رواية فرقة المهمات الخاصة الفصل الخامس بقلم جميلة القحطانى
كانت الساعة تقترب من الفجر، والحي ما زال تحت الصدمة بعد حادثة الطعن. سيارات الشرطة والإسعاف انتشرت، وأصوات أجهزة اللاسلكي تكسر صمت الليل.
في المستشفى، كان آدم، ضابط التحقيق الجديد في المنطقة، يقف عند باب غرفة العمليات يراقب الأطباء وهم يحاولون إنقاذ حياة الشاب المصاب، والذي عُرف لاحقًا باسمه: فراس، 20 عامًا، طالب جامعي.
آدم رجل ذكي وهادئ، لا يرفع صوته إلا عند الحاجة، ويؤمن أن فهم النفسيات أهم من القوة.
في الوقت نفسه، كانت ليان، أخت فراس الكبرى، تجلس في الممر والدموع لا تتوقف عن وجهها. هي شابة في الـ 25، تعمل مدرسة، وتعرف معظم شباب الحي. أقسمت وهي تمسك بيد الضابط:لازم تمسكوا اللي عمل كده ما أقدرش أشوف أخويا كده وينجو الفاعل.
عودة إلى السطح المهجور
رائد، مازن، ساري، وبراء كانوا يختبئون هناك. الجو مشحون، وبراء ينهار:أنا ما كنتش قصدي هو كان هيضربك، رائد! أنا بس كنت بحميك.
رائد يصرخ فيه:تحميني بإيه؟ بإنك تضيع حياتك وحياتنا؟! لو مات إحنا كلنا في السجن!
مازن، الذي بقي صامتًا معظم الوقت، رفع رأسه وقال:لازم نعمل الصح نسلم نفسنا قبل ما تتحول لجريمة قتل.
ساري سخر منه:إيه؟ وتروح تحط رقبتك في الحبل؟ انت مجنون؟
وفي مكان آخر استيقظت ريهام على صوت منبّه هاتفها، لا أحد يوقظها أو يقول لها "صباح الخير". فتحت عينيها ببطء، نظرت إلى السقف الرمادي، ثم إلى الجدار الأبيض الخالي من أي صورة.
كان الصمت يملأ الغرفة حتى شعرت أن أنفاسها هي الضوضاء الوحيدة.
سحبت جسدها من السرير، اتجهت إلى المطبخ، أعدّت كوب قهوة ووضعته على الطاولة الصغيرة. جلست وحدها، وبدأت تحرّك الملعقة في الفنجان، ليس لأنها تحتاج لخلط السكر، بل لتسمع صوتًا يكسر الصمت.
على الجدار المقابل، كانت ساعة الحائط تدق تك تك تك
حتى هذه الدقات بدت وكأنها تذكّرها بأن الوقت يمر، وهي لا شيء يتغير في حياتها.
عملها كمترجمة من المنزل جعلها محاطة بالكلمات، لكنها كلمات لا تعود إليها برد أو بضحكة. تقرأ الرسائل، تترجمها، ترسلها، وتنطفئ الشاشة… ثم يعود الصمت ليملأ المكان.
عند المساء، كانت تجلس أمام التلفاز، تتنقل بين القنوات بلا اهتمام، تبحث عن شيء يشتتها. أحيانًا كانت تتوقف عند مشهد عائلي في مسلسل، حيث يضحك الأبطال حول المائدة فتغلق التلفاز فجأة، وكأنها تحمي قلبها من شيء يؤلمه.
في بعض الليالي، كانت الوحدة تهاجمها بقوة، فتبدأ في الحديث مع نبتتها الصغيرة الموضوعة على حافة الشرفة:إزيك؟ لسه عايشة؟ على الأقل إنتِ مشيتِش وسايباني زي كل الناس.
ثم تضحك على نفسها، لكن الضحكة تموت سريعًا.
أسوأ ما كان يطاردها هو الخوف من المجهول:
ماذا لو مرضت؟ من سيطرق بابها؟ ماذا لو اختفت فجأة كم سيستغرق الناس ليلاحظوا؟
كانت هذه الأفكار تثقل صدرها حتى يصعب عليها التنفس.
وفي تلك الليلة الممطرة، وبينما كانت تجلس في الظلام بسبب انقطاع الكهرباء، سمعت أصوات الجيران من الشقق المجاورة، يضحكون معًا، يتبادلون الأحاديث على ضوء الشموع بينما هي وحدها، تكتفي بالاستماع من خلف الجدار.
رفعت رأسها للنافذة، وشعرت بدموعها تسيل، ليس خوفًا من العتمة، بل من إدراكها العميق أن لا أحد على هذا الكوكب ينتظرها أو يفكر فيها الآن.
كانت ريهام مستلقية على أريكتها، تحت بطانيتها، تقرأ رواية هادئة بينما ميلكي تتمدد بجانبها، عندما شق الهدوء صوت موسيقى صاخبة من الجدار المجاور.
رفعت رأسها ببطء، وكأنها لا تصدق أن أحدًا تجرأ على اختراق صمتها. حاولت تجاهل الأمر لكن بعد دقائق، انضمت أصوات ضحك طفلة وصوت ارتطام كرة بالحائط.
وضعت كتابها على الطاولة، نهضت بعصبية، وطرقت باب الشقة المجاورة طرقًا متتالياً. بعد لحظات، فُتح الباب ليظهر رجل طويل القامة، شعره فوضوي، يضع تيشيرت رمادية ويحمل في يده كوب قهوة.
ابتسم قائلًا:أهلًا جارة معجبة بالموسيقى؟ أقدر أرفع الصوت أكتر لو حابة.
ريهام، بوجه جاد:ممكن توطي الصوت؟ أنا مش سامعة نفسي وبالمرة، خلي الكرة بعيد عن الحيطة، لأن دي الحيطة اللي أنا بحبها ساكتة.
قبل أن يرد، ظهرت طفلة صغيرة خلفه، شعرها مربوط بجديلتين، وعيونها تلمع بالفضول:إنتِ هي اللي عندك القطة؟
انحنت ريهام قليلًا:أيوه، بس القطة مش بتخرج كتير.
الطفلة قفزت خطوة للأمام:أنا عايزة أشوفها!
إيهاب تدخل وهو يبتسم:مليكة، مش كل مرة ندخل بيت الجيران من غير عزومة.
لكن مليكة لم تنتظر الإذن، بل ركضت نحو شقة ريهام.
ريهام تبعتها بخطوات سريعة:لحظة! هي مش لعبة!
دخلت مليكة، وجلست على الأرض أمام سيمبا، بينما القطة تحدق فيها بعينين نصف مغلقتين، كأنها تحكم عليها.
إيهاب، وهو يقف بالباب، قال ساخرًا:واضح إن ميلكي أهدأ منك.
ريهام نظرت إليه بحدة:واضح إنك ما بتعرفش يعني إيه خصوصية.
ابتسم بثقة:وأنتِ واضح إنكِ مش متعودة على الجيران.
رفعت حاجبيها:أنا متعودة على الجيران المحترمين.
ضحك بخفة، ثم أمسك بيد ابنته:تمام يا جارة هنسيبك دلوقتي، بس بكرة مليكة هتيجي تزور ميلكي تاني.
أغلقت الباب خلفهما وهي تتمتم:مش ممكن ده جابلي صداع من أول يوم.