رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثالث والخمسون


لم تكن الحياة بعد الطلاق كما تصوّرتها سارة... لم تكن جحيماً، ولم تكن جنّة. كانت شيئاً رمادياً في المنتصف، تمامًا كلون الصباح بعد ليلة بكاء طويلة.
استلقت لأيام في منزل إيفرلي، لا تفعل شيئًا سوى التنفّس... ومراقبة الضوء وهو يتسلّل من شقوق الستائر، كأنها تختبر فكرة الاستمرار، بلا أحمد، بلا حلم، بلا مقعدٍ لطفل لن يولد.

إيفرلي كانت هناك. تُعدّ لها الطعام كما تُعدّ أمٌّ حساءها الأول لابنتها بعد المرض. تهدهدها دون أن تلمسها، وتُعيد ترتيب الفوضى في طبقها لا في قلبها.

ورغم ما حدث، لم يكن الألم الكيميائي بذلك الوحش الذي رسمته الكُتب.
لم تتحسّن، لكنها لم تتهاوَ أيضًا.
تقلّصت نوبات الإغماء.
هدأ جرح الذراع حتى عاد جلدها يلتئم كذكرى قديمة.
حتى تساقط شعرها صار حدثًا خافتًا، يُكنَس بلا نحيب.

كانت تلك لحظة هشّة، لحظة تبدو فيها الأشياء وكأنها ستستقيم.

أمضت سارة لياليها بجوار إيفرلي، على سرير واحد، كتلميذتين في مبيت داخلي… لا شيء يُقال، فقط أصوات التنفّس المتبادل، وأملٌ رقيق بأن الغد قد يكون أقل خيانة من اليوم.

لم تعد تنام بجانب سرير الطفل.
وهذا وحده، كان نصرًا صغيرًا.

وفي صباحٍ بدا أقلّ كآبة من سابقاته، دخلت إيفرلي الغرفة بشغفٍ مُصطنع:

— "رئيس القسم سينظّم اجتماعًا صغيرًا. ما رأيك أن نذهب معًا؟

نحن بلا التزامات."
سارة همست، وكأنها تخشى من فكرة العودة إلى الضوء:

— "أنا…"

لكن إيفرلي لم تنتظر الرد.
قاطعها صوتها الواثق، كما اعتادت:

— "زملاؤنا القدامى سيكونون هناك. ربما تصادفين جراح أعصاب ممتاز لوالدك. أو طبيبًا يعرف طبيبًا. لا شيء يخلو من احتمالاته."

ثم، وبنبرة خفيفة لكنها مشبعة بالحبّ الجاف، أردفت:

— "لطالما قلتِ إن أيامكِ معدودة. فهذا سبب كافٍ للخروج… لا للمكوث."

لكن عيني سارة قالتا شيئًا آخر.
كانت نظراتها موشّحة بطيف خجلٍ قديم… خجل من ماضٍ كانت فيه ابنة الثريّات، المتفوقة، المتألقة، التي كانت الأقرب لأن تصبح شيئًا مُدهشًا.

أما اليوم؟
فالطريق انحرف، والضوء انكسَر، والمرآة صدئة.

راقبتها إيفرلي بصمت.
ثم قالت، وكأنها تخلع عنها عباءة العتاب:

— "أنتِ فقط خائفة، لا خجلى. وأنا؟ تركت الطب لأصبح أفضل بائعة شوكولاتة على الإطلاق. وما زلت على قيد النُكتة. لا أحد يُحاسبنا على تغيّرات المسار… إلا نحن."

ثم تابعت، وهي تُعدل وسادة سارة وتبتسم بعبث طفولي:

— "ثم هيا… لديكِ عشرة ملايين دولار باسمكِ، لستِ محطمة تمامًا.
أوه، ولا تنسي تلك الأسهم التي منحكِ إياها ذلك الـ... رجل."

كان الطلاق محاطًا بتفاصيل قانونية تُخفي تحتها ألف جرح وجرح.
لكن أحمد، رغم كل شيء، لم يكن بخيلاً في الخاتمة.

لم يهبها

نصف ثروته، لكنه رسم لها خريطة خلاص:
ممتلكات بقيت باسمها، أرباح سنوية تُكفي لثلاثة أعمار، وأسهم تُزهر كل عام… ربما فعل ذلك ليُكفّر، أو ليقطع الطريق نحو العودة، أو… فقط، لأنه لا يريد أن تبقى بلا ملامح.
في كل الحالات، لم يكن بخيلاً…
لكن سارة، في قلبها، لم تكن تبحث عن المال.

كانت تبحث عمّا لا يُشترى.
وكانت تعرف أن ما خسرته لا يعوّضه دفتر شيكات… فقط العمر.

استسلمت سارة أخيرًا، كمن يوقّع على هدنة مع الواقع، بعد سلسلةٍ طويلة من إلحاح إيفرلي الذي لا يُقاوَم.

قالتها بنبرةٍ مستسلمة، لكنها لم تخلُ من طيف خفيّ من التحدي:

— "حسنًا... سأذهب."

كان القرار أشبه بجرعة حياة مُرّة... لا تُشرب طوعًا، ولكن تُبتلع على أمل ألا يضيق الصدر أكثر.

إيفرلي، التي كانت تلتهم الأخبار من هاتفها كمن يلهث وراء الحريق، شعرت بانتصارها الصغير:

— "وأخيرًا، فتاة! كان يجب أن تفعلي هذا منذ زمن، خصوصًا بعد أن قرأتُ عن خطوبته المرتقبة. إن كانت أيامكِ معدودة، فلا بد أن تُنسيكِ بعضها ما فعله بكِ ذلك الطليق البائس."

ابتسمت سارة ابتسامة رمادية، لا لون فيها إلا ظلال الإرهاق، ثم تمتمت:

— "أظنّ أن هذا أقرب للواقع."

فردّت إيفرلي، بعفويتها المعتادة، تحاول جرّها إلى ضوء خافت من الحنين:

— "كنتِ محط أنظار الجميع في المدرسة، ألا تذكرين؟ من

يدري؟ قد يكون أحدهم لا يزال يحتفظ بصورةٍ لكِ في درج مكتبه."
أضافت، وقد أطلقت ضحكة خفيفة:

— "دلّلي نفسكِ، تحرّري من هذا الحزن. أنتِ ما زلتِ صغيرة بما يكفي لتنسي، وجميلة بما يكفي لتُدهشي."

لكن سارة، كعادتها، لم تأخذ الطُعم بسهولة.
غاصت في تفكيرٍ لحظي، ثم سألت بنبرة فيها جدية مفاجئة:

— "هل تعتقدين أن بايتون بالينجر سيكون هناك؟"

ارتبكت إيفرلي للحظة، ثم ضيّقت عينيها بدهشة:

— "بايتون؟! آه، نعم، غالبًا. هو رجل مهذّب، لطيف حتى، لكن... وسيم؟ لا. لحظة، سارة! هل انحدرت معاييركِ بعد الطلاق إلى هذه الدرجة؟"

هزّت سارة رأسها، وابتسامة باردة تتسلل إلى ملامحها:

— "ليس الأمر كذلك. سمعتُ أنه استلم إدارة أعمال والده بعد تخرجه... في مجال الجنازات."

صمتت قليلًا، ثم أضافت ببرودٍ لا يخلو من السخرية:

— "فكّرت أن أطلب معروفًا بسيطًا من زميلٍ قديم... أن يحجز لي قطعة أرض جيّدة تحت الشمس، أو تحت الأرض، لا فرق."

تجمدت الكلمات في فم إيفرلي، وأصابها صقيع من الحزن غير المعلن.
كان المزاح ثقيلًا... لا لأنه جارح، بل لأنه صادقٌ أكثر مما يجب.

تمتمت بصوتٍ خافت:

— "أوه، سارة... هل يمكنكِ ألا تقولي ذلك؟"

لكن سارة، كما لو كانت تعزيها، مدت يدها وأمسكت بكفّها بلطف مُربك، وهمست:

— "إيف... هذا هو الواقع. نُولد، ثم نحب، ثم نُخذَل.

.. ثم نموت. لا شيء مما بينهما يدوم."
وساد الصمت بينهما للحظات، كأنهما كانتا تقرآن معًا خاتمة كتاب لم يُكتب بعد.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1