رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل الخامس 5 بقلم سلمى ابو ضيف

 

رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل الخامس بقلم سلمى ابو ضيف



"صرخت كتير، محدش سمع..."
 
"كتبت كتير، محدش قرأ..."
 
"اشتكيت كتير، محدش اهتم..."
_____________________________
 لحظه دخولهم القصر ...
كان يقف بعيدًا عنهم، يراقب بصمت، بينما مجموعة من الشباب تترصّد الفرصة المناسبة للتخلّص منهم. لم ينتبه أحدٌ لوجودهم، لكن ما لم يكن في الحسبان، أن القصر نفسه بدا وكأنه يحميهم. فمنذ أن دخلوا إليه، أصبح من المستحيل على أي أحد أن يلحق بهم أذى... لا يمكن لأحد الدخول غيرهم ...
اتصل قائد المجموعة بالشاب الذي استأجرهم بمبلغ ضخم لتنفيذ عملية القتل. تنفّس بعمق وقال بامتعاض:
– للأسف... القصر مش راضي يفتح. عملنا المستحيل ومافيش فايدة. شكله مسحور... أو عليه لعنة.

أجابه الشاب بضيق:
– اهربوا. امشوا من هنا، روحوا أي حتة. مش عايز أعرف أي حاجة. أنا هتّصل عليه وأقول إن المهمة نُفّذت، وهو هيبعت لكل واحد فيكم فلوسه. اعتبروا إنكم ما شوفتونيش... ولا شوفت حد.

ثم أغلق الهاتف بحدة، ونظر إلى نفسه في المرآة بعينين مليئتين بالندم، كأنما يلوم ذاته:

–  أنا اللي بعمل كدا ؟!

وبعد لحظات من التردد، أخرج هاتفه، وأرسل رسالة قصيرة لشاب ما، كتب فيها:
"تمت المهمة."
وحين قرأ الشاب الرسالة، قفز قلبه فرحًا، لكن في عينيه بريق غامض... كأنه يخفي شيئًا أثمن من أي شيء آخر داخل القصر... شيئًا لا يريد لأحد أن يراه.
_________________________
في شمال الجيزة، على ضفة النيل الغربية،
تمتد إمبابة زي لوحة مرسومة بعشوائية صادقة، ما تعرفش فيها فين الجمال بيبدأ ولا فين بينتهي.
حي شعبي، قلبه واسع رغم الزحمة،
صوته عالي، وروحه جامدة، وشخصياته محفورة في الذاكرة.
مزيج غريب بين الفقر اللي بيعلم الصبر،والفن اللي بيولد من رحم التعب.
شارع  مش مجرد شارع، ده مسرح يومي للحياة.
العمارات طالعة فوق بعضها،
والسطوح فيها مش بس مكان لنشر الغسيل،
دي منصات بتطير منها المزيكا الشعبية زي نسمات تمرد،
من عبد الباسط لحد عنبة، صوت بيخترق الزحام ويدغدغ الوجدان.
وسط الشقق، تلاقي مزارع دواجن،
والتكايا القديمة لسه بتوزّع دفء في ليالي البرد.
الشباب على النواصي، سهرانين للحلم أو للهروب،
والقهاوي شغالة من قبل الفجر،
بتصب الشاي وتحكي حكايات عن مبارزات الحياة.
في إمبابة، ممكن تلاقي: عمارتين فوق بعض، وتحتهم مزرعة فراخ، وجنبهم كشك بيبيع شيشة وسجاير.
شباب لابسين ترينجات وبيلعبوا طاولة على نص رصيف.
ستات بيعلّقوا الغسيل، وصوت أغاني حمو بيكا شغّالة.
إمبابة مش بس حي،
دي حالة فنية، صرخة حرة،
فيها التناقض نعمة، وفيها الجدعنة أسلوب حياة.
________________________________________
تقف السيدة التي يظهر عليها ملامح الكِبر، وهي تنظر إلى الشارع المزدحم، ويبدو على وجهها التردد الشديد، ثم نادت وهي تنظر إلى البلكونة المقابلة لها:
"يا خالد... يا خالد!"
لم يمر سوى القليل، وأطلت سيدة تبدو أصغر منها، لكن يبدو عليها إنها شالت همّ الدنيا، فظهر ذلك على ملامحها. استجابت لندائها وقالت، وهي تضع يدها على قلبها:
"أيوه يا أم مازن، مفيش أخبار عن العيال؟"
تنهدت أم مازن وقالت:
"أنا اللي كنت جاية أسألك، يمكن تعرفي حاجة. العيال اتأخروا، مازن قالّي بالكتير الضهر هيبقوا هنا."
قالت السيدة نوال بقلق شديد:
"أنا قلت لزفت خالد، والهانم إهداء، مش مستريحة للقصر ده. والله يا أختي مش عايزة أخوّفك، أنا ليا كام يوم بشوف كوابيس مش تمام."
شهقت السيدة فتحية، وهي تحاول أن تتمالك نفسها:
"يارب... أنا مليش غيره! الحقيني يا نوال... نسيت آخد حباية..."
لم تستطع إكمال جملتها، حتى سقطت على الأرض.
 _____________________________________

فاق ذهن كلٍّ من إهداء وخالد على صوت مازن، الذي ظل يصرخ:
في إيه! إنتوا حصلّكم إيه؟! ردوا عليّا!
قال خالد بارتباك شديد:
انزل بسرعة، في مصيبة!
كانت إهداء تصرخ وتبكي مثل الطفلة التي تاهت عن والدتها، بينما يقف خالد في حيرة تامة. فقد تحولت المزحة إلى حقيقة... دمها ثقيل.
نزل مازن مسرعًا وهو يحمل نور، التي فقدت وعيها تمامًا، ممسكًا بشنطتها. نزل من على درج السلالم وهو ينظر إليهم باستغراب:
إيه اللي حصل لكم؟!
وضع نور على الأرض أمامهم، ثم نظر إلى المرآة فوجد تلك الكلمات مكتوبة والدماء تسيل منها:
"صرخت كتير، محدش سمع..."
"كتبت كتير، محدش قرأ..."
"اشتكيت كتير، محدش اهتم..."
قال مازن بعدم فهم:
إيه دا؟
رد خالد وهو يحاول أن يتمالك أعصابه:
زي ما إنت شايف.
  قال مازن باهتمام:
نشوف نور الأول، وبعد كدا نمشي من هنا حالًا. 
نور كانت مستلقية على الأرض، أنفاسها ضعيفة.
رشّت إهداء عطرها المقرب منها، بحركة متوترة، قرب أنف نور، وهي تهمس: 
– "فوقي يا نور... بالله عليكي فوقي!" 
فتحت نور عينيها فجأة، وصرخت بصوت هزّ القصر: 
"هي كانت هتشدّني معاها!! شفتها... كانت ورايا!" 
تسمرت الكلمات في قلب الجميع.
كل واحد حس للحظة إنه بيتنفس بصعوبة، كأن المكان نفسه بيرفض وجودهم. 
قال خالد بهدوء مخنوق: 
 "نور... إحكي، شوفتِ إيه؟" 
نظرت لهم، ووجهها شاحب كأن الدم انسحب من عروقها: ظل أنثوي، جسدها شبه شفاف... عيناها لا تُرى بوضوح، لكن فيها بريق خافت من نار دفينة. شعرها الطويل يتساقط كخيوط الليل، وحركتها بطيئة وثقيلة، كأنها تسحب وراءها ألمًا دفينًا... لا تتحدث، لكن وجودها يكفي ليشعر القلب بالخوف والحَنَق. روحها معلقة بين العوالم، تبحث عن مَن أخذ منها الحياة بظلم، وتسير على خُطى الانتقام بصمت قاتل.
قالت إهداء:
 كدا كل حاجة وضحت. وصف نور والكلام اللي مكتوب على المراية يعني...
لم تُكمل جملتها، فصراخ نور قطع عليها كل شيء وهي تقول:
 إيه الكلام اللي مكتوب دا؟ أبوس إيديكم يلا نمشي! أنا حاسة إني هموت!
قال مازن وهو يمسك بشنطتها:
"إحنا لازم نخرج فورًا. المفتاح مع مين؟"

لكن الدخول لم يكن كالخروج... فالخروج هنا بغرامة، إما أن تُدفع، أو تبقى أسير هذا المكان إلى أبد الدهر.

يتبع.....

🏰  ليه القصر حماهم من القتلة، لكن حبسهم جواه؟
هل تفتكر في سر هم لسه مش عارفينه؟👁️

💔 الشاب اللي استأجر مجموعة للقتل وندم...
هل تعتقد إن ندمه حقيقي؟
ولا هو بس خايف من العقاب؟

😐 خالد كان مستهتر في الأول... لكن بعد اللي حصل اتغيّر.
هل التغيير ده حقيقي وجواه صحى؟ ولا مجرد لحظة فزع وهيرجع زي ما كان؟🫡 

🏠 القصر هنا رمز للحماية والحبس في نفس الوقت.
هل في حياتنا في مواقف نكون فيها "محميين بس محبوسين"؟
زي مكان شكله أمان، بس إحنا فيه مش أحرار؟

😶‍🌫️ "صرخت كتير، محدش سمع"...
هل في مواقف في حياتك حسّيت فيها بنفس الشعور؟

تعليقات