رواية منعطف خطر الفصل السادس والخمسون
ماله ابن أختي؟، ما هو عايش معايا ومرتاح!
خالها الكبير رد عليها بصوت تقيل وحاسم:
– الكلام اللي قولناه هو اللي هيمشي يا بت انتي! إزاي نسيبك عايشة في شقة عازبة لوحدك كده؟! وكلام جوز أختك اللي شافك عاشقه واحد هنا وداخل خارج عليكي! فاكره إن امك ماتت خلاص مبقاش في حد يوقفك عند حدك!
جوز أختك طلبك للجواز عشان ابنه يتربى قدام عينه، وإحنا وافقنا، وقرينا معاه الفاتحة.
مهاب اتجمد مكانه، قلبه دق بسرعة وهو سامع الصوت الجاي من جوه. صوت منة كان مليان قهر وهي بتعيط:
– يعني إيه قريتوا معاه الفاتحة؟! هو أنا قاصر عشان تقروا الفاتحة من ورايا! أنا مش موافقة… ومستحيل أتجوز الزفت ده!!
صوت خالها جه حاد وغاضب:
– يعني هتعصي كلامنا وتصغرينا قدام الناس؟!
منة مسحت دموعها بسرعة، وصوتها طلع قوي رغم الرجفة اللي فيه:
– انتوا خايفين من الناس ومش خايفين من ربنا؟! وبعدين معلش… ناس مين اللي مش عايزين تصغروا نفسكم قدامهم؟ كانوا فين الناس دي يوم ما أبويا مات وأنا وأختي صغيرين؟! أمي هي اللي اتمرمطت في الشغل ليل ونهار عشان تربينا لوحدها… بعد ما كل واحد فيكم قال "يلا نفسي" ومفكرتوش حتى تسألوا علينا بكلمة! ساعتها كنتوا كبار في عيون الناس وإنتوا واخدين ورث أختكم وسايبنها تشتغل عند الغريب عشان تربي عيالها الأيتام! ولما أمي وأختي ماتوا… ما فكرتوش حتى تسألوا عليا لو محتاجة حاجة… وجايين دلوقتي عايزين تجوزوني لواحد صايع… وتقولي هتصغرينا قدام الناس! لا يا خالي… إنتوا صغار أوي… ومن زمان.
صفعة قوية فجرت الموقف، إيد خالها نزلت على وشها بكل غل.
مهاب حس الدم بيغلي في عروقه، اندفع جوه من غير ما يفكر، وعينه وقعت على منة وهي حاطة إيدها على خدها ووشها بيحمر من قوة الضربة، وخالها لسه بيقرب منها أكتر وهو بيزعق:
– إنتي عيلة قليلة الرباية… وأنا هربيكي!
مهاب اتحرك بسرعة، مسك منة وسحبها ووقفها وراه، صوته طالع غاضب:
– مش عيب تبقى راجل كبير كده… وتمد إيدك على بنت؟!
خالها الكبير قام واقف، عينه بتلمع غضب، وبص لمهاب ومنة واقفة بتبكي وراه وفي حمايته:
– إنت بقى عشيقها اللي جوز أختها قالنا عليه؟!
مهاب شد نفسه، وبصلّه من غير ما يرمش:
– عيب الكلمة دي يا حاج… ميصحش تطلع من راجل كبير في سنك! وجوز أختها ده… عيل مترباش… تقوم تردد كلامه!
خالها التاني بص لمهاب بحدة وصوته علي:
– وانت مين بقى عشان تقولنا اللي يصح واللي ميصحش؟! ودخلت هنا إزاي؟! شكلك متعود تدخل هنا على طول؟ والكلام اللي وصلنا شكله كله صح!
لف ببصته لمنة اللي واقفة ورا مهاب بتبكي، وقالها بلهجة تهديد:
– وانتي.. بعد اللي شوفناه بعنينا هنا، قدامك حلّين… يا تتجوزي جوز أختك وتربي ابن أختك معاه… يا إمّا إحنا بنفسنا هنشهد مع جوز أختك باللي شوفناه، وياخد ابنه يربيه لحاله… وانتي الله يسهل لك في السكة الشمال اللي ماشيه فيها!
مهاب اتنفض من مكانه وصوته طلع حاد:
– إيه يا حاج الكلام ده؟! إنت شوفت إيه عشان تقول سكة شمال وسكة يمين؟! إنت شغال في المرور؟!
رمى كلماته بسرعة:
– دي أول مرة أدخل الشقة دي، والباب كان مفتوح… سمعت صوت رجالة بتزعق وأنا عارف إن أستاذة منة عايشة لوحدها مع ابن أختها الصغير… فكرت إنها في مشكلة ودخلت أساعدها.
خالها الكبير اتدخل ببرود:
– وانت مين عشان تساعدها؟
مهاب بص له بثبات:
– أنا جارها… ساكن قصادها، والآنسة منة محترمة ومفيش حد يقدر يتكلم عليها نص كلمة.
خالها التاني ضحك بسخرية:
– وبتشتغل إيه يا جارها؟ شغال تساعد آنسة منة المحترمة؟
مهاب شد كتافه، وصوته طلع واثق:
– لا… أنا ظابط… وبساعد الناس كلها. هو الحاج ميعرفش إن الشرطة في خدمة الشعب ولا إيه؟
الخالين اتبادلوا نظرة سريعة وهمس بينهم كلمة وحدة:
– ظابط!
مهاب كمّل بنفس الثقة:
– أيوه ظابط… وأنا اللي وقفت لجوز أختها لما جه هنا وكان بيضايقها… وأي حد هيفكر يقرب منها أنا هقف له.
خالها الكبير بص له بعمق وسأله:
– وبصفتك إيه بالظبط؟
مهاب سكت لحظة… قلبه دق أسرع… لف ببصته على منة اللي عينها مليانة دموع ورجاء، بتترجاه بعينيها إنه يحميها… رجع يبص لخالها وقال بصوت فيه تردد:
– بصفتي… إني عايز أتجوزها.
الوقت وقف لثانية… منة اتجمدت مكانها والصدمة مرسومة على وشها… حتى مهاب نفسه حس الكلمة تقيلة، متسرعة… قلبه بيقول اتسرعت.
لكن خالها الكبير قطع عليه أي مجال للتراجع، وقال بسرعة:
– واحنا موافقين… تتجوزها وتحل مشاكلك مع جوز أختها بعيد عننا… ونقفل الحكاية دي خالص.
مهاب بص له، لسانه مش قادر ينطق… عقله بيصرخ إنه دخل في طريق مفيش رجوع منه.
خالها التاني دخل على الخط:
– لو انت راجل وقد كلامك… ننزل للمأذون دلوقتي وتكتب عليها رسمي.
مهاب رد بذهول، النبرة طالعة من غير ما يفكر:
– هو إيه لو أنا راجل؟! طبعًا راجل… وقد كلامي.
خالها الكبير حسمها:
– يبقى تنزل معانا دلوقتي للمأذون… وتكتب عليها… وإحنا وعد رجالة هنبعد جوز أختها ده عنكم خالص.
مهاب ثبت عينه قدامه، قلبه بيخبط، متردد… بس خلاص، مفيش رجوع.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
عند معتصم وزينة.
زينة كانت واقفة قدام الشنطة الصغيرة، بتحط فيها هدومها، وإيديها بترتعش وهي بتحاول تخفي دموعها… بس الحزن كان واضح على وشها، وعينيها مليانة دموع واقفة على الحافة.
معتصم قرب منها بهدوء، مد إيديه وضمها لحضنه بقوة، صوته طالع هادي ودافي:
– متقلقيش… كام يوم بس… وهاجي أخدك.
زينة نزلت دموعها من غير ما تحاول تمسحها، وصوتها كان بيرتعش وهي بتقول:
– أنا خايفة عليك إنت يا معتصم… إنت كده حياتك في خطر.
هو بص لها وابتسم ابتسامة صغيرة، فيها طمأنينة أكتر من الكلام:
– متخافيش يا حبيبتي… إن شاء الله مش هيحصل حاجة… المهم عندي إنك تكوني في أمان.
مد إيده بحنية على بطنها، وصوته اتغير وبقى أرق:
– وتخلي بالك على ابننا.
زينة ما قدرتش تمسك نفسها… دموعها نزلت أكتر وهي بتشده ليها، حضنته بقلبها قبل إيديها، كأنها بتحاول تخزن في اللحظة دي كل الأمان اللي محتاجاه.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
بعد ساعتين…
عند مهاب.
رجع العمارة بخطوات تقيلة، وزينة ماشية وراه وهي ماسكة إيد أدم، ابن أختها.
دموعها كانت بتلمع في عنيها… مش بس من التعب، لكن من إحساسها إن مهاب اتسرع لما قال قدام خالها إنه عايز يتجوزها… وإن خالها مسكها فرصة ودبسه في الجوازة.
كانت شايفة في عينه الحيرة… الصدمة… والتردد الواضح حتى وهو بيوقّع على عقد الجواز. شافته بياخد لحظة قبل ما يمد إيده يكتب اسمه… والمشهد كله وجع قلبها.
مكانتش تحلم ولا حتى تتمنى إنها تتجوز بالطريقة دي… ولا إنها تكون صفحة جديدة في حياة حد وهو مش جاهز يفتحها.
مهاب وقف ما بين شقته وشقتها، واقف متلخبط… الكلام واقف في حلقه.
منة بصت له، دموعها على وشك إنها تنزل، وصوتها طلع مهزوز لكنه واضح:
– أنا فاهمة كل حاجة من غير ما تتكلم… الجوازة دي اعتبرها محصلتش… ووعد مني مش هتحس بوجودي أبدًا… وبعد كام يوم لما الموضوع يهدى، روح للمأذون وطلقني… ومفيش أي حد هيعرف حاجة.
مهاب فضل ساكت لحظة، عينه عليها، وبعدين قال بهدوء:
– ادخلي شقتك دلوقتي… ونتكلم بعدين.
هزت راسها بحزن، وأخدت أدم من إيده، ودخلت شقتها… قبل ما تقفل الباب، بصت له بنظرة كلها وجع ودموع، كأنها بتودّعه من غير ما تقول الكلمة.
مهاب حس ساعتها بوجع غريب في قلبه… أول مرة يحس بيه بالشكل ده.
اتحرك بخطوات تقيلة ناحية شقته، حط المفتاح في الباب… بس قبل ما يفتحه، عينه راحت على باب شقة منة.
وقف لحظة… سحب المفتاح من الباب، ومفتحش.
نزل السلم ببطء، وخرج من العمارة كلها، ركب عربيته، والمشهد كله بيلف في دماغه… بيحاول يستوعب إنه بقى متجوز للمرة التانية… وبطريقة عمره ما تخيلها.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في بيت الدريني.
ياسمين كانت قاعدة في المكتب مع سالم، بيتكلم معاها عن المصنع وبيشرح بحماس عن المكن الجديد اللي شافه وبيفكر يشتريه.
بهيرة دخلت المكتب وهي لسه راجعة من بيت والدها، شكلها مرهق شوية.
سالم رفع عينه وسألها بهدوء:
– كارما عاملة إيه دلوقتي يا بهيرة؟
بهيرة قعدت على الكرسي وقالت وهي بتحاول ترتاح:
– كويسة… شكل اللي حصلها هنا ضعف بسبب قلة الأكل، زي ما بابا قال.
وبصت لياسمين وسألتها:
– خالد أكل وخد الأدوية بتاعته؟
ياسمين ردت بسرعة، وفي صوتها شوية توتر:
– آه… اتغدينا كلنا مع بعض لما عمي سالم رجع من المصنع، وخالد خد الدوا وطلع فوق يرتاح شوية.
بهيرة هزت دماغها وهي بتقوم:
– أنا كمان هروح أرتاح في أوضتي… النهاردة كان يوم طويل.
خرجت من المكتب، وسالم بص لياسمين وضحك بخفة:
– خلي بالك على خالد… بهيرة مستنية عليكي غلطة.
ياسمين ضحكت وقالت بهزار:
– بتحبني أوي.
سالم ابتسم وقال:
– مش مهم هي تحبك… المهم إن ابنها بيحبك.
ياسمين فجأة بصت له بدهشة، افتكرت لما خالد قال لها نفس الجملة دي قبل كده.
سالم استغرب:
– مالك مستغربة كده ليه؟
ياسمين ردت:
– أصل خالد قالي نفس الجملة دي قبل كده.
سالم ضحك بثقة:
– ابني… وطالع لي.
ياسمين همست بصوت مسموع شوية:
– الحمد لله إنه مطلعش لمامته.
سالم سمعها وضحك من قلبه، ضحكة نادرة وقوية.
ياسمين اتكسفت وقالت بسرعة:
– آسفة.
لكن سالم كان بيضحك بجد.
وفجأة دخل خالد، استغرب المشهد… مش معتاد يشوف أبوه بيضحك بالشكل ده، ومش مع أي حد.
بص لهم بدهشة وسأل:
– هو في إيه؟
ياسمين اتوترت، وسالم رد وهو لسه بيضحك:
– مفيش يا حبيبي… تعال اقعد معانا. أنت مش عارف تنام ولا إيه؟
خالد هز راسه:
– لا… أنا كنت هنام، بس مهاب كلمني وقال إنه جاي في الطريق يقعد معايا شوية… هطلع أستناه في الجنينة.
سالم بص لياسمين وقال بفخر:
– شايفة ابني طيب إزاي؟ طالع لي.
ياسمين ضحكت وقالت:
– اه طبعا، الحمد لله.
خالد وقف محتار، مش فاهم بيضحكوا على إيه، وقال:
– واضح إن في بينكم شغل غريب كده بيضحك ومش مفهوم… هروح أنا أستنى مهاب.
وخرج على الجنينة… ولسه صوت ضحك ياسمين وسالم مالي المكتب.
.........
بعد شوية، جه مهاب.
دخل الجنينة على طول، قعد قدام خالد من غير ما ينطق ولا كلمة… ملامحه كانت واضحة عليها الصدمة، وعينيه شاردة كأنه لسه مش مصدق اللي حصل.
خالد بص له باستغراب وقال:
– إيه يا بني؟! مش تقول سلام عليكم، مساء الخير… أي حاجة؟!
مهاب رفع عينه وبص له، وصوته طالع ثابت لكن فيه رعشة خفية، كأنه بيقول الكلمة لنفسه قبل ما يقولها لخالد:
– أنا… اتجوزت.
خالد فضّل ساكت لحظة، ملامحه متجمدة، كأنه مستني باقي الجملة عشان يفهم:
– مين اللي اتجوز؟
مهاب ابتلع ريقه وقال بتوتر واضح:
– أنا.
خالد عينه اتسعت بدهشة:
– إنت بتتكلم بجد؟ ولا جاي تهزر… أنا مش فايقلك دلوقتي!
مهاب بص له جد:
– أنا اتجوزت بجد… ولسه راجع من عند المأذون.
خالد حس إن الموضوع حقيقي وقال بسرعة:
– لسه راجع من عند المأذون إزاي؟! ومين دي اللي فجأة كده اتجوزتها؟!
مهاب رد من غير ما يبص في عينه:
– منة.
خالد عقد حواجبه:
– منة مين؟!
مهاب:
– منة… مديرة حسابات أبوك.
خالد زاد استغرابه:
– مديرة حسابات أبويا؟ يعني إيه الكلام ده؟
مهاب حاول يوضح:
– قصدي مديرة حسابات مصنع الدريني… وصاحبة مراتك كمان.
خالد بص له بدهشة أكبر:
– وإنت شوفتها وعرفتها إمتى وفين دي؟
مهاب:
– هي جارتي… وبتربي أدم، ابن أختها.
خالد لسه ملامحه مش مستوعبة، فمهاب قال بسرعة:
– بص… الموضوع ملخبط، ومش وقته دلوقتي… المهم إني اتجوزتها، والمشكلة إني حاسس إني اتسرعت… وفي نفس الوقت كان لازم أعمل كده.
خالد اتكلم بهدوء، وهو بيحاول يهدّيه:
– لا… إنت تهدى كده، وتحكيلي الحكاية من الأول خالص.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في محافظة سوهاج
معتصم وصل بعربيته ووقف قدام بيت أبوه.
زينة كانت قاعدة جنبه طول الطريق، ساكتة وحزنها باين في عينيها، إيدها متشابكة وكأنها مسكة نفسها بالعافية.
معتصم مد إيده ولمس إيدها بحنية وقال بصوت دافي:
– زينة، مش هينفع تفضلي زعلانة كده. هما كام يوم، وهارجع أخدك إن شاء الله.
زينة رفعت عينيها له، والدموع متجمعة، وقالت وهي بتحاول تثبت صوتها:
– أوعدني إنك تخلي بالك من نفسك يا معتصم.
هو ابتسم لها بحب:
– إن شاء الله يا حبيبتي. بس إنتي ما تقلقنيش عليكي. اعتبريهم كام يوم أجازة هتقضيهم مع عمتي. مش هي وحشتك؟
هزت راسها بالإيجاب، ولسه مابينهم الكلام، فجأة سمعوا صوت زغاريد عمته جاي من بعيد، بتقرب من العربية بابتسامة واسعة.
معتصم نزل من العربية، وهو بيضحك، وسلم علي عمته.
زينة فتحت باب العربية، ولقت أمها جاية عليها بلهفة وحضن كبير.
الحاج عبد الرحيم، أبو معتصم، خرج من البيت ووشه منور بابتسامة استقبال.
دخلوا البيت،
في الصالة،
ممدوح، أخو معتصم، كان قاعد. أول ما شافه، قام واقف بسرعة وكأنه بيهرب من قدامه.
صوت معتصم وقفه:
– ممدوح… أخويا.
ممدوح وقف،
معتصم قرب منه، بص في عينيه وقال بصوت فيه شوق:
– وحشتني يا أخويا.
ممدوح رد بجمود، من غير ما يبين مشاعره:
– نورت دارك يا معتصم.
وبعدين مشي وخرج من البيت وهو متجاهل وجود اخوه وزينة.
معتصم وقف مكانه، قلبه حزين من المعاملة الباردة من أخوه.
أبوه قرب منه وقال بهدوء:
– ما تزعلش يا معتصم. هيجي يوم وأخوك يروق، انتوا مالكوش غير بعض.
معتصم همس جواه:
– يمكن اليوم ده يجي وأنا مش موجود.
وقال:
– عن إذنك يا أبويا.
وخرج ورا اخوه بسرعة.
زينة كانت واقفة جنب أمها، ملامحها متوترة وهي بتبص حواليها.
زينب نزلت من فوق، وأول ما شافت زينة، ملامحها اتغيرت والشر ظهر في عينيها قبل ما ترسم ابتسامة مصطنعة:
– يادي النور، يادي النور… نورتي البلد يا زينة.
زينة ردت بتوتر:
– البلد منورة بأهلها يا زينب.
أم زينة، زهيرة، دخلت في الكلام بفرحة:
– من ساعة ما معتصم كلّم أبوه وقال إنكم جايين، وأنا الفرحة منورة قلبي.
زينة ابتسمت بخفة:
– أنا هقعد معاكم كام يوم، معتصم مسافر وقالي ماينفعش أكون في الشقة لوحدي.
زينب بصت لها بصدمة، لكن أبو معتصم قطع اللحظة:
– بيتك وبيت جوزك، تنوريه في أي وقت يا زينة يا بنتي.
وبص لزينب:
– جهزي العشا يا زينب، معتصم هيتعشى معانا قبل ما يمشي.
زينب ردت وهي بتكتم غضبها:
– أمرك يا أبويا.
...........
برّه، معتصم كان لحق أخوه في الشارع الترابي اللي قدام البيت.
معتصم:
– لسه مصدق إن أخوك الصغير يعمل معاك كده يا ممدوح؟
ممدوح رد بحدة:
– ملوش لازمة الكلام ده خلاص.
معتصم وقف قدامه وأصر:
– لا، له لازمة. أنا حلفت لك بالله العظيم إن عمري ما كان بيني وبين زينة حاجة قبل ما اتجوزها، وأنا ما بكدبش عليك يا ممدوح. كنت ناوي أسيب الأيام تثبت لك، بس الوضع اتغير… مش عايز لو جرالي حاجة، أموت وإنت فاكر عني كده.
كلمة "الموت" خلت قلب ممدوح يدق بسرعة، بص لأخوه بقلق.
معتصم كمل:
– ربنا شاهد على اللي في قلبي ناحيتك، إنت أغلى عندي من الدنيا. عمري ما خنتك ولا بصيت للي ليك.
ممدوح سأل بخوف:
– في إيه يا معتصم؟ قلقتني عليك.
معتصم اتنهد:
– اسمي من ضمن قائمة اسماء مستهدفين من الMافيا وبيستعدوا لقTلنا، انا وكام ظابط من زمايلي. كنا شغالين على قضية وفيها ناس كبيرة متورطين فيها وقررا انهم يتخلصوا من كل الظباط إللي كانوا شغالين في القضية وبيشكلوا خطر عليهم.
منعرفش لسه هيتحركوا ازاي او هينفذوا أمتي وفين ،
أنا سايب زينة عندكم أمانة، ماينفعش أعرض حياتها للخطر. لو جرالي حاجة… زينة واللي في بطنها أمانة في رقبتك.
ممدوح عينه لمعت بالحزن وهو بيهز راسه:
– بعد الشر عنك يا أخويا ، ان شاء الله انت اللي هتربي ابنك اللي جاي وتفرح بيه.
معتصم حس براحة وقال.
– نفسي تصدقني وتعرف الحقيقة… مش عايز أسيب الدنيا وإنت شايل مني.
ممدوح قطع كلامه بحِدة:
– بس ياواد انت اسكت، بعد الشر عنك، طب خلي حد يفكر يقرب منك وانا أكلهم بسناني، لا mافيا ولا غيرهم يقدروا يقربوا منك.
معتصم ابتسم بحب:
– ربنا يخليك ليا يا اخويا.
ممدوح لسه فيه قلق:
– خليك هنا وسطنا وبلاش ترجع، خد اجازة من شغلك ولا حتي سيب شغلك ده خالص ومتعرضش حياتك للخطر.
معتصم هز راسه بأصرار:
– مش هينفع يا أخويا ، متعودتش اهرب، وان شاء الله ربنا يقدرنا ونقبض عليهم وننضف الدنيا من امثالهم.
ممدوح قال بثقة:
– ربنا هينصركم عليهم ان شاء الله.
معتصم بص له بجدية:
– ابوك ميعرفش حاجة يا ممدوح. انا فهمته اني مسافر ومأكد على زينة متقولش حاجة.
ممدوح هز راسه بتفهم، معتصم اتكلم بتردد:
– وفي حاجة عايز أوصيك عليها قبل ما امشي.
ممدوح بص له.
معتصم:
– خلي بالك من زينة ، وخلي عينك على زينب مراتك، زينب جواه شر، انا شوفته في عنيها وخايف تأذي زينة وهي هنا.
ممدوح بص ل اخوه وكان لسه هيتكلم يدافع عن زينب مراته بس معتصم قال بسرعة:
– انا عارف ان انت شايفها كويسه ، بس انا بحكم شغلي بيكون ليا نظرة تانيه وفهمت اللي هي مخبياه ورا وشها الطيب قدامكم، مش بطلب منك غير انك تخلي عينك عليها وتبعدها عن زينة على قد ما تقدر.
رد ممدوح بثقة:
– متقلقش يا معتصم ، بس انت خلي بالك من نفسك.
معتصم ابتسم براحة وقاله:
– ربنا يريح قلبك يا أخويا زي ما ريحت قلبي. انا دلوقتي همشي وانا مطمن.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في بيت الدريني
عند مهاب وخالد.
خالد كان قاعد لسه بيضحك بعد ما مهاب خلص حكايته، وهو بيشرحله إزاي فجأة لقى نفسه قدام المأذون وبيمضي على عقد جوازه من منة. ضحكة خالد كانت طالعة من القلب، وكأن الموقف بالنسبة له فيلم كوميدي مش حقيقي.
خالد:
– وناوي تعمل إيه دلوقتي؟
مهاب تنهد، وملامحه كلها كانت محتارة ومتلخبطة، وقال بصوت فيه قلق:
– مش عارف يا خالد! دي أول مرة أحس إني تايه كده. البنت كويسة... بس أنا حاسس إني مش جاهز أتجوز تاني، مش مستعد خالص.
وهو بيتكلم، فجأة سكت، وبص لخالد بتركيز غريب، كأنه بيقيس رد فعله، وسأله فجأة:
– خالد... هي ياسمين كشفتك؟ وعرفت إنك فاكرها؟
خالد باندهاش:
– عرفت إزاي؟
مهاب ابتسم ابتسامة جانبية وقال:
– من أول ما دخلت، وأنا شايف شعرك بيلمع... وكنت بكدب نفسي!
خالد ضيق عينه وقال بغيظ:
– يخربيت دماغك! شعري إيه اللي مركز فيه وسايب المصيبة اللي أنت وقعت نفسك فيها!
مهاب بصله بنظرة كلها غموض وكأنه فاهم أكتر ما بيقول:
– متغيرش الموضوع.
اللمعة دي أنا عارفها كويس... بس إزاي؟ وانت لسه خارج من المستشفى!
خالد اتنرفز، وصوته ارتفع:
– تصدق إنت حلال فيك اللي بيحصلك ده! قوم يلا امشي من هنا!
مهاب عمل نفسه مش سامع، وقعد يتكلم ببرود:
– أمشي أروح فين؟ أنا ما ليش غيرك أشكيله همي دلوقتي. معتصم خد مراته وسافر بيها البلد... هيسيبها أمانة عند أهله!
خالد حرك حاجبه بدهشة:
– هيسيبها أمانة عندهم ليه؟
مهاب رد وكأنه بيقول خبر عادي رغم خطورته:
– كان في اجتماع في المديرية النهاردة، وبلغونا إنهم رصدوا مكالمة لواحد من الmافيا، بيبلغوه قايمة بأسماء اللي هيقتلوهم خلال 48 ساعة. واسمك كان فيهم طبعًا... واسم معتصم كمان، لأنه كان من الظباط اللي بيجمعوا تحريات في القضية. شكلهم شاكين إنكم عرفتوا حاجة عنهم وعايزين يخلصوا منكم.
خالد اتكلم بصوت هادي:
– طب وانت؟ اسمك مش مكتوب معانا؟
مهاب هز كتفه ببرود:
– وأنا مالي!
صوت خالد ارتفع فجأة بعصبية مخنوقة:
– يا بني آدم! قاعد قدامي بقالك ساعة، إزاي ما تقوليش حاجة زي كده!؟
مهاب رد ببرود وكأنه مش شايف خطورة الكلام:
– ما أنا كنت بحكيلك حاجة أهم!
خالد حس الدم بيغلي في عروقه، وعينيه وسعت:
– حاجة إيه اللي أهم من حياتي ومن حياة صاحبك؟! إنت بتقولي إننا ممكن نتقتل بعد 48 ساعة، وقاعد بترغي بقالك ساعة!
مهاب أشار بإيده وكأنه بيهدي الموقف:
– هو أنا بقولك إنهم هيقتلوك بكرة الصبح؟ قدامكم 48 ساعة يعني يومين لسه! قولي بقى يا خالد أعمل إيه مع منة... مفيش وقت!
خالد ضرب كف على كف، ووشه مليان غيظ، وكأنه بيكلم نفسه:
– أنا هتجنن!
في اللحظة دي، ياسمين قربت منهم بخطوات هادية، وعلى وشها ابتسامة بسيطة، وبصت لمهاب:
– مساء الخير، إزيك يا مهاب؟
مهاب ابتسم ابتسامة باهتة:
– الحمدلله يا ياسمين.
ياسمين سألت وهي بتبص ما بين الاتنين:
– تشربوا حاجة ؟
مهاب، وعينه فيها لمعة حزن:
– قهوة سادة.
خالد بصله بنظرة غاضبة وقال بسخرية عصبية:
– إنت بتجهز نفسك لاستقبال العزا من دلوقتي؟
مهاب رفع حاجبه وقال:
– يعني عايزني أشرب إيه في الظروف دي؟ خلاص يا ياسمين، هاتيلي شربات... مبسوط كده؟
ياسمين بصت لهم بدهشة وهي مش فاهمة:
– هو في إيه؟ مالكم؟
مهاب رمى الكرة لخالد وهو بيشير له:
– اسألي جوزك.
وش ياسمين اتوتر فجأة، قلبها دق أسرع، لأنها متفقة مع خالد إن محدش يعرف إنه فاكرها، فقالت بسرعة وبصوت فيه ارتباك:
– جوزي إيه! هو مش فاكر حاجة!
مهاب رد بسرعة وبثقة:
– ياسمين... ياسمين، متمثليش وتتعبي نفسك، أنا عارف إنك عرفتي كل حاجة.
ياسمين فتحت عينيها بدهشة حقيقية:
– عرفت إزاي؟ هو أنا باين عليا؟
مهاب أشار على خالد وهو بيبص علي شعره:
– لا... باين عليه هو.
خالد بدأ يبص حواليه بيدور على أي حاجة يرميها على مهاب، وقال وهو بيكتم عصبيته:
– قوم يا زفت، امشي من هنا!..