رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثالث والستون 63 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثالث والستون


كانت تعرفه كما يُعرف البحر من صدى الغرقى… أحمد، الذي تظاهر بالرحيل، لكنه ترك ظلّه معلقًا في الهواء.
ورغم مرور الوقت، لم يكن طلاقهما طوق نجاة بقدر ما كان خيطًا شفافًا يربط رقبتها برغباته الغائرة.
كان آل سارة محظوظين؛ خرجوا من عاصفة أحمد بخسارة مالية لا بفناء….
لكن باسل؟ لا يبدو أن الحظ سيقع عليه بنفس اللطف.

هزّت سارة رأسها، وكأنها تحاول ضحر الفكرة من رأسها:

**"لا، باسل… الأمر ليس كما تظن. لا يجب أن تضع نفسك وسط هذه الفوضى."**

لم تكد تكمل جملتها، حتى امتدت يد الزمن سريعًا وسحبها خارج القاعة.

في خضم العجلة، نسيَت سترتها. لم تكن تنتبه للبرد حتى ألقى هو سترته عليها بيده التي أمسكَت كتفيها كأنها تحاول تثبيتها في عالمٍ بدأ يتهاوى.

**"سارة، أعلم أنه حطّم شيئًا داخلك... لكني لا أطلب منكِ حبًّا، بل فقط فرصة لأرعى ما تبقّى منكِ، حتى لو كصديق، حتى لو لأيام معدودة فقط… دَعيني فقط أكون لكِ دفئًا، لا عبئًا."**

كانت عيناه صادقتين كدعاء وصوته يقطر لطفًا، لكنها شعرت بالثقل في صدرها يزداد.

**"باسل... أعلم أن نيتك صافية، لكنك لا تعرف مَن تتحدّى..."**

وقبل

أن تكمل اجتاح البرد الأجواء حين تجمد الهواء بصوتٍ مألوف جاءها من الطرف المظلم للحضور.
كان أحمد هناك واقفًا كأيقونة من حجر وعيناه تُطلقان سهامًا من جحيم:

**"تعالوا إلى هنا."**

قالها ببرودٍ يقطر امتلاكًا وكأن الطلاق لم يكن سوى مسرحية هزلية انتهت ستارتها بينما لم ينتهِ دور المخرج بعد.

نظر باسل إلى سارة ثم وقف حائلًا بينها وبين ذلك الصوت.

**"سيد ميلر، لقد انفصلتما. دعها تجد سلامها بعيدًا عنك."**

لكن أحمد لم يرد عليه بل نظر مباشرة إلى السترة التي تغطيها وأعاد الجملة، بلا نبرة، بلا عاطفة:

**"اخلعيها… وتعالي."**

تكلّم كأنه يُصدر أمرًا لحيوانٍ أليفٍ عصيّ لا لامرأةٍ كانت يومًا زوجته، ومَن يعرفه يعرف أن كلماته ليست مزاحًا.

كان التهديد الذي أطلقه أثناء العشاء لا يزال طازجًا في ذهنها كصفعةٍ لم تبرد بعد.
فهو لا يهدد كغيره… إنه يعد.

نظرت إلى باسل ثم عضّت على شفتيها بحرج وهي تُزيح السترة عن جسدها وتعيدها إليه.

**"طلبتُ منك ألا تتدخل في شؤوني."**

ارتبك باسل كمن دُفع من قمة جبل وهو لا يفهم لمَ السقوط.

**"لكن… أنتما منفصلان!"**

لم تُجبه فقط أعادت له سترته

كأنها تعيد إليه طُهر نيةٍ لا تستحق السقوط، وقالت بصوت خافت:
**"أخبرتك مسبقًا… لستُ مناسبةً لك، فلا تضيّع وقتك في إصلاحي."**

لكنّه كآخر شعلة أمل أمسك بمعصمها:

**"سارة، دعيني أساعدكِ، فقط…"**

ولم تُكمل العبارة حتى تردد صوت كالسيف حين يخرج من غمده:

**"برنت، اقطع يديه."**

خرج الرجل كظلٍ ثقيل من زوايا القاعة، يتقدم بهدوء قاتل، وعيناه تلتقطان أمر سيده بامتثال.

رأت سارة النهاية تتشكّل فتحركت.

صافحت باسل سريعًا ثم وقفت كدرعٍ بينه وبين الغضب.

**"أحمد، إن آذيته، سأعوضه بنفسي… بحياتي إن لزم الأمر. لقد قلتُ مرارًا إنه لا علاقة له بي. فلمَ لا تصدقني؟"**

لم يقل أحمد شيئًا لكنه رفع ذقنه بغرورٍ، عابس، وابتسم كما يبتسم الجلاد حين يتردد ضمير الضحية.

وحين لم تجد مخرجًا من المتاهة اقتربت منه فمد سترته ووضعها على كتفيها بعنفٍ ناعم يلفّها بها كقيدٍ أنيق. شعرت وكأنها سُجنت… لا بمرسوم، بل بنظرة فعلى ما يبدو أن الطلاق لم يكن إطلاقًا بل كان مجرد إعادة ترتيب للقيود.

تراخت ذراعا باسل إلى جانبيه، كأنما أُفرغ الهواء من رئتيه دفعة واحدة. انكفأ صوته على صدره حين حاول الحديث،

لكن شيئًا ما في نظرات أحمد أربكه، ومع ذلك نطق، وإن بخيط واهٍ من الجرأة:
**"سيد ميلر... لا أفهم هوسك بسارة، لا أظن أن لديها وقت كي..."**

لكن الكلمات لم تُكمل طريقها إذ قاطعته سارة بصوت واهٍ يشبه الاستغاثة لكنه مغلف بستار من التماسك الزائف:

**"باسل... حان وقت العودة إلى المنزل."**

قالتها كمن يربت على كتف الحياة القديمة لتذهب في حال سبيلها وكأنها تدفعه للخروج من متاهة لم يُخلق لها باب.

وقبل أن يغادر، وقف بينهما لحظة.
تأملها، ثم نظر إلى أحمد، لا بخوف، بل بحزن مُبطّن بسخط:

**"أيًّا يكن ما بينكما... عاملها بلطف. كُفّ عن تمزيقها بهذا الصمت وهذا التملك المقنّع."**

ثم استدا، يترك وراءه غبار معركة لم تُعلن بعد.

ولمّا ابتعد التفت أحمد إليها ببطءٍ كأنما يُزيح جدارًا صلد. 
رفع ذقنها بأطراف أصابعه، بنظرة لا تحمل حنانًا ولا قسوة، فقط برودًا قاتلًا يشبه سكون ما قبل العاصفة.

**"ماذا كان يُحاول إخباري؟"**
همس لكن صوته كان كالسوط.

ثم نظر إلى عينيها طويلًا كأنما يحاول اقتلاع الحقيقة من أعماقها دون أن تُقال.

**"ما الذي يحدث لكِ، سارة؟"**

كان السؤال أبعد ما

يكون عن الفضول
كان أشبه بجملة اتهام مغلفة بورق مخملي.
سؤال قادم من رجل لم يعتد الخسارة… ولا الغفران.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1