رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل السادس بقلم سلمى ابو ضيف
كده يا أم مازن تنسي تاخدي حباية السكر!"
أفاقت وهي على سريرها، نظرت إلى ساعة العقرب اللي على الحائط أمامها، وقالت بإرهاق شديد:
"إيه اللي حصل لي؟ ومازن مجاش لحد دلوقتي؟"
قالت نوال، وهي تضرب كفًا بكف:
"والله يا أختي كنا بنتكلم على العيال اللي لسه مجوش لحد دلوقتي، وفجأة افتكرتِ إنك ماخدتيش البرشامة، ووقعتي من طولك.
لولا كنا واقفين مع بعض وشوفتك، ولولا جيت ولحقتك، أنا بعد كده هاجي أديهالك بنفسي."
أمسكت أم مازن بجوالها، وتصفّحت سجل المكالمات، حتى وصلت إلى "مازن حبيب أمه" واتصلت.
لكن جاءها الرد:
"الهاتف مغلق أو غير متاح... حاول الاتصال به لاحقًا."
"هتجنن يا نوال... هتجنن! الواد مش بيرد عليّا!"
قصّت عليها نوال ما حدث عندما كانت نائمة:
"أنا بعد ما جيت لك، فضلت أرنّ عليهم واحد واحد، وكلهم تليفوناتهم مقفولة.
ورنيت على أم البنت المفعوصة نور، كلمتني يا أختي بقرف، وتقولي معرفش حاجة!
أنا على نار وخايفة على بنتي.
منكم لله، إنتوا وعيالكم.
أما بتوع التجمع، يا أختي، دول شايفين نفسهم على إيه؟!
__________________________________________
مازن:
"إحنا لازم نخرج فورًا. المفتاح مع مين؟"
خالد أخرج المفتاح من جيبه... لكنه ذاب في يده!
تجمد الجميع في أماكنهم.
قال خالد ببطء، وهو ينظر إلى يده المحترقة: "أنا... أنا كنت ماسكه من شوية... إزاي؟!"
قالت نور وهي تمسك رأسها: "فيه صوت جوا دماغي... بيقولي: مش هتخرجوا."
مازن التفت نحوها: "إنتي سمعتي ده فعلًا؟!"
أومأت برأسها وهي تهمس: "الصوت مش بيتكلم... بيأمر."
مضت نصف ساعة وهم يحاولون الخروج من هذا المكان. جربوا كل شيء، حتى النوافذ، ولكن لم يُساعدهم أي شيء، حتى عادوا إلى نقطة البداية... الصالة أمام المرآة.
نظروا جميعًا إلى المرآة، يحاولون فك شفرة تلك الكلمات ووصف نور. وأصبح ما كان مُبهمًا معروفًا.
قالت إهداء في توتر:
يعني كدا إحنا المفروض نساعدها؟ ولا إيه؟ مش فاهمة حاجة... بجد هتجنن!
أجابها خالد:
أيوه يا إهداء، كل حاجة وضحت. القصر مش راضي يفتح، وهي كاتبة إنها صرخت كتير... ونور قالت إنها "ظل أنثوي"، يبقى فاضل إيه عشان تفهمي؟
قالت والنار تشتعل في عينيها:
أنا مش هقعد هنا ثانية واحدة! سامع؟ إنت وهو السبب! أنا مكنتش موافقة! قولولي هنقعد هنا إزاي؟ إحنا كدا هنموت! ولا معانا تليفونات حتى نرن على حد يساعدنا! ولا أكل ولا شرب! إحنا لينا أربع ساعات هنا وهنموت! ما بالك بقى هنطلع إمتى؟!
"ولا معانا تليفونات حتى نرن على حد يساعدنا"
نزلت الجملة على نور كالبرق.
فقالت وكأنها انتصرت في حرب شعواء:
"أنا... معايا موبايل."
كلهم سكتوا، مازن بص لها مذهول:
"إيه؟"
قالت وهي تخرج الموبايل من جيبها:
"كنت خايفة، فخدت التليفون من العربية. وقلت لو حصل حاجة... أقدر أتصرف."
انقسمت نظراتهم بين ذهول... وعتاب.
خالد قال بنبرة مختلطة:
"يعني خبيتي علينا؟"
نور رفعت عينيها في وجهه وقالت:
لو كنت سمعت كلامكم، كنا هنموت هنا من غير ما حد يعرف."
"لم يُدرك أحد بعد... هل يستحق ما فعلته اللوم لأنها لم تنصت إليهم، أم الشكر لأنها لم تفعل؟"
__________________________________________
في بعض الأحيان، يكون الصمت تجاه أمرٍ ما هو أعلى درجات الحب...وفي لحظات نادرة، يُصبح التمرد على رغبة الحبيب دليلاً على الإخلاص، لا الخيانة.
لم تكن تعلم إن كان ما فعلته يستحق اللوم أم الامتنان...
أطاعت قلبها، لا صوتهم، سارت عكس التيار الذي رسموه لها بحُسن نية، لكنها رأت فيهم شيئًا يشبه السم... مغلفًا بالسكر.كانت تعلم أن الحب لا يعني الطاعة العمياء ، وأن من يحبك حقًا… لن يقودك إلى حيث تذوب روحك وإن ابتسم. فليس كل ما يطلبه الحبيب يجب أن يُمنح، ولا كل الأوامر دليل رغبة صادقة، فبعضها...اختبار،
وبعضها... ضعف، وبعضها الآخر..
طريق مسموم لا يرى صاحبه نهايته.
أخرجت نور هاتفها من شنطتها وقالت بقلق:
– التليفون مقفول!؟
إهداء باستغراب: – وإيه يعني؟ افتحيه بسرعة.
نور تنظر إليهم بارتباك: – أنا... عمري ما قفلت تليفوني!
أخذ مازن منها الهاتف، ضغط على زر التشغيل بعصبية، وما إن ظهر شعار البداية حتى قال: – أهو فتح، يلا اتصلي بأي حد يخرجنا من هنا!
بدأت نور تتصفح، حتى وجدت رقم والدتها، فضغطت عليه، ثم وضعت الهاتف على "السبيكر":
ماما، الحقينا! إحنا مش عارفين نخرج من قصر البارون!
جاء صوت والدتها مرتبكًا، متقطعًا: – أيوه يا نور... يا نور... اتكلمي! مش سامعة حاجة!
تكلموا جميعًا بصوت واحد: – قولي لحد ييجي بسرعة! إحنا جوه القصر ومش قادرين نخرج!
نور تكاد تبكي: – يا ماما! إحنا هنموت هنا!
لكن الرد جاء عكس كل التوقعات...
أنا مش فاهمة الهزار ده! مرة ترني وما ترديش، مرة تردي وتفضلي ساكتة! وكل شوية تقولي "مازن قال"، "إهداء شجعتني"... روحي يا نور، وأنا متأكدة إنك سامعاني ومش راضية تردّي، ولو اتصلتي تاني هبلغ عنك إنتي وصحابك إنكم بتعملوا فيا مقالب، وأنا ست كبيرة مش قدكم.
وأغلقت الهاتف.
صمتٌ ثقيل تبع الصدمة...
أخذت نور تبكي بحرقة:
يعني مفيش أمل؟ خلاص؟ هنفضل هنا لحد ما نموت؟!
خالد وقف فجأة، متوجهًا نحو المرآة:
لازم نفهم هي إيه أصلًا... إزاي بتكتب؟ إزاي بتنزف؟ أنا هلمسها وأشوف.
وبالفعل، مدّ يده، ولمجرد أن لامس زجاجها...
اهتزّ القصر بعنف.
صرير الجدران، أصوات طقطقة، وصوت خطوات قادمة من أعلى السلم...
ظهر ظل أنثوي.
جسد شبه شفاف، وجهه مغطى بالخيوط السوداء، وعيناه كأنهما شعلة مطفأة.
كل خطوة تخطوها على الدرج، كانت تترك خلفها بقعة دم حمراء، حقيقية، ثقيلة.
صمت الجميع، ملامحهم ممتزجة بين الرعب والدهشة.
فماذا سيفعلون؟