رواية منعطف خطر الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ملك ابراهيم

    

          

 رواية منعطف خطر الفصل الثالث والخمسون

كان نايم على السرير، ووشه شاحب.
بس عيونه مفتوحة، بتدور فيهم.

سلموا عليه واحد ورا التاني،
هو بيرد بابتسامة ضعيفة... لكن عيونه كانت بتدور على ياسمين.

كانت واقفة ورا،
قلبها بيخبط في صدرها،
مش عايزة تبص له... خايفة من نظرة نسيان تاني.

وهي بتلف تمشي،
صوته طلع ضعيف... لكنه مسموع قوي:

"ياسمين..."

كلهم وقفوا.
وهي... اتجمدت في مكانها.

صوته خرج مرة تانية، أضعف من المرة اللي قبلها:
"خليكي من فضلك... عايز أتكلم معاكي."

رغم إن قلبها خفق بقوة أول لما سمعت اسمها بصوته اللي وحشها،
بس الرسمية اللي في نبرته وجعت قلبها أكتر من أي حاجة.

معتصم ومهاب وزينة ومنة خرجوا وسابوهم لوحدهم،
وهي فضلت واقفة مكانها،
عينها عليه...
وقلبها بيرجف.
خايفة يدخل الأمل لقلبها... وياخده منها تاني.

هو لاحظ خوفها وترددها، بص لها وقال بنبرة هادية:
– ممكن تقعدي نتكلم؟

قربت بخطوات بطيئة، وقعدت على الكرسي اللي جنب سريره.
عينه كانت بتراقبها في صمت، وقال:
– معتصم ومهاب قالولي إن أنا وانتي كنا متجوزين... قبل الإصابة.

رفعت عنيها وبصت له بصدمة، صوتها طلع بهمس:
– كنا؟!

أَدْرَك كلامه بسرعة:
– قصدي... إننا متجوزين. هما قالولي كده لما حطيتي الدبلة في إيدي، قالولي إنك مراتي، وإن الغيبوبة خلتني أنسى.

هزت راسها،
كانت بتسمعه،
والدموع بتتجمع في عنيها،
وقلبها بيتكسر واحدة واحدة.

هو كمل وهو حاسس بالارتباك والضياع:
– الغريب إني مش قادر أفتكر أي حاجة بينا... حاسس كأني بشوفك لأول مرة. مفيش ذكرى واحدة... ولا مشهد... ولا إحساس جوايا ناحيتك! 

دموعها نزلت،
وجففتها بسرعة بإيديها،
بس وجع الكلام كان أسرع من دموعها.

بص على الدبلة اللي في إيده، وقال بصوت ضعيف:
– للأسف مش قادر أفتكر أي حاجة...

وبص لها تاني وسألها:
– يعني... أنا حبيتك إمتى؟ وإزاي؟ واتقابلنا فين؟ وإزاي اتجوزنا؟ وفرحنا كان عامل إزاي؟ أسئلة كتير... مش لاقي ليها أي إجابة. يمكن لو تحكيلي، أفتكر.

بصت له، ودموعها زادت وهي بترد بصوت مكسور:
– للأسف... مش هينفع أحكيلك.

هو بص لها باندهاش:
– يعني إيه؟

ردت وهي بتقاوم شهقة في صدرها:
– يعني... التفاصيل اللي بتسأل عنها دي... دي مش مجرد أحداث، دي ذكريات بيني وبين الراجل اللي حبيته واتجوزته... مقدرش أحكيهالك وإنت بتسمعني كإنك غريب.

قال بحيرة:
– بس أنا المفروض الراجل ده!

هزت راسها بـ"لا"، وقالت وهي بتنهار:
– لأ... مش أنت.
خالد اللي أنا حبيته واتجوزته... كان واحد تاني.
كان بيقرا قلبي من غير ما أتكلم...
كان بيمسك إيدي قبل ما أقع،
ماكنش بيستحمل يشوف دموعي اللي انت شايفها دلوقتي ، 
اللي قدامي ده... مش هو.
وأنا مش عايزة أبدّل اللي كان بيني وبينه بكلام باهت مع حد مش فاكرني.
هفضل محتفظة بيه جوا قلبي... زي ما هو،
لحد ما يرجع هو لوحده، من غير ما حد يفكره بيا.

مقدرتش تستحمل آكتر من كده. 
قامت بسرعة...
خرجت من الأوضة وهي بتنهار في بكاها.

وأول ما قفلت الباب وراها،
سندت على الحيطة، حطت إيديها على قلبها...
وصرخة وجعها خرجت في بكاها المكبوت.

جوا الأوضة.
خالد كان لسه عينه على الباب،
وصدره بيعلى وينزل،
وفي قلبه وجع غريب مش فاهم له تفسير...
بس موجع عليها بجد.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم. 
بعد يومين
في بيت اللوا وحيد.
كان قاعد في مكتبه وباب المكتب مفتوح.
بيتكلم في التليفون ومطمن ان البيت فاضي وكارما وعبير راحوا عند بهيرة. 
– أنا متأخرتش في التنفيذ ولا حاجة.. بس اللي مطلوب مني مش سهل.. ومحتاج وقت وترتيب.
– إنتوا عايزيني أقتل واحد جوه بيته، وواحد جوه السجن، وواحد جوه المستشفى!!
– وكل ده بدون شبهة جنائية.. يبقى على الأقل آخد وقتي عشان أرتّب أموري صح.

كارما وقفت ورا الباب على صوت جدها وسمعت كلامه في التليفون.
كانت راجعة من المستشفى عشان تغير لبسها بعد ما عرفت ان خالد خارج النهاردة وراجع بيته. 
اتصدمت وهي بتكتم صوتها وأنفاسها بإيديها..
اللي سمعته ده كأنها سمعته قبل كده من سنين..
بس جدها وقتها كان بيتفق على قتل باباها..
كان عمرها 12 سنة وسمعته بيتكلم في التليفون وبيوعد إنه هيتخلص من جوز بنته.

كارما كانت لسه صغيرة، وكانت فاكرة إن جدها بيهزر..
بس بعد يومين باباها اتقتل فعلاً..
وقتها كارما خافت وقفلت على نفسها أيام كتير..
كانت مرعوبة من جدها وخايفة تتكلم عشان ما يقتلهاش هي كمان.

كانت بتقنع نفسها إنها سمعت الكلام غلط، وإن ده مش حقيقي،
وإن جدها راجل شرطة شريف مستحيل يعمل كده.
طول السنين دي وهي بتكدّب نفسها وسمعها.
بس دلوقتي لا..
هي سامعة صح..
جدها بيتفق على موت 3 أشخاص تاني.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم. 
في بيت الدريني.
خالد خرج من المستشفى ورجع بيته.
مهاب ساعده يطلع أوضته عشان يرتاح على سريره.

عبير وبهيرة دخلوا وقعدوا في الريسبشن مع بعض يتكلموا.
ياسمين كانت واقفة وحاسة إنها بقت غريبة في البيت، مش بس غريبة في قلب حبيبها.

سالم قرب منها واتكلم بابتسامة:
– واقفة ليه يا ياسمين؟ اطلعي ارتاحي، إنتي تعبتي في المستشفى طول الأيام اللي فاتت.

اتكلمت ياسمين بحزن:
– هو ليه حضرتك ما سبتنيش أروح أعيش في شقة خالد لحد ما يفتكر؟ أنا مش هينفع أعيش معاه في نفس البيت وهو ناسيني.

رد سالم بحزم وهدوء:
– إزاي يعني تروحي تعيشي في شقة لوحدك وجوزك هنا!؟
مش كفاية طلبتي تسيبي أوضته وننقل حاجتك لأوضة تانية؟
مش معنى إنه ناسي بسبب اللي حصله.. إنك تنسي إنك مراته!

ردت ياسمين والوجع باين في نبرتها:
– ماكنش ينفع أكون معاه في نفس الأوضة وهو مش فاكر إنه متجوزني أصلاً..
هنكون مع بعض زي الاغراب، وهو مش هيكون مرتاح، وأنا كمان مش هكون مرتاحة.

سالم قال بحسم وحنان:
– وأنا عملتلك اللي يريحك، وقلت للخدم ينقلوا حاجتك للأوضة اللي جنبه.
لكن أكتر من كده؟ لا.. لازم تكوني جنب جوزك لحد ما يفتكر ويرجعلك تاني.

ياسمين هزت راسها بالإيجاب وقالت بهدوء:
– حضرتك عندك حق.. عن إذنك هطلع فوق.

سالم ابتسم لها ومشي ناحية الريسبشن، وكانت عبير بتتكلم مع بهيرة بتوتر:
– بابا راجع النهاردة.. هو كلمني وقال لي "طمني بهيرة".
كان مسافر، عنده شغل بيخلصه، وتليفونه والباسبور بتاعه اتسرقوا، وأخد كل الوقت ده عشان يعمل باسبور تاني ويرجع.

بهيرة صدقتها وقالت بحزن:
– كنت محتاجاه جنبي أوي الفترة اللي فاتت..
بس الحمد لله، المهم خالد قام بالسلامة ورجع بيته.

سالم كان سامع وبيتابع بصمت.
بص لعبير بنظرة فيها شك، وسألها بغموض:
– وفين كارما؟ كانت في المستشفى وفجأة اختفت؟

ردت عبير بسرعة:
– رجعت البيت تغير لبسها.. قالتلي هتيجي على هنا.

سالم هز راسه وسابهم ودخل أوضة مكتبه.
وعبير وبهيرة كملوا كلامهم مع بعض.
......... 
في المساء.
ياسمين صحيت من النوم.
فتحت عنيها ببطء، وبصّت للسقف شوية قبل ما تقوم تقعد على السرير.
الأوضة جديدة عليها.. حتى ريحتها مش مألوفة، خالد في الاوضة اللي جنبها، بس بينهم دلوقتي حواجز مش بس حيطان.
سكتت لحظة، وبعدين اتنهّدت تنهيدة طويلة فيها وجع مخنوق وهي بتفكر في أحمد.
وحشها.
وحشها أوي.
من ساعة ما خالد دخل المستشفى، وهي نسيت نفسها ونسيت الدنيا كلها، حتى أخوها اللي كان كل حاجة ليها، اختفى من تفكيرها وسط دوّامة التعب والخوف والقلق.

مدت إيدها بهدوء للتليفون واتصلت بعمّها.. كانت محتاجة تطمن على أحمد، وتطلب تشوفه..
خرجت للبلكونة وهي بتتكلم، والهوا الرقيق بيعدّي على وشها كأنه بيواسيها.
شعرها اتحرك بخفة ووشها كان باين عليه الحزن والتعب.

عمّها رد بصوته الهادي:
– ألو، إزيك يا ياسمين.. ألف سلامة على جوزك.. معلش، معرفتش أجي أزوره في المستشفى، الدنيا عندنا ملخبطة.

كانت عارفة الأزمة اللي هما فيها .. معتصم ومهاب حكو لها، عرفت منهم إن خالد اتصاب وهما بيقبضوا على يحيى ابن عمها.
كلام عمها زاد الوجع جوّاها، اتكلمت بصوت هادي بس مليان اعتذار:
– اعذرني يا عمي.. مقدرتش أكون جنبكم في اللي حصل.. بس أكيد حضرتك مقدّر أنا كنت في إيه.. أنا كنت عايزة أطّمن على أحمد، بعد إذنك.

عمها:
– حاضر، هبعتله التليفون يكلمك.. خليكي فاتحة الخط.

سكتت، ووقفت تستنى.
نظرتها كانت تاهية، وتنفسها بقى أعمق، وكأنها بتحاول تلمّ جروحها.
مكانتش حاسه إن في حد واقف جنبها، ساكت وشارد، عينه على السما وقلبه مش هنا.
لكن هو سمع صوتها، وسمع المكالمة مع عمها، وصوتها لما اتغيّر فجأة.. وبقى فيه حياة وهي بتكمل مكالمتها وبتقول بابتسامة ممزوجة بالشوق:
– إزيك يا حبيبي.. عامل إيه؟ وحشتني.

رد عليها أحمد بصوته الطفولي الدافي:
– إنتي كمان وحشتيني أوي يا ياسمين.. ليه اتأخرتي عليا؟ أنا مستنيكي تيجي تاخديني.. إنتي وحسن أبو علي.

خفض صوته وقال بسرّ:
– عشان أجي معاكم بيتكم الجديد.. أنا مقولتش لحد.

ابتسمت، بس ابتسامتها كانت حزينة..
جواها وجع، بس بتحاول تطمنه وتطمن نفسها:
– معلش يا حبيبي، إن شاء الله أول لما نجهّز البيت هنيجي ناخدك.. المهم طمّني عليك؟ إنت كويس؟

احمد:
– آه الحمد لله.. أنا كويس، بس زهقان هنا وأنا لوحدي.

قالت بصوت فيه وجع:
– متقلقش.. إن شاء الله هاجي أخدك في أقرب وقت.. وهنقضي يوم حلو مع بعض، اتفقنا؟

قال بحماس بسيط:
– اتفقنا.

المكالمة خلصت.
قفلت التليفون وهي بتتنهد من قلبها..
مش عارفة ليه حاسة إن الدنيا بتحضرلها حاجة تانية، حاجة مش مفهومة.

بصّت جنبها من غير وعي، واتخضت!
خالد كان واقف في البلكونة، ساكت، وعينه عليها.

قلبها دق بسرعة، وسألته بتوتر:
– إنت واقف كده ليه؟ إنت كويس؟

هز راسه وقال بهدوء:
– آه، كويس.

اتكلمت باستغراب وهي بتحاول تفهم:
– طب واقف ليه كده؟ ادخل ارتاح على سريرك عشان متتعبش.

بصلها، ونبرة صوته كانت غريبة، مفيهاش وجع، بس مفيهاش راحة:
– أنا مرتاح هنا.

نظراته كانت تقيلة عليها.. وجواها حاجة بدأت تتوتر.
سألته بسرعة:
– محتاج حاجة أعملهالك؟

رد بكلمة واحدة بس:
– شكراً.

بصّت له لحظات، مش عارفة ترد بإيه، وبعدين بهدوء رجعت أوضتها وقفلت باب البلكونة وراها.
قعدت على السرير، وعنيها تاهت في الفراغ..
مش قادرة تصدق إن علاقتها بخالد بقت بالشكل ده.
البرود اللي بينهم بقى زي التلج، ومش عارفة التلج ده هيفضل ما بينهُم لحد إمتى.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم. 
في بيت اللوا وحيد.
عبير رجعت من عند أختها بهيرة، وهي قلقانه علي كارما لأنها مرجعتش عند خالتها زي ما اتفقت معاها. 
وقفت قدام باب اوضتها، حاولت تفتحه بلُطف، بس اتفاجئت إنه مقفول من جوّه.

خبطت عليها بخوف:
– كارما؟ قافله على نفسك ليه؟ افتحي يا حبيبتي.

كارما مردتش.
لحظات، وبعدها الباب اتفتح ببطء.
كارما كانت واقفة ورا الباب، وشها أبيض زي التلج، وعينيها فيها رعب ساكن.
جسمها كله بيرتعش، كأنها خارجة من كابوس.

عبير قربت منها بسرعة، ومدّت إيدها على وشها،
إيد كارما كانت ساقعة كأنها كانت ماسكة تلج.
– مالك يا كارما؟ في إيه؟
إنتي قولتيلي هتروحي تغيري وتيجي عند خالتك.. ليه مجتيش؟ حصل إيه؟

كارما بصتلها، وعينيها بتدمع، وقالت بصوت مخنوق بالخوف:
– أنا خايفة يا ماما.. عايزة أمشي من هنا.

الكلام وقع على قلب عبير زي الحجر،
ولسه هترد، فجأة دخل اللوا وحيد بصوته اللي بيملأ البيت كله:
– عبير.. تعالي، عايزك.

كارما اتخشبت مكانها، ارتجفت أكتر أول ما شافت جدها،
عنيها اتسمرت عليه بخوف بيقلب في معدتها.
هو بص لها باستغراب وقال ببرود:
– مالها كارما؟ هي الحالة رجعتلها تاني ولا إيه؟

عبير بصت له بقلق وقالت:
– شكلها كده يا بابا.

بصلها وحيد وقال بنبرة آمر كأنه بيخاطب جماد مش إنسانه:
– خدي الدوا بتاعك وارتاحي يا كارما.

كارما هزت راسها بحركة خفيفة، بس جسمها متجمد مكانه،
مش قادرة حتى تنطق قدامه.

اللوا وحيد كان ذهنه في حتة تانية..
رغم شكل حفيدته المذعور، عقله مشغول بحسابات تانية خالص.
بص لعبير وسألها وهو بيعدل نبرة صوته:
– قولتي لأختك الكلام اللي قولتهولك؟

عبير:
– آه يا بابا، قولتلها.
بس مش فاهمة ليه حضرتك طلبت مني أقولها إنك مسافر وإنت موجود هنا؟

رد وحيد بنبرة هادية، فيها خبث متغطي بالعقل:
– علشان بهيرة بتكبر المواضيع، وكانت هتتعب لي أعصابي.
استنيت لما ابنها يخرج من المستشفى.

قرب منها شوية، وبص لها باهتمام:
– هو لسه مش فاكر برضه؟

عبير:
– لأ.. لسه مش فاكر أي حاجة.

اللوا وحيد:
– ومراته؟ عامل إيه معاها؟

عبير:
– مش فاكرها خالص.
وكانت عايزة تسيب البيت لحد ما يفتكر، بس سالم مرداش وقعدها في أوضة لوحدها.

اللوا وحيد ابتسم بخفة،
كأن قلبه ارتاح لما اتأكد إن خالد ناسي فعلاً.
قال بنبرة فيها ترتيب للخطوة الجاية:
– بكره إن شاء الله نروح نزوره أنا وانتي وكارما.

بص ل كارما، ونظرتها فيها هلع بيزيد،
شفايفها عايزة تقول حاجة بس مش قادرة.
هو ماخدش باله، أو خد ومهتمش، وقال وهو بيبصلها:
– إديها الدوا بتاعها، عشان متبقاش حالتها كده قدام أختك.

عبير:
– حاضر يا بابا.

خرج وحيد.
عبير طلعت الدوا من درج الكومودينو، وادته لكارما وهي قاعدة جنبها على السرير.
كانت بتراقبها بعين أم مش فاهمة بنتها دي رجعت للحالة دي ليه تاني؟
إيه اللي حصل؟
إيه اللي رجّع كل الرعب اللي كان بدأ يهدى؟
سؤال فضل معلق في دماغها، وإجابته كانت ساكتة زي كارما.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم. 
صباح اليوم التالي في بيت الدريني.
الشمس كانت لسه طالعة بدفاها الخفيف، والبيت هادي غير صوت المعالق اللي بتخبط في الأطباق على السفرة.
ياسمين نزلت من فوق، لابسة وجاهزة، وباين عليها إنها صاحيه من بدري ومستعدة.
قربت من السفرة اللي قاعد عليها سالم وبهيرة، وابتسمت بهدوء:
– صباح الخير.

سالم رفع عينه ورد بابتسامة فيها ود:
– صباح النور يا بنتي.

لكن بهيرة رفعت نظرها لياسمين، ووشها اتشد بدهشة ممزوجة باستغراب:
– لابسة كده ورايحة فين ع الصبح؟

ياسمين قالت بهدوء وصوت ثابت:
– رايحة شغلي في المصنع.

بهيرة ضحكت بسخرية خفيفة وهي بتحط كباية الشاي على السفرة:
– شغل إيه اللي تروحيه وجوزك بالحالة دي؟!

ياسمين وقفت بهدوء ، وقالت من غير أي انفعال:
– حضرتك قولتي قبل كده إن وجودي ملوش أهمية بما إنه ناسيني..
يبقى هقعد أعمل إيه؟

سالم اتدخل بسرعة قبل ما الحوار يسخن، وقال بحزم بسيط:
– أنا محتاج ياسمين معايا في المصنع يا بهيرة.
وخالد لو احتاج حاجة، انتي موجودة.

وفجأة وقف سالم بسرعة وهو بيبص ناحية السلم،
خالد كان نازل بخطوات بطيئة وتعب باين على وشه.

سالم مشي ناحيته بسرعة وقلق في عينيه:
– نزلت ليه من أوضتك يا حبيبي؟ خليك مستريح.. كنا هنطلعلك الفطار فوق.

خالد قال بصوت ضعيف ، مرهق ومش طايق نفسه:
– مش عايز أفطر يا بابا..
زهقت من الأوضة فوق.

ياسمين بصّت له من بعيد،
شافت تعبه في ملامحه، وشها اتشدت ووجع قلبها على حاله،
بس مفيش في إيديها حاجة.. مجرد نظرة وسكوت.

خالد رفع عينه فجأة،
لمحها وهي واقفة،
وبص لها بنظرة قصيرة مش مفهومة،
وبعدين مشي ناحية السفرة وقعد بتقل كأنه شايل جبل على ضهره.

سالم رجع يبص لياسمين وقال بلطف أبوّي:
– اقعدي يا ياسمين، يلا افطري، ونروح المصنع مع بعض.

ياسمين اتوترت، قلبها دق بسرعة، وقالت وهي بتاخد نفسها بالعافية:
– لا يا عمي، أنا مش عايزة أفطر.. هستناك برا في العربية.

سالم قال بصوت فيه حزم أب:
– اقعدي يا ياسمين جنب جوزك، وافطري معانا..
اسمعي الكلام.

كلمة "جنب جوزك" وجعت قلبها،
 بصّت لخالد وهي بتحاول تسيطر على توترها،
قلبها بيخبط في صدرها وهي بتقرب تقعد جنبه على السفرة.
حركاتها محسوبة، ونظرتها ليه كلها تساؤلات مكتومة.
قعدت جنبه...
بس هو بص لها من غير ما ينطق،
نظرة سريعة، ساكتة، كأنها مش موجودة.

بهيرة بصّت عليه بحنان أم خايفة على ابنها:
– افطر يا حبيبي عشان تتغذى شوية.. انت ضعفت أوي الفترة دي.

وبصت ل ياسمين، وقالت بلوم صريح:
– المفروض مراتك هي اللي تهتم بيك وبأكلك...
بس هقول إيه! خليني ساكته! 

كلامها دخل قلب ياسمين زي سهم، ردت بغيظ مكتوم وهي بتحاول تمسك نفسها:
– لا اتكلمي حضرتك ومتقلقيش هو مش فاكر إنه متجوز أصلًا؟ ده بيقولي "يا آنسة"!

ضحكة سالم طلعت من قلبه فجأة على كلام ياسمين، وبص لخالد وقال وهو لسه بيضحك:
– معلش يا ياسمين، بكره يفتكر.

لكن خالد رد بصوت تعبان ومنهك، نبرة مكسورة أكتر من كونها هادية:
– أنا مش عايز أفتكر حاجة..
أنا نازل أقعد معاكم شوية عشان زهقان من فوق.

الكلمة وجعت ياسمين أكتر من اللي قبلها،
بصّت له بعين مليانة قهر وغيظ وقالت بعصبية مكسورة:
– هو إيه اللي مش عايز افتكر حاجة؟!
آه ما إنت شكلك لما صدّقت تنساني، صح؟

بهيرة اتدخلت بسرعة، وهي متضايقة:
– متزعقيش في ابني كده، هو لسه تعبان!

ياسمين ردت وهي ماسكة نفسها بالعافية:
– ده أنا اللي تعبانة، وهيجيلي جلطة بسببه!

سالم حاول يهدي الجو بصوته اللي فيه حنية وعقل:
– معلش يا ياسمين.. الصبر يا بنتي.

نظرات ياسمين فضلت سابته، نظرة زعل بجد،
زعل من جواها، مش مجرد لحظة غضب.

سالم حاول يغيّر الموضوع وقال لها بهدوء:
– الباشمهندس هشام كان كلمني عن نوع مكن جديد، بيقول إنه كويس، وكنت عايز أجيب واحدة نجربها في المصنع...
إنتي إيه رأيك يا ياسمين؟

ردت بصوت حزين، صوت فيه طيف من الانكسار:
– آه هو كلمني النهاردة، وقالي على المكن ده،
وطلب مني أروح معاه مصنع فيه المكن عشان أشوفه وأقول لحضرتك رأيي...
هروح معاه النهاردة إن شاء الله.

وهنا... خالد فجأة خبط بإيده على السفرة!
الصوت كان عالي وصادم، خلّى الكل يسكت لحظة.
ياسمين بصّت له بدهشة، قلبها اتخض،
وشه كان متغير، ملامحه اتقلبت...
كل عضلة في وشه كانت مشدودة،
وكان باين عليه إنه بيضغط على أسنانه بقوة وهو بيحاول يبلع غضبه.

هي عرفاه...
عرفاه أوي...
دي مش أول مرة تشوفه بالشكل ده.
ده خالد حبيبها اللي بيغير.
وخالد من أول لحظة بيغير عليها من هشام.

خد كباية الميّه بسرعة وشرب منها،
كأنها محاولة منه يهدّي نفسه...
بس كانت إيده ماسكة الكباية وبيضغط عليها كأنها هتتكسر في ايده. 

ياسمين فضلت ساكتة لحظة،
تفكيرها سريع،
بدأت تشك في خالد. 
غيرته عليها كشفته! 
جاتلها فكرة.
بصّت قدامها وهي بتمسك تليفونها وقالت بصوت رقيق متعمد:
– ده هشام بعتلي رسالة كمان.

وفي اللحظة دي...
خالد مد إيده،
شد التليفون من إيدها ورماه على الأرض بكل قوته،
وقال بصوت مليان غضب:
– ارمي الزفت ده!
مفيش شغل في المصنع تاني،
واللي اسمه هشام ده... مش عايز أسمعك بتنطقي اسمه!

المفاجأة كانت كبيرة،
لكن ياسمين... بصّت له وابتسمت فجأة.
ابتسامة خفيفة، بس مش ساذجة.
ابتسامة واحدة ست عارفة جوزها كويس... 
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1