رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثاني والستون 62 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثاني والستون


وها هي المواجهة تتلوى كأفعى بين أصابع الوقت...
مارينا كانت تراقب، لا كشاهدة، بل كمَن ينتظر الانهيار ليضع قدميه فوق أنقاض الآخر. حدّقت في أحمد وكأنها تُنقّب في قسمات وجهه عن أي صدع يُفضح. لم تُخطئ العينان. لم تكن غيرته على الكأس ولا على جرأة باسل... بل على سارة.

كانت تلك الشرارة القديمة ما تزال تُضرم صدورهم، رغم الرماد، رغم الطلاق.
مارينا شعرت بالمرارة تتصاعد كالدخان من صدرها. ظنّت أن خاتمة العقد بينهم كافية لدفن التاريخ، لكنها اكتشفت متأخرة أن امرأة واحدة قد تُغلق في قلب الرجل ألف باب وتترك شباكًا واحدًا مفتوحًا... تطل منه الذكرى.

لم تكن سارة تُقاوم… لم تكن تتحدى… كانت فقط واقفة.
ووقوفها وحده يكفي لإشعال فتنة.

في المقابل، علق باسل بين الجمر والسيف. صمتت القاعة على أنفاسها. الكراسي لم تَعُد مجرد مقاعد، بل كانت محاكم مؤقتة، والجميع ينتظر حُكم أحمد.

لكن باسل... لم يكن كغيره.

لم يكن شجاعًا فقط.
بل عاشقًا.

الحب حين يأتي متأخرًا لا يقلّ جنونًا عن البرق. حين لمس سارة ذات مرة بالحديث، لم تكن امرأة فقط، بل احتمالًا كان مفقودًا… امرأة تنهض من الرماد وتدّعي الحياة من جديد.

ولأجلها، قرر أن يتجاهل كيانًا مثل

أحمد. أن يقف في وجه الإعصار دون مظلة.
ثبتت نظراته في وجه أحمد، وفي صوته لمعة تحدٍ مغلّفة بالهدوء:

"ليس من شأنك أن تُعلّق على الأمر، سيد ميلر. خطيبتك تقف بجانبك، أليس كذلك؟ فلتُحسن الالتفات إليها. أما سارة... فهي اختياري. وإن قررت البقاء أو الرحيل، فأنا معها."

ثم أضاف كمن يلقي بقنبلته الأخيرة دون أن يرتفع صوته:

"لا تقلق... لن أؤذيها كما فعل زوجها السابق."

ارتجف الهواء.
وحده الصوت المتكسر لكأس سارة وهو يُفرغ على الطاولة، تبعه صوت اصطدام الزجاج بسطح الخشب… ثقيل، جاف، صريح كلكمة.

أمسك بيدها، كأنّه يُطالب بها أمام الجميع، همس لها بكلمات بدت كوصيّة:

"الوقت تأخر… سأعيدكِ إلى المنزل. دعي الباقي لي."

في تلك اللحظة، كانت إيفرلي على وشك التصفيق لبرود أعصاب باسل… لكنها تجمّدت حين رأت سارة.

كانت عيناها قلقتين، ويداها متصلبتين.
تعلم أن كل خطوة تخطوها معه الآن، هي رصاصة تُطلق على عائلة بأكملها.

أحمد لا ينسى. ولا يغفر. ولا يسامح.
والرجل الذي يبتسم عند الغضب... هو أخطر من الرجل الذي يصرخ.

سارة أرادت البقاء، لكنها كانت كمن يُجذب من معصمها إلى خارج الحرب… إلى الهدوء، أو إلى الهاوية. 
ها هي الكلمات تنزف من جرحٍ لا يُرى…
نظرت

إليه، كأنها تستجدي الأمان في عينيه، وعيناها تمطران صمتًا مختلطًا بالخوف.
"باسل، أنت…"
قالتها بنبرةٍ أقرب للرجاء منها للوم، غير أنه ابتسم بوهنٍ يُكابر، وأشار بإصبعه إلى شفتيه، كأن الصمت هو الملجأ الأخير من إعصارٍ آتٍ.
غادرت معه، وقد أغلقَت أبوابها على كل ما تبقّى من نظرات أحمد.
لم تجرؤ على الالتفات، لكنها كانت ما تزال تشعر بذلك اللهيب الغائر في ظهرها، نظرة من خلف جدار الكتمان، نظرة رجلٍ لم يكن يومًا عاديًا.

كانوا قد ابتعدوا قليلًا حين انفجرت هي بكلماتٍ مرتعشة، كأنها تنزف من حلقها:

"ما كان يجب عليك معارضته أمامهم جميعًا… باسل، أنت لا تعرف من هو…"
ترددت للحظة، ثم تابعت بلهجة راجفة:
"تذكر حين نجوت من حادث السيارة؟ أحمد ليس فقط قويًا، بل هو ظلٌّ طويلٌ إذا انكسر على أحد، كسره."

أرادت أن تخبره... لكنها لم تجد الحروف.
أرادت أن تقول إن جسدها لا يقوى على حمل الحب مرتين، وإن قلبها قد أنهكه العيش في قفصٍ تُغذيه نظرات السيطرة.

لكن باسل، بعينيه الطيبتين، أمسك يدها الأخرى، ضاغطًا برفق، كأنّ دفء كفه دواءٌ للذعر الذي يسكن جسدها.

"سارة، أنا بالغ. أعرف مع من أتعامل."
"أعرف أن أحمد متقلّب... لكنني لا أراه مستبِدًّا. إذا أراد

الانتقام، فليوجّه ضرباته لي، لا لعائلتي. لقد حسبت خطواتي قبل أن أدعوكِ للخروج."
كلماته كانت ناعمة كالمطر، لكنها لم تغسل قلقها... بل عمّقته.

كانت تريد أن تصرخ:
"أنت لا تعرفه… هذا الرجل لا يكتفي بالضرب، بل يختار توقيته كقاتلٍ محترف. يفتك بك حين تنسى أنك أخطأت لقد نجوت من حادث السيارة بأعجوبة…. حاحادث دبره هو

لم تَقُل، لكن ذاكرتها انفجرت كمصباحٍ احترق من الداخل.
عادت إلى المشهد الذي حَفَر في قلبها رعبًا لا يُمحى.

طالبٌ ساذج، لا يعرف أن الاقتراب منها كان بمثابة العبث بلغمٍ مُعدّ للانفجار.

في اليوم التالي، سقط من مبنى الجامعة كدميةٍ سُحبت منها الروح.
قالوا إنه سكران... قالوا إنه انزلق… لكنها كانت تعلم. كانت "تخاف أن تعلم"، لكنها كانت تعلم.

ثم جاءت عائلته.
لم يكتفوا بالحزن. بل جعلوها هدفًا لسخطهم.
صفعتها أمه أمام الجميع، وانهالت عليها الأقاويل كحجارة في ساحةٍ مهجورة.

بعدها بأيام، اختفى بيت العائلة. لم يعد له وجود سوى في السجلات. اشتعل فجأة، كأن أحدهم نَفَخ في النار، فابتلعتهم دفعةً واحدة.

كان يمكن للقدر أن يكون غامضًا...
لكنها رأته، رأته حقًّا ذات فجرٍ شاحب، وهو يُنثر رمادًا في حديقة منزله.
تقدّمت، خائفة من أن

تعرف، فتأكدت…
لم تكن مجرد مصادفة.
كان الرماد إنسانًا. كان العائلة كلها.
وكان هو… أحمد.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1