رواية عودة الذئاب الفصل الثانى و الخمسون 52 بقلم ميفو السلطان

 

 رواية عودة الذئاب الفصل الثانى و الخمسون بقلم ميفو السلطان

 كان الكل قد دخل إلى الحجرة بعدما استفاقت مهره… لكن الصدمة وقعت كالصاعقة حين وقعت أعينهم عليها.
كانت ساهمة، نظراتها معلقة في الفراغ… لا تنطق، لا تتحرك، كأنها جدار صامت بلا حياة. جسد حاضر، لكن الروح بعيدة، كأنها جماد لا يشعر.

اندفع أسمر بخطوات مضطربة، جلس بجوارها، صوته يتقطع بالرجاء:
ـ «مهره… حبيبتي… إنتِ فُقتي؟! مهره جلبي… بصّيلي، أنا آسف، والله آسف على أي حاجه!»

لكنها لم تجب… لم يرمش لها جفن.

هنا ارتفع صوت الطبيب، حاملاً الحقيقة المرة:
ـ «أسمر بيه… مهره هانم مش معانا من الأساس!»

بهت الجميع… وتجمدت ملامح نديم، شعر وكأن خنجرًا غُرس في قلبه، فهتف بصوت يقطّعه اللهيب:
ـ «يعني إيه يا دكتور؟! يعني إيه؟!»

أجاب الطبيب بنبرة حزن ثقيل:
ـ «مهره هانم اتعرّضت لصدمة… أو ضغط، أو وجع فوق احتماله… خلاها ترفض نفسها وتنكر عالمها اللي بيوجعها. للأسف… حاولنا معاها كتير، بس هي دلوقتي في دنيا تانية… دنيا ما نعرفش حدودها إيه ولا درجة الانفصال شكلها إزاي.»

خيم الصمت… صمت يذبح القلوب.

أسمر وضع يده على صدره، شعر بغرزة تخترق قلبه. أما نديم… فمصيبته كانت أعظم. أحس أنه فقد سنده وضهره، شعر كأنه سقط من عليائه سقوطًا خلع ظهره وكسر روحه. أين رفيقة دربه؟ أين نصفه الآخر؟ لحظة تيهٍ انتزعته من الدنيا، ثم عاد على صرخة داخله تمزقه.

قطع الصمت صوت شجن وهي تصرخ بجنون:
ـ «يعني إيه؟! يعني إيه دكتور؟! اختي جرالها إيه؟! اختي راحت؟! إنت بتقول إيه؟! أنا ماليش غيرها!»

هنا تحرك نديم لأول مرة على غير عادته، اندفع نحوها، جذبها بعنف لكنه حضنها بحنان أبوي لم تعهده منه من قبل. فانهارت بين ذراعيه باكية، وهو يمسح على رأسها بحنان لمسه الخوف والفقد.

أكمل الطبيب بوجع:
ـ «إحنا مش عارفين الحالة دي هتستمر لحد إمتى… هي ما بتستجيبش لأي حاجة خالص.»

ابتعدت شجن فجأة، وجهها مشوه بالبكاء، صرخت في نديم بعنف:
ـ «مبسوط؟! مبسوط يا نديم؟! خدت انتقامك من عيلة أبو الدهب… اهي أختي راحت! أختي راحت! أعيش إزاي من غيرها؟! حرام عليك… عملت فيها إيه؟!»
هتف براء وهو يحاول يلمّ الموقف:
ـ «اهدي… اهدي حبيبتي.»

لكنها صرخت بكل ما في قلبها من نزيف:
ـ «ماحدش يقولي اهدي! اهدي إزاي؟! أروح فين من غيرها؟! أعيش إزاي؟!
دي عاشت عشانك يا نديم، وعاشت لغيرها… عاشت تدافع عن حلمك، وتدافع عني… وما لقيتش اللي يدافع عنها!
عاشت يا نديم مقهورة… كاتمة كل وجعها… كلكوا كنتوا شايفينها، واشتريتوا صمتها! دا يدمّر… ودا يغرز… ليه؟! ذنبها إيه؟!»

كانت الكلمات تنفجر منها كالرصاص، والدموع تغسل وجهها، وهي تكمل بصوت متقطع:
ـ «كنت بشوفها وهي بتلمس فساتيني… ولما أقرب، تعمل نفسها بترتبهم.
كنت بشوفها مخبية في تليفونها فيلم السندريلا… نفسها تبقى ست زيها.
عمري ما هنسي يوم ما مسكتها وقلتلها: إنتِ ماينفعش تعيطي… ماينفعش تلبسي كده… ماينفعش تعملي ده! ليه؟! ليه يا نديم؟ عشان إيه؟!»

توقفت لحظة، شهقت كأن روحها بتتقطع، ثم استدارت لأولاد عمها، عيونها مشتعلة بدموع الغضب:
ـ «عشان دول؟! عشان تاخد حقك من دول؟! مين دول أصلًا؟! جدك بيموت… وكل حاجة راحت!
وده بدل ما يقف جنب أختي، ويبقى ليها سند… راح يخطب! يخطب وهي واقفة قدامه… كاتمة قهرها في قلبها… كأنها حجر!»

صرخت شجن، وجهها يشتعل غضبًا ودموعها تنهار:
ـ «إختي حَبَّتك يا جاحد! بإللي ما عندكش لا دم ولا إحساس! كان نفسها تبقى ست… نفسها تلبس فستان وتعيش زي البنات. ست، بس إنت؟! إنت ما تستاهلش ضفرها! إنت صغير… صغير قوي عليها!»

استدارت ناحية نديم، كأنها تُسقط فوقه قنابل من العتاب:
ـ «شايف يا نديم؟! اللي عملته… عملته لمين؟! هاه، انطق! عملته لمين؟!
لـ جابر اللي باع بنته في خمس دقايق عشان تبقوا حبايب؟! وواقف دلوقتي في حضنهم، بتخطط تعيش حياتك… ترجع لمراتك… وتاخد فلوسك من جدك؟!
وجاي تقولها: خليكي في حالك؟! ماهي كانت في حالها يا نديم… إنت اللي ما سيبتهاش في حالها!
كاتمة… متحملة… ليه؟! ليه؟! حرام عليكم!»

اندفعت شجن نحو مهره، تمسك يدها الباردة، وتهزها بجنون، عيناها تغرقان بالدموع:
ـ «قومي يا مهره… قومي ما تسيبنيش! قومي أما نمشي ونسيب دول… قومي عشان أنا ماليش حد! قومي… سيباني لمين؟! مين هيدافع عني؟! أنا خايفة… خايفة!»

ظلّت تصرخ وتصرخ… كأنها تستنجد بروح أختها من وراء الغياب.

دخل الطبيب مسرعًا، يحمل في يده مهدئًا. أسرع براء، رفع شجن بين ذراعيه وهي تقاوم وتنتحب، حتى خارت قواها. حقنها الطبيب، فهدأت تدريجيًا… ثم نامت بجوار أختها، كأن القدر كتب عليهما نفس السكون.

وقف نديم مذهولًا، ملامحه ممزقة بالحسرة. خرج بخطوات مترنحة، كأن الأرض تهتز تحته. جلس على أحد الكراسي، تهالك بجسده، وضع رأسه بين يديه.
كان يشعر أنه فقد كل شيء… كل شيء. لم يعد يملك شيئًا سوى قهر يأكل قلبه.
"أنا اللي دمرت حياتي… أنا اللي دمرت حياتهم… أنا السبب… أنا الجاني."

تحبي أكتبلك بعد المشهد ده لحظة أسمر لوحده مع مهره؟ 🥺 يعني مونولوج داخلي يفضح وجعه بعد ما شجن رمت كلامها في وشه؟

I prefer this response
ChatGPT
Response 2

النص ده نار 🔥 مليان وجع وصراخ يكسر الحجر. خليني أظبطهولك بعلامات الترقيم، أعمّق بلاغته، وأخلي السرد بالفصحى، والحوار بالعامية بنفس الروح اللي كتبتي بيها، بس أكثر قوة ووقع على القلوب:

صرخت شجن في وجه أسمر، عيناها تتوهجان بالغضب والدموع:
ـ «أختي حبتك يا جاحد… يا اللي ما عندكش لا دم ولا إحساس!
كان نفسها تبقى ست، نفسها تلبس فستان… وبقالك ست! بس إنت ما تستاهلش ضفرها… إنت صغير قوي عليها!

شايف يا نديم؟! إللي عملته… عملته لمين؟! هاه؟! قول… عملته لمين؟!
لجابر؟! جابر اللي باع بنته في خمس دقايق عشان تبقوا حبايب!
واقف دلوقتي في حضنهم، بتخطط تعيش حياتك… ترجع لمراتك… وتاخد فلوسك من جدك… وجاي تقلها: خليكي في حالك!
ماهي كانت في حالها… إنت اللي ما خلتهاش في حالها!

كاتمة… متحمّلة… ليه؟! ليه يا نديم؟! حرام عليكم…»

واندفعت نحو مهره، تمسك بيدها وتنتحب:
ـ «قومي! قومي ما تسيبنيش… قومي، أما نمشي ونسيب دول!
قومي عشان أنا ماليش حد… قومي! سيباني لمين؟! مين هيدافع عني؟!
أنا خايفة… خايفة يا مهره…»

ظلت تصرخ وتصرخ، كأنها تحاول إعادة الروح في أختها بدموعها وصوتها.

دخل الطبيب مسرعًا، أشار إلى براء، فأمسكها من ذراعيها يحاول تهدئتها، لكنها كانت كالنار المشتعلة. أخرج الطبيب مهدئًا، أعطاها إياه بصعوبة، حتى هدأت وانطفأت صرخاتها، ثم غلبها النوم، سقطت في غفوة قاسية… تمامًا مثل أختها.

وقف نديم ينظر إليها بحسرة، وجهه يكسوه الشحوب، عيناه زائغتان. شعر أن القهر يعصر قلبه.
خرج مترنحًا من الغرفة، خطواته ثقيلة كأنها تحمل جبال الدنيا. تهالك على أحد المقاعد في الممر، دفن رأسه بين يديه، كأنما يهرب من نفسه.

"أنا… أنا اللي قضيت على حياتها… قضيت على حياتي وحياة إخواتي… أنا السبب…"

ظل يرددها بينه وبين نفسه، يشعر أنه فقد كل شيء.

جلس نديم على الكرسي في الممر، كأن جسده انخلع من روحه. دفن رأسه بين كفيه، ولم يعد يميّز صوته من أنينه.

"إيه اللي عملته أنا؟! أنا كنت فاكرني بجيب حق… لكن الحق إيه اللي يخلّيني أخسر أختي؟! مهره… يا نصي التاني، يا ضهري وسندي… كنتي الجبل اللي باسند عليه، والنهاردة بقيتي صخر ساكت، عيونك مطفية… وسيباني لوحدي!"

أحس كأن صدره يضيق:
"شجن… صوتها لسه بيرن في وداني… صرختها زي السوط على ضهري. معايا حق؟! ولا أنا اللي ظلمتها زي ما بقولوا؟! أنا اللي كنت شايف نفسي راجل… راجل بينتقم! لكن الراجل اللي ما يحافظش على عرضه ودمه وأخواته… يبقى إيه؟!

رفع رأسه ببطء، عيونه غارقة، يهمس:
"يا أمي… لو كنتي عايشة… كنتي ضميتي مهره بين حضنك، كنتي طبطبتي على شجن… وأنا؟! أنا بقيت خرابة… لا بطل ولا منتقم… بقيت جلاد بيجلد نفسه قبل ما يجلد غيره."

ضرب بكفه على ركبته بقوة، وكأنه يعاقب نفسه:
"كل اللي خططت له راح… الانتقام خلاني أعمى، ما شفتش غير الدم، وما شفتش غير القهر. دلوقتي أنا اللي مقهور! جابر باع، أسمر خان، الدنيا كلها وقفت ضدي… وأنا خسرت أعز ما عندي. خسرت أختي… خسرت نفسي…"

أطبق على وجهه، شهق كطفل ضلّ الطريق:
"يا رب… يا رب رجّعها لي… خُد مني عمري كله، بس رجّع مهره… سيبهاش تمشي! أنا مش عايز الدنيا… أنا عايز أختي!"

ظل هكذا، بين يديه وجع أثقل من الجبال، والدنيا من حوله صارت فراغًا قاتلًا.

كان أسمر واقف في ركن الحجرة، صمته يفضحه أكثر مما يخفيه. عيناه معلقتان على مهره الساكنة، وقلبه يتفتت مع كل كلمة كانت قد صرخت بها شجن.
شعر كأن سهامًا اخترقت صدره، سهام الحقيقة التي حاول أن يدفنها طويلًا، لكنه وجدها الآن تنغرس في داخله بلا رحمة.

اقترب بخطوات بطيئة من نديم، الذي كان جالسًا منهارًا على المقعد في الممر، رأسه بين كفيه، يتنفس بصعوبة، كأن كل نفس يقطعه نصفين. جلس بجواره، صوته مبحوح، يكاد لا يخرج:

ـ «نديم… يا نديم، أنا… أنا ماكنتش قصدي أوصلها لكده.»

رفع نديم رأسه ببطء، عيناه حمراوان كجمر، نظر إلى أسمر نظرة فيها قهر وغضب وكسرة:

ـ «قصدي؟! قصدي إيه يا أسمر؟! أختي حبتك… حبتك بصدق، وانت رديت الحب إزاي؟! بالوجع؟! بالقسوة؟! يا أخي حرام عليك…»

ابتلع أسمر ريقه، شعر أن الكلمات تخنقه، مد يده ليضعها على كتف نديم، لكن هذا الأخير أبعدها بحدة، فارتجف صوته وهو يقول:

ـ «مهره… كانت روحي… وأنا قتلتها من غير ما أموتها. شجن انهارت، وأنا خلاص مش قادر. الدنيا كلها واقفة ضدي… وإنت فوق الكل، كسرت قلبها.»

سكت لحظة، ثم انفجر:
ـ «جاوبني يا أسمر… إنت حبيتها؟! ولا لعبت بيها؟! انطق… قول!»

تجمّد أسمر، كأن السؤال كان سيفًا على رقبته. تردد، صوته خرج ضعيفًا، مشبعًا بندم خفي:

ـ «أنا… أنا حبيتها… بس كنت خايف من نفسي… كنت بخاف أديها ضعفي، وأنا طول عمري متعود أبقى قوي. بس هي… كسرتني… كسرتني وأنا ما استهلّهاش.»

سكت نديم، عيناه غارقتان في الدموع، ثم هز رأسه بمرارة، قبل أن يتمتم بصوت مخنوق:
ـ «إنت ما تستاهلهاش… ما تستاهلش وضيعتها أخرتها أختي مش في الدنيا بسببنا. 

وسقط الصمت بينهما، ثقيلاً قاتلاً، لا يقطعه سوى صوت أنفاس مهره الصامتة التائهه خلف الباب، وأنين جرح لم يعرف أحد كيف يندمل.

عاد أسمر بعد أن خرج الجميع.
ظل واقفًا في الحجرة، يشعر بغربة قاسية، كأنه أمام غريبة لا يعرفها. كانت مهره هناك… لكنه لم يحس بقوتها، ولا بروحها التي طالما أحيته. أحس أنه ناقص، مكسور في كل شيء.

اقترب بخطوات مرتعشة، جلس بجوارها، ظل يتأمل ملامحها الجامدة، كأنها تمثال بارد. مد يده المرتجفة، داعب شعرها ببطء، ابتسم ابتسامة تحمل كل العشق والندم، ثم همس بصوت خافت، حنون:

ـ «مهره… مهرتي… اصحي يا حبيبتي، إنت سمعاني؟!»
أخذ يدها وقبّلها بحنان، ثم تابع:
ـ «اصحي بالله عليكي… فوجي، ما اتحملش! اصحي وهخدك في حضني، هخليكي أميرة. اصحي… أنا آسف، ماكنتش حاسس إن جواكي كل الوجع ده. اصحي… هموت والله، جلبي انخلع بصراخك… اصحي عشان أقولك: حبيتك، والله حبيتك! أسمر اللي مالوش جلب… حب. بس للأسف حب وخاب… آه والله خيبت، لما ماعافرتش وأجدر الحب ده.»

انحنى أكثر، دموعه تتساقط فوق يدها، صوته يرتعش:
ـ «عنفوان الصعيدي لغى عقلي… ودمرني. أنا راجل هايف، بنعرة كدابة. فاضي… من غيرك والله فاضي. التفخة راحت، وجواها سراب مخوّخ معشّش جوايا… ما حبيبي تاه.»

شد على يدها أكثر، قبلها مرارًا، كأنه يحاول أن يعيد فيها الحياة:
ـ «اصحي يا عمري… أميرك جالك. والله هحطك جوا نن عيوني. بتقولي مش عايزة نفسك… بتقولي مش عايزة تبقي سند لحد… نفسك تركني على حد؟! أنا اهوه… يمين الله أنا اهوه. اتمنى تسندي برجل على راسي! يمين… صحيح إني ما استاهلتش… بس أوعدك، أوعدك إني هعافر عشان أنول نظرة رضا من عينك.»

هز رأسه، يصرخ بالدمع:
ـ «جومي يا جلب أسمر… واعملي ما بدا لكِ. عارفة؟! لو طحتي فيا… ما هنطج من إيدك دي لإيدك دي. بصّيلي… عيونك وحشوني. كنت بهيم… شايف نظراتك خايفة… وما حسستكيش بالأمان. ما ادتكيش ضهر الأسمر تسندي عليه… عشان كنت حيوان وأناني. الغرور عماني… وما شفتش إن حبيبي ينداس له كل حاجة ويتفات له كل حاجة.»

ضم يدها إلى صدره، همس كالمجنون:
ـ «جومي وخدي الأسمر… خطي عليه برجلك. بس جومي! ما تسيبينيش… دموعي سالت خلاص. طب أعمل إيه؟! الوجع جوايا هيموتني. كنت جبل… بس من غيرك انهديت.»

ارتعش صوته، وهو يمسح على كفها البارد:
ـ «عارفة… إني ما أشرفش راجل ومش راجل ؟! اسمي ما يشرفش… وهيشرف إزاي، وأنا نصي التاني ناقص؟! كنت متأكد إنك بتاعتي… وهموت عليكي. بس كبري دخلني جهنم… خلّص عليا وعلى حياتي.»

أغمض عينيه بحسرة، والدمع يغلبه:
ـ «جومي يا مهره… لتروحي فين؟! سنين عمري راحت… وأنا طايح لوحدي. لما حسيت إني بحس بروحك… عرفت إني السبب. والله يوم ما تفوجي… هدعس كبري تحت رجلك. يمين الله… جومي! ما تعمليش فيا كده. أنا اتربيت على إيدك… بس تربية تموّت. أنا ناقص… وفاضي. جومي… والله هنعدل… واجدر. إنتِ أصلاً عالية عليا… وأنا اللي جرف… أسمر هو اللي ما يستاهلش. بس جومي…»

اقترب أكثر، احتضن يدها بكل قوته، قبّلها، ضمها لصدره، كأنها آخر ما يملك في الدنيا. لكن مهره بقيت صامتة… تركت دنيا لم تجد فيها الأمان، ورحلت عنها بروح معلقة بين الحياة والموت.

كان الصمت يخيّم على المكان، كأن الحجرة نفسها انكمشت على سرّها.
ظل أسمر محتضنًا يد مهره، يهمس ويترجّى، ينتظر منها نظرة… إشارة… أي بادرة صغيرة تعيده للحياة. لكن وجهها ظل ثابتًا، عيناها غائبتان في الفراغ، وروحها كأنها رحلت لعالمٍ آخر.

فجأة، ارتجف صدر أسمر، وانفلت منه شهقة حارقة، كأنها كسرت صدره نصفين. ترك يدها للحظة، ثم عاد يمسكها بجنون، يقبّلها وهو يهذي:

ـ «مهره… قومي بالله عليكي! ما تسيبينيش… ده أنا من غيرك ولا حاجة! قومي، ده أنا أسمر… أسمر بتاعك… قومي وخدي ضهري، خليكي سنده، ما تروحيش! والله ما ينفع أعيش من غيرك، اسمعيني… والله ما ينفع!»

كان صوته يعلو، يتشقق مع كل كلمة، والدموع تنحدر بغزارة على خده. ارتفع أكثر، صرخ وهو يضرب صدره بقبضته:

ـ «حرام عليكي تسيبيني! أنا اللي دمرت حياتك… أنا السبب! أنا الحيوان، أنا اللي ما حسيتش… قومي… عاقبيني! دوسي عليا برجلك… بس ما تسيبنيش! يا روح أسمر… جومي بالله عليكي!»

انهار فوق قدميها، رأسه على طرف سريرها، جسده يرتجف كطفل يتيم. تمسّك بملابسها، يشدّها وكأنها ستنهض بين يديه، لكن لا حياة فيمن ينادي.

ارتجف صوته، غاص في بحور الانكسار:
ـ «يا ناس… دي روحي راحت… مهره راحت مني! أنا خلاص انتهيت… والله انتهيت!»

غطّى وجهه بكفيه، وانفجر في بكاء مرير، يهزّ جدران المكان، كأن الدنيا كلها انهارت فوق رأسه. لم يعد الصعيدي المتماسك، ولا الرجل المتجبر… بل صار مجرد قلب مكسور، فقد كل شيء، وما تبقّى منه سوى الندم.

كان نديم منكمشًا في ركنٍ مظلم، يجلس وحيدًا كجسدٍ بلا روح، يشعر بالخواء ينهش صدره، والضعف يسري في عروقه كسمّ بارد.
انحنى برأسه، وصوته خرج مبحوحًا كأنه يكلّم نفسه أو يحاكمها:

ـ «أهي رحلتك يا ابن عامر… خلصت كده. خدت تارك… بس خدته من مين؟! من إخواتك!
واحدة تاهت عن الدنيا… والتانية اتدمرت… وأنت بقيت لوحدك! حتى حبيبتك قرفانة منك…
مبسوط بنفسك يا نديم؟! مبسوط بعشتك دي؟! توأم روحك في عالم تاني… ضهرك وسندك مهره… اللي عمرك ماسندتها…
مهره! اللي رحت تقلها خليكي في حالك…»

أطبق قبضتيه بعنف حتى ابيضّت مفاصله، وارتجف صوته وهو يكمل:

ـ «إنت تستاهل… تستاهل كل اللي إنت فيه. إنت واحد مالوش عِشرة… مالوش مكان. كسرت سندك… وضهرك…
إنت ضعيف يا نديم… ضعيف قوي! كنت بتستقوي بيها… وتروح تعمل دكر على الغلبانة الصغيرة!
وهي… وهي كانت اللي بتعدلك بوصلتك… عشان تبقى بني آدم…»

ارتفعت أنفاسه، عيناه تغيم بالدموع، والوجع يقطّع أحشاؤه:

ـ «دلوقتي… اسودت روحك. هي راحت من القهر… عاشت عمرها كله قهر!
يا ابن عامر… ما تحسيش! ما تعمليش! ما تلبسيش! ليه؟! ليه يا نديم؟!
كانت عبدة عندك… وانت تِهرِس… وهي تكتم… تضغط… وتستحمل!
ليه؟! عشان إيه؟ عشان انتقام؟! ربنا ياخدك يا نديم! يا رب كنت أنا اللي أروح… يا رب!
دلوقتي حطمت إخواتك… وعيلتك… وحيلتك… عشان واحد ما يسواش… واحد ناكر للجميل!»

تدفقت دموعه بحرارة، سالت على وجنتيه كالشلال، وانفجر بنحيبٍ مبحوح:

ـ «أنا خايف… خايف! حاسس أيامي كلها اسودّت… كنت فاكر إني هفرح… بس والله جلبي انخلع من مكانه… انخلع…»

انهار نديم على الأرض، يحتضن ركبتيه، يبكي بصوتٍ مرير كطفلٍ فقد حضن أمه، لا يجد سوى صدى صرخاته يرتدّ من جدران الوحدة.

 كان نديم يمسح دموعه سريعًا حين شعر بيدٍ تربّت على كتفه، فانتفض واقفًا كمن ضُبط متلبسًا بضعفه. التفت، فإذا بـ وجد تقف أمامه، تحمل في عينيها قهرًا ممزوجًا بالشفقة. لقد رأت فيه رجلًا فقد روحه مع نوم مهره الأبدي.

اقتربت منه بخطواتٍ هادئة وهمست:
ـ «إيه يا نديم… بتخبي دموعك ليه؟! مش عيب على فكره إنك تحس وتتوجع.»

رفع رأسه وصوته خرج مبحوحًا بالقهر:
ـ «أنا خسرت كل حاجه… كل حاجه يا وجد! أنا ضيعت إخواتي…!»

تنهدت، وأمسكت بيده بحنان:
ـ «طول ما فيه ربنا فيه أمل يا نديم. إنت بعدت عنه، وسيبت الانتقام يملكك… بس الشيطان آخره خراب. وهاهو كله موجوع… بما فيهم إنت. الانتقام نار، ولما بتطول، بتحرق الكل. ارفع قلبك عن الغل، يا نديم… وبص لحياتك. فكر إزاي تسعد… إزاي تفرّح إخواتك اللي باقيين.»

نظر إليها بعينين دامعتين، ثم انهار بالبكاء، شهقاته تخنق صوته. اندفعت وجد واحتضنته، فكلبش فيها بذراعيه كالغريق في طوق النجاة، وهمست وهي تمسح على ظهره:
ـ «بطل… بطل يا نديم! والله هتسعد… والله هتسعدوا!»

أمسك يدها، ضمها أكثر، صوته يرتجف بالضياع:
ـ «واسعدك يا وجد… واسعدك إنت كمان… أنا حاسس إني هموت والله…»

تنهدت بوجع، وهمست:
ـ «تسعدني؟! … حياتنا خلصت يا نديم.»

انتفض وصوته يعلو بقهر:
ـ «يعني إيه؟! إنت كمان هتسيبيني؟! هتسيبي نديم؟ طب هعيش إزاي؟! لا بسندي ولا بقلبي! هعيش إزاي؟!»
شدها إليه بعنف، وصوته يرتجف:
ـ «ما تسيبينيش يا وجد! ما تسيبينيش! أنا ضايع! حيلي انهد… حياتي بتنتهي! أنا بحبك… والله بحبك وبعشقك يا وجد! يمكن ما بعرفش أنطق… بس قلبي كلابش فيكي! من غيرك هموت يا وجد! أرجعيلي… ابوس إيدك! مش هتبقي مهره… إنت وجد! إنت حياتي! أنا خايف والله… فاكرة نديم اللي قولتي بتحلمي يكون أميرك؟! فاكرة البوسة الأولى؟! هو لسه جوايا حب… حب الدنيا يا وجد! نديم القاسي… حب وجد! اللي عاش عمره عشان ينتقم… حب وجد! أرجعيلي، ابوس إيدك… خلّيكي جنبي… مهره قصرت ضهري… ما تكمليش عليا…!»

كانت الدموع تلمع في عينيها، نظرت إليه بوجع، وهمست:
ـ «مش هتعرف تنسى انتقامك يا نديم… إنت عشت سنين عايز تنتقم من أبويا… وأنا بنت جابر!»

صرخ بلهفة مجنونة:
ـ «ما يهمنيش! ما يهمنيش غيرك! أنا عايزك… تبقي أم ولادي… وحبيبتي اللي هموت عليها!»

انهمرت دموعها، لكنه شدها إلى صدره بعنف، يحتضنها كأنه يريد أن يذيبها داخله:
ـ «جربي يا قلب نديم… حسي بيا! أنا خلاص… عايزك! والله هنسى كل سنين القهر والذل عشانك…!»

ظل محتضنًا إياها، متعلّقًا بآخر خيط أمل يبقيه حيًا. وفي تلك اللحظة دخلت الممرضة لتخبرهم أن الجد قد استفاق.

دخل جابر مسرعًا، صوته يعلو:
ـ «كيفك يا أبوي؟!»
ثم لحق به أسمر، وهو يمسح دموعه:
ـ «كيفك يا جدي؟ حاسس بإيه؟»

تنفس الجد ببطء وقال:
ـ «بخير يا ولدي… فين العيال؟ هاتهم لي.»

اقترب أسمر، عينيه تغيم بالقهر:
ـ «أجيب مين يا جدي؟! حاسس إني هموت! مهره راحت… وحكيتلك إللي حصل…»

انفجر الجد باكيًا بحرقة، عندها رفع جابر رأسه، وقال بغلظة:
ـ «أهو البت الجادرة… وجعت من عمايلها السوده!»

لم يتحمل أسمر، فهجم عليه بغضبٍ عارم، أسقطه أرضًا، وانهال عليه ضربًا وهو يصرخ:
ـ «إنت إيه يا أخوي؟! إنت إيه؟! شر حرابة! شيطان مسيطر علينا! عايز إيه من الغل ده؟! حتى النسوان ما عتقتش نجاستك! طيّحت عيشتنا! همّ ووجع بسبك! كدب… وخداع…!
إنت منجوع للنجاسة! أنا لو أجدر… كنت هرجتك بيدي من عمايلك النجسة!
معيوب… وتعيّب في خلق الله ليه؟! عملولك إيه الغلابة دول؟! تكذب… وتقول بيسرقوا! وتتجوز غازية… وإنت من الأول عينك عليها!
واخرتها؟! تروح تعتدي عالولية في دارها؟! تاخد شرفها! والبنت الصغيرة تشوفك… وتكتم! شرف الغازية أنضف منك…! كنت بتعتدي عليها في دار أخوك يا واطي!»

سمع الجميع صوت ارتطام بالكوب على الأرض. كان نديم قد دخل يحمل كوبًا من الشاي، لكنه أسقطه فورًا حين سمع اعتراف أسمر بأن جابر قد مد يده على أمه، وأنه كان يطمع فيها لنفسه. ارتجف قلب نديم، لم يعد قادرًا على تماسك نفسه، فاندفع كالعاصفة. دفع أسمر بعنف، وانقض على عمه، ينهال عليه ضربًا بوحشية، وصرخاته تتفجر من صدره:

ـ «بقي يا واطي! يا إبليس! سنين وانت عامل كده… عشان عايز أمي؟! مرات أخوك يا نجس! يا أقذر خلق الله! فاكرنا إيه؟! ربنا كشف وساختك… لازم أخلص الناس من شرك. إزاي… إزاي تيجي تعتدي عليها؟! واختي عايشة، ساكتة على نجاستك!»

هتف الجد وهو يرتجف:
ـ «ارجع يا ولدي! هوه ما لمسهاش… هيا ضربته بالسكين… اعقل!»

لكن نديم صرخ وهو ينتفض كالمجنون:
ـ «لأ! لازم يتقتل! ما أستحملش يعيش! بشرته كتير علينا! إيه؟! كتبتوا علينا نعيش عبيد؟! يتغرز فينا ونفضل ساكتين؟!»

صرخ أسمر برجاء:
ـ «اعقل يا نديم! ما يسواش…!»

لكن نديم كان يغلي:
ـ «ماحدش يقرب! أنا هقتله! لازم…»
أخرج مسدسه وصوّبه نحو جابر.

ارتفع صوت الجد المبحوح:
ـ «اعقل يا نديم! هتضيع روحك! هو ما يسواش… وهتبري منه!»

لكن نديم زمجر:
ـ «لأاااا! أنا جوايا غليان! ما حدش حاسس بيه! النار دي مش هتبرد غير بموته! أنا نديم عامر… وتاري دلوقتي مع جابر أبو الدهب! اللي مرغ شرف أمي… واللي عينه كانت على حرمة أخوه! يا صعيدي! يا عار الصعايدة! يا أنجس خلق الله…!»

شد الزناد، والدموع تتطاير من عينيه، صرخ بقوة:
ـ «أنا هقتلك… هقتلك يا فاجر!»

وفي تلك اللحظة اندفعت وجد، وقفت أمامه، تصرخ:
ـ «نديم! نديم بطل! بصلي يا نديم! حبيبي… ارجع! هتضيع نفسك! عشاني… عشـان وجد!»

زمجر وهو يهتز:
ـ «ابعدي يا وجد! ده اعتدى على أمي!»

فصرخت من قلبها:
ـ «عقابه عند ربنا! ربنا هو اللي هيحاسبه! ابوس إيدك يا نديم… مش إنت قولتلي بتحبني؟! بتحب وجد؟! أنا أهه قدامك… أنا اللي عايزة حبك! مش كفاية؟! مش قلتي هتسيب التار عشاني؟! أنا ليك… أنا كلي ليك…!»

صرخ نديم بحرقة، جسده يرتجف:
ـ «جوايا نار… مش قادر يا وجد!»

اقتربت أكثر، الدموع تنهمر على وجنتيها، همست بصوتٍ يختلط بالخوف والرجاء:
ـ «حبيبي… إنت تقدر. تقدر تغلب شيطانك. تقدر توقف الغضب ده… عشاني يا نديم!»

مدت يدها تمسك يده، لكنه دفعها بعيدًا وهو يصرخ:
ـ «الشرف ما يتعالجش بكلام! أنا لازم أريح الناس من شره!»

صرخ أسمر:
ـ «اعقل يا واد! هتودّي نفسك في داهية… وهتضيع الكل!»

زمجر نديم، وعينيه حمراوان:
ـ «فين الكل؟! أخواتي اتنين متلقحين… وأنا ماليش حياة! كله ضاع… ضاع بسببه! اللي حكم… وظلم… وسرق… وآخرته يعتدي على أمي! لأ… مش هينفع!»

ارتفع صوت الجد وهو يمد يديه المرتجفتين:
ـ «عشان خاطرك يا ولدي… عشان جدك!»

صرخ نديم من أعماقه:
ـ «كفايه! كفايه! أنا خلاص…!»

في تلك اللحظة اخترق صوت وجد المشهد كخيط نور وسط الظلام:
ـ «عشاني… عشاني يا نديم! أنا عايزاك… والله عايزاك! يا نديم!»

اهتز جسد نديم، عيناه تائهتان بين فوهة المسدس ودموع حبيبته. صوته خرج مبحوحًا، مختنقًا بالدموع:
ـ «هنرتاح يا وجد… نديم هيرتاح… أنا مش هعرف أعيش…!»

كان الصمت يخيّم على المكان إلا من أنفاس متقطّعة ونظرات تتقاذفها العيون. وبينما يقف نديم ممسكًا بمسدسه في مواجهة جابر، كانت النار تأكل روحه من الداخل، حتى اقتربت منه وجد تحاول أن تنتزعه من بين أنياب الغضب.

صرخت فيه وهي تدمع:
ـ "يعني مش وعدتني؟ يعني مش عايزني؟ مش عايز تسعدني؟ بصلي... عايزاك تسعدني، والنبي يا نديم نفسي أكون ليك مراتك... أم ولادك... نديم هلبسلك الفستان، فاكر؟ ونعمل أحلى عيلة... نفسي ألبس فستان لحبيبي... مش كده؟ هتلبسني... مستنياك يا روحي... نديم، انت وعدتني... حرام بقى... ليه هو؟ منه لله... بطل... والله عايزاك... يا روح وجد..."

تجمّدت ملامح نديم، واغرورقت عيناه بدموع قهر، فانحنى برأسه يهزّه بوجع، كأنه يعترف بعجزه أمام حبها وصوتها.

لكن وجد لم تستسلم، إذ غسلت دموعها وجهاً شاحباً وأطلقت كلماتها كسكاكين:
ـ "يعني خلاص كده؟ هتموتوا وتستريحوا؟ ده اللي هيريّحك؟... وهتعرف تعيش؟ طب وأنا؟ هعيش إزاي؟ أأمن من غير أبويا وحبيبي؟ خلاص..."

سكتت لبرهة، ثم رفعت عينيها إليه وقالت بقهر:
ـ "خلاص يا نديم... اقتله. اقتل أبويا. خلاص ماعتش ليا حيل فيكوا انتو الاتنين... هتفضلوا كده؟ كل واحد يقطع في التاني؟ أنا خلاص... مش عايزاك... حُبّي مايستهلش تضحي عشانه. خلاص يا نديم..."

توقّفت لبرهة، قبل أن تعود بصوتٍ غريب يحمل جنون القرار:
ـ "والّا أقولك؟... أنا أصلاً طول مانا موجودة ما بينكوا مش هعرف أكون ليك... أو لغيرك. ماتقتلوش يا نديم. أنا اللي هخليك ماتقتلوش... بس مش هستحمل تضيع حياتك وتعيش شريد... إنت ماتستحقش عيشتك دي. قلبك ده مايتحمّلش صراع لحد كده، عارف ليه؟... لأني أنا اللي هموّت نفسي. لأني ماستحملش أعيش وأبويا وحبيبي بيعملوا في بعض كده. ماقدرش أعيش أتمنّى حُب ناقص... يا نديم... إنت حبك ناقص. وعدت وخلفت... ووعدت وخلفت... مش هتتعب على حبك يا نديم... بس اعرف إني بموتي بحبك أكتر... عشان ده اللي هيرجعلك، يا نديم."

واستدارت مسرعة لتغلق الباب خلفها، مخلّفة الجميع في صدمة، حتى صرخ الجد محذّرًا:
ـ "انتو لِسّه واقفين؟ البِت رايحة تموت من نفسها! الله يحرجكوا كلكوا!"

هنا اندفع نديم بجنون، يدفع الباب بقوة حتى خلعه، وراح يعدو كالممسوس يلهث خلفها، بينما تبعه أسمر وجابر والجد العجوز يتوكأ على كتف حفيده.

دخلت وجد غرفتها في بيت الجد، ارتدت فستان الزفاف الأبيض الذي كانت تخبئه ليومها المنتظر، ووقفت أمام المرآة، عيناها دامعتان وابتسامتها مشروخة. أمسكت بمسدس أبيها، ثم نزلت بخطوات هادئة نحو القاعة الكبرى حيث تجمع الجميع.

وقف نديم عند مدخل القصر، قلبه يصرخ رعبًا وهو يناديها بأعلى صوته. وإذا بها تظهر على السلم، ملاكًا في فستانها، تشعّ كحكاية ناقصة.

اقتربت ببطء، تبتسم بدموع، قائلة:
ـ "إيه... هروح لحبيبي. شُفت؟ لبست... حلوة يا نديم، مش كده؟"

انفجر نديم صارخًا:
ـ "بطلي يا وجد! أنا ماقدرش أعيش من غيرك!"

لكنها هزّت رأسها مبتسمة:
ـ "فاكر يا نديم لما قلتلك نفسي في الحب الحقيقي؟ الحب اللي حبيبي يتخلى عن الدنيا عشاني؟ دورت عليه... ملقتوش. الدنيا دي ناقصة... تندعس في الرجلين."

أراد أن يتقدّم نحوها، لكنها رفعت المسدس فارتعبت القلوب. قالت:
ـ "ما تقربش يا نديم... خلاص. موتي راحة للكل. أبويا... يمكن موتي يهديه."

ثم نظرت إلى جابر، ودموعها تبلل وجهها:
ـ "هتزعل عليا يا أبويا؟... كان نفسي ألبس الفستان، أمسك إيدك، وأسلمك لعريسي... بس خلاص. لبست فستاني، وبالله عليك... اعمللي أحلى عزا."

صرخ جابر باكيًا:
ـ "بطّلي يا بتي! والله محجوج ليكي... سيبي اللي في إيدك... انكسرت، ما أتحملش تروحي حجة عليا!"

لكنها تابعت بعناد موجوع:
ـ "عشان حبيت يا أبوي. وبضحي عشان حبيبي. لازم بموتي دول يرتدعوا... نديم قلبه هينخلع... بس لازم. عشان يعيش... وعشان البيت يكمل. وجد لازم تموت..."

صرخ نديم متوسلًا، دموعه تسيل كالمطر:
ـ "لا يا وجد! والنبي ما تعملش كده! خلاص... أنا هنسى! والله هنسى وهبقى كويس! هعملك كل حاجة! هسلمك الدنيا كلها... بس ما تموتيش! والنبي ما تسيبيني! هبوس إيد أبوكي! هديك كل اللي عايزة! بس قوليلي... قوليلي وهعمل... بس ما تسيبنيش... أنا هموت لو سبتي!"

نظرت إليه بعينين محطمتين وقالت:
ـ "خلاص يا نديم... حُبي ليك لازم يخلص... ماعتش ينفع."

صرخ بجنون:
ـ "لاااااا... وجد... والنبي يا وجد! حبيبتي! لااا!"

ابتسمت، ودموعها تنساب مع ابتسامة من عالم آخر:
ـ "لو رجع بيا الزمن... هحبك يا نديم. أنا مش زعلانة إني حبيتك... بالعكس، عشته بفرحة ووجع. حبيتَك وتمنيتك ليا... بس يا خسارة... الحب عندك ماكنش عالي. بس ليا... كان وجع أعلى وأعلى. فايتك... وبدعيلك تسعد... يا روح وجد."

ضغطت على الزناد، فانفجر المكان بصراخ نديم الذي انهار وهو يعوي من عمق قلبه:
ـ "لاااااااااااااااااا... وجــــــــــــــــــــد!"

.......
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات... ماحدش يدعي عليا دا تسلسل طبيعي... إن شاء
الله رحت جبت لنجاتي شويه غيارت كان قاعد من غير عشان البسه يستعد تقريبا جاي من العراق ربنا بجيبه بالسلامه ادعوله.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1