رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السابع والستون 67 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السابع والستون


أرخى أحمد قبضته عنها كما لو أنه يحررها من قيد وهمي، أو يخلّي بين يدٍ وجمرة لم يعد يحتمل حرارتها. صوته خرج خافتًا، كأنما نُحت من حجرٍ بارد:

**"سارة... تذكّري جيّدًا عقاب هذا اليوم."**

كلماتُه، وإن نُطِقت بهدوء، كانت كالسياط تلتف حول قلبها. فتحت شفتيها المرتجفتين لتصرخ من الأعماق، لا من الحنجرة:

**"أحمد... أرجوك! إن كنت غاضبًا، فتعال إليّ... لا تمسّ عائلة روجرز! أرجوك، فك قيدي، لا تتركني هنا... وحدي! أنا... خائفة. أحمد، أطفئ الماء... البرد يتسلّل إليّ، وأنا لا أقوى على المرض الآن!"**

لكن الصدى كان الرد الوحيد.

سمعت وقع خطواته يبتعد، ثم صوت الباب وهو يُغلق خلفه بإحكام، وكأنه يغلق عليها بابًا إلى عالمٍ آخر... أكثر برودة من الماء المتساقط على جلدها .

**"لا... لا تتركني وحدي! لقد أخطأتُ، عاقبني كما تشاء، فقط لا تتركني هنا! أرجوك، دعني أخرج... سأصغي إليك، سأفعل ما تطلبه... لا... لا تطفئ الأنوار! العتمة تخيفني!"**

كانت توسلاتها تتسلّق جدران الحمّام كأشباحٍ تبحث عن مخرج، عن نور، عن قلبٍ يصغي. وللحظة... فقط للحظة، كادت تلك الرجفة في صوتها أن تعلن عن تردده. شيء داخله تأرجح، لكنه كان وهماً عابرًا

كحلمٍ يتبدد على عتبة اليقظة.
بدّل ملابسه ببطءٍ متعمّد، كأنما يرتدي قناعًا جديدًا على وجهٍ أنهكته العواصف. زيٌ أنيق، ملامح مشدودة، وخطى محسوبة... خرج إلى الردهة حيث كانت مارينا تنتظره هناك بقلقٍ مخبوء خلف عيونٍ متيقظة.

ابتسمت فور أن رأته دون سارة وكأنها وجدت مفقودها في عتمة الليل:

**"أحمد... كنت أبحث عنك في كل مكان!"**

ردّ ببرودٍ لا يتناسب مع دفء جسده الرطب قبل لحظات:

**"كنت في الحمّام. لماذا؟"**
كتم انفعاله بمهارة محترف، كمن اعتاد ارتداء الوجوه كما يرتدي معطفه.

حاولت أن تُمسك بذراعه، أن تشعره بأنها قريبة... لكنه تخلّص من لمستها برفقٍ حاد، وقال:

**"لديّ موعد هذا المساء. دعي السائق يعيدكِ بعد انتهاء الحفل."**

قالت وهي تبتلع مرارتها:

**"حسنًا. فقط... عد باكرًا."**

كانت تعرف أنها لا تملك سوى قناع الحبيبة المُتفهّمة بعدما أدار ظهره لطلبها الصغير باتت مضطرة أن تلعب دور رفيقة الروح لتنال اعترافًا كان من المفترض أن يُمنح دون استجداء.

**"سلام."**
كلمة وحيدة نطقها ورحل.

وما إن اختفى أثره حتى جفّت ابتسامتها فجأة كما تجفّ زهرة اصطناعية لا روح فيها. عيناها الرماديتان لاحقتا تفاصيل مظهره الجديد…

وهي تتسائل:
هل

بدّل ثيابه من أجل سهرة خطوبة سيحضرها لاحقًا؟ أم من أجل امرأة تُحتجز في الظل وتُجلد بالخذلان... تُدعى سارة؟
"مرحبًا... تنحّي عن طريقي، رجاءً!"
نطقت بها "إيفيرلي" بصوتٍ لاذعٍ لا يخلو من الحدة، بينما كانت تتقدّم بخفة الفراشات المتغطرسة، حذاؤها ذو الكعب العالي ينقر على الأرض كأنّه إعلان حرب. وبدون أن تبطئ، اصطدمت بمارينا كما لو كانت تصطدم ببابٍ زجاجي شفاف لا يعترف بوجوده أحد.

**"إيفيرلي هيلتون!"**
نطقت مارينا باسمها كما يُنطق التحذير قبل العاصفة.

لكن "إيفيرلي" لم تُعرها التفاتًا، اكتفت بابتسامة مشوبة بالاستخفاف وهمست ببرود:

**"يا إلهي... لم أرَكِ أبدًا. غريب!"**

كانت كلماتها أشبه بصفعةٍ مغمّسة بالعطر السام. نظراتها تحلّق حول المكان كأنها لا ترى أحدًا سوى مرآتها الداخلية. ارتجفت "مارينا" من جرأة تلك النبرة، كانت تشعر بنيران الغيظ تتجمّع في صدرها كبركانٍ يتهيأ للانفجار. لكنها لم تلبث أن شعرت بيدٍ تمسك بذراعها وتشدّها إلى الوراء، أحد الحضور أنقذ اللحظة من الاشتعال، وسحبها بهدوءٍ مُريب إلى الخلف.

**المكان...**
كأنّ الزمن توقف هناك، في تلك البقعة التي تشبعت بالهمسات والعيون والموسيقى الخافتة، و"إيفيرلي"

وحدها كانت تسير فيه كما تشاء، كأنها البطلة الوحيدة في مشهدٍ كُتب لها وحدها.
في ركنٍ آخر من المساء، كانت "إيفيرلي" منهمكة في الاتصال بـ"سارة". مكالمات متتابعة كالرصاص... واحدة تلو الأخرى، تُرسلها كمن يُلقي بقوارب ورقية في بحرٍ هائج، على أمل أن يُجيبه صوتٌ مألوف، أو يُفتح له باب القيل والقال.

لكن الهاتف ظل صامتًا... موحشًا كقبرٍ مهجور.

لم يُجب أحد.

بدأ القلق ينسلّ إلى صدرها خلسة، كالدخان يتسلل من أسفل الباب المغلق. تذكّرت فجأةً تلك النظرات التي كان "أحمد" يرمق بها "سارة"، كيف كانت تتكرر، كيف كان يطاردها كمن يطارد ظلّه، وكيف كان "باسل" نقطة الاحتراق في هذا المثلث المعقّد. شعرت بشيء ثقيل يسكن صدرها، شيء كالعتمة في منتصف الظهر.

اتصلت مجددًا... لا رد.

همست بشراسةٍ تتقطر من بين أسنانها:

**"أحمد... أيها الوغد! ما الذي يحدث بحقّ الجحيم؟!"**

ولم تكن تعلم أن الجواب كان يختبئ خلفها مباشرة.

**"هل تبحثين عني؟"**
صوتٌ رجولي خرج من العدم، باردًا حدّ التجمد، لدرجة أنها شعرت وكأن الهواء من حولها قد تجمّد للحظة. شهقت.

استدارت ببطءٍ، وكأنها تفتح باب كابوس.

كان هو... يقف تحت شجرةٍ عتيقة، نصفه غارق في الظلّ، والنصف

الآخر تضيئه ومضةٌ خافتة من ولاعةٍ فضية، لمعت لتشعل سيجارة بين أصابعه.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1