رواية منعطف خطر الفصل الثانى والخمسون
كل اتنين يدخلوا مع بعض، ويفضل نبدأ بالأب والأم.
بلاش ضغط عليه بالكلام أو الأسئلة الكتير.
خلوه يرتاح.
بهيرة اتحركت بسرعة، عينيها مليانة لهفة:
"أنا هدخل أول واحدة."
سالم اتحرك معاها، ودخلوا.
أما ياسمين...
رجعت بخطوات بطيئة لورا،
رجليها بتسحبها كأنها مش قادرة تشيل قلبها.
كل خطوة كانت تقيلة...
تقيلة بالحزن، بالوجع، بالحيرة.
مش مصدّقة إن في لحظة...
بقت غريبة في قلب حبيبها.
اللي كان بيحضن خوفها من غير ما تتكلم.
دلوقتي مش فاكرها،
ميعرفهاش.
ناسِي كل حاجة بينهم...
كل لحظة، كل كلمة، كل وعد.
وقفت ياسمين بعيد.
عيونها مثبتة على باب أوضة خالد،
نفس الباب اللي ورا منه حبيب قلبها، وبيتنفس على الأجهزة.
بعد دقيقتين شافت بهيرة خارجة من الأوضة، ووشها منور من الفرحة،
بتتكلم بحماس مع عبير:
– الحمد لله يا عبير.. خالد فاق وعرفني وعرف باباه.
سالم اول لما خرج من عند خالد لمح ياسمين واقفة بعيد، قرب منها بابتسامة هادية وقال:
– يلا يا ياسمين.. ادخلي اطمني على جوزك.
ياسمين كانت واقفة مكانها مش قادرة تتحرك،
الخوف ماسكها من إيدها ورجليها،
خايفه عيون حبيبها متعرفهاش.
يفتح عيونه ويبص لها ويسألها:
"انتي مين؟"
كارما قاطعت اللحظة بصوت عالي، كأنها بتتعمد تلفت الانتباه ليها:
– يلا يا ماما ندخل نطمن على خالد.
ودخلت مع عبير.
وكأنها عايزة تثبت إنها الأقرب...
وإن خالد فاكرها قبل أي حد.
ياسمين عيونها كانت مليانة دموع،
بصت لسالم وقالت بقهرة:
– خايفة ادخل... وميفتكرنيش.
سالم حاول يطمنها:
– لو مفتكرش دلوقتي... بكره هيفتكر،
خالد بيحبك يا بنتي، ومستحيل ينساكي.
معتصم ومهاب كانوا واقفين ساكتين،
نظرتهم ليها كلها وجع وتعاطف.
وبهيرة كانت باصّة من بعيد،
فرحانة بابنها وسلامته،
مش مهتمة باللي بيحصل لياسمين...
ولا عايزة فرحتها تتعكر.
دقايق وخرجت كارما بصوت أعلى من الطبيعي،
بتتكلم بصوت مفتعل وهي قاصده تقهر قلب ياسمين:
– خالد فاكرني يا طنط... أنا كنت متأكدة إنه مستحيل ينساني.
مهاب زفر بغضب، وراح لياسمين وقال:
– يلا يا ياسمين ادخلي اطمني عليه... هو أكيد مستني يشوفك.
معتصم قرب منها وقال بنفس الإصرار:
– ادخلي واحنا هندخل وراكي.
قالت وهي بتبكي بحرقة:
– خايفة ادخل... مش هستحمل ميعرفنيش.
سالم مسك إيدها وقال بحنان:
– تعالي... أنا هدخل معاكي.
دخل معاها...
أول ما فتح الباب،
عيونها وقعت علي خالد.
كان نايم على السرير،
صدره ملفوف بالشاش،
الأجهزة متوصلة بجسمه...
عيونه مفتوحة بس مجهدة،
وشه شاحب كأنه مرّ بعمر من العذاب.
بكت،
بكت بصوتها، بنَفَسها، بروحها.
وجعها طالع من قلبها بدون إذن.
خالد حس بوجودهم،
بص على سالم وقال بصوت ضعيف:
– انت جيت تاني يا بابا؟
رد سالم وهو بيشدها جنبه:
– في حد معايا جاي يطمن عليك.
مسكها من إيديها وقرب بيها.
عيون خالد اتحركت ببطء عليها،
وبص لها،
وسأل بصوت ضعيف:
– انتي مين؟
شهقت،
شهقت وكأن السؤال دا طعنة في قلبها،
مستحملتش،
خرجت تجري من الأوضة وهي بتبكي...
مش شايفة قدامها من الدموع.
سالم بص لابنه وسأله بحزن:
– انت مش فاكر دي مين يا خالد؟
رد خالد بصوت أضعف من الأول:
– هو أنا شوفتها قبل كده يا بابا؟
سالم سكت...
وساب خالد وهو بيغمض عينه تاني من التعب.
خرج سالم يدور على ياسمين،
ملقهاش.
سأل عليها،
وبهيرة قالتله:
– طلعت تجري وهي بتعيط، شكلها راحت الحمام.
معتصم ومهاب قربوا منه،
سأله مهاب:
– افتكرها؟
رد سالم بصوت مخنوق:
– للأسف... لا.
مهاب بص لمعتصم وقال:
– خلينا ندخل نطمن عليه احنا كمان.
دخلوا،
وسالم فضل واقف يفكر في ياسمين...
وصورتها وهي بتجري من جوه بتقطع قلبه،
حاسس إنها اتكسرت قدام اللي بتحبه،
وقلبه مش فاكرها.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في الفيلا اللي مستخبي فيها اللواء وحيد، كانت الدنيا هادية بشكل مريب، بس جواه العاصفة ما بتهداش.
كان قاعد لوحده بيفكر، لحد ما الشخص اللي طلق الرصاصة على خالد قرب منه بنظرة باردة.
قرب منه بهدوء وقال بصوت فيه خبث:
– عندي خبرين.. واحد حلو، وواحد وحش.
هبدأ بالوحش الأول.
اللواء وحيد رفع عينه له بانتباه، قلبه دق بخوف غصب عنه.
اتكلم التاني بنبرة ما فيهاش أي تعاطف:
– حفيدك... فاق من الغيبوبة.
وحيد ابتسم ابتسامة باهتة، مش عارف يفرح ولا يخاف.
الرجل التاني كمل وهو بيقلب الموقف بلحظة:
– الخبر الحلو؟
ان حفيدك حصله فقدان مؤقت في الذاكرة.. آخر سنة من حياته، بيوم الحادثة، اتحذفوا من دماغه.. مش فاكر أي حاجة.
اللواء وحيد عينه اتسعت بدهشة، ما صدقش اللي سمعه في البداية.
لسانه انعقد، بس اللي قدامه ضحك وقال بنبرة ساخرة:
– وكأن القدر بيديك فرصة تصلح كل الأخطاء اللي عملتها عشان تنقذ حياتك.
وحيد بلع ريقه بتوتر، سأل بصوت مبحوح:
– هأنقذ حياتي إزاي؟
رد الرجل التاني بثقة ما تهزش:
– بموت تلاته.
وحيد بصله بدهشة، عينه فيها خوف مش قادر يخبيه.
الرجل التاني كمل بنفس البرود:
– جلال الشرقاوي في بيته، وحفيده يحيى في السجن.. وخالد، حفيدك، في المستشفى.
وحيد انتفض من مكانه، صوته خرج من بين أسنانه:
– انت بتقول إيه؟ عايزني أقتل حفيدي بإيدي؟!
رد الشخص ببرود قاتل:
– مش أنا اللي عايز.. دي أوامر ولازم تتنفذ.
يا إما التلاتة دول يموتوا، ويموت معاهم سرك،
يا إما انت تموت.. وسرّنا يموت معاك.
اختار بسرعة.. مفيش وقت.
اللواء وحيد ساب نفسه للصدمة.
بصله بعين تاه فيها كل التعب والخوف وقال بصوت مكتوم:
– همشي من هنا إمتى؟
رد التاني ببرود أكتر:
– تقدر تمشي دلوقتي حالًا.
بس خليك عارف، مفيش وقت كتير.
يحيى ممكن يتجنن ويقول اسمك في التحقيق،
والشرقاوي مش هيسكت طول ما حفيده محبوس،
وخالد.. ممكن في أي لحظة ترجع له الذاكرة.
اللواء وحيد بلع ريقه ببطء، قام من مكانه وهو مش شايف قدامه، مخنوق من كمية التهديد اللي بتحاصره.
خرج من الفيلا، ومشي بخطوات متوترة.. عقله شغال مليون تفكير في الثانية.
وفي اللحظة اللي خرج فيها،
الشخص التاني قعد على الكرسي بهدوء، طلع موبايله وكلم حد بصوت هادي بس واثق:
– وافق طبعًا يقتلهم.
هو الوحيد اللي يقدر يخلصنا منهم من غير أي شبهة جنائية.
أيوه، فاهم..
أول ما يخلص عليهم...
أنا هخلص عليه بنفسي، ونقفل ملف وحيد الأسيوطي للأبد.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
عدّى أسبوع كامل،
وكل يوم فيه كان بيمر ببطء وتقيل على قلب كل واحد فيهم.
جلال الشرقاوي من ساعة ما عرف إن حفيده هيتسجن ومفيش طريقة للخروج، وهو بيحاول يوصل للواء وحيد، بس كل الأبواب اللي كانت بتتفتح له زمان، بقت مقفولة قدامه دلوقتي. مش لاقي له أي أثر.
يحيى اتجدد له الحبس في النيابة ١٥ يوم على ذمة التحقيق،
وراشد مش سايب له باب غير لما بيخبط عليه، بيحاول يخرّجه بأي طريقة، بس كله مقفول.
أما اللواء وحيد، فحبس نفسه جوه بيته كأنه بيدفن روحه بإيده.
مش قادر يتخلّى عن خوفه، ولا يواجه القرار اللي اتحط فيه، قرار مميت لأي قلب فيه ذرة رحمة.
قاعد بين أربع حيطان، بيفكر في الأوامر اللي جتله، ومخه مش قادر يستوعب إنه يتطلب منه يقتل حفيده بإيده.
قال لعبير ما تقولش لبهيرة إنه رجع.
عايز يفضل بعيد عن الصورة لحد ما ياخد القرار الأخير.
عبير وكارما قضوا الأسبوع كله بين البيت والمستشفى، بيحاولوا يكونوا سند لبهيرة، حتى لو وجودهم مش بيخفف كتير، بس بيريّحها.
أما بهيرة وسالم، فمكانهم معروف.. في المستشفى.
طول اليوم قاعدين جنب خالد، والدكتور كان بيسمح بوقت زيارة قصير، بس كفاية عليهم إنهم يشوفوه ويفرحوا بأي تحسن بسيط.
كل مرة بيفتح عينه، قلب بهيرة بيطير، وسالم بيشكر ربنا إنه لسه فيه أمل.
أما ياسمين..
ياسمين مكانتش بتتحرك من مكانها.
قاعدة برا أوضته، كل يوم، من غير ما تزهق أو تشتكي.
بتسمع كلام الدكاترة عن حالته اللي بتتحسن يوم بعد يوم، وتشكر الممرضات لما يدوها فرصة تدخل تشوفه وهو نايم.
تقعد جنبه وتبكي في صمت،
تشتكيله،
تحكيله وجعها منه،
تحكيله عن قلبها اللي لسه بيحبه رغم إنه نسيها،
تحكيله عن عينها اللي مش قادرة تستوعب إنه يبصلها ويسألها – انتي مين؟
معتصم ومهاب كانوا بيحاولوا يوازنوا بين الشغل وبين التواجد في المستشفى.
معتصم أوقات كان بياخد زينة معاه، عشان تبقى جمب ياسمين.
عدّى الأسبوع، وحالة خالد اتحسنت.
الدكتور قرر ينقله غرفة عادية،
وبقى مسموح بالزيارة أكتر.
خالد بقى قادر يقعد على السرير، ويتكلم.
صوته رجع له قوته، ونبضه بقى أهدى.
وياسمين؟
لسه قاعدة برا،
كلها أمل صغير..
يمكن لما يشوفها المرة دي،
يفتكر.
سالم وبهيرة خرجوا من عنده، والفرحة باينة في عينيهم،
– حالته اتحسنت كتير.
سالم قرّب من ياسمين وقالها بهدوء:
– مش هتدخليله وهو صاحي برضه؟
ياسمين ردّت بحزن ونبرة مخنوقة:
– دخولي وهو صاحي مش هيغير حاجة.. هو ناسي كل حاجة عني.. أنا بدخل أطمن عليه وهو نايم.
سالم ابتسم لها بحنية أب وقالها:
– إن شاء الله هيفتكرك يا ياسمين.. أنا متأكد.
بهيرة بصّت لياسمين وقالت بنبرة فيها شوية برود:
– طب طالما وجودك هنا مالوش لازمة دلوقتي، تعالي ارجعي البيت معانا.
ردّت ياسمين وهي عينيها بتلمع بالدموع:
– عايزة أكون قريبة منه.. يمكن يحتاجني.
بهيرة هزت راسها بعدم اهتمام، وسالم بص لها تاني وقال بحنية:
– ربنا يبارك فيكي يا بنتي.
خرجوا من المستشفى، وياسمين فضلت قاعدة لوحدها..
كأن الوحدة مكتوبة عليها تبقى صاحبتها في كل وقت.
بعد شوية جه مهاب، وبعده معتصم وزينة.
قعدوا جنبها، وكانوا بيحاولوا يقنعوها تدخل تشوف خالد وهو صاحي، يمكن يشوفها ويفتكر.
بس ياسمين كانت موجوعة..
فكرة إنه نسيها كانت عاملة زي سكينة في قلبها،
وكانت بتهرب من اللحظة دي، من نظرته وهو مش عارفها.
فجأة دخلت بنت شايلة بوكيه ورد، لابسة فستان قصير، وماشية بنعومة لفتت كل العيون.
وقفت قدام مهاب ومعتصم وقالت بصوت رقيق:
– هااي يا مهاب.. معتصم.. ازيكم؟ وحشتوني!
مهاب ومعتصم اتجمدوا في مكانهم.
وياسمين وزينة بصّوا للبنت بذهول من لبسها وطريقتها.
معتصم بص لمهاب وقال بصدمة:
– نانسي!!!
نانسي ضحكت وقالت:
– إيه اللي حصل لخالد؟ أنا زعلت عليه أوي.
ياسمين كانت لسه مش مستوعبة، ومعتصم اتوتر لما شاف نظرات زينة اللي كانت مولعة.
نانسي بصّت لياسمين وزينة وابتسمت، ورجعت تبص لمهاب ومعتصم وقالت بهزار:
– إيه ده؟ أوعوا تكونوا اتجوزتوا!
مهاب قال بسرعة:
– أنا اتجوزت وطلقت الحمد لله.
نانسي ضحكت وقالت له:
– زيي بالظبط.. أنا كمان اتجوزت واطلقت!
بصّت لمعتصم وسألته:
– وانت يا معتصم؟
زينة اتكلمت بغيرة باينة:
– ما ترد يا معتصم؟ قولها اتجوزت ولا لسه؟
معتصم بص لزينة وبعدين لنانسي وقال:
– اتجوزت.. وزينة مراتي.
نانسي بصّت لزينة وقالت وهي بتضحك:
– مراتك كتكوتة خالص يا معتصم!
أنا نانسي.. صحبتهم من زمان.
ياسمين ردّت بدهشة:
– صحبتهم؟!
معتصم حاول يقطع الحوار بسرعة وقال:
– قوليلي يا نانسي.. عرفتي إزاي اللي حصل لخالد؟
نانسي بصّت لمهاب وقالت وهي بتبتسم له:
– شوفت البوست اللي مهاب نزله إمبارح على الاكونت بتاعه .. وعملتله لاف.
معتصم بص لمهاب بغيظ مكتوم وقال:
– عملتلك لاف؟!
مهاب همس له بتوتر:
– والله ما كنت أعرف إنها لسه عندي على الأكونت!
معتصم بص له بغيظ وقال:
– منك لله.
نانسي قالت برقة مصطنعة:
– قولولي بقى… خالد في أنهي أوضة؟
ردت ياسمين بغيظ:
– الدكتور مانع الزيارة للأسف.
نانسي رفعت حواجبها بثقة وقالت وهي بتبص لياسمين:
– الزيارة ممنوعة على الناس التانية.. إنما أنا؟ لأ.. متأكدة إنه هيفرح أوي لما يشوفني، وهيقوم من ع السرير كمان!
وبصت لمهاب ومعتصم بنعومة:
– هي دي أوضته ولا التانية؟
مهاب بص لها وقال وهو بيشاور على أوضة خالد:
– دي.
نانسي ابتسمت له ابتسامة كلها دلال، ودخلت الأوضة من غير ما تستأذن.
مهاب بص لمعتصم وقال بهزار خفيف:
– البت نانسي بقت مزة عن زمان، صح؟
معتصم ردّ وهو بيضحك:
– اتغيّرت خالص.. دي كانت شبه الرجالة الأول!
ضحكوا هما الاتنين، وسكتوا فجأة لما شافوا ياسمين وزينة واقفين قدامهم، عينيهم كلها شر.
مهاب همس بقلق:
– بسم الله الرحمن الرحيم.. رايا وسكينة رجعوا للحياة تاني ولا إيه؟
ياسمين قالت وهي بتكتم غضبها:
– مين دي؟ وجاية تتطمن على خالد بصفتها إيه؟
زينة وقفت جنبها وقالت بغيظ:
– شكلها واخدة عليكم أوي يا معتصم.. تعرفوها منين؟
معتصم ومهاب تبادلوا النظرات، وقال مهاب وهو بيحاول يهرب من السؤال:
– نانسي أصلًا كانت تبع خالد.
ياسمين شهقت:
– تبع مين؟!
معتصم اتدخل بسرعة عشان يصلّح:
– قصده إنها كانت حاطه عينها عليه زمان.. يعني مفيش بينهم حاجة.
ياسمين قالت بغيرة وغضب:
– وكان امتى بقى الكلام ده؟
مهاب ردّ:
– من أيام الكلية.. كنا لسه طلبة في الشرطة، وأخوها كان صاحبنا. بس وقتها ما كانتش كده خالص.
بصّ لمعتصم وقاله وهو بيهزر:
– فاكر كانت عاملة إزاي؟ لو كانت كده زمان، ما كانتش عدت من إيدينا.
معتصم وسّع عينيه وقال بسرعة وهو بيضغط على أسنانه:
– اسكت الله يخربيتك.. هتودينا في داهية!
ياسمين زعقت فيهم:
– من أيام الكلية؟ يعني الباشا اللي جوه أكيد فاكرها!
مهاب قال بمنتهى الغباء:
– أكيد.. نانسي ما تتنسيش بصراحة.
معتصم بص لمهاب:
– انت بتقول إيه يا بني! الله يخربيتك.
الغيرة ولعت في قلب ياسمين واتحركت بسرعة، واتجهت ناحية أوضة خالد.
فتحت الباب بعنف،
وشافت خالد قاعد على سريره ، ونانسي جنبه بتضحك.
اندفعت جوه وقالت لخالد بغضب:
– دي فاكرها طبعا، صح؟
خالد بص لها باستغراب وقال:
– أنتي مين؟
قربت منه وقالت وهي بتكتم الغليان:
– أنا مين دي هتعرفها بعدين، بس دلوقتي لازم نفوق،
نحط حد للمهزلة دي.
ماشاء الله عليك فاكر كل الناس وأنا الوحيدة اللي نسيتها؟!
قولت ماشي،
أصبر لحد ما تفتكر..
بس توصل إنك تفتكر دي… وتضحك معاها كمان؟!
لأ، آسفة… مش هسكت.
بصت لنانسي وقالت بحدة:
– ثانية واحدة يا روحي… قومي من هنا.
نانسي قامت بسرعة وهي بتبص لها بدهشة.
ياسمين شدت إيد خالد، اللي كان بيبصلها باستغراب.
طلعت الدبلة بتاعه من جيبها،
ومسكت إيده ولبسته الدبلة.
وبصت ل نانسي وقالت:
– أظن كده فهمتي انا مين؟
خالد بص للدبلة وقال بدهشة:
– إيه اللي أنتي بتعمليه ده يا آنسة؟
ردّت عليه وهي بتصرخ في وشه:
– كمان آنسة؟!
وضربته في صدره:
– ماشي يا خالد.. بس لما ترجع تفتكر، شوف أنا هعمل فيك إيه.
بعدت عنه، وقبل ما تخرج قالت:
– وخلي بالك.. الدبلة اللي في إيدك دي لو اتشالت،
أنا هشيل الأجهزة اللي هنا دي كلها وأنزلها على دماغك، عشان تنسى كل حاجة خالص ونرتاح كلنا.
خرجت من الأوضة منهارة،
وخالد لسه بيبصلها بصدمة وباصص على الدبلة في إيده.
زينة بصّت لمعتصم ومهاب وقالت بحدة:
– بصراحة، معاها حق.
ونانسي دي.. يلا طلعوها بره قبل ما نعملكم جريمة هنا!
وخرجت ورا ياسمين.
مهاب بص لمعتصم وقال بقلق:
– إيه يا بني ده.. هو أنتوا متجوزين رايا وسكينة بجد؟ دا أنا مرعوب!
معتصم ردّ بخضة:
– والله حتى أنا خوفت من زينة.. الستات لما بيقلبوا بيخوفوا بجد.
مهاب بص على خالد وقال:
– المهم.. لازم نقنعه ما يخلعش الدبلة دي من ايده،
عشان ياسمين ما تنفذش تهديدها وتضربه بحاجة تنسيه اسمه!
......
برا قدام غرفة خالد،
كانت ياسمين قاعدة بتحارب نزول دموعها،
وزينة جنبها، مسكة إيدها وبتطبطب عليها.
زينة قالت بهدوء وهي بتحاول تهديها:
– اللي عملتيه ده هو الصح يا ياسمين... حتى لو هو ناسي، لازم يعرف إنه متجوز.
مفيش واحدة تستحمل اللي انتي فيه ده.
ردت ياسمين بغيظ وقهر، وهي بتجفف دموعها بعصبية:
– بس لما يفتكر...
نفسي يفتكر ويشوف أنا هعمل فيه إيه.
بقى ينساني؟!
أنا مراته!
ويفتكر دي؟!
وقبل ما زينة ترد،
قربت منهم منة، وشايلة ورد جميل، وفي إيدها التانية ماسكة آدم ابن أختها الصغير،
وشه منور، وبيضحك ضحكة بريئة.
منة قالت برقة:
– ياسمين... حمد الله على سلامة أستاذ خالد.
ياسمين قامت من مكانها بسرعة،
ومسحت وشها، وحاولت ترسم ابتسامة:
– الله يسلمك يا منة... ليه التعب ده بس؟
منة ابتسمت وقالت بود:
ولا تعب ولا حاجة،
أنا كان نفسي أجي من أول يوم، بس الحاج سالم قال إن الدكتور مانع الزيارة،
وأول ما قالي إن الزيارة بقت مسموحة، قلت لازم أجيلك.
ياسمين بصت لزينة وقالت بابتسامة خفيفة وهي بتعرفها على منة:
– زينة صاحبتي...
ومنة مديرة الحسابات في المصنع يا زينة.
زينة مدت إيدها بلطف وسلموا على بعض:
–أهلاً وسهلاً.
منة ابتسمت وهي بتقدم الورد لياسمين:
– اتفضلي يا ياسمين.
ياسمين خدت الورد،
وزينة بصت على آدم اللي كان بيشاور على لعبة في إيده،
وسألت منة بابتسامة:
– ده ابنك؟
منة هزت راسها وقالت بابتسامة فيها وجع دافي:
– لأ... ده ابن أختي الله يرحمها.
زينة عينيها لمعت بحزن،
وقربت منه وقالت بحنية:
– طب ممكن أشيله؟
منة ابتسمت:
– اه طبعًا.
زينة شالته في حضنها، وبدأت تلاعبه وهي بتضحك:
– تعرفي أنا بحب الأطفال أوي.
ياسمين ضحكت وقالتلها:
– كلها كام شهر وهتحبي فيهم زي ما انتي عايزة.
منة فتحت عينيها بدهشة خفيفة وقالت:
– انتي حامل؟
زينة ردت بخجل بسيط:
– أه... بس لسه في الأول.
منة قالت وهي بتضحك بهزار خفيف:
– طب اجهزي من دلوقتي،
تربية الأطفال مش سهلة خالص... دي عايزة جيش مش أم.
ضحكوا التلاتة،
والجو اتغير شوية،
رجع فيه نفس.
آدم قاعد يضحك على صوت اللعبة بتاعه،
وياسمين كانت بتحاول تضحك،
بس الضحكة كانت بتيجي وتوقف،
كأن جواها لسه في حاجة وجعاها...
بس بتحاول تلهي نفسها،
ولو لحظة.
باب أوضة خالد اتفتح بهدوء...
وخرج منها معتصم، وراه مهاب، وبينهم نانسي.
ياسمين وزينة ومنة كلهم لفّوا نظرهم ناحية الباب في لحظة واحدة.
لكن منة... اتفاجئت.
عينها اتسعت أول لما شافت مهاب،
والصدمة الأكبر... لما شافت بنت خارجة معاه.
مهاب اتجمد في مكانه، كأن رجله اتربطت في الأرض.
مش مستوعب منة جت هنا إزاي؟
وعرفِت ياسمين إزاي؟
وايه اللي جمعهم في نفس اللحظة؟!
معتصم لمح توتره، وقرب منه وهمس وهو بيحاول يسيطر على الوضع:
– هتروح توصل نانسي وتتأكد إنها خرجت من المستشفى... مش ناقصين مشاكل تاني.
مهاب رد من غير ما يبص له، عينه لسه على منة:
– لا... وصلها انت. أنا مش هينفع.
معتصم بص له بغيظ، وقال بتوتر مكتوم:
– أوصلها أنا إزاي يا بني آدم؟! وأسيب زينة هنا؟
مهاب رد ببرود وهو لسه مش فاهم مشاعره:
– وأنا أعمل إيه يعني!
نانسي قطعت الحوار وهى بتتكلم بدلعها المعتاد، متجاهلة كل اللي بيحصل حواليها:
– أنا ماشية يا شباب... وابقوا طمنوني على خالد لما يخرج.
ومشت بخطوات بطيئة، فيها دلال مقصود.
عدّت قدام ياسمين اللي كانت هتنفجر من الغيظ.
مهاب قرّب ناحية منة،
وشاف آدم في حضن زينة،
وقال بصوت متلخبط وهو بيحاول يفهم:
– إزيك يا آنسة منة؟ بتعملي إيه هنا؟ آدم كويس؟
منة ردت بخجل، صوتها ضعيف شوية:
– الحمد لله... كويس.
معتصم قرب، وياسمين بصت لمهاب وقالت باستغراب:
– إيه ده؟ انتوا تعرفوا بعض؟
منة ردت بخجل وهي بتبص في الأرض:
– آه... أستاذ مهاب جاري.
مهاب استغرب أكتر وسأل:
– انتي تعرفي ياسمين وزينة؟
ردت ياسمين بسرعة:
– منة مديرة الحسابات في المصنع، وأنا وهي بنشتغل سوا.
مهاب هز راسه بذهول وقال:
– معقول؟ الدنيا صغيرة اوي كده؟!
معتصم ضحك وقاله:
"جارتك؟!"
مهاب رد بغيظ، وهو فاهم قصد معتصم:
– آه...آنسة منة جارتي. اللي حكيت لك عنها...
اللي كان عندها مشكلة مع جوز أختها.
معتصم قال وهو بيهز راسه:
– آه فاكر... فاكر.
وبص لِـ منة بلطف وقال:
– ولسه جوز أختك بيضايقك يا آنسة منة؟
ردت منة بخجل وهدوء:
– لأ... الحمد لله، بعد عني خالص.
معتصم قال وهو بيضحك:
– أصل مهاب شد عليه جامد وقتها
، شكلك غالية عنده!
منة ابتسمت بخجل واضح،
وياسمين لمحِت اللمعة دي في عينيها،
حسّت إن في حاجة... يمكن لسه مش واضحة حتى ليهم.
مهاب بص لمعتصم بغيظ وهمس:
– هو إيه اللي انت بتقوله ده؟!
معتصم رد بنفس الهمس، وعينه فيها شقاوة:
– فرصتي آخد حقي منك انا والغلبان اللي جوه ده.
قطعتهم ياسمين وهي بتسأل بقلق:
– هو خالد صاحي؟ ولا نام؟
معتصم رد:
– صاحي... هندخل نسلم عليه قبل ما نمشي.
منة وقفت وقالت:
– أنا كمان اتأخرت ولازم امشي.
مهاب قال بهدوء:
– طب تعالي سلمي عليه معانا...
ونخرج كلنا سوا.
منة بصت له بخجل خفيف،
وياسمين لمحت الارتباك في عيونها،
حاجة في قلبها قالتلها إن في رابط بيتخلق بين الاتنين،
حتى لو هما لسه مش شايفينه.
اتكلمت ياسمين بود:
– آه يا منة... مش معقول تيجي لحد هنا وتمشي من غير ما تسلمي عليه.
معتصم ابتسم وقال:
– يلا كلنا ندخل نسلم عليه.
دخلوا كلهم...
وياسمين دخلت في الآخر، خطواتها بطيئة، مترددة،
عينها على خالد من اللحظة الأولى.
كان نايم على السرير، ووشه شاحب.
بس عيونه مفتوحة، بتدور فيهم.
سلموا عليه واحد ورا التاني،
هو بيرد بابتسامة ضعيفة... لكن عيونه كانت بتدور على ياسمين.
كانت واقفة ورا،
قلبها بيخبط في صدرها،
مش عايزة تبص له... خايفة من نظرة نسيان تاني.
وهي بتلف تمشي،
صوته طلع ضعيف... لكنه مسموع قوي:
"ياسمين..."
كلهم وقفوا.
وهي... اتجمدت في مكانها...