رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السادس والخمسون 56 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السادس والخمسون

في تلك الحقبة من الزمن التي بدت عابرة للعيون لكنها كانت فاصلة في ذاكرة سارة كانت تخفي في رحمها جنينا لم يولد... والآن تخفي في قلبها وجعا.
زواجها كان يسير كعربة متهالكة على سكة مشققة لا تتوقف ولا تصل.
لكنها كالعادة تجاهلت بل أقنعت نفسها أن ذلك الوجع لم يكن وجعا بل مجرد إجهاد مؤقت.
ربما كانت تحاول أن تنجو أو ربما كانت فقط تؤجل الانهيار.
أقنعت كالفن بنصف ابتسامة ونصف كذبة
نعم... لقد استلمته.
كذبة بيضاء مطبوعة على ورق اعتراف لم يقرأه أحد.
رمقها كالفن بنظرة تتردد بين السؤال والشفقة
لم نسمع عنك شيئا منذ عامين. هل كنت تكملين دراستك في مكان آخر سمعت... عن وضع عائلتك.
ثم تخلى عن الحذر ومد لها يده كما يمد الجسر بين ضفتين
نحن أصدقاء قدامى من نفس الجذر. إذا احتجت إلى أي شيء تواصلي معي في أي وقت. صدقيني سيكون شرفا لي أن تنضمي إلينا في مستشفى أوكلاند.
كلماته نزلت عليها كما تنزل نسمة دافئة على جرح لا يراه أحد
لكنها في داخلها كانت تسمع صوتا آخر... صدى الخواء.
في عيونهم ما زالت تلك الفتاة التي كانت تبهر القاعات وتربك المحاضرين بإجاباتها الجريئة.
لكن الحقيقة
كانت مجرد انعكاس باهت لنسختها السابقة صورة مهترئة مطوية تحت وسادة امتلأت بدموع صامتة.
في العامين الماضيين لم يكن هناك سوى ظلها يسير خلف رجل أفرغ قلبها من الأمل وترك في رحمها حياة لا تعرف إن كانت ستنبت حبا أم وجعا جديدا.


أنا آسفة... قالتها وهي تمسك أنفاسها كأنها تمنع شهقة
لا أملك خططا حاليا. في الحقيقة... لا ينبغي لي أن أكون هنا اليوم. أنا فقط...
لكن كلماتها لم تكتمل إذ اخترقتها كاليستا كالسهم
سمعت أنك تزوجت. هل أصبحت ربة منزل إن كان الأمر كذلك فأنت لست في مكانك. لا أحد يرغب في إزعاج الشخصيات المهمة برائحة المطبخ.
كان الهجوم مغلفا بغلاف من التهكم المصقول موجها كسكين مغروز في صدر يحاول أن يتنفس.
رمقها كالفن بنظرة حادة لم يعهدها الحاضرون في وجهه
نظرة من يعرف من يطعنه ومتى لكنه لا يرد إلا حين يحترق صبره.
كاليستا التي تعرف تماما أن آل ديفيز لا يقفون دون دعم آل أتكينز بلعت كبرياءها بصمت متغطرس وابتسمت كأن شيئا لم يكن.
لا بأس يا سارة... قالها كالفن بنبرة أقرب للعزاء منه إلى الترحيب
لم نلتق منذ سنوات. والآن نحن في نفس المجال وقد نعمل معا لاحقا. بالمناسبة دعوت اليوم بعض الخبراء الطبيين لحضور هذا اللقاء... وأردت أن أوسع دائرتنا الاجتماعية.
ثم أضاف وهو يراقب عينيها الغارقتين في حيرتهما
فكري بالأمر كفرصة... لا كاجتماع.
ولأول مرة شعرت سارة أن اعتذارها سيكون أقسى من حضورها.
حاولت أن تنسحب لكن يده امتدت برقي وأحاديث الزملاء راحت تحيط بها كمياه دافئة تطفئ شيئا من برودة الوحدة.
كانوا يضحكون يتناقشون يستعرضون ذكريات المحاضرات والمشاريع والتنافس الشريف.
وبينما كانت تنظر إليهم شعرت كأنها تحدق في مرآة
الزمن من الخارج...
ذلك الزمن الذي كانت فيه سارة تشعل النقاشات وتلهب القاعات بكلماتها.
الآن صارت تمثل الغياب حتى وهي حاضرة.
حدقت في يديها بحثت عن شيء أي شيء يدل على أنها ما زالت حية.
لكن أصابعها بدت خاملة كما لو أنها كتبت كثيرا... ثم انكسرت.
زواجها لم يكن سقفا... بل قفصا.
لم يمنحها سوى غرفة مظلمة وجنين لم يولد بعد يشاكسها في الحلم أكثر مما يربت على قلبها.
كل ما تبقى منها... مجرد امرأة تسير بجسد لا يشبهها وتحمل اسما لا ينتمي إليها.
كانت تجلس هناك على طرف المشهد كأنها زهرة منسية في حقل يحتفي بغيرها.
صوت الأحاديث كان يتناثر من حولها كفتات ضوء يرقص فوق الماء لا يكاد يلامسها... حتى اخترق سمعها حديث بدا كأنه صمم خصيصا ليصيبها في مقتل لم تداوه بعد.
سمعت أن مؤسس المستشفى سيحضر الحفل
السيد ميلر آه نعم! يبدو أن مجموعته قدمت العرض الأضخم للمشروع. قيل إنه فعله فقط لإرضاء خطيبته. تخيلي! هذا الذي لطالما اشتهر ببروده... يطلق اسمها على أحد أجنحة المستشفى! من كان يظن أن له قلبا أصلا
توقفت الدنيا للحظة.
أصبحت الكلمات خناجر من بلاغة تطعن بها في خاصرة الذكرى.
تجمد الزمن فوق عينيها وغامت الدنيا من حولها كأنها تنظر من داخل زجاج يغرق بالبخار.
سألت وقد خرج صوتها كمن ينادي على شبح يعرفه جيدا ويخشى أن يجيبه
السيد... ميلر أي أحمد تقصدون
ضحكت إحداهن ضحكة تنضح بالبراءة الماكرة
أي ميلر سوى أحمد
ميلر أنت جادة! إنه المستثمر الوحيد القادر على تحريك ثلاثة مليارات دون أن يطرف له جفن... الكل يعرفه. رجل الأعمال والعاشق الغامض والخطيب الذي سمى جناحا باسم حبيبته.
تشنجت يدها لا إراديا على طرف قميصها كما لو كانت تحاول أن تمسك بنفسها كي لا تنهار.
كأنها تمسك بآخر فتات الكبرياء.
نذرت ذات ضعف أن تبني مستشفى. كانت فكرتها كانت حلمها... قطعة من روحها.
وأحمد
سرق الحلم غلفه بورق فاخر ثم أهداه لامرأة أخرى... وأطلق اسمها على الجناح!
مارينا...
كم كانت الكلمة ثقيلة... كأنها ولدت من جديد.
ضحكت في داخلها ضحكة يائسة أقرب إلى نشيج مكتوم.
سخرية القدر كانت مكتملة التفاصيل.
كم هو مضحك أن يتحول الحلم إلى لافتة وتعلق عليه اسم غريب!
نهضت فجأة وكأن شيئا ما انكسر بصمت داخلها.
انزلق طرف الطاولة مع يدها المرتجفة واندلق كأس العصير على ملابسها كدم يراق دون سكين.
لكنها لم تنتبه لم تلتفت.
اللون الأحمر كان تفصيلا باهتا مقارنة بما نزف في داخلها.
كالفن عذرا... طرأ أمر عاجل. علي الذهاب فورا.
اندفع كالفن يساعدها يبحث عن مناديل يمسح البقع يحاول أن يرمم لحظة تشظت دون تفسير.
لكن في تلك اللحظة بالذات...
فتح الباب.
دخل أحمد...
بخطى ثابتة وبجواره تسير مارينا
كأنهما خرجا للتو من غلاف مجلة لا تؤمن بالحب الحقيقي.
التفتت سارة إليهما لكن وجهها لم يكن وجه امرأة بل كان صفحة بيضاء اختفت منها الكلمات.
لا أحد رأى الزلزال
الذي اهتز في عينيها
ولا أحد شعر بصوت الحنين الذي تحطم في صدرها دون أن يخرج.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1