الدفاعات ومع مماطلة محاميه تم تأجيل القضية لبضعة أشهر، لم يكن هذا كل ما في جعبته فبالمساء بعدما هاتفتها طيف ووالدة مؤنس جلست بقلب الظَّلام فوق فراشها تحاوطها أحزانها وذكرياتها تؤنسها عَبَراتها وترثيها، زُلزِل قلبها برعب لشعورها بحركة خفيفة خارج غرفتها ولم تؤتها الشجاعة لاستكشاف ما يحدث، بالكاد حركت كفها جوارها تبحث عن هاتفها وبحثت عن رقم طيف واتصلت بها، صرخة فَزِعة خرجت من فاهها وسقط الهاتف مِن يدها مع فتح باب غرفتها وظهور وجهه الشِّيـطاني تتراقص عليه ضحكة مشابهة:

-       مفاجأة مش كده! قولت افكرك بيوم من الأيام الخوالي وأنتِ بتتلقي تعليمك على ايدي وبتعترفي بأخطائك، للأسف مش هتعرفي لا تثبتي عليَّا ولا تستخدميه في القضية.

 

 

لجمتها الصَّدمة كما فعل الخَـوف، تقدم بضع خطوات واثقة مستمتعًا بحالتها كاد يتحدث فأضيء هاتفها مستقبلًا اتصال من طيف ابتسم ساخَرًا وأغلقه نهائيًا واسترسل:

-       كده أحسن مش عايز ازعاج حاليًا عشان مستعجل، كنت بقول أيه؟!! آه بقول مش هتعرفي تثبتي حاجة عشان أنا دلوقت في قطر النوم رايح الأقصر استجم لمدة أسبوع وأنتِ بتفتري عليَّا بردو.

 

أخرج شريط لاصق عريض من جيب سترته قطع جزء كبير منه ووضعه على فاهها يكمِّمها يستمتع بتفاقم هلَـعِها وارتِجــاف جَسَــدها، ثم قَيَّد ساعديها معًا وتحدث بنشوة مريضة:

-       ياااه يا سوو وحشني تربيتك، بصي عشان التجديد وإننا بقالنا أسبوعين بحالهم بعيد عن بعض ولإني عملت كل حاجة معاكِ إلا حاجة واحدة فقررت أعملها النهاردة، هعمل منك أرجوحة واقفة، أمم لغة عربية عظيمة، تقفي على رجل واحدة يا دوب تلمس الأرض، ومع بداية الحساب يبدأ العرض وهسجله طبعًا عشان تكمل المتعة، وما تقليش لقيت شوية حاجات في أوضة الغسيل تنوب عن العَصَاية بجدارة يمكن أشد. 

 

 

 

-       مش بترد يا مؤنس، أنا قلقانة.

-       مش يمكن نامت أو عايزة تختلي بنفسها شوية بعد اللي حصل النهاردة في المحكمة، أكيد كان صعب عليها.

-       لأ، قلبي بيقولي في حاجة مش مطمنة.

-       نامي والصبح نروح لها.

-       يا مؤ...

-       نامي يا طيف مفيش نزول ولا حركة مش عايزك تتعبي تاني.

 

 

كشف الصَّباح عمَّا حل بسارة، صدمة حطَّت على رؤوس الجميع، انتابت سارة حالة هلع شديدة أخضعتها لعلاج نفسي طويل الأجل.

 

 

 

 

يجلس مع والده وكل منهما شارد بتفكيره، تنهَّد حسن بحزن غاص بنظراته داخل مقلتي والده يحدثه بتعقل شديد غلفه رجاء لحوح:

-       مش كفاية كده يا بابا، والله سعاد تعلمت، حاوطناها باهتمام وحلينا المشكلة، والحمد لله قدر ولطف وقدرنا نحل الموضوع من جذوره، أرجوك يا بابا كفاية هجر وخصام كلنا تعبنا ومحتاجين راحة، كفاية مشاكل سامر في مركز التأهيل ووالدته اللي بتحاول تخرجه قبل ما يتعالج.

 

رمقه والده بتأثر حقيقي هو يحاول التخلي عن جموده معها لكن كرامته التي دعستها بفعلها المشين تصرخ به رافضة، عقله وجوارحه يناشدوه الرَّاحة، واصل حسن كلماته ولم يتراجع ولمَّا رأى مِن والده الميل لحديثه استدعى سعاد ولم يهدأ حتى ضمها والدهما بحنان محتوي؛ فانسابت دموعها وانطلق ناطقها باعتذار ووعود، وأخيرًا سينعمون براحة البال بالهدوء والصفاء.

تعليقات