رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل التاسع والستون 69 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل التاسع والستون

وأخيرا... بدا وكأن أحمد صدق رواية إيفيرلي. أو ربما لم يصدقها بالكامل بل فقط شعر بأنها لم تجرؤ على الكذب... لا عليه بل على نظراته.
هل كانت مريضة قبل ذلك
سأل بصوت كتمت فيه الشكوك لكنه كان كمن ينكش طبقة من الغبار فوق ذاكرة نائمة.
أجابت وصوتها يحمل ما يكفي من الندم المموه
نعم... كنت أمر بانفصال سخيف مع شخص لا يستحق حتى أن أطلق عليه لقب حبيب... لذا لم أكن قادرة على ملاحظة ما تمر به. الحمد لله أن باسل كان موجودا تولى إعداد الطعام لها... ورعاها.
كانت تلك الجملة تحمل نصف اعتراف ونصف هروب. أرادت أن تخبر أحمد بكل شيء أن تفك شفرة ما تخبئه سارة أن ترمي الحقيبة الثقيلة عن صدرها... لكنها خاڤت. خاڤت أن تفتح الباب على مصير لا تحسن إغلاقه.
كانت سارة نفسها لا تستطيع أن تسمي علاقتها بأحمد فكيف لها أن تشرحها هي
لماذا كانت مريضة
سأله وهو يحدق بها كما يحدق طبيب في أشعة لا تروي القصة كاملة.
دق قلبها بقوة وكأن الكلمات التي تهم أن تنطق بها لا تخرج من فمها بل من صمام في صدرها أوشك أن ينفجر.
لكنها حافظت على توازن هش وقالت
إنفلونزا... لا أكثر.
رفع حاجبه كأنه يعيد تركيب اللغز ثم عاد يسأل
مجرد إنفلونزا
نظرت إليه بثبات مزيف تثبت بقناع الثقة فوق وجهها المرتعش
وماذا يمكن أن يكون غير ذلك سارة لطالما كانت قوية... بصحة جيدة. جسدها عنيد مثل قلبها.
لم يعلق لكنه أومأ برأسه بخفة وكأن شيئا في داخله أراد أن يصدق.
ربما استنتج أن سارة استخدمت مرضها درعا هشا أمام

الطلاق نوعا من المناورة العاطفية لكسب تعاطف لا تريد الاعتراف بحاجتها إليه.
أنهى الحوار دون أن يمنحها خاتمة واضحة فقط نطق بجملة مبهمة كانت تحمل أكثر مما يبدو
إن كنت مهتمة... يمكنك التوجه إلى برج شركة ميلر العقارية غدا صباحا.
ارتفعت عيناها كمن شعل قلبه فجأة. ذلك البرج! إنها تعرفه... يعرفه الجميع. أحمد بروبرتي جروب... قلب الإمبراطورية العقارية والبوابة الخلفية لفرص يصعب لمسها.
لا أستطيع شكرك بما فيه الكفاية سيد ميلر. أنت الأفضل!
قالتها والفرحة تختلط في صوتها برهبة من أنه يمنحها شيئا دون مقابل واضح.
ابتعد بخطاه المعتادة... التي لا تخبرك إن كانت نهاية أم بداية.
لكن فجأة لمعت فكرة في عقلها كالبرق فركضت خلفه بخوف فطري
سيد ميلر! هل... هل قابلت سارة الليلة لا أستطيع الوصول إليها... هاتفها مغلق.
استدار ببطء لا يخلو من دلالة وقال ببرود لاذع
وماذا تعتقدين
كانت إجابته تحمل كل شيء... إلا الحقيقة.
توقفت حكت رأسها بحرج وأدركت سخافة سؤالها. كيف يسأل أحد أحمد إن كان قد التقى سارة بينما يقف أمامها الآن... هو بكل ثقله وغموضه وبقاياه العالقة بها.
أوه... تجاهل سؤالي. كان غبيا. أنا فقط... قلقة.
لم يجب.
اكتفى بأن يدير وجهه عنها كأنها صفحة قرأها ولم يجد فيها ما يستحق أن يقتبس.
وما إن ظنت أنه رحل حتى استجمعت آخر ما تبقى في قلبها من شجاعة وصړخت خلفه بصوت مشوب برجفة صادقة
سيد ميلر... أرجوك إن كنت لا تزال تحبها فكن لطيفا معها... لا تؤذها أكثر. سارة ما زالت
تهتم لأمرك حتى لو لم تقل ذلك.
توقفت الريح لحظة كأن كلماتها اخترقت الهواء وعلقت بين ظلال الأشجار تبحث عن موطئ قدم في قلب لا يمنح أحدا حق الدخول.
لم يقل شيئا... لكن صمته حمل أكثر من ألف احتمال.
وهي بقيت واقفة في مكانها تتمتم بأمنية لا تملك سواها
أن تعيش سارة أيامها القادمة دون ۏجع... دون ندم... دون أحمد أو ربما... بظله فقط.
شعرت ايفرلي  بانفراجة في صدرها كأن ثقلا كان يعتصر ضلوعها قد تناثر في الهواء حين أدركت أن أحمد ليس برفقة سارة... كأن الريبة التي كانت تزحف تحت جلدها قد انكمشت وانسحبت في الظل. أقنعت نفسها أن سارة ربما اكتفت بالصمت ووضعت هاتفها على الوضع الصامت في طريق عودتها إلى المنزل مع باسل تهرب من العالم كما يهرب الحالم من ضوضاء الفجر.
لكنها لم تكن تعلم أن سارة... كانت آنذاك سجينة غرفة بلا شباك محاصرة في زاوية منسية من جدران باردة أغلق أحمد أنفاسها حين أطفأ الضوء وغادر. تركها في حمام يغرق في السكون كما يغرق الغريق في قاع البحر... سكون كثيف يشبه الظلمة حين تطبق على القلب لا على العين.
في الماضي لم تكن سارة تعرف للخوف اسما. كانت تمشي بثقة من لا يرى الأشباح. لكن بعد تلك الليلة... الليلة التي ابتلعها فيها الماء كأنها ذنب قديم تشققت روحها. رأته يرحل... نعم رأته يسير مبتعدا مع مارينا بينما هي... ټغرق لا في الماء فقط بل في خيانة لم تجد لها تفسيرا. كانت يداها تحميان بطنها تحاول أن تبقي ذلك الكائن الصغير حيا رغم أنها لم تكن متأكدة
إن كانت لا تزال حية بدورها.
وحين استعادت وعيها فتحت عينيها على نور حاد كالسيف في غرفة باردة برائحة المعقمات كل شيء فيها ېصرخ بالبياض... وهناك في تلك اللحظة التي لا تشبه الزمن ڼزف جسدها الوليد الذي لم يولد وانفصل عنها طفلها كما تنفصل الروح عن الجسد عند آخر نفس.
منذ ذلك الحين صار للظلام نصل وللضوء وخز. لم تعد تثق بالعتمة ولا تأمن الوميض. أصبحت تخشى النقيضين معا وكأنهما اتفقا على نهشها بالتناوب.
وفي تلك الليلة داخل الحمام الموحش بدأ الماء البارد يتسلل ببطء يلامس قدميها كأصابع شبح تعرفه. لم يكن بعمق يكفي ليغرقها لكنه كان كافيا ليستدعي أشباح الذاكرة من قيعانها... استحضرت صوت صړاخها القديم لهاثها ذلك الألم الخام الذي لا ينسى.
تعلقت بعينيها في السقف المظلم تهتف بصوت اختنق قبل أن يصل شفتيها كانت تتوسل تهمس تنادي
أي قلب عابر أي صدى رحيم. أرادت أن يفتح أحدهم الباب أن يدخل الضوء أن يعيدها إلى الحياة.
لكن العزل الصوتي في الطابق الثامن والثلاثين كان كصندوق زجاجي في أعماق المحيط لا يدخل إليه صوت ولا يخرج منه أمل. لم يكن المكان فقط هو ما يعيد السيناريو الکابوسي بل الشعور ذاته... نفس القسۏة نفس الخذلان نفس الوحدة.
كأنها كانت تعيش لحظة محنطة مكررة ملبدة بما تبقى من خۏفها القديم... لحظة معلقة بين الماء والظلام بين النسيان والنداء.
ولا أحد... لا أحد يسمع.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1