رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الخامس والاربعون 45 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الخامس والاربعون 

وضعت سارة سلة الفاكهة بهدوء على الطاولة القريبة ثم التفتت نحو الممرضة قائلة بنبرة خافتة تتسلل من بين طبقات القلق
إنها صديقتي أتيت فقط لأطمئن عليها لن أطيل البقاء 
لكن الممرضة لم تبد أي ليونة وكأنها كانت تحرس بوابة لعالم لا يسمح بدخوله إلا بأمر علوي قالت بصوت لا يحمل أي نبرة إنسانية
لن يكون ذلك ضروريا اقترابك منها قد يثير اضطرابها آنسة سارة أرجوك 
لكن بيل التي كانت تجلس على طرف السرير كتمثال نحته الحزن التفتت نحو سارة في عينيها غابة من الذكريات المتشابكة وفي حضنها وسادة احتضنتها كما لو كانت كائنا حيا 
همست بيأس لا يشبه صدى المريضات بل نداء من هاوية لا ترى
خذي طفلي واهربي به من هنا أنا سأشغلهم بسرعة من فضلك!
وقبل أن تدرك سارة ما تعنيه الكلمات وقعت الفوضى كأنها كتبت سلفا في نص سري رفعت بيل سلة الفاكهة ورمتها نحو الطبيب الذي كان يتقدم ببطء كانت حركتها أشبه بمحاولة خائفة لإيقاف موجة أو كأنها ترشق ظلا تظنه وحشا 
لن تأخذه! لن تأخذه مهما حدث! صرختها ارتطمت بجدران الغرفة كارتداد زجاج يتشظى في صمت 
في لحظة فتحت الأبواب كأنها أجبرت على الطاعة دخل رجال بملابس قاتمة وخوذ واقية ولم يكن المشهد بحاجة لكلمات 
كما تستخدم النهاية لتكميم الفصل قبل اكتماله سقطت بيل على الأرض كورقة نزعت من شجرة

نائمة وحملت كجسد خفيف إلى السرير لم تصرخ طويلا 
كانت تهمهم بشيء ما لا يفهم سوى تلك الجملة التي أصرت أن تبقى عالقة في هواء الغرفة
طفلي أعيدوا لي طفلي 
ثم غابت كأن المهدئ كان بوابة أخرى نحو سبات لا يعرف إن كان حلما أم موتا مؤقتا 
تراجعت سارة خطوتين إلى الوراء وكأنها تحاول الفرار من مشهد نقش في ذاكرتها دون استئذان أحست للحظة أنها لا تقف في مستشفى بل في مكان تدار فيه العقول كما تدار الأجهزة وتحقن الأرواح بالصمت لا بالدواء 
نقلت خارج الغرفة بصمت كضيفة غير مرغوب بها لم يسمح لها حتى بطرح الأسئلة 
لكنها وهي تبعد نظراتها عن السرير المقيد رفعت عينيها لترى رجلا يقف خلف الزجاج كان الدكتور غالاوي يوبخ الممرضات بنبرة مرتجفة كمن يحاول أن يعيد ترتيب المشهد 
وحين التقت عينا سارة بعينيه انكسر الصمت بينهما بلحظة حدق فيها للحظة خاطفة ثم أبعد بصره سريعا وكأن شيئا تسرب من ملامحها فأرعبه 
انقطع صوته 
واختنقت ملامحه بكلمات لم تخرج 
كان هناك شيء غير طبيعي شيء لم يقال 
وخلف هذا الشيء شعرت سارة أن الدكتور لم يكن يراها للمرة الأولى 
رغم أنها لم تلتق به قط 
وفقا لما رواه أحمد فإن ما حدث لبيل لم يكن وليد لحظة عابرة بل تراكم حزن خفي بدأ عقب انتهاء امتحانات الثانوية هناك عند الحافة التي
تفصل البدايات عن النهايات تخلى عنها جيف بصمت جارح وكأنه سحب ظله من حياتها دون إنذار ثم انهار كل شيء 
سحبت بيل من عتبة الحياة إلى ردهات هذا المستشفى بعدما فقدت جنينها وفقدت معه توازنها لم يعد صوتها صوت فتاة بل نداء ضائع لروح تبحث عن مأوى داخل جسدها 
لكن ثمة ما كان يقلق سارة كانت بيل تهمس دوما عن طفلها تكرر اسمه وتحتضن وسادته لكنها لم تذكر يوما من يكون الأب لم تشر بكلمة واحدة إلى والد سارة رغم علاقته الوثيقة بالعائلة وكأن الحقيقة تخشى أن تنطق 
تلك الثغرة كشق في جدار دفعت سارة إلى البحث ذهبت إلى منزل عائلة بيل عل الجدران هناك تنطق بشيء لم يدون 
لكن ما إن وصلت حتى اكتشفت أن العنوان لم يعد عنوانهم المنزل بات ملكا لغيرهم وأبواب الماضي قد أغلقت بإحكام والدا بيل غادرا البلاد منذ قرابة عام 
هاجرا! تساءلت سارة في صمت وقد لفها شعور غريب كمن فقد جزءا من لغز بين يديه 
عائلة ساندرز لم تكن ميسورة الحال لم تملك ترف السفر حتى وإن كان ابنهم الأصغر عبقريا نال جوائز علمية كيف لهم أن يتركوا بيل خلفهم بتلك الحالة
في محاولة أخرى لكشف الخيوط طلبت سارة من رايان
أن يرافقها مجددا وكعادته وافق بابتسامته الهادئة
آنسة سارة أين الوجهة هذه المرة
قالت بنبرة يغمرها التردد
رايان هل تعرف فتاة تدعى بيل ساندرز
تأمل قليلا
ثم أومأ برأسه
نعم بيل الفتاة المسكينة التي انهارت فجأة أعتقد أن الضغط الدراسي كان يفوق قدرتها البعض يظن أن العقل وحده يتحمل كل شيء لكن الأرواح أضعف بكثير مما نظن 
صمت لحظة ثم أضاف
كان الجميع يقول إنها متفوقة لكنني أذكر جيدا أنها كانت دائما تحتفظ بمسافة بينها وبين الآخرين وخصوصا الرجال الشخص الوحيد الذي سمحت له بالاقتراب منها كان السيد جيف 
تنفست سارة ببطء وكأن الاسم أعاد إشعال النار تحت رمادها 
أكمل رايان متأملا طريقا لا ينظر إليه
السيد جيف كان رجلا نبيلا لم يوفر دعما ماديا فحسب بل أعطاهم أمانا نفسيا بيل جودي وحتى أنجيل الفتى الراحل كانوا يرونه ملاكا لكنه اختفى وباختفائه تهدمت أركان حياتهم 
ترددت سارة قليلا ثم سألت بنبرة تحاول فيها أن تخفي ارتعاش القلب
لكنني أعلم أن الأسرة لم تكن غنية كيف تمكنوا من الهجرة
تنهد رايان وقال
تزوجت والدتها من رجل ثري صفقة من صفقات الحياة غير المتوقعة كانوا يخططون لإرسال بيل إلى الخارج كي تكمل تعليمها لكن كل شيء انقلب فجأة لم تسافر بل حوصرت في هذا المصير 
ثم نظر إلى سارة كمن يلقي عليها الحقيقة لا لوما بل شفقة
لو كان السيد جيف على علم بما حدث لانهار لطالما آمن بها كان يرى فيها شيئا أكبر من النجاح كان يراها ابنته التي لم يرزق بها 
هنا خيم الصمت لكنه لم يكن
صمت ارتياح كان صمتا ثقيلا كقبر لم يكتب عليه اسم بعد

تعليقات