رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الواحد والستون 61 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الواحد والستون


مدّت سارة يدها كمن يمدّها إلى الهاوية، لا رجاء في النجاة، ولا نيّة حقيقية في التراجع ومن ثم نظرت إلى كاليستا، تلك المرأة التي لا تزال تتغذى على السخرية، وقالت بنبرة تحمل من البرود ما يُجمد الدم في العروق:

"معكِ حق، آنسة ديفيز...

كانت الكلمات كخناجر مغطاة بالحرير
لكن ما إن لامست يدها عنق الزجاجة حتى امتدت يدان – واحدة من باسل، والأخرى من إيفرلي – كأنهما يحاولان إعادتها من على حافة جرف:

"سارة، لا يمكنكِ الشرب!"
جاء التحذير حادًا لا يحمل قلقًا بل ذُعرًا ناعمًا في صوته.

نظرت إليهما بعينين تُخفيان أكثر مما تُظهران، وقالت برجاء خافت:

"رشفة واحدة فقط... لا بأس."

نظرت إليها إيفرلي فرأت خلف التصميم حطامًا وخلف الابتسامة صراخًا لم يُولد بعد فتراخت يدها وسحبتها ببطء تاركة القرار لسارة... ولوجعها.

سكبت سارة الكأس لم تكن تمسكه بيد بل بحياةٍ كاملة خذلتها. وها هي تسير نحو "السيد ميلر" و"الآنسة كارلتون" كأنها تسير وسط جنازتها الخاصة.

قالت بنبرة تحمل رائحة الرماد:

"سيد ميلر... آنسة كارلتون... أتمنى لكما زواجًا سعيدًا. سواء شئتما

أم أبيتما، سأشرب هذا النخب. اعتبروه تهنئتي المُبكرة... لأنني لن أحضر حفل خطوبتكما."
ثم رفعت الكأس وشربت كما يشرب العطشى من نبعٍ مسموم دون أن تجرؤ على النظر في عينيه كأنها ترفض أن ترى ما تبقّى فيه من أثرها... أو من خيانته.

مارينا التي شعرت لوهلة أن سارة سرقت منها لحظة الانتصار رفعت كأسها وتبسمت بنعومة مصطنعة:

"سنكون سعداء... أحمد وأنا. شكرًا لكِ على كلماتكِ، وإن كانت مريرة الطعم."

ثم شربت بدورها كأسها دفعة واحدة كما لو كانت تتحدى الغصة أن تخنقها.

وفي تلك اللحظة، تمزقت الموازين إذ انفجر الصوت من زاويتين في الغرفة كصرخة مكتومة خرجت من فكين مغلقتين:

"كفى!"

وقف كلٌّ من أحمد وباسل، كلٌّ منهما في موقعه وكأنهما فرسا رهان في ساحة معركة لكن الحلبة ليست إلا قلب امرأة واحدة تحطّمت للتوّ.

اندفع باسل نحو سارة وانتزع الكأس من يدها برفق وواجه أحمد بنبرةٍ لم تخلُ من الحزم:

"من أجل صحتها... سأشرب عنها."

تحوّلت أنظار الحاضرين إلى أحمد الذي كان صامتًا حتى اللحظة كتمثالٍ نُحت من الجليد... لكنه أخيرًا ابتسم… ابتسامة باردة مشوبة بسخريةٍ داكنة.

"

ومن تكون أنت؟ بأي حقّ تُقرر عنها؟... بأي صفة تشرب نيابةً عنها؟"
لم يكن سؤالًا... بل صفعة ناعمة خُبّئت بين السطور.

أجابه باسل بنبرة ثابتة لا تعرف التراجع، بصوتٍ لم يرتجف رغم أنفاس القاعة المُتجمّدة:

"هذا ليس من شأنك، سيد أحمد."

جاءت الجملة كضربة هادئة في صدر العاصفة، وكأنها أعلنت بزوغ التمرّد في حضرة مَن لا يُرد له قول.

جمدت القاعة على وقع الكلمات.
أما أحمد، فقد رفع عينيه ببطء نحو باسل، كأن نظراته وحدها تُجيد إصدار الأحكام، نظرات لم تكن حادة… بل أثقل، كأنها تُلقي حجارةً من صقيع على القلب.

ثم، وعلى حين غرة، اختلت ملامحه بابتسامةٍ هادئة، أشبه ما تكون بعبث الموتى.

ضحك.
ضحك أحمد كما لو كان يسمع نكتة عن جثة ما زالت دافئة.

مال قليلاً إلى الخلف وقال بصوتٍ هادئٍ مخيف:

"أخيرًا… شخصٌ من عائلة روجرز يمتلك شيئًا من الشجاعة."

كان في نبرته شيء من المديح، لكن ابتسامته… كانت من طرازٍ آخر. ابتسامة لا تُعبّر عن السرور بقدر ما تنذر بما سيليه.

ثم أضاف، بصوتٍ أكثر خفوتًا، لكنه اخترق الجدران:

"أتساءل... إن كنت ستنجو هذا الشتاء."

هنا، فقط، تبدّدت

الغشاوة. لم يكن هذا نقاشًا، بل تهديدًا صريحًا، مُغلفًا بورق حريريّ لا يخدع من يعرف طبيعة الرجل.
ساد صمت مُطبِق.
حتى أنفاس الضيوف باتت تُحسب بالميزان.

كل مَن في القاعة أدرك حينها أن أحمد، الذي نادراً ما رفع يده، إن قرر أن يبطش… لا يُبقي ولا يذر.
هو لا يصرخ، لا يوبّخ، لا يتوعّد. بل يبتسم… ويمحوك.

كان يُنظر إلى باسل في الأوساط الراقية كوجهٍ نقيّ لعائلة روجرز. طبيبٌ واعد، محبوب، مؤدب.
لكن أمام أحمد، لم يكن سوى ورقة خريف... تقف عكس الريح.

ومع أن باسل لم يُبدِ خوفًا، إلا أن التوتر كان يتسلّل إلى وجوه الحاضرين، كأن قنبلة موقوتة وُضعت تحت الطاولة.

رأى كالفن الخطر المُحدق، فقرر التدخل. بصوته المتزن، قال:

"سيد ميلر، أرجوك. الدكتور باسل لم يقصد سوى اللطف. لقد حاول فقط حماية سارة… لا أكثر."

لكن أحمد لم ينظر إليه.
بل ظلّ يُقلب كأسه بأطراف أصابعه، كما لو كان يُقلّب مصيرًا ما، حياةً ما.

ثم قال، بنفس ابتسامته الشاحبة:

"باسل..."
"من أنت لتشرب نيابةً عنها؟"
"اسمع… لديك فرصة واحدة، لتعود إلى مقعدك دون أن تنكسر رقبتك الاجتماعية. إن فعلت… سأتجاهل

ما حدث."
هكذا أنهى أحمد جملته، لا بنبرة تهديد… بل ببرود من يملك مفاتيح الجحيم، ويقرر متى يفتحه.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1