رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل التاسع والخمسون

 تقدّمت "إيفرلي" بخطى واثقة نحو مركز الدوّامة،
كمن يعرف تمامًا أين يُلقي حجره ليُحرّك الطين الراكد.
لم تلتفت، ولم تتردّد، بل رمت السؤال في الهواء كمن يُلقي شِباكه لاصطياد الحقيقة:
ــ "مارينا... هل أنتِ خطيبة السيد أحمد؟ أم رفيقته السرية؟"

في لحظة، توقف الزمن حول الطاولة،
كأن أحدهم أطفأ الأصوات وأشعل الشكوك.
أدركت "مارينا" متأخرة أنها وقعت في فخٍ نسجته "إيفرلي" بدهاء.
لم تكن المسألة في إثبات الارتباط، بل في ما قد يكشفه التصريح.
الاعتراف سيُعرّي القصة من أطرافها،
وسيرفع الستار عن هوية "سارة" التي بقيت خلف كواليس الألم طويلًا.

ولأنها تعرف قواعد اللعبة،
ولأنها تُدرك جيدًا أن المرأة الذكية لا تُعطي سلاحًا لمن تُبغض،
ابتلعت "مارينا" كبرياءها،
واستجمعت شتات نبرتها المتزنة،
وقالت ببطء مدروس، ونظرة تُماثل الهدوء الذي يسبق العاصفة:
ــ "أنا لست كذلك.
ليس من اللائق الحديث عن الخيانة في مناسبةٍ رسمية."

لكن "إيفرلي"... لم تكن هنا للحديث المهذّب.
كانت هنا للانتقام نيابةً عن صديقةٍ لم تطلب شيئًا،
لكنه الانتقام الذي يأتي من الوفاء، لا من الغضب.

فقالت، بصوت لا يجرح، بل يُعرّي:
ــ "الرفيقة السرية، يا آنسة كارلتون،
هي من تعلّق ظلّها في سقف رجلٍ مرتبط.
أما

أنا، فلا أخشى شيئًا...
لكنّكِ، تبدين متوتّرة للغاية يا عزيزتي.
هل كنتِ رفيقة سابقًا لأحدهم؟"
قبل أن يختنق الجو تمامًا، تدخّل "أحمد"،
همس في اسم "إيفرلي" كما يُهمس بتحذيرٍ أخير،
لكن صوته كان أقرب للتهديد المغلّف بمخمل النبرة:
ــ "سيدة هيلتون..."

رفعت "إيفرلي" حاجبها، كمن يقرأ تحت السطر:
ــ "حسنًا إذن... مع ثروة بحجم ثروتك،
لا حاجة لـ'السيدة كارلتون' أن تصعد 
هي فقط... تنام، طوال الوقت!"

حتى أغبى الضيوف فهم ما تعنيه.
والضحكات التي كُتمت خلف الكؤوس لم تمنع الكلمات من الانفجار.

لكن "كالفن"، بعين الطبيب الذي لا يفوته شيء،
لاحظ التفاصيل التي تهرب من البقية...
ــ كيف عرف "أحمد" اسم عائلة "إيفرلي"؟
اسم لم يُنطق أمامه من قبل.
كان الأمر كخيطٍ فضفاضٍ في سترةٍ فاخرة...
يبدو صغيرًا، لكنه قد يُمزّق كل شيء.

أما "سارة"، فبقيت تتأمل المشهد،
وعلى وجهها امتزج الدهشة بالخجل،
لم تتوقع من "إيفرلي" تلك الوقاحة الراقية،
ولا هذه الجرأة التي بدت كأنها انتقام شخصيّ.

لكنها شعرت بالخطر.
فـ"أحمد" ليس بالرجل الذي يُسامح بسهولة،
وأي اشتعالٍ إضافي... قد يُشعلها هي.

تنفّست، وأطفأت النار بحكمة الموجع الذي عرف متى يصمت،
وقالت بهدوء فيه من الوداعة ما يُخفي القسوة:
ــ "على أي حال،


كل شيء صار من الماضي...
زوجي الراحل... لن يعود.
فلا تسأليني عن التفاصيل،
لا يستحق النقاش."
سكتت القاعة.
الكلمات كانت كافية... بليغة... حادّة رغم لينها.
وصمت الجميع،
حتى "إيفرلي" كادت أن تُصفّق لهذه النهاية المتقنة.

لكن...
لم تدم الراحة طويلاً.

إذ جاء صوتٌ لا يعرف التوقيت، ولا الذكاء،
من "بيلي بلانشارد"، وهي تقضم قطعة حلوى كأنها تمضغ الغباء ذاته:
ــ "هل هذا يعني أن سارة عزباء؟
وهل... هل يُلاحقها باسل؟"

تجمّدت الشفاه، وتوقفت الأيادي،
وبقيت "سارة" تُحدّق في قطعة الحلوى...
كما لو أنها تفكّر فعلًا:
من أين جاء هذا الكائن؟

كانت في ما مضى نجمة ساحات الجامعة، الفتاة التي تلتف حولها النظرات، وتُرفع من أجلها دعوات الأمهات في الخفاء.
كل ابتسامة منها كانت وميضًا، وكل خطوة تُحدث فرقًا.
وحين انسحبت من المشهد فجأة، كأنها شطبت اسمها من كتاب الزمن، لم يملك أحدٌ سوى أن يتساءل:
أيّ رجلٍ هذا الذي جعلها تتخلّى عن مجدها الصامت؟

أما "مارينا"، فقد كانت تقف في الخلفية كظلٍ يحاول التشبّث بجدار.
استجمعت قواها، وأخفت ارتباكها خلف قناع من البرود الأنيق.
نظرت إلى "أحمد"،
نظرة تحمل سؤالًا لم يُطرح: "أحقًّا انتهى كل شيء؟ أم أن بينكما حبًّا مشوّهًا لم يمت؟"

لكن "أحمد"...
كان متقنًا

لفن التلاشي.
انتشل شريحة لحم من الطبق أمامه،
ووضعها في فمه كما لو أنه يأكل صمت الجميع.
لم ترفّ له عين، كأن الحديث لا يمسّه...
لكن حقيقته كانت تُسرّب خلف تلك اللامبالاة شيئًا أقرب إلى التوتّر المغلّف بالثبات.
أما "سارة"،
فقد بدا عليها التردّد، كأن الكلمات علقت في حلقها،
توشك أن تُنكر، أن تُصحّح، أن تُطفئ الجمر قبل أن يتحوّل نارًا...
لكن فجأة، جاء صوتٌ آخر.

"ليس من المستغرب أن تُثير سيدةٌ كهذه الإعجاب."
قالها "باسل"، بصوتٍ هادئ لكنه محمّل بالرسائل.
"سارة امرأة نادرة.
ولو مُنحتُ فرصة الاقتراب منها،
فلن أكون كذاك الذي أدار لها ظهره.
بل سأحميها... وأحتفي بها."

لم تكن كلماته عابرة.
كانت كطلقات ناعمة مُصوّبة بدقة.
ولم تُخطئ هدفها.

توقّف "أحمد" عن المضغ.
بدا وكأن قطعة اللحم جمدت بين فكيه،
ولم يعد الطعم مهمًّا،
بل المعنى الذي اختبأ في جملة "باسل" الأخيرة.

أما "سارة"،
فشحب وجهها كأنها سمعت أكثر مما قاله،
وكأنّ الصوت لم يكن صوت باسل فحسب،
بل صوت ماضٍ يُعيد نفسه،
بمفردات جديدة، ولكن بنفس الوجع القديم.

همست:
ــ "باسل..."

كان صوتها يحمل ارتباكًا، لا رفضًا ولا قبولًا،
لكنها خافت...
خافت أن يُعيد الزمن نفسه بشكلٍ أقسى.

لكنه نظر إليها بعينين فيهما من الهدوء ما يُغري،


ومن الإصرار ما يُقلق،
وقال:
ــ "سارة...
أنتِ الآن حرة.
فهل تقبلين دعوتي إلى العشاء؟
عشاء لا يشهد عليه ماضٍ،
ولا يتخلّله رجلٌ غاب... دون أن يُبرّر."


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1